كشف ما شاهد الكرام محال

الخبر الدال على وجود القطب والأوتاد والنجباء والأبدال - 1

 

كشف ما شاهد الكرام محال

إن من أغلى الأشياء التى يحرص أهل الله تعالى عليها ويحثُّ عليها الإمام فخر الدين الشيخ محمد عثمان عبده (المحبة) محبة الحبيب صلى الله عليه وسلم ومحبة أهل بيته وصحابته رضى الله تعالى عنهم وبالتالى محبة كل الأولياء والصالحين بل محبة كافة الناس، ولكن من أخطر الأشياء التى ينبهون إليها ويحذرون المريدين من الوقوع فيها هى الدعوى وإظهار المحبة والوله كما قال الشيخ رضوان الله تعالى عليه:

ماذا يقول المدعى يوم اللقا فى          جمعة العرض الكبير الدامى

ولعلمه التام بإنكار بعض الناس إمَّا عن قصد وعناد وإمَّا جهلاً يقول من باب الشفقة والرحمة التى عرف بها:

إن خـشيـتـم أن يضـل ����� الناس فى قولــى فكنوا

ويعلل ذلك بقوله:

كشف ماشاهد الكرام محال ������ إن يكن ممكنا فثم الحياء

وفى هذا السياق نورد هنا ما جاء فى كتاب احياء علوم الدين للإمام أبى حامد بن محمد الغزالى رضوان الله تعالى عليه: فإن قلت: المحبة منتهى المقامات وإظهارها إظهار للخير فلماذا تستنكر؟ فاعلم أن المحبة محمودة وظهورها محمود أيضاً وإنما المذموم التظاهر بها لما يدخل فيها من الدعوى والاستكبار، وحق المحب أن ينم على حبه الخفى أفعاله وأحواله دون أقواله وأفعاله، وينبغى أن يظهر حبه من غير قصد إلى إظهار الحب ولا إلى إظهار الفعل الدال على الحب، بل ينبغى أن يكون قصد المحب اطلاع الحبيب فقط، فأما إرادته اطلاع غيره فشرك فى الحب وقادح فيه، كما ورد فى الإنجيل (إذا تصدقت فتصدق بحيث لا تعلم شمالك ما صنعت يمينك فالذى يرى الخفيات يجزيك علانية وإذا صمت فاغسل وجهك وادهن رأسك لكى لا يعلم بذلك غير ربك) فإظهار القول والفعل كله مذموم إلا إذا غلب سكر الحب فانطلق اللسان واضطربت الأعضاء فلا يلام فيه صاحبه. حكى أن رجلاً رأى من بعض المجانين ما استجهله فيه فأخبر بذلك الشيخ معروف الكرخى رحمه الله فتبسم ثم قال: يا أخى له محبون صغار وكبار وعقلاء ومجانين فهذا الذى رأيته من مجانينهم. ومما يكره التظاهر بالحب بسبب أن المحب إن كان عارفاً وعرف أحوال الملائكة فى حبهم الدائم وشوقهم اللازم الذى فيه يسبحون الليل والنهار لا يفترون ولا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، لا من نفسه ومن إظهار حبه وعلم قطعاً أنه من أخس المحبين فى مملكته وأن حبه أنقص من حب كل محب لله تعالى، قال بعض المكاشفين من المحبين: عبدت الله تعالى ثلاثين سنة بأعمال القلوب والجوارح على بذل المجهود واستفراغ الطاقة حتى ظننت أن لى عند الله شيئاً فذكر أشياء من مكاشفات فى قصة طويلة قال فى آخرها: فبلغت صفاً من الملائكة بعدد جميع ما خلق الله من شئ، فقلت: من أنتم؟ فقال: نحن المحبون لله عز وجل نعبد هاهنا منذ ثلاثمائة ألف سنة ما خطر على قلوبنا قط سواه ولا ذكرنا غيره، قال: فاستحييت من أعمالى فوهبتها لمن حق عليه الوعيد تخفيفاً عنه فى جهنم فإذاً من عرف نفسه فقد عرف ربه واستحى منه حق الحياء خرص لسانه عن التظاهر بالدعوى، نعم يشهد على حبه حركاته وسكناته وإقدامه وإحجامه وتردداته، كما حكى عن الإمام الجنيد رضوان الله تعالى عليه قال: مرض أستاذنا السرى رحمه الله فلم نعرف له دواء ولا عرفنا لمرضه سبباً، فوصف لنا طبيب حاذق، فأخذ قارورة من مائه (يعنى بوله للفحص) فنظر إليها الطبيب فجعل ينظر إليه ملياً ثم قال لى: أراه بول عاشق! قال الإمام الجنيد رضوان الله تعالى عليه: فصعقت وغشى علىّ ووقعت القارورة من يدى، ثم رجعت إلى الأستاذ السرى فأخبرته، فتبسم وقال: قاتله الله ما أبصره! قلت يا أستاذ وتظهر المحبة فى البول؟ قال: نعم، وقد قال الأستاذ السرى مرة: لو شئت أقول: ماأيبس جلدى على عظمى ولا سلَّ جسمى إلا حبه ثم غشى عليه، وتدل الغشية على أنه أفصح فى غلبة الوجد ومقدمات الغشية فهذه مجامع علامات الحب وثمراته وبالجملة جميع محاسن الدين ومكارم الأخلاق ثمرة الحب.. وما لا يثمره الحب فهو اتباع الهوى ورذائل الأخلاق، نعم قد يحب الله لإحسانه إليه وقد يحبه لجلاله وجماله وإن لم يحسن إليه، والمحبون لا يخرجون عن هذين القسمين ولذلك قال الامام الجنيد رضوان الله تعالى عليه: الناس فى محبة الله تعالى عوام وخواص، فالعوام نالوا ذلك بمعرفتهم فى دوام إحسانه وكثرة نعمه فلم يتمالكوا أن أرضوه إلا أنهم تقل محبتهم وتكثر على قدر النعم والإحسان، فأما الخاصة فينالون المحبة بعظم القدر والقدرة والعلم والحكمة والتفرد بالملك، ولما عرفوا صفاته الكاملة وأسماءه الحسنى لم يمتنعوا أن أحبوه إذ استحق عندهم المحبة بذلك لأنه أهل لها ولو أزال عنهم جميع النعم، نعم من الناس من يحب هواه، وعدو الله إبليس وهو مع ذلك يلبس على نفسه بحكم الغرور والجهل فيظن أنه محب لله عز وجل، والذى فقدت فيه هذه العلامات أو يلبس بها نفاقاً ورياء وسمعة وغرضه عاجل حظ الدنيا وهو يظهر من نفسه خلاف ذلك كعلماء السوء وقرناء السوء، وكان سهل رضوان الله تعالى عليه إذا تكلم مع إنسان قال: يا دوستى أى ياحبيب فقيل له: قد لا يكون حبيباً فكيف تقول هذا؟ فقال فى أذن القائل سراً: لا يخلو إما أن يكون مؤمناً أو منافقاً فإن كان مؤمناً فهو حبيب الله عز وجل وإن كان منافقاً فهو حبيب إبليس.

وقد شهدنا عياناً آيات الحب الصادق وثمراته فى سيرة مولانا ومربى أرواحنا الإمام فخر الدين رضوان الله تعالى عليه الذى أحب الحبيب (وأهل بيته وصحابته رضى الله تعالى عنهم بل أحب كل الأولياء وغرس فى أبنائه ومريديه ذلك الحب وحثهم على احترام القوم ودلَّهم على معنى قول الله سبحانه وتعالى {إنما المؤمنون إخوة} وأرشدهم إلى من هم المؤمنون، وكان رضوان الله تعالى عليه يقول حين يتلو قول المولى تبارك وتعالى {لا نفرق بين أحد من رسله} كذلك لا نفرق بين أحد من أوليائه وقال فى بعض قصائده:

وأرضعت أبنائى هوى آل أحمد��      � فأورثهم طه الصفاء ورحمتى

كما قال أيضاً:

فى حصن أمنى من يرتل آيتى����������� ليسير محفوظا بسيف حمانا

والسير إلى الحب هو الذكر الذى حثّ عليه مولانا الشيخ رضوان الله تعالى عليه حيث قال:

يامريدى رضاى فى ذكرك الله�     �� يامريدى خزائن الله عندى

أحمد محمد رضوان - القاهرة

 

الخبر الدال على وجود القطب
 والأوتاد والنجباء والأبدال - 1

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم الحمد لله الذي فاوت بين خلقه في المراتب وجعل في كل قرن سابقين بهم يحيى ويميت وينزل الغمام الساكب والصلاة والسلام على سيدنا محمد البدر المنير وعلى آله وأصحابه الهداة الكواكب. وبعد فقد بلغني عن بعض من لا علم عنده إنكار ما اشتهر عن السادة الأولياء من أن منهم أبدالا ونقباء ونجباء وأوتادا وأقطابا، وقد وردت الأحاديث والآثار بإثبات ذلك فجمعتها في هذا الجزء لتستفاد ولا يعول على إنكار أهل العناد وسميته الخبر الدال على وجود القطب والأوتاد والنجباء والأبدال والله الموفق.

فأقول ورد في ذلك مرفوعا وموقوفا من حديث عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وأنس وحذيفة بن اليمان وعبادة بن الصامت وابن عباس وعبد الله بن عمر وعبد الله بن مسعود وعوف بن مالك ومعاذ بن جبل وواثلة بن الأسقع وأبي سعيد الخدري وأبي هريرة وأبي الدرداء وأم سلمة رضي الله تعالى عنهم ومن مرسل الحسن وعطاء وبكر بن خنيس ومن الآثار عن التابعين ومن بعدهم ما لا يحصى: (حديث عمر) قال أبو طاهر المخلص أنا أحمد بن عبد الله بن سعيد عن السري بن يحيى عن شعيب بن إبراهيم حدثنا سيف بن عمر عن أبي عمر عن زيد بن اسلم عن أبيه قال كان الشام قد أسكن فإذا اقبل جند من اليمن وممن بين المدينة واليمن فاختار أحد منهم الشام قال عمر رضي الله تعالى عنه يا ليت شعري عن الأبدال هل مرت بهم الركاب أخرجه بن عساكر في تاريخ دمشق، وأخرج أيضا من طريق سيف بن عمر عن محمد وطلحة وسهل قال كتب عمر إلى أبي عبيدة إذا أنت فرغت من دمشق إن شاء الله فاصرف أهل العراق إلى العراق فإنه قد ألقى في روعي أنكم ستفتحونها ثم تدركون إخوانكم فتنصرونهم على عدوهم وأقام عمر بالمدينة لمرور الناس به وذلك أنهم ضربوا إليه من بلدانهم فجعل إذا سرح قوما إلى الشام قال ليت شعري عن الأبدال فهل مرت بهم الركاب أم لا وإذا سرح قوما إلى العراق قال ليت شعري كم في هذا الخير من الأبدال. (حديث علي) قال الإمام أحمد ابن حنبل في مسنده عن أبو المغيرة عن صفوان عن شريح بن عبيد قال ذكر أهل الشام عند علي بن أبي طالب وهو بالعراق فقالوا العنهم يا أمير المؤمنين قال لا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الأبدال بالشام وهم أربعون رجلا كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلا يسقي بهم الغيث وينتصر بهم على الأعداء ويصرف عن أهل الشام بهم العذاب - رجاله رجال الصحيح غير شريح بن عبيد وهو ثقة. (طريق ثانية) قال ابن عساكر في تاريخه أنا أبو القاسم الحسيني عن عبد العزيز بن أحمد الكناني أنا أبو محمد بن أبي نصر أنا الحسن بين حبيب عن زكريا بن يحيى عن الحسن بن عرفة عن إسماعيل بن عياش عن صفوان بن عمرو السكسكي عن شريح بن عبيد الحضرمي قال ذكر أهل الشام عند علي بن أبي طالب فقالوا يا أمير المؤمنين العنهم فقال لا إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أن الأبدال بالشام يكونون وهم أربعون رجلا بهم تسقون الغيث وبهم تنصرون على أعدائكم ويصرف عن أهل الأرض البلاء والغرق، قال ابن عساكر هذا منقطع بين شريح وعلي فإنه لم يلقه. (طريق أخرى عنه) قال ابن أبي الدنيا في كتاب الأولياء حدثني أبو الحسن خلف بن محمد الواسطي عن يعقوب بن محمد الزهري عن مجاشع بن عمرو عن ابن لهيعة عن إبراهيم عن عبد الله بن زرير عن علي سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأبدال قال هم ستون رجلا فقلت يا رسول الله حلهم لي قال ليسوا بالمتنطعين ولا بالمبتدعين وبالمتعمقين لم ينالوا ما نالوا بكثرة صلاة ولا صيام ولا صدقة ولكن بسخاء الأنفس وسلامة القلوب والنصيحة لأئمتهم أخرجه الخلال في كرامات الأولاء وفيه بدل (ولا بالمتعمقين) (ولا بالمعجبين) وزاد في أخرى أنهم يا علي في أمتي اقل من الكبريت الأحمر. (طريق أخرى عنه): قال الطبراني عن علي بن سعيد الرزاي عن علي بن الحسين الخواص الموصلي عن زيد ابن أبي الزرقاء عن ابن لهيعة عن عياش بن عباس القتباني عن عبد الله بن زرير الغافقي عن علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تسبوا أهل الشام فإن فيهم الأبدال، قال الطبراني لم يرو هذا الحديث إلا زيد بن أبي الزرقاء قال ابن عساكر هذا وهم من الطبراني بل رواه الوليد بن مسلم أيضا عن ابن لهيعة ثم قال أنا أبو طاهر محمد بن الحسين أنا أبو عبد الله محمد بن عبد السلام بن سعدان أنا محمد بن سليمان الربعي عن علي بن الحسين بن ثابت عن هشام بن خالد عن الوليد ابن مسلم عن ابن لهيعة به، قال ورواه الحارث بن يزيد المصري عن ابن زرير فوقفه على علي ولم يرفعه اخبرناه أبو بكر محمد بن محمد أنا أبو بكر محمد بن علي المقري أنا أحمد بن عبد الله بن الخضر عن أحمد بن علي بن محمد أنا أبي أنا عمرو محمد بن مروان ابن عمر السعيدي عن أحمد بن منصور الرمادي عن عبد الله بن صالح حدثني أبو شريح أنه سمع الحارث بن يزيد يقول حدثني عبد الله بن زرير الغافقي أنه سمع علي بن أبي طالب يقول لا تسبوا أهل الشام فإن فيهم الأبدال وسبوا ظلمتهم- أخرجه الحاكم في المستدرك من طريق أحمد بن الحارث بن يزيد به وقال صحيح وأقره الذهبي في مختصره. (طريق أخرى عنه موقوفة): وبه إلى أبي عمرو السعيدي عن زياد بن يحيى أبو الخطاب عن أبو داود الطيالسي عن الفرج بن فضالة عن عروة ابن رويم اللخمي عن رجاء بن حيوة عن الحارث بن حومل عن علي بن أبي طالب قال لا تسبوا أهل الشام فإن فيهم الأبدال. وقال الحارث يا رجاء اذكر لي رجلين صالحين من أهل بيسان فإنه بلغني أن الله تعالى اختص أهل بيسان برجلين صالحين من الأبدال لا يموت واحد إلا أبدل الله مكانه واحدا ولا تذكر لي منهما متماوتا ولا طعانا على الأئمة فإنه لا يكون منهما الأبدال، له طرق عن الفرج بن فضالة. (طريق أخرى عن علي موقوفة): قال ابن أبي الدنيا عن الحسن بن أبي الربيع أنا عبد الرزاق أنا معمر عن الزهري عن عبد الله بن صفوان قال: قال رجل يوم صفين اللهم العن أهل الشام فقال علي لا تسب أهل الشام فإن بها الأبدال فإن بها الأبدال فإن بها الأبدال أخرجه البيهقي والخلال وابن عساكر، وله طرق عن الزهري وفي بعضها عن صفوان بن عبد الله بدل عبد الله بن صفوان وفي بعضها عن الزهري عن أبي عثمان بن سنة عن علي وفي بعضها عن الزهري عن الأمام علي.��������

للحديث بقية

محمد موسى إبراهيم