الـمـراقبـــة

وسـارعوا إليـه

العمـاليــق

 

الـمـراقبــة

لا يخلو إنسان ما من مراقبة شيء فمن الناس الناظر والمراقب لماله.. ومنهم الناظر المراقب للنساء ومن الناس الناظر المراقب لحرفته وصحته ومنهم على الطرف الآخر الناظر والمراقب للخير ولسير الصحابة والناظر المراقب للنبي صلى الله عليه وسلم في أحواله.

النظر الذي قد يؤدي بالإنسان إلى الهلاك والنار

خرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وأحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم وابن جرير وابن المنذر وابن مردوية والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال: ما رأيت شيئاً أشبه باللمم مما قال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة، فزنا العين النظر، وزنا اللسان النطق، والنفس تمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه). وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن مسعود في قوله (إلا اللمم) قال: زنا العينين النظر، وزنا الشفتين التقبيل، وزنا اليدين البطش، وزنا الرجلين المشي، ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه، فإن تقدم بفرجه كان زانياً وإلا فهو اللمم.كما أن النظر بعين الحسد إلى الآخرين يؤدي إلى أن تأكل النار حسنات الحاسد مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم (إن الحسد ليأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب). أخرجه ابن أبي شيبة عن أنس رضي الله عنه والحاسد عدوّ لنعم الله متسخط لقضائه.

النظر الذي قد يؤدي بالإنسان إلى الجنة

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خمس من العبادة: النظر إلى المصحف، والنظر إلى الكعبة، والنظر إلى الوالدين، والنظر في زمزم- وهي تحط الخطايا-، والنظر في وجه العالم (الجامع الصغير للإمام السيوطي، الدارقطني في السنن. والنسائي).

قال الإمام المناوي عند شرحه لهذا الحديث في كتابه فيض القدير شرح الجامع الصغير ما نصه: خمس من العبادة النظر إلى المصحف (للقراءة فيه) والنظر إلى الكعبة والنظر إلى الوالدين (أي الأصلين مع الاجتماع أو الافتراق) والنظر في زمزم (أي بئر زمزم أو إلى مائها) وهي (أي زمزم) تحط الخطايا أي يكون النظر إلى ذلك مكفراً للذنوب والنظر في وجه العالم (العامل بما علم والمراد العلم الشرعي) قال الحرالي: ويقصد الناظر التقرب إلى الله برؤيته فإن في التقرب إلى الله برؤية العلماء الأعيان وعباد الرحمن سر من أسرار العيان.

لمن تكون المراقبة؟

ويؤكّد هذا ما قاله الإمام السمرقندي رضي اللَّه تعالى عنه(تنبيه الغافلين لإمام السمرقندي) لو لم يكن لحضور مجلس العلم منفعة سوى النظر إلى وجه العالم لكان الواجب على العاقل أن يرغب فيه، فكيف وقد أقام النبي صلى اللَّه عليه وسلم العالم مقام نفسه فقال من زار عالماً فكأنما زارني، ومن صافح عالماً فكأنما صافحني، ومن جالس عالماً كأنما جالسني، ومن جالسني في الدنيا أجلسه اللَّه معي يوم القيامة في الجنة''

وللحديث بقية

 

وسـارعوا إليـه

اعلم أن زيارة قبره الشريف صلى الله عليه وسلم من أعظم القربات وأرجى الطاعات والسبيل إلى أعلى الدرجات، ومن اعتقد غير هذا فقد انخلع من ربقة الإسلام وخالف الله ورسوله وجماعة العلماء الأعلام، قال القاضى عياض انها سنة من سنن المسلمين مجمع عليها وفضيلة مرغب فيها، فقد روى الدارقطنى من حديث ابن عمر رضى الله عنهما أن رسول الله قال: (من زار قبرى وجبت له شفاعتى) وروى الطبرانى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (من جاءنى زائرا لا تعمله حاجة إلا زيارتى كان حقا عليَّ أن أكون شفيعا له يوم القيامة) وصححه ابن السكن وفى الأحياء قال : (من وجد سعة ولم يفد إلي فقد جفانى) وقد ورد عن عمر بن عبد العزيز أنه كان يبرد البريد للسلام على النبى صلى الله عليه وسلم ومعنى يبرد يرسل البريد بالرسول المستعجل، وينبغى لمن أراد زيارته صلى الله عليه وسلم أن يكثر من الصلاة والتسليم عليه فى طريقه، فإذا وقع بصره على معالم المدينة الشريفة وما تعرف به فليردد الصلاة عليه والتسليم ويسأل الله أن ينفعه بزيارته ويسعده بها فى الدارين وليغتسل وليلبس النظيف من ثيابه وليترجل ماشيا باكي.

لما رأى وفد عبد القيس رسول الله صلى الله عليه وسلم ألقوا أنفسهم من رواحلهم ولم ينيخوها وسارعوا إليه فلم ينكر ذلك عليهم صلوات الله وسلامه عليه.

يقول الشيخ محمد عثمان عبده البرهانى :

وإلى رسـول الله شـد رحالنا       نهفو إليه وفـى الصدور حنين

(قل هذه) أدعو إليه على هدى           وبصـيرة لو يــكره المفتون

إن الشفاعة للكرام. وغـيرهم        بانت عـليه ومـاله تـمكين

تاريخ المدينـة المنـورة

العمـاليــق


البقيع - المدينة المنورة

أطلق اسم العماليق على قبائل قديمة انقرضت. وقد أوردت بعض الكتب أخباراً عنهم تمتزج بالأساطير، فاسمهم يوحي إلى الأذهان بضخامة أجسامهم، وقد دفع هذا الإيحاء بعض الرواة إلى المبالغة والتهويل، فنقل لنا السمهودي رواية تزعم أن ضبعاً وأولادها وجدت رابضة في تجويف عين رجل ميت من العماليق، وأنه كانت تمضي أربعمائة سنة لا يموت منهم أحد، ولا شك أن هذه الرواية وأمثالها من صنع قصاصين يحرصون على استثارة جمهورهم بالخوارق والعجائب. وبعيداً عن تلك المبالغات، فإن كلمة عملاق في اللغة تعني الطويل، ويبدو أن تلك القبائل كانت تتميز بشيء من الطول والجسامة، ويرى بعض المؤرخين الحديثين أن سكان الجزيرة العربية كانوا حتى عام 1600 قبل الهجرة ضخاماً، وبقي لهم أحفاد إلى ما بعد ذلك وعرفوا بهذا الاسم، وإن لم يكونوا يحملون ذلك القدر من الطول ولا يعمرون ما يعمربه أسلافهم. والعماليق في كتب التاريخ العربية من أحفاد عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح، كانوا يسكنون مع الأحفاد الآخرين لنوح في منطقة الرافدين ثم خرجوا مع مجموعات أخرى، وتكاثر أحفاد نوح حتى زاحم بعضهم بعض. وصل العماليق إلى الجزيرة العربية وانتشروا في أنحائها، وسكنت قبائلهم الكثيرة في نجد والبحرين وعمان واليمن وتهامة وبلغوا أطراف بلاد الشام، وكان منهم فراعنة مصر أيضاً، ويذكر الطبري أن الذين سكنوا يثرب منهم هم من  قبيلة جاسم، ويذكر ابن خلدون قبائل أخرى هي: بنو لَفٍّ وبنو سعد بن هزال، وبنو مطر، وبنو الأزرق. ولا نعرف متى استوطن العماليق في يثرب على وجه التحديد، وربما نزلوها بعد خروجهم من أرض الرافدين. وقد اختلف المؤرخون هل هم الذين أسسوا يثرب أم قبيلة عبيل؟ وهل انتزعوها منهم؟ وهناك من يعتقد أن العماليق هم من عبيل نفسه. والذي يتفقون عليه هو أن وجود العماليق قديم في يثرب سواء في فترة التأسيس أو بعدها مباشرة. ومن المؤكد أن العماليق وجدوا في يثرب قديماً، وأنهم عرب. ويرى الطبري أن جدهم عمليق هو أول من تكلم العربية. كما أن أسفار التوراة ذكرتهم عدة مرات وسمتهم باسمهم العماليق حيناً وباسم الجبارين حيناً آخر.  وذكرت أسماء بعض زعمائهم ومدنهم العربية، فقد عاصروا خروج بني إسرائيل من مصر، واصطدموا معهم في معارك عدة بمنطقة سيناء. وقد أنشأ العماليق في يثرب مجتمعاً زراعياً ناجحاً يحقق الاكتفاء الذاتي وانهمكوا في زراعة أراضيهم الخصبة وتربية ماشيتهم، وعاشوا حياتهم مستمتعين بوفرة محاصيلهم أول الأمر، وعندما نمت التجارة أسهموا فيها، ووصلت قوافلهم إلى غزة، ولكن تجارتهم بقيت محدودة لا تعادل تجارة أهل مكة، وآثروا عليها الزراعة بسبب خصب أراضيهم وكثرة  مياههم. وقد درّت عليهم أعمالهم الناجحة أموالاً طائلة. وخافوا من عدوان القبائل الأخرى التي تجدب أرضهم وتشح   مواردهم فبنوا الآطام، وهي حصون صغيرة تتسع لعائلة أو بضع عائلات وتحميهم من غارات الأعداء. وقد عمر العماليق في يثرب ما شاء الله، ثم وفدت عليهم قبائل أخرى ساكنتهم، فالوفرة التي وصل إليها العماليق جعلتهم يقبلون مساكنة الوافدين إليهم ليستفيدوا من العمالة الطارئة، فيخفف عنهم القادمون أعباء العمل في الأرض، ويجد أصحاب الأرض فرصة للتمتع بثرواتهم وما لبث الوافدون أن استثمروا بعض الأراضي التي لم يستثمرها العماليق في المنطقة، وتحولوا إلى ملاّك وأثروا وجاوروا العماليق في حياتهم. وخلال رحلة السنين الطويلة، حصل تزاوج وتمازج بين العماليق والقبائل الوافدة، وظهرت أجيال جديدة تحمل دماءً مختلطة، وما لبث العماليق المتميزون بضخامة الأجسام أن قل عددهم تدريجياً، ولكنهم لم ينقرضوا تماماً، بل بقيت منهم بقية إلى ما بعد وصول اليهود إلى يثرب ويذكر المؤرخ العربي ابن زبالة أن بني أنيف ـ وهم حي أقاموا مع اليهود قبل وصول الأوس والخـزرج ـ كانوا منهم. وعندما وصل الإسلام إلى (يثرب) لم يكن قد بقي منهم إلا أفراد قلائل تميزوا بطول القامة.