خديجة النخلة المثمرة وخديجة السحابة
الماطرة أول من آمن برسول الله أكرمها الله سبحانه وتعالى بأن بعث
إليها السلام لقول جبريل عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم:(بلغ
خديجة من ربِّها السلام ومني السلام وبشِّرْها بقصرٍ في الجنة من قصب لا
حر فيه ولا صخب) فقالت رضي الله عنها: (الله السلام ومنه السلام وعلى
جبريل السلام) وجاء في رواية أخرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر
أن يبشِّرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب أي ليس فيه رفع
صوت ولا تعب ومن قصب أي من درة مجوَّفة� وقد جاء أنها قالت له: يا رسول
الله هل في الجنة قصب فقال: أنه من لؤلؤ مجبَّى أي مجوَّف وجوزيت رضي
الله عنها بهذا البيت لأنها أول من بنى بيتاً في الإسلام بتزوجها برسول
الله صلى الله عليه وسلم
وقد قال الدكتور عبد الله الطيب
يمدحها رضي الله عنها:
لقد بُشِّرت بالخلدِ والبيتِ من
قصبْ ولا فيهِ إلاَّ رحمــةُ اللهِ من صخـبْ
خديجةُ ذاتُ الحزمِ والعــزمِ والأدبْ وخيرُ نساءِ
الأرضِ من عجمٍ او عرب
وقد كانت بداية أمرها مع رسول الله
لما كانت تبعثه في تجارتها إلى الشام.وقد جاء في بعض الروايات أن أبا
طالب جاء لخديجة فقال لها: هل لك أن تستأجري محمداً فقد بلغنا أنك
استأجرت فلاناً ببكرتين، وليس نرضى لمحمد دون أربع بكرات، فقالت خديجة:
لو سألت لبعيد بغيض، فكيف وقد سألت لحبيب قريب0 هي تجتمع معه صلى الله
عليه وسلم في جدِّه قُصَي
.
قال الحافظ بن حجر: وهي من أقرب نسائه صلى الله عليه وسلم إليه في
النسب، ولم يتزوج من ذرية قصيٍ غيرها إلا أمَّ حبيبة0وعن نفيسة بنت مُنية
رضي الله عنها قالت: كانت خديجة امرأة حازمة مع ما أراد الله لها من
الكرامة والخير، وهي يومئذ أوسط نساء قريش نسبا، وأعظمهم شرفا، وأكثرهم
مالا ،وأحسنهم جمالا، وكانت تدعى في الجاهلية بالطاهرة، وفي لفظ كانت
يقال لها
(سيدة قريش)، وكل قومها كان حريصاً على زواجها لو قدر
على ذلك، فقد طلبوها وذكروا الأموال فلم تقبل، فأرسلتني دسيساً (والحديث
لنفيسة بنت منية)، أي خفية إلى محمد صلى الله عليه وسلم، بعد أن
رجع في عيرها من الشام، فقلت: يا محمد ما منعك أن تتزوج ؟ فقال ما
بيدي ما أتزوج به قلت: فإن دعيت إلى الشرف والكفاية ألآ تجيب ؟ قال: فمن
هي؟ قٌلت: خديجة قال: ومن لي بذلك ؟ قلت: بلى وأنا أفعل، فذهبت
فأخبرتها، فأرسلت إليه أن إئت لساعة كذا وكذا، فأرسلت إلي عمها عمرو بن
أسد ليزوِّجها، فحضر ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمومته فزوجه
أحدهم وهو أبو طالب رضي الله عنه، وورد في خطبته للزواج أنه قال:
(الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم وزرع إسماعيل، وضئضيء معد:
أي معدِنه) وقيل إن ورقة بن نوفل ردَّ فقال:(الحمد لله الذي جعلنا كما
ذكرت، وفضَّلنا على ما عددت، فنحن سادة العرب وقادتُها، وأنتم أهل ذلك
كلها لا ينكر العربُ فضلكم، ولا يردُّ أحدٌ من الناس فخرَكم وشرفَكم
ورغبتنا في الاتِّصال بحبلكم وشرفكم ، فاشهدوا عليَّ معاشر قريش أني قد
أنكحت محمد بن عبد الله خديجة بنت خويلد) وتزوَّجها رسول الله صلى الله
عليه وسلم وهي بنت أربعين سنة وقيل خمس وأربعين سنة، وقيل ثلاثين، وقيل
ثمانية وعشرين وقيل خمس وعشرين رضوان الله عليها.
وقيل إن السبب في عرض خديجة رضي الله عنها على رسول الله صلى الله عليه
وسلم ما ذكره ابن إسحاق(كان لنساء قريش عيد يجتمعن فيه في المسجد،
فاجتمعن يوماً فيه، فجاء يهودي فقال: أيا معشر نساء قريش أنه فيكن نبيٌّ
قرُبَ وجودُه، فأيتكنَّ استطاعت أن تكون له زوجاً فلتفعل ، فحصَبته
النساء: أي رمينه بالحصباء، وقبَّحنه وأغلظن له، وأغضت خديجة على قوله
ووقع في نفسها ، فلما أخبرها ميسرة بما رأى من الآيات وما رأته هي: قالت
إن كان ما قاله اليهودي حقاً فما ذاك إلا هذا
).
قال الإمام البوصيري:
ورأتهُ خديجةٌ والتُّقى والزُّهـ
د فيه سجيةٌ والحيـــاءُ
وأتاها أن الغمامة والســَّـر
حَ أظــلَّته منهـما أفيــاءُ
وأحا ديثُ أنَّ وعدَ رسولِ الله
بالبعث حـان منه الوفــاءُ
فدعته إلى الزواج وما أحــ
سنَ ما يبلغ المنى الأذكـياءُ
ولما تزوَّجها رسولُ الله صلى الله
عليه وسلم وهبتْه مالها كلَّه لكيلا يتقوَّل متقوِّل وحفظ لها صلى الله
عليه وسلم الجميل:
ما زال يذكرها ويذكر فضلها وإلى صدائقها يحنُّ وينفق
وكان صلى الله عليه وسلم إذا ذبح
ذبيحةً قسمها أنصبة وبعث إلى أصدقائها رضي الله عنها.
هي أول من آمن به عند مبعثه صلى الله عليه وسلم
.
قال ابن الأثير: (خديجة أول خلق الله تعالى أسلم بإجماع المسلمين) قال
الإمام النبهاني رضي الله عنه:
وازرتـه على النبوَّة لــمَّا
جاءه الوحيُ كان منها الوَحـاءث
إذ أتاه الأمين جبريل في غـار
حراءِ
فزاد فخــراً حــراءُ
فانثنى ترجـف البوادر منـه
لخديـجٍ وحـبذا الإنثــنــاءُ
فرأته فاســتفهمته فلمـــا
علمـتْ أمـره أتـاها الهـنـاءُ
علمت أنَّه النبي الذي في النـَّا
س عنـه قد شاعت الأنبـــاءُ
آمنتْ أسلمتْ أعانتْ وقـد زا
د لديها في شــأنه الآعتنــاءُ
وقد ذكر الإمام البصيري قصة مجيْء
جبريل عليه السلام في داره صلى الله عليه وسلم في ابتداء أمر الوحي وما
كان من خديجة رضي الله عنها
وأتـــاه في بيتـها جبرئيــلٌ
ولذي اللب في الأمور ارتيـاء
فأماطت عنها الخمار لتـــدري
أهو الوحي أم هو الإغـمـاء
فاختفى عند كشفها الرأس جبريـ
ل فما عاد أو أعيد الغطـاء
ألهمها المولى عز وجلَّ أن الملك
الكريم لا يدخل بيتاً وفيه امرأة قد كشفت عن رأسها وهذا من سبق العناية
الإلهية لها بالهدى والتوفيق.
وقٌد خصَّها الله تعالى أن جعل منها
ذريته صلى الله عليه وسلم وهذا دليل على أنه لم يدخل في نسبها رضي الله
عنها سفاح قال:
يا أمَّ فاطمة البتول وأمَّ
مــن ولد الرسـول الهاشميُّ المعرق
ياجدة الحسنين والأشراف من
يعلو علاك وفي المفاخر يلحق
يا أخت آسيةٍ ومريم في الهدى
وبصحبة المختار فضلك أسبق
هذي خديجة لا تقاس بغيرهـا
إلا وكان لها المكان الأشهـق
ربَّت علياً رضوان الله تعالى عليه في
حجرها وكانت به بارةً فأحبَّها وقال في ذكره لابتداء الإسلام (ولم يجمع
بيت الإسلام يومئذ غير رسول الله صلى الله عليه وسلم وخديجة وأنا)�
توفيت أم المؤمنين خديجة قبل الهجرة
إلى المدينة بثلاث سنين وبعد مضي عشرة سنين من بعثته صلى الله عليه وسلم
؛ أي من مجئ جبريل عليه السلام بالوحي وقد أورد ابن اسحق ومن تبعه أن
خديجة رضي الله تعالى عنها ماتت بعد الإسراء ودفنت بالحجون ونزل صلى الله
عليه وسلم في حفرتها ولها من العمر خمس وستون سنة ولم تكن الصلاة على
الجنازة قد شرعت وقد ورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما دخل مكة
عام الفتح ضرب خيمته على قبرها قبل دخوله وبات عند قبرها رضوان الله
عليها ويذكر أنه صلى الله عليه وسلم دخل على خديجة رضي الله عنها وهي
مريضة فقال لها: يا خديجة أتكرهين ما أرى منك وقد يجعل الله في الكره
خيرا، أشعرت أن الله أنه أعلمني أنه سيزوِّجني وفي رواية: أما علمت أن
الله قد زوَّجني معك في الجنَّة مريم ابنة عمران وكلثم أخت موسى وآسية
امرأة فرعون قالت: آلله أعلمك بذلك يا رسول الله قال نعم قالت:
بالرَّفاء والبنين�وزاد في رواية أنه صلى الله عليه وسلم أطعم خديجة من
عنب الجنة�
وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت:
(ما غرتُ على أحدٍ ما غرتُ على خديجة رضي الله عنها، ولقد هلكت قبل أن
يتزوجني صلى الله عليه وسلم)
وقد قالت له صلى الله عليه وسلم وقد مدح
خديجة رضي الله عنها:(ما تذكر من عجوز قد بدَّلك الله خيرا منها) فغضب
صلى الله عليه وسلم (والله ما أبدلني الله خيرا منها آمنت بي حين كذَّبني
الناس وواستني بمالها حين حرمني الناس ورزقت منها الولد وحرمته من
غيرها)� وروي أن هالة أخت خديجة دخلت بيت رسول الله (بعد وفاة أم
المؤمنين خديجة وحيَّت فارتاع رسول الله) إذ كان صوتها يشبه صوت خديجة ثم
انتبه وقال: اللهم هالة،إّذ تبين له أنها هالة وليست خديجة وهذا من فرط
محبته لها ووفائه لذكراها�
قال بعض المحبين:
إني لأخـجلُ أن ألـوذَ ببابــها
وصحائفي سودٌ وفعـليَ مـوبق
لكنَّها أُمـِّي أحـنُّ
لبيتــــها
مهما
جنيتُ فـبـابها لا يغلــق
ياربِّ صـلِّ على النبيِّ محمــد
وعلى خـديجةَ ما دعاك الممـلق
وعلــى جميع الآل ما قال امرؤٌ
حــدِّث
عن الفضلى فأنت مصدَّق
و السيدة خديجة لا يسبقها أحد في حب
رسول الله صلى الله عليه وسلم لهاوكذلك السيدة مريم عليها السلام هي سيدة
نساء العالمين في زمنها ولكنها تتزوج من المصطفى عليه الصلاة والسلام فى
الجنة فهي من سيدات النساء ولكن السيدة خديجة سبقتها في ذلك وكما ورد في
حديث البخاري كمل من الرجال الكثير ولم يكمل من النساء إلا أربع آسيا بنت
مزاحم ومريم ابنة عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد قال سيدي فخر
الدين:
سيدات الكـون كل
أعطيت فضلا حبيا
فالتي طلبت نجـاة
قد حباها موسويـا
أخت هارون حباهـا
الله نورا عيسويـا
فهي أخت لي وأم الطهر
ماكانت بغــيا
أمنا الزهراء ذات الـ
إجتبا نورا ثنيـا
بنت من خُصَّت بخير ال
خلق بدءا أوليــا
رضي الله عن أم المؤمنين السية خديجة
وعن سائر أمهات المؤمنين.
دعبدالله محمد أحمد |