العد د الرابع (مايو)

 

 جلّ وصف غراسها

شعاع من بني النور


 جلّ وصف غراسها

الجميل يحفظه أهله

 في إحدى حدائق دمشق الغناء جلس الشيخ إبراهيم رضي الله عنه على مائدة الإفطار في رمضان مع مريديه الذين انشغلوا بما لذ وطاب من الطعام الذي اشتهر به أهل الشام مع كرم الضيافة الذي يجعل المعدة أكثر اتساعا فبدأ الشيخ يشاغلهم بمداعباته التي يتستر وراءها ليزيل الرهبة من النفوس ويزيح الصمت عن الطعام ، وبعد تناول الإفطار وتوابعه من الحلويات الشامية  دخلت سيدة وقورة في عقدها السادس وسلمت على الشيخ فرحب بها أيما ترحاب كعادته وسألها عن حالها وأخبارها وكل أفراد أسرتها، فأجابت السيدة برنة حزن مع تجلد ثم ابتدرت الشيخ بسؤال أ صحيح يا مولانا أنك غاضب مني

فقال مولانا الشيخ ولم أغضب منك وأنا لم أر منك إلا كل الخير ، ثم استرسل قائلا وهل أنا الذي يغضب بغير سبب في الله ، هل أنسي لك خدمتك للطريقة أنت وزوجك وجميع أفراد أسرتك في بلدك أكثر من عشرين سنة ؟ هل أنسى أنك آويت الحضرة في منزلك سنين طوال تخدمين الأحباب وتعدين الطعام والشراب وتمدين يد المساعدة لكل من أتى إلى دارك ؟

ثم سكت الشيخ برهة وقال أنا لم أنسى جميل قدمه لي رجل وأنا في طريقي إلى مدنى وتعطلت السيارة عند قرية (التكينة) فخرج إلينا رجل بسيط قد علق مسبحته في رقبته وأصر على أن أنزل عنده في بيته وكان معي ضيوف من القاهرة وأعد لنا أسْرِّة وقدم لنا الشراب في ذلك الحر القائظ من الصيف ثم بعد أن تم إصلاح السيارة وكنا قد أخذنا قسط من الراحة هممنا بالخروج ولكنه أصر علينا لنتناول معه طعام الغداء وشربنا الشاي وانصرفنا ونحن له شاكرين هذا الجميل لاأنساه له طوال حياتي ، فكيف أنسي جميلك علينا هذه السنين الطوال �

فانفرجت أسارير السيدة وتهلل وجهها بالبشر وقالت وأنا سوف أظل خادمة الطريقة والأحباب ما حييت ، وانصرفت السيدة مجبورة الخاطر تكاد تطير فرحا وكدت لأطير معها وأنا أردد حديث النبي الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم (ما عبد الله بشىء أحب إليه من جبر الخواطر)




شعاع من بني النور

 اليكم يا احبائي خفايا (2)

 

مازال سردنا عن مسيرة الاولياء الكمل يتابع خطاه وحتى يتسنى لنا معرفة الكثير من الدر المنثور عن سيرة سيدى إبراهيم القرشى الدسوقى (رضي الله عنه ) وهنالك الكثير الكثير من الحقائق الخفية عن حياته وكراماته وعلاماته هذا هو التاريخ وكتب السيرة تحدثنا عن واحدة من الخفايا وهى أن أحد الولاة عين سيدى ابراهيم القرشى الدسوقى شيخا للإسلام ولكنه زهد المنصب العظيم خوفا من الله وحبا له حتى لايشغله عن ربه شئ ورؤيته ان الدعوة الى الله خالصة لاهل الله امر مطلق غير مقيد� 

 وكان رضى الله عنه لايخاف فى الله لومة لائم وصاحب حق عالى وغيرة عالية وهمة لا مثيل لها وله أمثال عدة منها قصته مع السلطان الأشرف خليل بن قلاوون عندما أرسل له رسالة يلومه فيها على ظلمه لشعبه فى الحكم وما كان رد فعل السلطان الا أن أرسل فى طلبه وكان رد سيدى ابراهيم رضى الله عنه مقالته الشهيرة (إنى هنا ومن يريدنى فعليه الحضور للقائى ) هكذا يعلم أبنائه الهمم العالية وعزة النفس والكرامة والشجاعة وحب الله ورسوله والغيرة علي الدين� وقد تحدث السيد الدسوقى عن حياته وما اعطاه الله من وافر النعم وعظيم الكرم وقال قولا غاية فى الدقة:

سقانى محبوبى بكأس المحبة         فتهت عن العشاق سكرا بخلوتى

ولاح لنا نور الجلالة لو أضاء        لصم الجبال الراسيات لدكــت

  ومن كلامه رضى الله عنه (الحمد لله الذى أنار قلوب أوليائه بنور معرفته وجعله خير مرب يذكرونه صباحا ومساء جعلوا الخلوة اليفهم والحق انيسهم والذكر مشربهم والصبر دثارهم والعبادة شأنهم ركعا سجدا إلى الصباح صاموا على الدوام وتهجدوا القيام  وهجروا لذيذ المنام وشربوا كأس الراح ركبوا خيول العزم واشتدوا بمناطق الحزم وجدوا فى الصلاة والصوم )رضى الله عنه� وكلاما كثر عن مناقبه�وأمامنا الدسوقى رضى الله عنه ربى رجالا وهذب نفوسا وترك بعده آثارا تدل دلالة واضحة على عظيم مقامه وعلو همته وانتشرت طريقته الطريقة البرهانية إنتشارا واسعا وعظيما وذلك بفضل رجال هذه الطريقة وخلفائها� وسيدى إبراهيم الدسوقى رضي الله عنه أظهره الله عز وجل إلى الوجود وأبرزه رحمة للخلق وأوقع له القبول التام عند الخاص والعام وصرفه فى العالم ومكنه فى أحكام الولاية وقلب له الاعيان وخرق له العادات وأنطقه بالمغيبات وأظهر على يديه العجا ئب وصومه فى المهد وله كلام كثير عال على لسان أهل الطريق� وكان رضى الله عنه ينثر كثيرا ومن كلامه أيضا (يجب على المريد ألا يتكلم قط إلا بدستور شيخه إن كان جسمه حاضرا وإن كان غائبا يستأذنه بالقلب وذلك حتى يترقى إلى الوصول إلى هذا المقام فى حق ربه عز وجل فإن الشيخ إذا رأى المريد يراعيه هذه المراعاة رباه بلطيف الشراب وأسقاه من ماء التربية ولاحظه بالسر المعنوى الإلهى� فيا سعادة من أحسن الأدب مع مربيه ويا شقاوة من أساء) وكان رضى الله عنه يقول (من عامل الله تعالى  بالسرائر جعله على الأسرة والحظائر)�

كان رضى الله عنه يقول من لم يكن متشرعا متحققا نظيفا عفيفا شريفا فليس من أولادى ولو كان إبنى لصلبى� وكل من كان من المريدين ملازما للشريعة والحقيقة والطريقة والديانة والصيانة والزهد والورع وقلة الطمع فهو ولدى وإن كان من أقصى البلاد� وكان رضى الله عنه يقول ما كل من وقف عرف لذة الوقوف� ولا كل من خدم عرف آداب الخدمة� وكان رضى الله عنه يوصى أبنائه ويقول لهم سألتكم بالله يا أولادى أن تكونوا خائفين من الله تعالى فإنكم غنم السكين وكباش الفناء وخرفان العلف وقال أيضا لا يكمل الفقير حتى يكون محبا لجميع الناس مشفقا عليهم، ساترا لعوراتهم وإن إدعى الكمال خلاف ما ذكرناه فهو كاذب� وحتى تلنقى إنشاء الله مع درة أخرى من درر نجوم الدنيا والآخرة ساداتنا أهل الله�

غاده سليمان الزين