عبير التاريخ

حسن الخاتمة

مجلس رهيب يخيم عليه الصمت المطبق بكل مناحيه ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبقر الغيب بعيون ثاقبة حتى احمرت وظهر على تقاسيمه الحزن، وبعد صمت طويل قال المصطفى والله إن في هذه الجلسة رجل ضرسه في جهنم أعظم من جبل أحد، فارتعدت فرائص أبو هريرة وتفحص الحاضرين بعين ثاقبة وذاكرة شهيرة بعدم النسيان وعد الجالسين فإذاهم ستة نفر به أي خمسة غيره وكانوا أربعة من المهاجرين والأنصار ونجدي يقال له الرجال بن عنفوة ومرت الأيام والسنون ومازال أبوهريرة مرتعبا لاتفتأ ذاكرته مشغولة بهذا الحدث حتى أتت غزوة بدر فاستشهد الأربعة نفر من الأنصار والمهاجرين ولم يبق إلا الرجال النجدي الذي ظل يواتي رسول الله بين الفينة والأخرى وأبو هريرة يقول في نفسه إما أنا أو أنت فلا ثالث لنا فأينا ضرسه في جهنم أعظم من جبل أحد فالنجاة النجاة من النار وانتقل الحبيب المصطفى إلى جوار ربه واعتلى الصديق مكان الخلافة وحدثت الردة وانقلبت بنو ثقيف مع كذابها مسيلمة، وظن أبو هريرة أن الرجال ذهب مع المرتدين فاطمأن قلبه واستراح ولكن هيهات هيهات فها هو الرجال بن عنفوة يأتي مبايعا الصديق وآثره الصديق على الجالسين وأسر إليه بحديث زاد من رعب أبا هريرة إذ قال له الصديق أنت رسولنا إلى بني حنيفة وعلى رأسهم المدعي الكذاب مسيلمة فقل لهم إن لم يثوبوا إلى رشدهم فإن الخليفة سوف يرمي إليهم بفلذة كبد الإسلام وخيار الصحابة وعلى رأسهم القائد المظفر سيف الله المسلول الذي أيده الله ورسوله بالنصر خالد بن الوليد ليرجع كل من فقد صوابه عن غيّه فقال الرجال السمع والطاعة ياخليفة رسول الله وياصاحب الغار فشكر له الصديق حسن تعاونه وأكرمه وودعه، وما أن وصل النجدي إلى اليمامة توجه مسرعا إلى حديقة مسيلمة واخترق الصفوف حتى وصل إلى الكذاب ورفع عقيرته بالكلام، ولكن مسيلمة قال له على رسلك ياصاحب رسول الله فإن لي معك كلام ثم تأتي الناس وأنا أجمع الغائب منهم لك لتتحدث بما تريد من غير قيد أو شرط، توجه الرجال بن عنفوة إلى المجلس الخاص بمسيلمة ودخلت عليهم الجواري كاسيات عاريات يحملن ما لذ وطاب من الطعام والشراب والفاكهة، وبعد إن امتلأت البطون وتشاغلت العيون قال مسيلمة للرجال بن عنفوة أترى كل هؤلاء الأتباع والجوارى؟ أترى هذه الحديقة الغنّاء الواسعة المثمرة؟ فقال الرجال نعم أرى، فقال مسيلمة كل هذا مناصفة بيني وبينك، فقال الرجال على أي شيء؟ فقال مسيلمة على أن تخرج فتقول للناس وأنت مشهود لك بالصحبة والتردد على مجالس محمد بن عبد الله تشهد أنك سمعته يقول أنيّ شريك معه في الأمر !

ودارت رأس الرجال وتنازعته كل قوى الشر فكيف يرفض كل هذه الأراضي بخيراتها وكيف يرفض كثرة الأتباع والعبيد والجواري؟ واستقر أمره على أن يبيع الآخرة بالدنيا وفرح مسيلمة أشد الفرح وجمع له الناس وقدمه لهم بقوله أن هذا الصحابي يريد أن يحدثكم بحديث سمعه من رسول الله، وتقدم الرجال فقال أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أنا ومسيلمة شريكان في هذا الأمر، وارتفعت صيحات الفرح بين الناس وزادوا تمسكا وعقيدة في نبيهم الكذاب، وطار الخبر إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم فعم الحزن الجميع إلا أبا هريرة الذي تنازعه الفرح بنجاته وحسن الخاتمة والحزن على ردة هؤلاء، وكل ميسر لما خلق له.

محمد صفوت جعفر