العد د الرابع (مايو)

 

الأشخاص المحترمين عند الله

معنى الذكـــــر


الأشخاص المحترمين عند الله

 أعلم  أيها الأخ المقبل على الله أنك مسلمٌ بفضل الله الذي أجْرتْهُ القدرةُ على متُوُنِ الأسباب وماهذه الأسباب إلا أظهر (جمع ظهر) الصحابة والتابعين وتابعيهم والأمثل في كل أمةٍ من العلماء العاملين الذين اتفق الناسُ عليهم ولم يختلفوا وذلك فضل الله على رسوله وأمَّةِ حبيبه ؟ فمن يقولُ إلاَّ خيراً في أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد ومن يقولُ إلاَّ خيراً في السفيانين والليث بن سعد وابن حزم وسلطان العلماء عزالدين بن عبد السلام والحسن البصرى والجنيد والبخاري ومسلم وأبي داوود وابن ماجة والترمذي والنسائي وغيرهم كثيرٍ وكثيرٍ طبقاتٍ وطبقاتٍ ،أقول ذلك كلَّه لأسألك وأسأل نفسي : هل ترك هؤلاء في الدين والدنيا شيئا من علم رسول الله ؟ إلاَّ بَيَّنُوه ووضَّحُوهُ وأصَّلُوه وفصَّلُوه ودَوَّنُوه ؟! �� أقول كلا�

إذن فما قولهم في التصوف ؟

وإذا قالوا هم في التصوف وعرَّفوه ونَبَّهوا على فضله أليس هذا بكافٍ لنا من البحث والمشقة في أصل كلمة تصوف واشتقاقها وهل هو بدعةٌ أم واجبٌ أم كذا وكذا ؟

الرجالُ قد عرَّفوه ونبَّهوا عليه فَلِمَ نأخذُ عنهم شيئا وندع آخــر ؟

 '' فعلامةُ المُسْـتَـقْـدِمين مع الكرامِ تأدُّبُ '' �

قول الإمــام أحمــد:  (التصــوف)

حكي ابنُ أيمن في رسالته عن الإمام أحمد أنه كان في أول أمره يَنْهىَ ولَدهُ عنْ مجالسةِ الصوفية حتَّى نزلَ عليه جماعةٌ منهم في الليل من الهواء فسألوه عن مسائل في الشريعة حتى أعجزوه ثم صعدوا في الهواء فمن ذلك الوقت كان يقول لولده : '' عليك بمجالسة الصوفية فإنهم أدركوا من خشية الله وأسرار شريعته ما لم ندركه '' وكان إذا عجز في مسألة يقول للشيخ أبي حمزة البغدادي ماتقول في هذا ياصوفي ؟ فإذا أجابه بشئ أخذ به � (المصدر السابق)

وقيل له : بأي شئ ذُكِرَ القوم فصارو أئمة ؟ فقال : بالصدق       قالوا : وما الصدق ؟

قــال : الإخلاص     قالوا: وما الإخلاص ؟ قــال : هو الزهد   قالوا: وما الزهد يأبا عبد الله ؟

فأطرق ثم قال : سلوا الزهاد سلوا بشر بن الحارث �  (قوت القلــوب)

قول صاحب (الاحياء) الإمام أبوحامد :  (المنقذ من الضلال)

'' ثم إني لما فرغت من هذه العلوم أقبلت بهمتي على طريق الصوفية وعلمت أن طريقتهم إنما تتم بعلم وعمل وكان حاصل عملهم قطع عقبات النفوس والتنزه عن أخلاقهم المذمومة وصفاتها الخبيثة حتى يُـتَوَصَّل بها إلى تخليةِ القلب عن غير الله وتحليته بذكر الله ���� الخ وأطــال � 

 سلطان العلماء عزالدين بن عبدالسلام :  (أئمة الفقه التسعة - عبد الرحمن الشرقاوي)

كان يقول : '' كل الناس قعدوا على رسوم الشريعة (أى صورها)  وقعد الصوفية على قواعدها التي لا تتزلزل '' ثم قــال :

-ويؤيد ذلك مايقع على يديهم من الكرامات والخوارق ولا يقع ذلك قط على يد عالم ولو بلغ في العلم مـا بلغ إلا ان سلك طريقهم � - وكان يرد على أدعياء التصوف ويمدح كبار الصوفية الأقطاب وقال للناس: '' اسمعوا كلامهم فهو قريب العهد بنبع الحقيقة ''

وكانوا هم يقولون :'' مَامِنْ مجلسٍ في الفقه أبهى من مجلس الشيخ عزالدين ''

- وهو أول من سمى التصوف وعرَّفه بـ (علم الحقيقة) وهى معرفة أحوال الباطن

قلت : وذلك ليرد اللفظ المستحدث إلى لفظ قديم من مشكاة رسول الله  حين سأل سيدنا (معاذ) : كيف أصبحت فقال : أصبحت مؤمنا حقا فقال : لكل حق حقيقة فما حقيقة إيمانك فقال : ������ الحديث�

فكلمة (الحقيقة) لفظ نبوي مَعْـنِىٌّ مُعْـتَبَرَ والمراد منها التعبير عن مقام الاحسان الذي عبَّر عنه بــاقي الحديث �

فأراد أن يقول إن أصل التصوف قديمٌ وإنما الحادث هُو لَفْظُهُ فقط ولا اعتبار بذلك وإن كان ذا دلالة عند أهله فهذا خاص بهم ولايجب أن ينكره غيرهم عليهم وإلا حوسب بظاهر الشريعة على سوء ظنه بأحد المسلمين طالما لم يَتَبَيَّنْ عقيدتَه أو يتحرَّ الأمر�

- وكان يقول :الشريعة مجاهدة والحقيقة مشاهدة ولا تباين بينهما إذ الطريق إلى الله تعالى لها ظاهر  وباطن فظاهرها الشريعة وباطنها الحقيقة وتجمعها آية : {إياك نعبد وإياك نستعين} فإياك نعبد (شريعة) وإياك نستعين (حقيقة) ، قال رسول الله : العلم علمان علم باللسان وعلم بالقلب�  1 هـ كلامه؟

- الإمــام الجنيــد: (إمـام الطــائفـة)�

قيل كذلك لأنه أول من دون علوم الصوفية كان يقول :(علمنا هذا مشيد بالكتاب والسنة) ايقاظ الهمم في شرح الحكم لسيدي أحمد بن عجيبة�

- الإمــام مــالك :

سبق قوله : من تصوف ولم يتفقه فقد تزندق ،ومن تفقه ولم يتصوف فقد تفسق، ومن جمع بينهما فقد تحقق قول شيخنا السيد إبراهيم الدسوقي وحل إشكــالية عدم ظهور علم التصـوف في زمـن الصحـابة والتـابعيــن وهو من أروع ماقيل في فضِّ هذا الإشكال الذي أرَّق الكثيرين حتى من أهل التصوف أنفسهم ،  قــال: (لو أن  الفقيه - أي الواقف عند حد الظاهر من الشريعة - أتى العبادات والمأمورات الشرعية بغير علَّة كما أمره الله تعالى لاستغنى عن الشيخ ، ولكنه أتى العبادات بعللٍ وأمراض فلذلك احتاج إلى طبيب يداويه حتى يحصل له الشفــاء)�

ومن هنا استغنى التابعون عن الخلوة والرياضة (وهي مجاهدات صوفية لتهذيب النفس وتقويمها) كما عليه تلامذة الاشياخ ولم ينقل عن أحد منهم أنه دون شيئا في علاج الأمراض الباطنة لعدمها في عصرهم أو قِلِّتها جدّاً حتى لا تكاد توجد ، وكان معظم اجتهادهم إنما هو في جَمْعِ الأحـاديث الشريفة والمطابقة بينها وبين الكتاب العزيز وهذا أهم من اشتغالهم بعلاج امراض لا توجد ولو علموا أن فيهم شيئا من ذلك (كالعجب والرياء والحقد والحسد ��) لقدَّموا علاجَه على سائر الأعمال من باب (ما لا يتم الواجب إلاَّ به فهو واجب)� { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة } (الآيــة 5 ســورة البينــة)    1 هـ  من أئمـة الفقه التسعة�

قلت : وهذا كلام نفيس لأن النبي  هو أصل العلوم والجامع لها ومعلمها في ثلاث وعشرين سنة من أول بَعْثِه  فوجوده بين الصحابة كان الأصل في الإفتاء فلا يلزمه الفروع وإن كان قد حدث ذلك في حياته مثال إختلاف الخلفاء الأربعة في تعريف كلمة (الحين ) فإنما رُجع إليه ليفصل في الأمر فحسمه بأن قــال: (أصحابي كاالنجـوم بأيهم اقتديتــم اهتديتـم) رواه البيهقى�

وهو الشارع فما ينبغي أن يتعداه أحدٌ بعملٍ يدَّعي فيه صلاح أمر الدين والدنيا فحدَّد أولويات ينبغي البدء بها في أول الدعوة مثل الجهاد ونشر راية الدعوة إلى الإسلإم والهجرة وغير ذلك فسمعوا وأطاعوا وأنفقوا فوقَاهم الله شح أنفسهم أولئك هم المفلحون �

نزل الصحــابة عند حكم مليكهم     غنموا وكــان الرفــد والإرفــاد

ثم إذا استفتاه أحدهم في مسألة أفْتـَاه فصار هذا الرجل أصلا يرجع إليه في باب هذه المسألة في الدين كله - لا فرعا - وهذا خطر الصحابة ولهذا ينبه  أمتــه : (إذا ذكرت صحابتي فأمسكوا) رواه الطبراني عن ابن مسعود  فهم شركاؤه في التشريع ولذلك قال: (لو أنفق أحدُكم مثل أُحدٍ ذهباً ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نُصَيْـفَه) رواه البخاري�

فظهر الإجمال وخَفِىَ التفصيل ذلك كله في زمن النبي  ولذلك لم نسمع بعلوم النحو واللغة والبيان والبديع والصرف والفقه والعقيدة والتوحيد والكلام والمنطق فهي كلها في النبي مجملة تفوح عطراً فوَّاحاً من فِيهِ إذا نطق { إن هو إلاَّ وحي يوحى علمه شديد القوى } ثم بعد أن خَفِىَ التفصيل زمن النبي ظهر في كل عصر شئ منه على حسب حاجة المسلمين '' لكلٍّ جعلنا منكم شِرْعَةً ومنهاجـا� ''

ودليل ذلك قوله :  (أنــا مدينـة الصــدق وأبـوبكــر بابها وأنــا مدينــة العـدل وعمــر بابها وأنــا مدينة العلم وعلـي بــابهـا ) رواه الديلمي  فهو المدينة الكبرى التي لاثُورَّت لواحد فقط من أمته لاستحــالة أن يوجد واحد هُوَ هُوَ عِيْنُ النبي  وذلك لِعُلُوِّ قَابِلَتِه  مِنْ أَنْ تُدانيها قابلةٌ ثانيةٌ وكيف وهو من قال :(أما والله إني أتقاكم لله وأخشاكم له) رواه مسلم في صحيحه ،   ويشير إليه ربه في الآية { ���لتعــارفوا إن أكرمكم عند اللـه أتقــكم }  فهي وأن فسرت لتعم كل تقي يمكن أن تؤول لتخص أتقى الأتقياء محمد  فهو بلا شك عند الأمة أكرم خلق الله على الله فورَّث  نورَ النبوة للصحـابة كلِّهم فَوَرِثَهَا التابعون وتابعوهم والصالحون إلى يوم القيامة، فظهر المجمل عند النبي مفصلا عند غيره مِمنَّ هم أهلٌ للأمانة والخلافة والوراثة ؛ فكانت حكمة الله أن يكون الإجمال والتفصيل كل في وقتة وأوانه .

 د. إبراهيم الدسوقى


معنى الذكـــــر

إن الشيء ليعرف بضده أحياناً فلا نستطيع أن نعرف النور إلا بمعرفة الظلمة ولا الارتواء إلا بمعرفة الظمأ ولا الشبع إلا بالجوع، ولا فضيلة الذكر إلا بعكسه وهي بَلِيَّة الغفلة، فالذكر ضد الغفلة والنسيان وكذا كان الذكر مطردة للنسيان قوله تعالى���{وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ���) سورة الكهف 42

والذكر في معناه اللغوي:

الذكر بالكسر الحفظ للشيء كالتذكار والشيء يجرى على اللسان والصيت، كذا في  القاموس المحيط�

الذكر اصطلاحاً بصفة عامة: هو كل عمل فيه طاعة لله�

وهذا ما نقله الإمام القرطبي عن سعيد بن جبير عند تفسير الآية {فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون} البقرة 152 حيث قال:  اذكروني بالطاعة أذكركم بالثواب والمغفرة، وقال أيضا: الذكر طاعة الله، فمن لم يطعه لم يذكره وإن أكثر التسبيح والتهليل وقراءة القرآن، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من أطاع الله فقد ذكر الله وإن أقل صلاته وصومه وصنيعه للخير ومن عصى الله فقد نسي الله وإن كثر صلاته وصومه وصنيعه للخير)، ذكره أبو عبدالله محمد بن خويز في ''أحكام القرآن''�

      وذكر الإمام القرطبي عن تفسير نفس الآية معنى آخر للذكر حيث قال:��� وأصل الذكر التنبه بالقلب للمذكور والتيقظ له� وسمي الذكر باللسان ذكرا لأنه دلالة على الذكر القلبي، غير أنه لما كثر إطلاق الذكر على القول اللساني صار هو السابق للفهم�أهـ�

ومن هنا يظهر معنى اصطلاح الذكر عند الصوفية�

الذكر اصطلاحاً عند الصوفية:

الذكر: هو ترديد اسم المحبوب (الله) دون طلبٍ لمنفعة ولا دفعٍ لمضرة�

ابن عطاء الله السكندري: الذكر هو التخلص من الغفلة والنسيان بدوام حضور القلب مع الحق�

القشيري: الذكر منشور الولاية، ومنار الوصلة، وتحقيق الإرادة، وعلامة صحة البداية ودلالة النهاية، فليس وراء الذكر شيء ، وجميع الخصال المحمودة راجعة إلى الذكر ومنشؤها عن الذكر�أهـ�

وقد قالوا (اشغل نفسك بالطاعات قبل أن تشغلك بالمعاصي) ورضي الله عن الإمام علي رضي الله عنه حيث قال: ''اشتغالك بما لا يعنيك يضيع عليك انشغالك بما يعنيك فإذا لم تشغل نفسك بالذكر والطاعة شغلتك بالقيل والقال والغيبة والنميمة''� وكأنه يشرح قول رسول الله (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)�

وفي هذا المعنى يقول الإمام الفخر الرازي عند تفسير قوله (ولله الأسماء الحسنى) الأعراف 180 ما نصه: (إن الموجب لدخول جهنم هو الغفلة عن ذكر الله تعالى ، والمُخَلِّصَ من عذاب جهنم هو ذكر الله تعالى، وأصحاب الذوق والمشاهدة يجدون من أرواحهم الأمر كذلك ، فإن القلب إذا غفل عن ذكر الله، وأقبل على الدنيا وشهواتها وقع في باب الحرص وزمهرير الحرمان ، ولا يزال ينتقل من رغبة إلى رغبة، ومن طلب إلى طلب ومن ظلمة إلى ظلمة، فإذا انفتح قلبه على باب ذكر الله ومعرفة الله تخلص من نيران الآفات، ومن حسرات الخسارات، واستشعر معرفة رب الأرض والسموات)�أهـ�

أحمد عبد المالك