مولده صلى الله عليه وسلم -
9
الحجر الأسود
روى البيهقي من حديث سماك بن حرب عن خالد بن عرعرة قال سأل رجل عليا عن
قوله تعالى {إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين} أهو أول بيت بني
في الأرض قال لا ولكنه أول بيت وضع فيه البركة للناس والهدى ومقام إبراهيم ومن دخله
كان آمنا وإن شئت نبأتك كيف بناؤه إن الله تعال أوحى إلى إبراهيم أن ابن لي بيتا في
الأرض فضاق به ذرعا فأرسل إليه السكينة وهي ريح خجوج لها رأس فاتبع أحدهما صاحبه
حتى انتهت ثم تطوقت في موضع البيت تطوق الحية فبنى إبراهيم حتى بلغ مكان الحجر قال
لابنه أبغني حجرا فالتمس حجرا حتى أتاه به فوجد الحجر الأسود قد ركب فقال لأبيه من
أين لك هذا قال جاء به من لا يتكل على بنائك جاء به جبريل من السماء فأتمه قال فمر
عليه الدهر فانهدم فبنته العمالقة ثم انهدم فبنته جرهم.
قال يعقوب بن سفيان أخبرني أصبغ بن فرج أخبرني ابن وهب عن يونس عن ابن
شهاب قال لما بلغ رسول الله صلى الله علـيه وسلم الحلم جمرت امرأة الكعبة فطارت
شرارة من مجمرها في ثياب الكعبة فاحترقت فهدموها حتى إذا بنوها فبلغوا موضع الركن
اختصمت قريش في الركن أي القبائل تلي رفعه فقالوا تعالوا نحكم أول من يطلع
علينا فطلع عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غلام عليه وشاح نمرة فحكموه
فأمر بالركن فوضع في ثوب ثم أخرج سيد كل قبيلة فأعطاه ناحية من الثوب ثم ارتقى
هو فرفعوا إليه الركن فكان هو يضعه فكان لا يزداد على السن الأرضي حتى دعوه
الأمين قبل أن ينزل عليه الوحـي فطفقوا لا ينحرون جزورا إلا التمسوه فيدعو لهم فيها
وهذا سياق حسن وهو من سير الزهري وفيه من الغرابة قوله فلما بلغ الحلم والمشهور أن
هذا كان ورسول الله صلى الله عليه وسلم عمره خمس وثلاثون سنة وهو الذي نص عليه محمد
بن اسحاق بن يسار رحمه الله.
قبل أن يأتيه جبريل بالرسالة
كل هذه الأخلاق والصفات والتصرفات قبل أن يأتيه جبريل بل لأنه صاحب
الخلق العظيم الممدوح به في القرآن وأكثر من ذلك أنه كان متعبدا متهجدا في الغار
الذي نزل عليه جبريل فيه بأول الآيات في رمضان ليجد الحبيب المصطفى صلى الله عليه
وسلم صائما قائما فلو كان الدين الانتهاء عما نهى الله والإتمار بأوامر الله فرسول
الله صلى الله عليه وسلم كان كذلك قبل بدأ الوحي.
قال البخاري حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن
عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت أول ما بدئ به رسول الله
صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم وكان لا يرى رؤيا
إلا جاءت مثل فلق الصبح ثم حبب إليه الخلاء فكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه
وهو التعبد الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة
فيتزود لمثلها حتى جاءه الحق وهو في غار حراء.
الإسراء والهجرة
قصة الإسراء
قال محمد بن إسحاق: وكان فيما بلغني عن أمرأم هانئ بنت أبي طالب رضي
الله عنها، واسمها هند، في مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنها كانت تقول: ما
أُسري برسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وهو في بيتي، نام عندي تلك الليلة في
بيتي، فصلى العشاء الآخرة، ثم نام ونمنا، فلما كان قبيل الفجر أهبَّنا رسول الله
صلى الله عليه وسلم، فلما صلى الصبح وصلينا معه، قال: يا أم هانىء، لقد صليت معكم
العشاء الآخرة كما رأيت بهذا الوادي، ثم جئت بيت المقدس فصليت فيه، ثم قد صليت صلاة
الغداة معكم الآن كما ترين، ثم قام ليخرج، فأخذت بطرف ردائه، فتكشَّف عن بطنه كأنه
قُبطية مطوية، فقلت له: يا نبي الله، لا تحدث بهذا الناس فيكذبوك ويؤذوك، قال:
والله لأحدثنهموه.
قالت: فقلت لجارية لي حبشية: ويحك اتبعي رسول الله صلى الله عليه وسلم
حتى تسمعي ما يقول للناس، وما يقولون له. فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم
إلى الناس أخبرهم، فعجبوا وقالوا: ما آية ذلك يا محمد؟ فإنا لم نسمع بمثل هذا قط،
قال: آية ذلك أني مررت بعير بني فلان بوادي كذا وكذا، فأنفرهم حس الدابة، فندَّ لهم
بعير، فدللتهم عليه، وأنا موجَّه إلى الشام.
ثم أقبلت حتى إذا كنت بضجنان مررت بعير بني فلان، فوجدت القوم نياما،
ولهم إناء فيه ماء قد غطوا عليه بشيء، فكشفت غطاءه وشربت ما فيه، ثم غطيت عليه كما
كان، وآية ذلك أن عيرهم الآن يصوب من البيضاء، ثنية التنعيم، يقدمها جمل أورق، عليه
غرارتان، إحداهما سوداء، والآخرى برقاء.
قالت: فابتدر القوم الثنية فلم يلقهم أولُ من الجمل كما وصف لهم،
وسألوهم عن الإناء، فأخبروهم أنهم وضعوه مملوءا ماء ثم غطوه، وأنهم هبوا فوجدوه
مغطى كما غطوه، ولم يجدوا فيه ماء. وسألوا الآخرين وهم بمكة، فقالوا: صدق والله،
لقد أُنْفرنا في الوادي الذي ذكر، وندّ لنا بعير، فسمعنا صوت رجل يدعونا إليه، حتى
أخذناه.
قصة المعراج
الرسول صلى الله عليه وسلم يصعد إلى السماء الأولى
قال ابن إسحاق: وحدثني من لا أتهم عن أبي سعيد الخدري رضي
الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لما
فرغت مما كان في بيت المقدس، أُتي بالمعراج، ولم أر شيئا قط أحسن منه، وهو
الذي يمد إليه ميتكم عينيه إذا حُضر، فأصعدني صاحبي فيه، حتى انتهى بي إلى
باب من أبواب السماء، يقال له: باب الحفظة، عليه ملك من الملائكة،
يقال له: إسماعيل، تحت يديه اثنا عشر ألف ملك، تحت يدي كل ملك منهم
اثنا عشر ألف ملك - قال: يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حدث بهذا الحديث: وما
يعلم جنود ربك إلا هو - فلما دُخل بي، قال: من هذا يا جبريل؟ قال: هذا محمد. قال:
أوقد بعث؟ قال: نعم. قال: فدعا لي بخير.
|