الـسـماع

الفرقة الناجيـة - 3

الأوس والخزرج

 

ذكر الحبيب

 الـسـماع

روى الترمذي وصححه عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة في عمرة القضاء وعبدالله بن رواحة يمشي بين يديه ويقول:

خلوا بني الكفار عن سبيلـه     اليوم نضربكم على تنزيله

ضربا يزيل الهام عن مقيله���� �� ويذهل الخليل عن خليلـه

فقال عمر: يا ابن رواحة! في حرم الله وبين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خل عنه يا عمر فلهو أسرع فيهم من نضح النبل).

... قوله تعالى: {ألم تر أنهم في كل واد يهيمون} يقول: في كل لغو يخوضون، ولا يتبعون سنن الحق؛ لأن من اتبع الحق وعلم أنه يكتب عليه ما يقوله تثبت، ولم يكن هائما يذهب على وجهه لا يبالي ما قال. نزلت في عبدالله بن الزبعرى ومسافع بن عبد مناف وأمية بن أبي الصلت. وأنهم يقولون ما لا يفعلون يقول: أكثرهم يكذبون؛ أي يدلون بكلامهم على الكرم والخير ولا يفعلونه. وقيل: إنها نزلت في أبي عزة الجمحي حيث قال:

 ألا أبلغا عني النبـي محمدا������� ������� ولكن إذا ذكرت بدرا وأهله

بأنك حـق والمليك حمــيد������ ������� تأوه مني أعظم وجـــلود

ثم استثنى شعر المؤمنين: حسان بن ثابت وعبدالله بن رواحة وكعب بن مالك وكعب بن زهير ومن كان على طريقهم من القول الحق؛ فقال: إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا في كلامهم وانتصروا من بعد ما ظلموا وإنما يكون الانتصار بالحق، وبما حده الله عز وجل، فإن تجاوز ذلك فقد انتصر بالباطل. وقال أبو الحسن المبرد. لما نزلت: والشعراء جاء حسان وكعب بن مالك وابن رواحه يبكون إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقالوا: يا نبي الله! أنزل الله تعالى هذه الآية، وهو تعالى يعلم أنا شعراء؟ فقال: اقرؤوا ما بعدها {إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات} - الآية -قال النبي صلى الله عليه وسلم: (انتصروا ولا تقولوا إلا حقا ولا تذكروا الآباء والأمهات) فقال حسان لأبي سفيان:

هجوت محمدا فأجبــــت عنه� ������� وإن أبي ووالدتي وعرضــي

أتشتمـــه ولست لـه بكـفء �����   � لساني صارم لا عيب فيـــه

وعند الله في ذاك الجـــــزاء ����  لعرض محمد منكم وقــــاء

فشركمـــا لخيركما الفـــداء���� ��  وبحـري لا تكـدره الـــدلاء

وقال كعب يا رسول الله! إن الله قد أنزل في الشعر ما قد علمت فكيف ترى فيه؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن المؤمن يجاهد بنفسه وسيفه ولسانه والذي نفسي بيده لكأن ما ترمونهم به نضح النبل). وقال كعب:

جاءت سخينة كي تغالب ربها�����       وليغلبن مغالـــب الغلاب

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لقد مدحك الله يا كعب في قولك هذا). وروى الضــحاك عن ابن عباس أنه قال في قوله تعالى: {والشعراء يتبعهم الغاوون} منسوخ بقوله: {إلا الذين أمنوا وعملوا الصالحات}. قال المهدوي: وفي الصحيح عن ابن عباس أنه استثناء. انتهى كلام القرطبي.

أحمد عبد المالك

الفرقة الناجيـة - 3

وردت هذه الأبيات في معرض تأويل مولانا الشيخ محمد عثمان عبده البرهاني لفاتحة الكتاب العظيم، ونَذكرها إتماماً لِلفائدة حيث يقول:

وَإِنِّي صِرَاطُ الْمُصْطَفَى وَنَجِيـُّه             تَفَرَّقَ حُسَّادِي عَلَى كُلِّ فِرْقـَةِ

إِذَا كَانَ مَغْضُوبٌ عَلَيْهِمْ تَفَرَّقـُوا             كَذَلِكَ مَنْ ضَلُّوا فَمَا بَالُ أُمَّـتِي

قَضَتْ سُنَّةُ الْمَوْلَى الْعَظِيمِ عَلَيْهِم           فَرَاحُوا ثَلاَثَاً فَوْقَ سَبْعِينَ شُعْبَةِ

فَلَمْ تَنْجُ إِلاَّ فِرْقَةٌ لِوُقُوفِهــــَا             بِأَعْتَابِ آلِ الْبَيْتِ أَهْلِ الْحِمَايـَةِ

فَأَيُّ نَجَاةٍ فِي الْحَيَاةِ بِدُونِهـــِمْ             إِلَيْهِمْ يَسِيرُ الرَّكْبُ حَجّاً وَعُمْرَةِ

إذَا كَانَ مَغْضُوبٌ عَلَيْهِمْ تَفَرَّقُوا         كَذَلِكَ مَنْ ضَلُّوا فَمَا بَالُ أُمَّتـِي

هذا البيت يكاد يكون ترجمةً حرفيةً لنصٍّ قرآنيٍّ ثم لِنصٍّ نبوي، وأصدقك القول ـ أيها القارئ العزيز المنصف المتجرد ـ إن هذا البيت فاجأني فوضع يدي ويد الكثيرين على موافقة الحديث النبوي للآيات الكريمة مِن سورة الفاتحة أم الكتاب، حيث يبتدئ الحديث بقوله(افْتَرَقَتِ الْيَهُود إِلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَة)، ومعلوم أن اليهود هم المشار إليهم في السورة بلفظ {الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم}.. سورة الفاتحة مِن الآية 6 ثم عطَف بالتشبيه والإشارة إلى مَن ضلوا، وهم في الآية النـصارى ؛ حيث قال في الحـديث (وَافْتَرَقَتِ النَّصَارَى إِلَى اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فــِرْقَة).. ثم يتساءل في البيت في إشارة رقيقة للإعلان عن فحوى ما ورد في الحديث ليؤكد على القارئ أن يستمر في رحلته البحثية في حديث النبي صلى الله عليه وسلم، فيقول متسائلاً (فَمَا بَالُ أُمَّتِي)، وهذه الإضافة في (أُمَّتِي) عبَّرَت في وقت واحد عن أمة النبي صلى الله عليه وسلم باعتبار الحديث الشريف، وعبّرَت في نفس الوقت عن زمانه باعتباره المتكلّم في البيت.. فتحقَّقَ مِن ذلك أن كل زمان مِن أزمنة أمة النبي صلى الله عليه وسلم ناطق بكل ما حدث في زمان النبي صلى الله عليه وسلم، وهو معنى بعثِه لِلناس كافة، وهو أيضاً معنى صلاح القرآن بمعانيه لكل زمان، وصَدَق إذ قال في إحدى قصائده ضرباً لِلمَثَل دليلاً على عمومية سريان القرآن في كل زمان:

كُلَّمَا صُفِّدَتْ عُقُولٌ بِوَهـْم         عَادَهُمْ عَادهُمْ وَعَادَتْ ثَمود

أي أن عاداً وثمود لم ينقطعوا عن الوجود بهلاكهم، وإنما العبرة بحصول صفاتهم ممثَّلةً في عقم عقولهم بتأثير نزغات الشياطين أعاذنا الله وإياكم منها، وأحب قبل أن أترك هذا الموضع أن أشير إلى واحدة مِن خصائص هذه العلوم في قصائد سيدي فخر الدين، فلقد قادك مِن البيت إلى الحديث إلى القرآن، ثم عرضَت لك كلمة في بيت آخَر مثل كلمة (صُفِّدَت) في البيت المذكور، وهي لفظة حديثية وردَت في غير موضع مِن أحاديثه، فإذا رجعتَ إليها في هذه الأحاديث تجده يقودك ثانيةً إلى بيت إلى حديث إلى آية، فأنت يقيناً أمام معانٍ جديدة لهذه الأحاديث غَفَلْتَ وغفل الناس عنها سنيناً بل قروناً مِن العمر.

وأُذَكِّرك هنا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم(إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِين...) رواه الترمذي وابن ماجة وابن حبان والحاكم والبيهقي وغيرهم عن سيدنا أبي هريرة.،

وأعتذر عن التوقف عن الاستطراد في سَوْق المعاني بهذه الطريقة وإلا أنفقنا العمر سويّاً في هذا الأمر، وهذا هو ما يقصده بما منحه الله ورسوله مِن علوم قصائده، وإنما أفتح لك باباً على سبيل المثال لتتعلم كيف يقودك مِن خلال اللفظ الواحد إلى سلاسللا نهاية لها مِن نصوص القرآن والسّنّة مصاحباً لك إياك بمعانٍ لا تتأتى معرفتها في هذا القدْر البسيط مِن الزمن مِن مصادر علمية موثوق بها إلا بأمر خارق للعادة، وهو ما يسمى في علم العقيدة والتوحيد بـ(كرامات الأولياء)..

وهذا ما يَحدث كل يوم بل كل ساعة بين جموع مريديه في شتى بقاع الأرض ؛ حيث يعكف كل قوم حيث كانوا بحُسن قصدهم إلى الله ورسوله والمؤمنين، بشرط وجود المحبة في الله كما قرّر هو، فإذا ما طرح البيت مِن نظمه توالت المعاني شيئاً فشيئاً مِن فم كل مريد على اختلاف ألوانهم وألسنتهم وثقافاتهم واجتهادهم في تقوى الله وذِكره وحُسن عبادته كما علَّمَهم الشيخ..

فإذا أحصيتَ ما حصَّلوه مِن مجلس واحد لانطلَق لسانك وقلبك يلهج بحمد الله وشُكره أن جعَل في أمة النبي صلى الله عليه وسلمفي آخِر الزمان أمثالَ هؤلاء، فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

 

 

تاريخ المدينة المنورة

الأوس والخزرج

يتفق المؤرخون على أن الأوس والخزرج قبيلتان قحطانيتان، جاءتا من مملكة سبأ في اليمن على إثر خراب سد مأرب، وعندما وصلتا إلى يثرب أعجبتا بما فيها من أرض خصبة وينابيع ثرة، وقد كان سكانها ـ وخاصة اليهود ـ في حاجة إلى الأيدي العاملة لاستثمار الأراضي، فسمحوا لهم بالنزول قريباً منهم بين الحرة الشرقية وقباء.

وكانت ظروف عملهم أول الأمرقاسية وبمرور الزمن تحسنت أحوالهم، فبدأ اليهود يخافون من منافستهم، فتداعى عقلاء الطرفين إلى عقد حلف ومعاهدة يلتزمان فيها بالسلام والتعايش والدفاع عن يثرب إزاء الغزاة، فتحالفوا على ذلك والتزموا به مدة من الزمن، ازداد خلالها عدد الأوس والخزرج ونمت ثرواتهم، ففسخ اليهود الحلف وقتلوا عدداً منهم وعملوا على إذلالهم، وبقي الأوس والخزرج على تلك الحال إلى أن ظهر فيهم مالك بن العجلان الذي تنجد بأبناء عمومته الغساسنة في الشام فاستجابوا له وأرسلوا جيشاً كسر شوكة اليهود فعادوا إلى الوفاق وعاشوا فترة أخرى حياة متوازنة، فعندما هاجم تبع بن حسان (يثرب) وأراد تخريبها وقف الجميع في وجهه حتى رجع عن قصده وصالحهم وفي هذه المرحلة من الوفاق تحرك أبناء الأوس والخزرج خارج الحزام الذي كانوا محتبسين فيه وبنوا المنازل والآطام في سائر أنحاء (يثرب) وتوسعوا في المزارع وصار لكل بطن من بطونهم مواقع كثيرة، حينئذ خطط اليهود لاستعادة سلطتهم عليهم بطريقة جديدة ترتكز على التفريق بينهم وضرب بعضهم ببعض فأعادوا التحالف معهم وجعلوا كل قبيلة منهم تحالف واحدة من القبيلتين الأوس والخزرج تمهيداً لإيقاع الفتنة بينهم، فتحالف بنو النضير وبنو قريظة مع الأوسيين، وتحالف بنو قينقاع مع الخزرجيين، وبدأت كل فئة يهودية تسعر النار في حليفتها على الطرف الآخروتذكي العداوة والشقاق بينهما، ونجحت الخطة الماكرة واشتعلت الحروب الطاحنة واستمرت قرابة مائة وعشرين عاماً ولم تنته حتى جاء الإسلام فأطفأها المعارك بين الأوس والخزرج بدأت المعارك بين الأوس والخزرج بحرب سمير وانتهت بحرب بعاث قبل الهجرة بخمس سنوات وما بين هاتين الحربين نشبت أكثر من عشرة حروب، وكان لليهود دور في إثارتها وإذكائها وأهم تلك الحروب والوقائع ما يلي: حرب سمير، وحرب حاطب، ووقعة جحجبا وموقعة السرارة وموقعة الحصين بن الأسلت وموقعة فارع ويوم الربيع وموقعة الفجارالأولى والثانية وموقعة معبس ومضرس. وكان آخرها وأشدها حرب بعاث، وقد استعد لها كل من الأوس والخزرج أكثر من شهرين بسبب الأحقاد المتراكمة وتحالف الأوس مع بني قريظة وبني النضير، بينما تحالف الخزرجيون مع مزينة وأشجع وخالفهم عبد الله بن أبي بن سلول، والتقى الطرفان في منطقة تسمى بعاث، واقتتلوا قتالاً شديداً، وتضعضع الأوسيون وحلفاؤهم وقتل عدد كبيرمنهم وبدؤوا بالفرار ولكن قائدهم حضير الكتائب ثبتهم، فقاتلوا بشجاعة وهزموا الخزرجيين وحلفاءهم، وهموا أن يقضوا عليهم نهائياً حتى صرخ رجل من الأوس (يامعشر الأوس انسحبوا ولا تهلكوا إخوانكم، فجوارهم خير من جوار الثعالب) ويقصد اليهود الماكرين.

وبعد تلك الواقعة سئموا الحرب وكرهوا الفتنة وأجمعوا أن يتوجوا عبد الله بن أبي بن سلول ملكاً عليهم ليستتب الأمن وتنتهي الفتن.

وشاء الله أن تحدث بيعة العقبة الأولى ثم تليها العقبة الثانية في مكة وشارك فيها أفراد من القبيلتين المتصارعتين، فكانت بداية لتأليف القلوب وجمعها على الدين الحنيف.

وعندما هاجر رسول الله صلي الله عليه وسلم الى المدينة المنورة أطفأ العداوة بين القبيلتين نهائياً وصاروا بفضل الله إخواناً وبدأت صفحة جديدة من تاريخ المدينة المنورة.

معجم البلدان للحموي بتصرف

 

 


------WebKitFormBoundaryTgGHW1Gl46iFgDXB Content-Disposition: form-data; name="overwrite" 0