شـــراب الوصــل
فأما عن حـلول واتحـاد
به يرموننا جهلا عيانا
تنزه ذو الجلال وذو الجمال
ونزَّهنا وطــَّهر مبتدانا
الحلول هو اتَّحاد الجسمين بحيث تكون
الإشارة إلى أحدهما إشارة إلى الآخر، كحلول ماء الورد في الورد ومنه مذهب
الحلول يعتقد أصحابه أن الله يحلُّ في الشيء متحدَّاً به حتى يصحَّ أن
يطلق عليه أنه الله {تعالى الله عزّ وجلّ عمَّا يقولون علوَّاً كبيراً}�
وقد وقع في كلام بعض المتصوفة في
حديثهم عن التجليات الإلهية ما حمل بعض الجهلاء على اتهامهم بمذهب الحلول
وسمَّاهم البعض بالحلولية وهذا المذهب في حقيقة الأمر هو مذهب النصارى،
قال الإمام الرازي رضي الله عنه في تفسير قوله تعالى: {لا تَغْلوا في
دينكم} وفي قوله {ولا تقولوا على الله إلا الحق} أي لا تصفوا الله
بالحلول والاتحاد في بدن الإنسان أو روحه ونزِّهوه عن هذه الأحوال وقال
في تفسير قوله تعالى {ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيراً لكم} قال: '' المعنى
ولا تقولوا أن الله سبحانه وتعالى واحد بالجوهر ثلاثة بالأقانيم��� والذي
يتحصل منه أنهم أثبتوا ذاتاً موصوفة بصفات ثلاثة، إلا أنهم سمَّوها صفات
فهي في الحقيقة ذوات بدليل أنهم يجيزون عليها الحلول في عيسى ومريم
بأنفسهما، وإلا لما جوَّزوا عليها أن تحلَّ في الغير وأن تفارق ذلك الغير
مرة أخرى، هم وإن كانوا يسمونها صفات إلا أنهم في الحقيقة يثبتونها ذوات
متعددة قائمة بأنفسها وذلك محض الكفر - (التفسير الكبير سورة النساء
171-172)
وقال الإمام القرطبي رضي الله عنه في
تفسير قوله تعالى:
(وروح منه): (هذا الذي أوقع النصارى في الضلال فقالوا
عيسى جزء منه فجهلوا وضلوا���) قال أبي بن كعب '' خلق الله أرواح بني آدم
لما أخذ عليهم الميثاق ثم ردها إلى صلب آدم وأمسك عنده روح عيسى عليه
السلام، ولما أراد خلقه أرسل ذلك إلى مريم فكان منه عيسى عليه السلام
فلذا قال'' وروح منه (الجامع لأحكام القرآن)�
ومن ردِّ الشيخ محي الدين رضي الله
عنه على هذا الافتراء: (نور الشمس إذا تجلى في البدر يعطي من الحكم ما لا
يعطي بغير البدر، لا شك في ذلك - كذلك الاقتدار الإلهي إذا تجلَّى في
العبد� وكما يعلم عقلا أن القمر في نفسه ليس فيه من نور الشمس شيءٌ وأن
الشمس ما انتقلت إليه بذاتها، وإنما كان لها مجلى وكذلك العبد ليس فيه من
خالقه شيء ولا حلَّ فيه
)
وقال في موضع آخر (��� ومن هنا يعلم حقيقة قوله
'' كنت سمعه وبصره ويده ورجله ؛ ولما لاح من هذا المشهد لبعض الضعفاء
لائح صاح ''أنا الحقُّ'' فسكر وصاح ولم يتحقق لغيبته عن حقيقته) وأنكر
القول بالاتحاد فقال: (إذا كان الاتحاد مصير الذاتين ذاتا واحدة فهذا
محال لأنه إن كانت عين كل واحدة منهما موجودة في حال الاتحاد فهما ذاتان
وإن عدمت العين الواحدة وبقيت الأخرى فليس إلا واحدة، ولا اتحاد البتة
لا من طريق المعنى ولا من طريق الصورة
)
(ملخصة عن روح المعاني للآلوسي�)
وقال الشيخ عبد الغني النابلسي رضي الله عنه:
ولا تقل أنت هو ما أنت هو أبداً
لا شيء كيف يساوي الشيء واعجبي
ولا تصر كافراً إن قلت إنك هـو
فأنت بالنفس عـنه دائـم الحجـب
الله أكبر هذا عقد كــل ولـي
لا
شــك فيه لنا بل عـقد كـل نبي
فهذا قول لم يقل به الأنبياء صلوات
الله عليهم فضلا عن الأولياء ويقول الإمام البصيري في قول النصارى
واليهود والقائلين بألوهية عيسى ومريم وعزيرعليهم السلام�
خبِّرونا أهلَ الكتابين من أيـن
أتـاكم تثليــكم والبداء
ما أتـى بالعقيدتيـن كتـابٌ
وإدعاءٌ لا نـصَّ فيه افتـراء
ليت شعري ذكر الثلاثة والوا
حد نقصٌ في عدكم أم نمـاء
أتراهـم لحاجـةٍ واضطـرارٍ
خلطوها وما بغى الخلطـاء
أهو الراكب الحمار فيا عجزَ
إلــهٍ يمسّــَه الأعيـاء
أم جميعٌ على الحمار لقد جلَّ
حمــارٌ بجمعهم
مشـاء
وإنما حمل بعض الناس على اتهام
المتصوفة بالقول بمذهب الحلول كلامهم عن تجلي الأسماء الإلهية لقلب العبد
ولا يعلم حقيقته إلا أهل المشاهدة الذين خصَّهم الله والذين لا يضيعون
الوقت إلا في ذكر المذكور أو شكر على نعمة أو صبر في محنة أو رضى على شدة
قد جعلوا الله نصب أعينهم لا ينظرون إلا إليه ولا يعكفون إلا على عبادته
فأعطاهم من الحياة الطيبة بغير حساب وكشف لهم الحجب رضوان الله عليهم
وكما قال سيدي ابن الفارض رضي الله
عنه:
يا أختَ سعدٍ من حبيبي
جِئْتنِـي
برسالـةٍ
أدَّيتــها بتلطُّـفِ
فنظرتُ ما لم تنظري وسمعتُ ما
لم تـسمعي فعرفتُ ما لم تعرفي�
د. عبدالله
محمد أحمد |