معنى القراءات وغاياتها

مقام سيدنا إبراهيم عليه السلام

 

معنى القراءات وغاياتها

أنزل الله سبحانه القرآن الكريم رسالة عامة خاتمة، وجعل فيها سعادة الدارين، وحدد للناس منهج حياتهم في الدنيا والآخرة.ولن تجد في وصف هذا الكتاب العظيم أبلغ من قول الله عز وجل: {لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله، وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون} سورة الحشر.

وأوجز النبي - صلى الله عليه وسلم - خصائص هذا الكتاب العظيم بقوله:كتاب الله، فيه نبأ من قبلكم، وخبر من بعدكم، وحكم ما بينكم، وهو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله ومن ابتغى الهدى من غيره أضَلَّهُ الله وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، هو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تشبع منه العلماء، ولا تلتبس به الألسن، ولا يخلق عن الرَّد، ولا تنقضي عجائبه، هو الذي لم تنته الجن إذ سمعته عن أن قالوا: إنا سمعنا قرآناً عجباً يهدي إلى الرشد، من قال به صدق ومن حكم به عدل، ومن عمل به أجر، ومن دعا إليه هُديَ إلى صراطٍ مستقيم أخرجه الترمذي عن علي رضي الله عنه في باب فضل القرآن وفي رواية: إن القرآن لا يليه من جبار فيعمل بغيره إلا قصمه الله، ولا يبتغي علماً سواه إلا أضله الله، ولا يخلق عن رده، وهو الذي لا تفنى عجائبه، من يقل به صدق، ومن يحكم به يعدل، ومن يعمل به يؤجر، ومن يقسم به يقسط رواه الدارمي في فضائل القرآن وفي رواية: كتاب الله، فيه نبأ ما قبلكم، ونبأ ما هو كائن بعدكم، وفيه الحكم بينكم، وهو حبل الله المتين، وهو النور المبين، وهو الصراط المستقيم، وهو الشفاء النافع، عصمة لمن تمسك به، ونجاة لمن اتبعه، لا يعوج فيقوم، ولا يزيغ فيستعتب. ورده ابن الأثير في جامع الأصول جـ8 وقد أجمع العلماء على مبدأ عصمة النص القرآني من الزيغ والعبث والأهواء، وأيقن الباحثون أن النص الذي تنزل به جبريل الأمين على النبي - صلى الله عليه وسلم - هو النص عينه الذي قرأه الناس في القرون الخالية وهو الذي يقرؤه الناس اليوم. ومع أن كثيراً من الباحثين الغربيين تناولوا بالنقد والتحليل والجرأة سلامة النصوص المقدسة، وجزموا بتحريف كثير منها غير أنهم لم يطالوا بنقدهم سلامة النص القرآني إلا ما كان من بعض أصحاب الهوى الذين لم يجدوا من يهتم بأقوالهم وأفكارهم التي تفتقر إلى أدنى درجات التحقيق العلمي. ولعل أوضح تجربة معاصرة في هذا الاتجاه هي ذلك البحث العلمي الرصين الذي قام به المفكر الفرنسي موريس بوكاي تحت عنوان: دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديث، والذي انتهى من خلاله وعلى طريقة البحث الموضوعي المجرد إلى إثبات التحريف في التوراة والإنجيل ثم إثبات سلامة النص القرآني من أي تبديل أو تحريف أو تغيير.وقد لخص موريس بوكاي نتيجة بحثه بقوله: إن لتنزيل القرآن تاريخاً يختلف تماماً عن تاريخ العهد القديم والأناجيل. فتنزيله يمتد على مدى عشرين عاماً تقريباً وبمجرد نزول جبريل به على النبي - صلى الله عليه وسلم - كان المؤمنون يحفظونه عن ظهر قلب، بل قد سجل كتابة حتى في حياة محمد - صلى الله عليه وسلم -. إن التجمعات الأخيرة للقرآن التي تمت في خلافة عثمان، فيما بين اثني عشر عاماً وأربعةٍ وعشرين عاماً بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أفيدت من الرقابة التي مارسها هؤلاء الذين كانوا يعرفون النص حفظ. بعد أن تعلموه في نفس زمن التنزيل وتلوه دائماً فيما بعد، ومعروف أن النص منذ ذلك العصر قد ظل محفوظاً بشكل دقيق، وهكذا فإن القرآن لا يطرح مشاكل تتعلق بالصحة.إن القرآن وقد استأنف التنزيلين اللذين سبقاه، لايخلو فقط من متناقضات الرواية وهي السمة البارزة في مختلف صياغات الأناجيل، بل هو يظهر أيضاً لكل من يشرع في دراسته بموضوعية وعلى ضوء العلوم، طابعه الخاص وهو التوافق التام مع المعطيات العلمية الحديثة، بل أكثر من ذلك، ولما أثبتنا، يكشف القارئ فيه مقولات ذات طابع علمي من المستحيل تصور أن إنساناً في عصر محمد صلى الله عليه وسلم قد استطاع أن يؤلفها، وعلى هذا، فالمعارف العلمية الحديثة تسمح بفهم بعض الآيات القرآنية التي كانت بلا تفسير صحيح حتى الآن. إن مقارنة عديد من روايات التوراة مع روايات نفس الموضوعات في القرآن تبرز الفروق الأساسية بين دعاوى التوراة غير المقبولة علمياً وبين مقولات القرآن التي تتوافق مع المعطيات الحديثة وهذا التسليم بموثوقية النص القرآني تظاهرت عليه الأدلة من العقل والنقل والواقع، إلى حد لا مزيد عليه، وحسبك من ذلك أن نسخ القرآن العظيم التي تطبع اليوم في العالم وتتجاوز نسخها آلاف الملايين لا يختلف بعضها عن بعض في كلمة أو حرف أو نقطة أو شكل.ولعل المنفذ الوحيد الذي اتخذه خصوم القرآن منفذاً للحديث عن اختلاط مزعوم في النص القرآني هو مسألة القراءات القرآنية، حيث يتوهم هؤلاء أنها ثغرة في عصمة النصوص، وأن الإقرار بها يستلزم القول بتوهين سلامة النص القرآني، ووجود فقرات بشرية من صنع القراء ضمن التنزيل القرآني الحكيم.

ولعل الإجابة على هذا السؤال عينه هي التي كانت وراء اختياري هذه الدراسة.

الوحي هو المصدر الوحيد للقراءات المتواترة

ينبغي أن ننوه هنا إلى أن أي جهد نبذله في خدمة القراءات فهو في الحقيقة جهد في خدمة الوحي الأمين الذي جاءت عبره القراءات المتواترة، ذلك أن القراءات القرآنية المتواترة جميعاً، قرأ بها النبي - صلى الله عليه وسلم - أصولاً وفرشاً، وقد تلقاها عنه خيار أصحابه من بعده وأقرؤوا بها الناس، وبذلك فإن سائر القراءات المتواترة توقيفية لا مجال فيها لأدنى اجتهاد. فالنبي - صلى الله عليه وسلم - هو الذي أقرأ أصحابه بتحقيق الهمزات وبتسهيلها، وكذلك بالفتح وبالإمالة، وبالإدغام وبالإظهار، وغير ذلك من أبواب القراءة المأذون بها والمروية بالتواتر، وهو الذي أذن بإقراء هذه الكلمة بوجه، وتلك بوجهين، وتلك بثلاث، وغيرها بأربع الخ...

وجرى كل وجه جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - في القراءة على أنه وحي معصوم، له ما لأخيه من منزلة في الحجة والدلالة وجواز التعبد به.

وفي ذلك شاعت القاعدة المشهورة لعلماء القراءة: تعدد القراءات ينزل منزلة تعدد الآيات. الإتقان للسيوطي جـ1 ص.82

وهكذا فإن القراءات المتواترة جميعاً هي قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا قيمة لأي قراءة لم تحظ بالإسناد المتواتر المتصل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وليس للأئمة القراء فيها أدنى اجتهاد أو تحكم، بل إن مهمتهم تنحصر في ضبط الرواية وتوثيق النقل، وكان غاية ما فعله هؤلاء الأئمة أن تخصص كل واحد منهم بنوع من أنواع القراءة التي سمعها عن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كما نقلوها عنه - صلى الله عليه وسلم - وخدمها وتفرغ لإقرائها وتلقينها، فنسبت إليه لا على سبيل أنه أنشأها وابتكرها، بل على سبيل أنه قرأ بها وأقرأ عليها وإلا فالمنشأ واحد وهو المصطفى - صلى الله عليه وسلم - عن الروح الأمين عن رب العالمين.

وهذه الحقيقة هي محل اتفاق بين علماء هذه الأمة، لم يقل بخلافها أحد، وسائر ما نقل عن المتقدمين، محمول على أمر واحد لا غير، هو عدم ثبوت التواتر لديهم، كما سنأتي على تفصيله فيما بعد.

حكمــة القــراءات

إذا استقر لديك اليقين على أن هذه القراءات المتواترة جميعاً قد قرأ بها النبي - صلى الله عليه وسلم - وأقرأها لم يكن لك أن تتوقف في إيمانك على العلة التي أدت إلى ذلك التعدد، ولا أن تسأل عن الضرورة التي ألجأت إليه، فهو وحي أمين، وهي إرادة الله عز وجل وهو: لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، ولكن التسليم بربانية مصدر هذه القراءات في سائر وجوهها لا يتناقض مع البحث عن حكمها وأسرارها ودلالاتها، وهي التي يمكن أن يتلمسها المرء لدى دراسته لوجوه هذه القراءات ومعانيها.

فمن خلال قراءة واقع اللغة العربية قبل الإسلام، فإن النتيجة التي ينتهي إليها كل باحث هي أن اللغة العربية كانت في حالة مخاض عسير، ولم يكن بالإمكان تصوُّر ما تنجلي عنه تلك الحالة الصعبة، فقد ترسَّخت العقدة القبلية لدى كثير من العرب، وحلّت محل الإحساس القومي، وتوزع كثير من العرب في ولاءاتهم بين الفرش والرُّوم والحبشة، وظهرت فيهم تيارات محلية ضمن قوقعة الذات، تدعو إلى إحلال اللهجات المحلية محل اللغة العربية الشاملة، وظهرت حينئذٍ لهجات عربية ضالة لا يمكن أن تلتقي على أصول واحدة إلاَّ مع استثناءات كثيرة تفوق الحصر وتخرج عن المنهج المطرد.ومما وصل إلينا من أشكال التقارب بين اللهجات العربية على سبيل المثال: كشكشة تميم، وسكسكة بكر، وشنشنة تغلب، وغمغمة قضاعة، وطمطمانية حمير، ورتة العراق، وهي كما نرى لهجات منسوبة إلى قبائل بعينها.

وثمة انحرافات لغوية أخرى لم تنسب إلى قبائل بعينها ولكنها كانت شائعة فاشية، كالفأفأة، واللثغة، والغنَّة، واللكنة، والعقلة، والحبسةِ، والترخيم، والتمتمة، واللفف والإرتضاخ، والرَّطانة.

ويطول بنا البحث لو أردنا أن نسرد أشكال الانحرافات التي انتهت إليها لهجات القبائل المتوزعة في أطراف الجزيرة العربية ولعل من أهدافها ما كشفت عنه الحفريات في جنوب الجزيرة العربية حيث ثبت أن بعض عرب اليمن كانوا ينطقون ويكتبون لغة عربية، ولكن بدون الحروف الصوتية الثلاث: الألف، والواو، والياء...!!ولقد نقل ابن عبد ربه وجوه هذه الانحرافات في موسوعته الكبيرة المسماة: العقد الفريد وفيما يلي أنقل لك كلامه بنصه كما أورده في باب خاص عقده تحت عنوان: آفات النطق: قال أبو العباس محمد بن يزيد النحوي: التمتمة في المنطق: التردد في التاء، والعقلة: التواء اللسان عند إرادة الكلام، والحبسة: تعذر الكلام عند إرادته، واللفف: إدخال حرفٍ في حرف، والرّتة: كالرتج تمنع أول الكلام فإذا جاء منه شيء اتصل به، والغمغمة: أن تسمع الصوت ولا يبين لك تقطيع الحروف، فأما الرّتة: فإنها تكون غريزية. قال الراجز: يا أيها المخلط الأرت.

وأما الغمغمة: فإنها قد تكون من الكلام وغيره، لأنها صوت من لا يفهم تقطيع حروفه.واستأنف فقال: والطمطمة: أن يعدل بحرف إلى حرف، والغنَّة: أن يشرب الحرف صوت الخيشوم والخنة: أشد منها، والترخيم: حذف الكلام، والفأفأة: التردد في الفاء.وأما كشكشة تميم: فإن بني عمرو بن تميم إذا ذكرت كاف المؤنث فوقفت عليها أبدلت منها شيناً لقرب الشين من الكاف في المخرج.

وأما سكسكة بكر: فقوم منهم يبدلون سن الكاف سيناً كما فعل التميميون في الشين.

وأما طمطمانية حمير ففيها يقول عنترة:

تأوي له قُلَص النعام كما أوتئ������  حزم يمانية لأعجم طمطم

بل أخذت الانحرافات اللغوية أشكالاً أبعد من ذلك حتى شاع لديهم تسميتها باللغات: كلغة هذيل، ولغة قيس، ولغة كندة، وإن كنا نرى أن تسميتها باللغات ليس منهجاً مستقيماً، إذْ لم تخرج في عمومها عن مفردات العرب ومناهج نطقهم.وذلك كله قبل الإسلام حيث كانت اللغة في مهدها في جزيرة العرب وبوسعك أن تتصور مستقبل لغة فيها هذه الفوارق منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام...!. خصوصاً إذا خرجت هذه اللغة عن إطارها التقليدي ضمن الجزيرة العربية لتمتد من خراسان وأذربيجان إلى الهلال الخصيب فالأندلس مروراً بالشمال الأفريقي كله، لاشك أنها ستصبح حينئذٍ ركاماً هائلاً من اللغات واللهجات التي لا يضبطها ضابط ولا يجمعها قانون. ومراراً كانت تأتي وفود العرب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -فتحدثه بلهجاتها ولغاتها فيخاطبها النبي - صلى الله عليه وسلم - بما تعودته من لهجاتها، فيكون ذلك مثار دهشة الأصحاب وعجبهم.من ذلك ما أخرجه الإمام أحمد في مسنده أن وفداً من حمير جاءوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: يا رسول الله.. أمِنَ امْبِرِّ امْصيام في امْسَفَر؟.فقال - صلى الله عليه وسلم -: ليس منَ امْبِرِّ امصيام في امْسَفَر.

وتعجب الأصحاب مما سمعوا، حتى تبين لهم أن الوفد حي من العرب يبدلون اللام ميماً والميم لام. وكان سؤالهم: أمن البر الصيام في السفر؟ فجاء جواب النبي - صلى الله عليه وسلم -: ليس من البر الصيام في السفرولولا القرآن الكريم ودقة الضبط في روايته وتلقيه ضمن حدود القراءات، لأصبحت العربية أثراً بعد عين، ولصار جمع العرب على لغة واحدة أشبه بجمع شعوب القارة الأفريقية اليوم على لغةٍ واحدة.ولا ينبغي أن نتصور جراء ذلك أن العرب كانوا عطلاً عن البلاغة والبيان، فذلك مالم نَقُلْهُ ولم نقصد إليه، فقد أوتيَ العرب الفصاحة والبلاغة، وتبوأ خطباؤهم وشعراؤهم منزلة رفيعة في الترتيب القبلي، وسارت بقصائد شعرائهم الركبان، وعلقت روائعهم على جدران الكعبة، ولا تزال إلى اليوم تلهم النقاد والأدباء ما رَقَّ ودَقَّ، وعزَّ وشقَّ من لطيف العبارة وعجيب البيان. ولكنهم على ذلك لم يكونوا يمتلكون كتاباً أمَّاً يرجعون إليه في تمييز الصحيح من الدخيل، ويقَعِّدون على أساسه قواعد نطقهم.كذلك فإنهم لم يعدموا لساناً مفهماً يتحاورون فيه، ويتبادلون على أساسه حوائجهم ومعارفهم وخبراتهم، ولكن إرهاصات الشقاق اللغوي كانت قد تهيأت تماماً ومضت في سبيلها المتناكس، وشجع على ذلك نمو العصبية القبلية، والاتصال بالعجم، وغياب أي شكل جدّي من أشكال الوحدة العربية المطلوبة.وبوسعك أن تتصور أي مستقبل كان ينتظر اللغة العربية في ضوء هذه المعطيات، لولا الثورة اللغوية التي أعقبت نزول القرآن الكريم. وانتشار قرائه وحفاظه في الأمصار يجمعون الناس على منهج واحد، وبهم تبوأت اللغة العربية مكانها، وتأصَّل الصحيح محل ما يجب هدمه من رطانة وانحراف، ولغات ضالة لا تنتمي إلى أصول الكلام العربي.وأما اللهجات العربية المحترمة، فقد تكفلت بحفظها القراءات القرآنية، التي أذن بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولدى الاستقراء فإنك تجد أنها تحتوي على كثير من اللهجات العربية ولكنها محكومة بضابط من القواعد يمكن ردها إليها، والاحتكام على أساسه.لقد كانت اختيارات النبي - صلى الله عليه وسلم - في أمر القراءة المأذون بها، تتم فيما يـمكن تسميتـه بـمطبـخ اللغـة العـربية على أساس الإجماع العربي، حيث تـم تـمييـز الأصيل من الدخيل من كلام العرب وأمكن حينئذٍ أن تبدأ جهود علماء اللغة في تأصيل القواعد وتحريرها، الأمر الذي نتجت عنه علوم النحو والـصـرف والبـلاغـة والعـروض ومـا لـحـق بهـا مـن معـارف تفصيـليـة جعـلت لغـة العـرب مـن أضبـط اللغـات قــواعـداً، وأكثـرهـا تعـليـلاً، وأوضحها معـالجةً.وعلى ضوء ذلك تم ترتيب البيت الداخلي للسان العرب، وتوفرت الوثيقة المعتمدة لضبط اللسان العربي، وهي القرآن الكريم وفق ما رتَّله النبي - صلى الله عليه وسلم - من وجوه القراءات، وتَلقَّاه عنه أصحابه الكرام.وهكذا فقد أصبحت الجزيرة العربية تعتمد لساناً عربياً واحداً، مهما اختلفت فيه من شيء ردته إلى الكتاب الإمام، بعد ذلك التفت العرب إلى أراضيهم المسلوخة عنهم في بلاد الشام والعراق والشمال الأفريقي، وقد تزاحمت فيها رطانات الأمم الغالبة. حتى لم يبق للعربية أثر يذكر في لغة الحياة.فكانت بلاد الشام تتكلم لغات محلية إقليمية وأجنبية فيها الآرامي والسرياني والرومي، وكان أهل العراق يتكلمون لساناً فارسياً، وكان لبنان فينيقياً، وكانت مصر ضائعة في لهجاتها الفرعونية القبطية والرومية، وكان الشمال الإفريقي يتكلم لساناً بربري. بالرغم من الأصول العربية المؤكدة التي تنتمي إليها هذه الشعوب.

ولم يكن ثمة شيء يكفل أن تعود تلك الشعوب إلى لسانها العربي بعد أن تركته قروناً كثيراً، لولا أن تمت نعمة الله على هذه الأمة بنزول القرآن الكريم، ولولا توفر الإرادة الكافية لدى الرعيل الأول في العهدين الراشدي والأموي لجمع القرآن العظيم وثائق ومشافهات لتصبح من ذلك الحين عماد اللسان العربي في النحو والنطق {كتاب فصلت آياته قرآناً عربيـاً لقومٍ يعلمون} فصلت 3.

{وكذلك أنزلناه حكماً عربياً، ولئن اتبعت أهواءهم بعدما جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا واق} الرعد 37 .

من دراسات الدكتور محمد الحبش
تنوه رايات العز انها سوف تتابع هذه الدراسة في مقالات متتاليه

 

مقام سيدنا إبراهيم عليه السلام

ذكر المقام وفضله، عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما يقول: بين الركن والمقام أشهد بالله لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الركن والمقام ياقوتتان من يواقيت الجنة طمس الله تعالى نورهما ولولا ذلك لأضاء نورهما بين المشرق والمغرب

قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وافقني ربي وقال يعقوب وافقت ربي في ثلاث فذكر احداهن قلت يا رسول الله لو اتخذت من مقام ابراهيم مصلى فأنزل الله عز وجل���� {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى}������

عن سعيد بن جبير عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال إن جبريل عليه الصلاة والسلام جاء بالمقام حتى وضعه تحت رجل ابراهيم عليه السلام��

حدثنا عبدالله بن أبي سلمة قال : عبد الجبار بن سعيد عن ابن أبي سبرة عن موسى بن سعد عن نوفل بن معاوية الديلي قال رأيت المقام في عهد عبد المطلب ملصقا بالبيت مثل المهاة����

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال سألت عبد الله بن سلام رضي الله عنه عن الأثر الذي قي المقام فقال كانت الحجارة على ما كانت عليه اليوم إلا أن الله عز وجل أراد أن يجعل المقام آية من آياته فلما أمر إبراهيم عليه السلام أن يؤذن في الناس بالحج قام على المقام فارتفع المقام حتى كان أطول الجبال وأشرف على ما تحته فقال يا أيها الناس أجيبوا ربكم قال فأجابه الناس فقالوا لبيك اللهم فكان أثره فيه فلما فرغ أمر بالمقام فوضعه قبلته فكان يصلي إليه مستقبل الباب ثم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر أن يصلي إلى بيت المقدس من قبل أن يهاجر وبعد أن هاجر فأحب الله عز وجل أن يصرفه إلى قبلته التي رضي لنفسه ولأنبيائه فكان صلى الله عليه وسلم يصلي إلى الميزاب وهو بالمدينة ثم قدم مكة فكان صلى الله عليه وسلم يصلي إلى المقام وهو ملصق بالكعبة حتى توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم��

حدثنا محمد بن صالح قال : مكي بن ابراهيم عن طلحة بن عمرو عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال ليس في الأرض شيء من الجنة إلا الركن والمقام وانهما جوهرتان من جوهر الجنة ولولا ما مسهما من أهل الشرك ما مسهما ذو عاهة إلا شفاه الله عز وجل���

حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد قال : محمد بن يحيى البصري عن ابن إدريس بن سنان بن بنت وهب بن منبه عن أبيه قال وذكر مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال إن الركن والمقام ياقوتتان من ياقوت الجنة نزلا من السماء لهما نور فلما وضعا في الأرض طفىء نورهما ولولا ما اطفأ الله عز وجل من نورهما لأضاء ما بين السماء والأرض آنس الله تعالى بهما آدم عليه السلام فكانا يتلألأن تلألؤا من شدة بياضهما وأخذ آدم عليه السلام الركن فضمه إليه استئناسا به ولولا ما طبع الله عز وجل من أيدي الجاهلية لأبرأ الأكمه والأبرص وليس في الأرض شيء من الجنة إلا الركن والمقام فإنهما جوهرتان من جوهر الجنة يأتي كل واحد منهما يوم القيامة أعظم من أبي قبيس لهما عينان وشفتان يشهدان لمن وافاهما بالوفاء����

قال : سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فرغ إبراهيم عليه السلام من بناء البيت أمره الله عز وجل أن ينادي في الحج فقام على المنار فقال يا أيها الناس إن ربكم قد بنى لكم بيتا فحجوه وأجيبوا الله عز وجل قال فأجابوه في أصلاب الرجال وأرحام النساء أجبناك أجبناك لبيك اللهم لبيك قال فكل من حج اليوم فهو ممن أجاب إبراهيم على قدر ما لبى����

حدثنا هارون بن موسى بن طريف قال : ابن وهب قال أخبرني يونس عن ابن شهاب قال إن أنس بن مالك رضي الله عنه حدثه قال رايت في أصابعه وأخمص قدميه والعقب غير أثر أذهبه مسح الناس بأيديهم.

عن أبي بكر بن عبد الله قال حدثني عثمان بن عبيد الله بن رافع عن أبيه عن جده وكان قد رحل مع قريش الرحلتين قال الأثر الذي في المقام أن امرأة اسماعيل عليه السلام جاءته يعني ابراهيم بالمقام وهو على دابته البراق فوضع رجله اليمنى وأدنى شق رأسه الأيمن فغسلته ثم حولت الحجر فوضع رجله اليسرى ففعل مثل ذلك فهو أثره في المقام����

ذكر موضع المقام من أول مرة ورده إلى موضعه وذكر السيل الذي أصابه في الجاهلية والإسلامحدثنا الزبير بن أبي بكر قال : يحيى بن محمد بن ثوبان عن سليم عن ابن جريج عن عثمان بن أبي سليمان عن سعيد بن جبير أنه قال كان المقام في وجه الكعبة وانما قام عليه ابراهيم حين ارتفع البنيان فأراد أن يشرف على البناء قال فلما كثر الناس خشي عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يطئوه بأقدامهم فأخرجه إلى موضعه هذا الذي هو به اليوم حذاء موضعه الذي كان به قدام الكعبة���

حدثنا عبد السلام بن عاصم قال : جرير بن عبد الحميد عن مغيرة عن أبيه قال كان الحجاج يوما يصلي بالناس في المسجد الحرام فمال المقام فتناوله الحجاج ليسويه برجله فتقدم محمد بن الحنفية رضي الله عنه فغطاه بثوبه ثم سواه

ذكر البيعة التي تكون بين الركن والمقام وجامع ذكر المقام���� حدثنا محمد بن يوسف الجمحي قال : أبو قرة عن ابن أبي ذئب عن سعيد بن سمعان قال إنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يحدث أبا قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يبايع رجل بين الركن والمقام���

عن حميد بن قيس المكي مولى بني أسد بن عبد العزى عن عطاء بن أبي رباح وغيره من أصحاب ابن عباس عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يا بني عبد المطلب إني سألت الله عز وجل لكم ثلاثا أن يثبت قائمكم وأن يهدي ضالكم وأن يعلم جاهلكم وسألته أن يجعلكم جودا نجدا رحماء ولو أن رجلا صفين بين الركن والمقام وصلى وصام ثم لقي الله تعالى وهو مبغض لأهل بيت محمد صلى الله عليه وسلم دخل النار.