حقوق الجوار في الإسلام

من وحي علموا عني - 8

بالحقائق ناطقين

 

حقوق الجوار في الإسلام

روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم لأنه قال : (أتدرون ما حق الجار؟ إن استعان بك أعنته. وإن استنصرك نصرته. وإن استقرضك أقرضته. وإن افتقر عدت عليه. وإن مرض عدته. وإن مات تبعت جنازته. وإن أصابه خير هنأته. وإن أصابته مصيبة عزيته. ولا تستطل عليه بالبناء فتحجب عنه الريح إلا بإذنه. ولا تؤذه. وإذا اشتريت فاكهة فأهد له. فإن لم تفعل فأدخلها سراً ولا يخرج بها ولدك ليغيظ بها ولده. ولا تؤذه بقثار قدرك إلا أن تغرف له منه. ثم قال : أتدرون ما حق الجار ؟ والذي نفسي بيده لا يبلغ حق الجار إلا من رحمه الله).

إن هذا حديث جامع في حقوق الجوار لم يترك صغيرة ولا كبيرة منها إلا أحصاه. فلعل من الناس من يخيل إليه قياساً على حالة أهل المدينة اليوم أن هذه الحقوق لا تتفق والحياة الاجتماعية الراهنة. وهو وهم باطل. فإن هذه الحقوق طبيعية يؤدي إليها العقل لو ترك وشأنه. وتقضي بها الانسانية لو تجردت من شبح الحيوانية. وأثرة البهيمية فإليك بيان ذلك خصلة :

أمن علو الهمة التي يجب أن يتحلى بها كل رجل أن يستعين بك جار لك على أمر نزل به فتأبى عليه الإعانة ؟، وأن يستنصرك على لص طرقه أو حيوان ضار داهمه فتوليه ظهرك وتدعه فريسة لما نابه؟. وأن يستقرضك دريهمات يستعين بها على شأن من شئونه فتضن بها عليه؟. وأن يفتقر ويجوع أهله فلا تمده بمعونة؟. وأن يمرض ويحتاج للمواساة فلا تعوده؟. وأن يموت فتبخل عليه بخطوات قليلة؟. وأن يناله ما يفرحه فلا تهنئه بكلمة ؟، وأن يصاب بنازلة فتترفع عن تعزيته ؟، وأن تستطيل عليه في البناء لتحجب عنه الهواء والشمس. وأن تؤذيه فلا ترفع بتضرره وزنا؟. وأنت تخص أهلك بالطيبات من الرزق ولا تبالي به وبأولاده الصغار فلا تشركهم معك؟. ثم لا يكفيك أن تعد هذا تقصيراً فتتلمس له حجة من مقتضيات الحياة العصرية ؟، هل الحياة العصرية لا تستقيم إلا إذا كان قوامها التقاطع وغلظ الكبد. والشح المطاع. وجمود القلب وقلة الانسانية ؟

كان الأولى بك أن تقول : إن الحياة العصرية قد جهلت هذه الواجبات الأولية فوقعت في شر ما تجنيه الجماعات على نفسه. وهو حقد الفقراء على الأغنياء. وحسد المحرومين للموهوبين. وتوقع بعض الناس دوائر السوء ببعض. واختمار الثورة في نفوس أهل الفاقة على قلب النظام العام. وهذه العلل كلها تشكو منها أوروبا المتمدنة جد الشكوى. بل هي لم تهدد في كيانها بشيء كما تهدد من هذه الناحية.

وكما بيَّن الاسلام حقوق الجوار على أتم وجه كما رأيت. حرم إيذاء الجيران أشد تحريم وأبلغه. حتى جعل هذا الإيذاء مبطلاً للأعمال الصالحة. فقد قيل لرسول الله عليه الصلاة والسلام : إن فلانة تصوم النهار وتقوم الليل وتؤذي جيرانه. فقال عليه السلام : هي في النار.

ومن أبلغ مايؤثر من الزجر عن إيذاء الجار قول النبي عليه الصلاة والسلام : (إن أنت رميت كلب جارك فقد آذيته). فأخذ المسلمون بهذا الأدب وجروا على سنته فكانوا يتحرجون حتى من مقابلة أذى جيرانهم بمثله. فيروى أن رجلاً جاء إلى ابن مسعود رضي الله عنه فقال له : إن لي جارا يؤذيني ويشتمني ويضيق علي. فقال له اذهب فإن هو عصى الله فيك فأطع الله فيه. ولم يشر عليه بالانتصاف لنفسه. فإن التغابي عن أذى الجار مدعاة للندم. مصداقا لقوله تعالى : {أدفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم}. ولكنه لو قابل جاره بالمثل كان ذلك صدعا في بناء المجتمع لا يلبث أن يتوسع بانضمام بعض الجيران إلى أحدهما والبعض الآخر إلى الثاني. فحسماً لمادة هذا التصدع رأى بن مسعود أن يحصر الشر في أصغر دائرة فينصح المجني عليه بالصبر.

 

من وحي علموا عني - 8


طلـب العلـم

حدث أن نزل ضيفا بالإمام أحمد بن حنبل رضى الله عنه فى ليلة من الليالى فآواه وأكرمه ثم سأله عن سبب زيارته فقال له إنى طالب علم  ، ثم دخل هذا الضيف ونام حتى مطلع الشمس فأيقظه الإمام فنام ثانية فأيقظه ثانية فنام للمرة الثالثة حتى استوت الشمس فى الأفق ، فأيقظه الإمام قائلا كيف تطلب العلم وليس عندك عمل ثم طرده الإمام .والساده الصوفية شيمتهم الخفاء  ، إن الله سبحانه وتعالى يحب من عباده الأتقياء الأخفياء الذين إذا حضروا لم يعرفوا وإذا غابوا لم يفتقدوا ، ولذلك إذا نطقوا بالعلم تكلموا بالقدر الذى لا يشير بأنهم علماء .وكذلك فالوقت عندهم أغلى شىء لأنه : من جهل حاله جهل وقته .  ومن جهل وقته جهل نفسه . ومن جهل نفسه فقد جهل ربه .

ويقول صلى الله عليه وسلم ( من عرف نفسه فقد عرف ربه ) .وقد روى عن الاصمعى أنه مر بصبيان يلعبون فوجد بينهم صبيا لا يتجاوز من العمر ست سنين يبكى فظن أن هذا الطفل الباكى من أيتام المدينة فأراد إسكاته فسأله لماذا لا تلعب يابنى ؟  فسكت الصبى وكرر عليه السؤال ثلاث مرات فقال الصبى : ياعماه ما خلقنا للعب . فبكى كثيرا الاصمعى ثم قال للصبى أنت صغير وما عليك حساب . فقال له الصبى : لقد رايت أمى توقد الحطب الصغير وتضع عليه الحطب الكبير.  فبكى الاصمعى بكاءا شديدا وقال له يابنى ألا تريد أن تعمل شيئا فى عمرك ؟

فقال الصبى :  لقد عرفت أن الساعة من عمرى أغلى من الدنيا وما عليها فاردت أن أصرف عمرى فى الشىء الذى هو أغلى من الدنيا وما فيه.  فعرف الاصمعى من شواهد كلام هذا الصبي أنه غير عادى فسأله ليتعــرف عليه وقال له ما إسمك؟ فقال الصبى: أنا على بن الإمام الحسين فهو سيدى على زين العابدين رضى الله عنهم أجمعين زين العباد زين السجاد جد الأشراف. 

حقا إن الله  يعلم حيث يجعل رسالته .ولنرجع إلى ما كنا بصدده وهو أن للدين مراتب ثلاث هى : (الإسلام والإيمان والإحسان) وتلك تسميتها فى المصطلح العام وردت بذلك أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أما تسميتها فى المصطلح المصحفى فهى مراتب علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين . قال تعالى {كلا لو تعلمون علم اليقين لترّون الجحيم ثم لترونها عين اليقين} .

 وقوله تعالى {إن هذا لهو حق اليقين }. وهى العلوم الثلاثة التى ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن المولى عز وجل قد علـمه إياها عند عروجه صلى الله عليه وسلم فى ليلة الإسراء والمعراج فقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم إنه قال:

 ( أوتيت ليلة أسرى بى ثلاثة علوم ، فعلم أمرت بتبليغه ، وعلم خُيرت فيه وعلم أمرت بكتمانه ) - الحديث أورده سيدى عبد الكريم الجيلى فى كتاب الإنسان الكامل .وسنده في التفسير الكبير للثعلبي.

بالحقائق ناطقين

الشِعبــان

الشائع بين الأمم والأفراد إن لكل منهم يوم أو شهر ذو مكانة. يوم أو شهر من شهور السنة ذو مكانة فائقة في داخله ولكن في البلاد الإسلامية الكل يتفق ويتوحد في الابتهاج بوتيرة واحدة بقدوم شهر رجب وشعبان ورمضان لأنها شهور أو قل مناسبات ذات مذاق خاص ولها بُعد روحي كبير في الوجدان مما تطغيه على الفرد من حيوية ونشاط ومباهج الفرح وكل هذا يعود للمضمون القويم العظيم السامي لتلكم الأشهر ومضامينها ذات الأبعاد الممتدة. ونستشهد هنا بقوله صلى الله عليه وسلم : (رجب شهر الله وشعبان شهري ورمضان شهر أمتي) فكان رجب إشارة للجلال الإلهي وشعبان إشارة للجمال النبوي ورمضان إشارة للإجتهاد واللحاق بركب السائرين في طريق الله ورسوله وآل بيته وصحابته والتابعين. واليوم نورد حديثنا عن شهر الجمال النبوي شهر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم شعبان العظيم الرحيم لما يحتمل في طياته من معانٍ جلل ففيه تمّ تغيير القِبلة من المسجد الأقصى إلى الكعبة المشرفة امتثالاً وتحقيقاً لرغبة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم. قال تعال : {ولنولينك قبلة ترضاها} مع العلم بأن كل الأنبياء بعلو قدرهم وعظمة شأنهم كانوا يطلبون رضاء الله ويسعون لذلك كما قال سيدنا موسى عليه السلام : (عجلت إليك ربي لترضى) ولكن الحال اختلف مع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إذ نجد أن المولى جلَّ وعلا قام بإرضائه قال تعالى : {ولسوف يعطيك ربك فترضى}. فعملية تحويل القبلة التي تمت في شهر شعبان فيها امتحان للقلوب من النفاق فمنهم من يتعلق بقبلته الأولى ويقول لا أغير قبلتي ومنهم من ينصاع للقبلة المختارة بطيب خاطر وكمال تسليم لأن المحب حقاً يرى حبيبه في كل قبلة فيحسن القصد إليه ويقوم بالتسليم له ويتوكل عليه. وهنا أصبح الشِّعب شِعبان ، إما شِعب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو شِعب المتخلفين عن الركب. قال الشيخ محمد عثمان عبده البرهاني رضي الله عنه :

وليس إلى السماءِ بل في السماء        وقيل فولِّ بعد إن ارتضاهــا

وكل الكون من عـــالٍ ودانٍ        بمحمود الطليعةِ قـد تبــاهى

ولو قال السَّـفيه لِمّ التـــولي       فمغـرب طلعة الإشراقِ طــه

وكذلك الحال تماماً في التصوف فتغيير القِبلة والتسليم للقبلة المختارة إشارة لانتقال الشيخ والتسليم التام للخليفة المختار مسبقاً ، فأما من سلّم وتوجه إلى القبلة المختارة (الخليفة) كان من الشِعب الناجي ، وأما من تخلف وأبى كان من الشِعب الهالك.

هاديه الشلالي