العد د الرابع (مايو)

 

زاويــــة ومسجـد الأُبَيـِّضْ

بـالـحـقـائـق نـاطـقـيـن


زاويــــة ومسجـد الأُبَيـِّضْ

 

لؤلؤة الغرب المدينة التجارية التي تعج بالحركة في كل وقت يأتي إليها كل شارد ووارد هذا للبيع أو الشراء في مواسم المحاصيل كالفول السودانى والصمغ العربي والسمسم والكركدية وذلك الطالب للعلم أتى يحمل دفاتره على عاتقه مسيرة أيام لأن الحساب هنا مختلف فالسفر في الحضر يقاس بالكيلو مترات أما من أتى من أقاصي الغرب فإن القياس على ظهر اللوري المحمل بالبصل أو الفحم يجلس فوقه يعد الأيام تجاوره دجاجاته بأفراخها ليوصلها لخالته ويحمل في جرابه وجبة تنفعه في حالة نفاذ طعامه وأمواله يحملها الرعيان في الخلاء تحسبا للظروف ويسمونها (خميس طويره) وعلى المقابل من الصورة المنحوته بأظافر القدر تجد لوحة أبدعتها يد فنان مرهف فهذا العريس يقود عروسه إلى شهر العسل في بلاد العسل يستقلون اللاند كروزر التي أقلتهم من المطار إلى الفندق حيث يمضون أياما بين حدائق البان جديدالتي ولابد أن تصحبها رائحة الشيَّة (الشواء) التي تنبعث من الخروف الصغير الذي يرقد في أحضان الجمرات، كثير من الصور التي تتزاحم في عين المسافر وذاكرته، وها نحن قد وصلنا إلى باب زاوية البرهانية في مدينة الأبيض فتجد اللافته تعلو الباب الحديدي تطاول عنان السما فتقرأها بصعوبة، لتحكي قصة بناء الزواية التي اختار موقعها سيدي فخر الدين رضي الله عنه بنفسه ولما بدأوا في حفر الأساس وجدوا حوضا مجهزا للماء وهو مشكلة البناء في تلك المناطق فيا لمحاسن الصدف أو قل يال الكرامة لأهل الله�

وعندما تدخل من البوابة تجد على يمينك نخلة باسقة رزق للعباد برطبها ورحمة بفيئ ظلالها فقال لي مرافقي أتعلم قصة هذه النخلة فقد كان سيدي فخر الدين رضي الله عنه في إحدى زياراته الأولى وقدمنا له التمر فأكل واحدة ثم أخذ النواة وقام فغرسها في هذا المكان وتولاها بالري والعناية طوال زياراته ورعاها الإخوان بعد أن نمت وهاهي في مكانها لتخبر الناس أن من غرس جنى ثمار غرسه وألايستهين الأحباب بأي عمل ولو كان غرس نواة فإن الفائدة ستكون عميمة على الكل هكذا كان الشيخ لايقول فقط في دروسه بل يكون أول من يعمل فياليت أرباب الفهوم على هدى، ونظرت أمامي فإذا بساحة كبيرة أمام الزاوية قد تم عمل سور صغير ليفصل مكان الحضرة عن باقي الساحة كي لاتزحف الرمال إلى داخل الغرف وقد تم عمل الأرضية بالبلاط الذي ينتهي إلى أعمدة الفراندة الكبيرة أمام غرف الأعاشة وصالون الحضرة الشتوي،وعلى يمينك تجد الجناح المعد للشيخ حال زياراته ردهة واسعة للضيوف قد فرشت أرضياتها بالسجاد ثم غرفة على يمينك فسيحة قد جهزت للإقامة والنوم بكل وسائل الراحة، ومن الصالة الكبيرة إلى ردهة غير صغيرة لجلسة العصر مع ميضأة صغيرة لوضوء الشيخ وضيوفه ومنها إلى الممر الذي تقبع على قارعته نخلتنا العزيزة�

وعلى حافة الفراندة حال خروجك تقبع غرفه للضيوف مجهزة بالأسرة مع دولاب للملابس بها نافذتان تطلان في استحياء على المدخل الرئيسي، ونعرج تحت السقف المرفوع على الأعمدة لنجد صالون الذكر الشتوي قد مد بساطه وجهزت به أدوات الحضرة من ميكرفونات وسماعات وخلافه ثم بعد ذلك إلى غرفة المكتب التي كانت أولى الغرف تخصيصا للشيخ قبل بناء الجناح السابق وصفه وقد أعدت لتكون غرفة للإتصال جهزت بالتليفون وجهاز الحاسوب الذي تدخل به مباشرة على موقعنا في شبكات الاتصال العالمية الإنترنيت� وهناك ممر خلف هذه الغرفة يقودك إلى المطبخ حيث تستظل تحت التبلدية العجوز أو تأخذ من ثمار الجونجليز لتصنع شرابا يعينك على حرارة الشمس أو يصلح من حال معدتك�

ومن هاهنا تلمح عينك مئذنة المسجد الجديد الذي تم على أسس من روعة المنظر وحلاوة المخبر يناديك للصلاة في أوقاتها الخمس، مثمن الأرجاء مجهز بالمراوح والتكييفات الصحراوية، مكتبة ومنبر أنيق، مصلى خاص بالنساء، بساط راقي، ومسابح وأذكار أرقى فالمساجد التي تخلو من الذاكرين لله والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ماذا يفيد بناؤها وهندسة شكلها فالإعمار بالهدى خير من الإعمار بالبناء وسيدي فخر الدين رضي الله عنه حينما أسس المكان أسسه بالرجال والقلوب قبل أن يؤسس بالحوائط والطوب فاللهم اجعلنا على نهج شيخنا سائرين غير مائلين أومميلين حتى تعم المشرقين طريقة أبا العينين�  


بـالـحـقـائـق نـاطـقـيـن

أيام سعد ليلهن صباح

إحتفلت الطريقة البرهانية الدسوقية الشاذلية منذ أيام بالذكرى السنوية للإمام فخر الدين الشيخ محمد عثمان عبده البرهاني� وقد شارك في هذا الاحتفال السنوي الكبير أعداد كبيرة  من الشعوب والأجناس المختلفة وتسمى هذه الذكرى السنوية في لغة التصوف >بالحولية< والحولية لغة منسوبة إلى الحول والحول هو السنة� ولأن هذه الذكرى يحتفل بها كلَّ عام وكلَّ حول ؛ سميت بالحولية� وهي عند أهل التصوف عيد من أعيادهم مثل عيد الفطر وعيد الأضحى وهما عيدان لعامة المسلمين� أما الصوفية فيحتفلون بالعيد السنوي للمولد النبوي الشريف ويسمى بالمولد، إضافة إلى ذلك فهم يحتفلون بذكرى ومولد المشايخ (أولياء الله)  وتتجدد كل عام هذه الذكرى فيحتفلون بها

من هذا المنطلق تحتفل الطريقة البرهانية بالذكرى السنوية للشيخ محمد عثمان عبده البرهاني كلَّ عام فتشهد فجرا جديدا مشرقا على وجوه أفواج من المحبين وجموع من المريدين ما وطئت أقدامهم من قبل أرض السودان ولا عرفوا الطريق إليه من قبل� وبفضل هذه الذكرى الخالدة غدا السودان وجهة يوليها الناس وجوههم من كافة أقطار العالم للمشاركة في الاحتفالات بها تعرُّضاً لنفحاته ورغبة في القرب من مقامه والحلول بباحته والتي عبر عنها قائلاً:

وحول مقامي رحمة الله كلها     وفي سوحه مائي وفيه مزاودي

والذكرى السنوية الخالدة للشيخ محمد عثمان تطالع العالم في كل عام بالجديد من الفتوحات الإيمانية والإشراقات النورانية النابعة من علومه ومعارفه واقتداره على خدمة الدين بما أهدى للمؤمنين من خير يكون سبباً للسعادة في الدنيا والنجاة في الآخرة� فما تجاوز الشيخ محمد عثمان (صاحب الفرح) طورا إلى الآخر إلا بمزيد من الاقتدار والتمكين والمعرفة بخصائص القلوب والأرواح والأجساد، داءً وشفاءً، واختلافا ووفاقا، وتدرجاً إلى الأمام� وذلك لاصطفائه لرسالة عظمى وحمل أمانة كبرى تكون له آية من الآيات، ولغيره خدمة من أجلِّ الخدمات� في وقت ليس فيه مماثل أو نظير، خبيرا اختاره الله لخدمة الدين وقيادة السالكين إلى رب العالمين� وهنا قال الشيخ محمد عثمان عبده:

   وتقلبت في هواه وفخري           نسب في تقلُّب السجـاد

   وتكتَّمت أمرَه فهــداني         رَشَداً واصطفيت بالإرشاد

فآيته متجددة وهدايته موصولة وأنواره مشرقة على قلوب الذين سبقت لهم الحسنى من الله� وعلى هذا المنهج جاء وارث مقامه الأمين الرائد والإمام الراشد السائر بالأرواح إلى كمالات الإنسانية وشهود التجليات الرحمانية الشيخ إبراهيم الشيخ محمد عثمان الذي يدعو إلى الله وينشر الطريقة ويدخل إلى القلوب أنوارً مشرقةً يتميز بها السالكون ويتخلق بها من أسعدهم الله برؤية طلعته وسلوك الطريقة على يده� رافعا شعار: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) شعاراً مرفوعاً وظلاً ممدوداً ومنهاجاً مستوراً يحسُّ كلٌّ سالك أنه قاعدة المربي ودأبه الذي يتعامل به مع الراغبين في صحة العمل وزيادة المعرفة على قدر الوسع والطاعة فانخرط المحبون  والمريدون في سلك الطريقة البرهانية يحتفلون بالذكرى السنوية للشيخ محمد عثمان ويسيرون في ضياء الشيخ إبراهيم وإرشاده وأذكاره وأوراده فيؤلِّف بين قلوبهم ويسرح بأرواحهم إلى مطالع أنوار الهداية وتلقي العلوم كلٌّ على قدر استعداده�

ظلَّ هذا الإرشاد العالي ذي المنهاج الراقي والذكرى الرحبة الخالدة داعياً لكم ولنا  للمشاركة في الاحتفالات السنوية للطريقة البرهانية لحولية الشيخ محمد عثمان عبده البرهاني� ولننعم سنويا بسويعات الوصل في صباح أيام السعد البرهاني� وكما قال الشيخ محمد عثمان�

 أنعم سويعات الوصال ويا لها      أيام سعد ليلهن صباح

هاديه الشلالي