من علوم الشيخ محمد عثمان عبده البرهاني -31

افهموا وتفقهوا

 

من علوم الشيخ محمد عثمان عبده البرهاني - 31

(6) الزي الصوفي

هيئتهم ومسحتهم وصفتهم: وأما هيئتهم ومسحتهم وصفتهم في الملبس فهم يقتفون آثار رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في الهيئة التي كان عليها بين الناس كافة وفي الأعياد ومقابلة الملوك فلم يترك صلى الله عليه وسلم مما يلبسه الناس من خشن الملبوس إلا ولبسه وكان يجاري الفقراء في كل شيء حتى أنه كان لا يلبس النعال إلا قليلاً وكان ابن مسعود رضي الله عنه يحمل نعليه ويمشي خلفه صلى الله عليه وسلم حتى قال الشيخ النبهاني:

فاز ابن مسعود بحمله لنعاله     وأنا السعيد بخدمتي لمثالها

وعاش الإمام مالك طول حياته بالمدينة لم ينتعل فيها قط، ولما قيل له لم هذا؟ قال كيف أطأ أرضاً وطئتها أقدام النبي صلى الله عليه وسلم بالنعال. وكان صلى الله عليه وسلم يلبس الخشن من البرود اليمانية التي أصلها من شعر وصوف ولبس صلى الله عليه وسلم في العمائم جميع الألوان وكان أيضاً صلى الله عليه وسلم يحب أكل الخشن من الطعام ففي فتح مكة بعد أن انتهى صلى الله عليه وسلم جاء إلى السيدة أم هانىء وقال: هل عندك من طعام؟ قالت: عيش يابس وخل وقدمته لحضرته صلى الله عليه وسلم وقال: (ما عال بيت فيه أدم من خل) وبعد أن أكل صلى الله عليه وسلم قال: (نعم الأدم الخل) ولما قبل صلى الله عليه وسلم هدية المقوقس ملك الاسكندرية التي منها السيدة مارية القبطية فصنعت لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم أقراص خبز مدهون وجهها يلمع. فقال صلى الله عليه وسلم ما هذا؟ قالت طعام الملوك عندنا يا رسول اللّه. فقال صلى الله عليه وسلم ردي عليه ما أخرجته واصنعيه كخبزن. أراد أن لا يجعل لنفسه ميزة عن فقراء الناس ورد صلى الله عليه وسلم الطبيب إلى الإسكندرية وقال للمقوقس نعم إنه نبي زين جمع الحكمة في كلمتين وذلك أن صلى الله عليه وسلم قال للطبيب ما صنعت قال الطبيب: (نحن قوم لا نأكل إلا إذا جعنا وإذا أكلنا لا نشبع) وقال صلى الله عليه وسلم: (بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه) وكان للرشيد طبيب حاذق نصراني، فقال لسيدنا الحسين ابن سيدنا على زين العابدين عن سيدنا الحسين رضي اللّه تعالى عنهم: كتابكم ليس في علم الطب، والعلم علمان علم الأديان وعلم الأبدان فقال له رضي الله عنه إن كتابنا جمع الطب في نصف آية، فقال: وماهي؟ قال: قال اللّه تعالى ﴿كلوا واشربوا ولا تسرفوا وقال: هل قال نبيكم في هذا شيئاً؟ قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم (نحن قوم لا نأكل إلا إذا جعنا وإذا أكلنا لا نشبع) فقال الطبيب: ما ترك كتابكم ولا نبيكم لجليانوس طبا، ثم أنه صلى الله عليه وسلم كان ينام على الحصير وكان يؤثر في جنبه وكان ينام على لطع من ليف ووسادة من أدم حشوها ليف، يروي الترمذي عن السيدة حفصة تقول: نام عندنا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فمهدت له خميلة من صوف فلما أصبح قال: (لا تعمليه ثانية ألهتني عن ربي) فالصوفي هو المقتفى آثار رسول اللّه صلى الله عليه وسلم مشغول باللّه تعالى وأما أحوال الدنيا عنده وفي نظره لا قيمة لها ويكتفي في كل شيء بأقل شيء ويؤدي له الغرض المطلوب وزيادة، فيا أخي... الضروريات في هذه الحياة الدنيا سهلة وميسورة، إنما التعب كل التعب في التكلف في الكماليات، والكماليات لا نهاية لها، فكان الإنسان يتعب نفسه طول حياته، فالصوفي آمن في سربه، مطمئن في نفسه، قرير العين راضٍ عن ربه، وربه راضٍ عنه، فهنيئاً له ثم هنيئاً وهو مؤمن بقوله تعالى: (أليس اللّه بكافٍ عبده) قال شقيق البلخي لمعروف الكرخي: كيف حالكم يا كرخي؟ قال: إن وجدنا أكلنا، وإن لم نجد صبرنا، قال: هذا حال كلاب بني بلخ فقال: معروف الكرخي لشقيق البلخي: وكيف أحوالكم يا بلخي؟ قال: إن وجدنا آثرنا وإن لم نجد شكرنا، فهكذا حال الصوفي كما كان صلى الله عليه وسلم ومن كان معه... من هؤلاء مصدر الصوفية وكما قال أبو هريرة رضي الله عنه حين سئل: ألم تتخذ لك منزلا في الدنيا؟ قال: وهل أنا مجنون؟ قيل له وكيف ذلك قال: أرأيت لو نزل رجل ببلد لقضاء حاجة ويرتحل عنها هل يبنى له بيتاً للإقامة؟ قال: لا، قال: ونحن مرتحلون من هذه الدنيا فكيف نوطد وندعم فيها ونحن مفارقوها وهكذا كان أشباهه الكثير من خيرة الصحابة كسيدنا حذيفة وابن مسعود وغيرهم من أجلاء الصحابة، قال في مجمع الزوائد عن علقمة قال دخلت على عليّ رضي الله عنه فإذا بين يديه طعام خشن فقلت يا أمير المؤمنين أتأكل مثل هذا فقال كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يأكل أيبس من هذا ويلبس أخشن من هذا، فإن لم آخذ نفسي بما أخذ به نفسه خفت أن لا ألحقه فحال الصوفي كحال المستعد للسفر فليس له اطمئنان في الدنيا إلا برضوان اللّه تعالى عنه فيه.

المنحة في المسبحة

الحمد لله، وسلام على عباده الذين اصطفى، وبعد فقد طال السؤال عن السبحة، هل لها أصل في السنة؟ فجمعت فيها هذا الجزء، متتبعا فيه ما ورد من الأحدايث والآثار، واللّه المستعان. أخرج ابن أبي يبة وأبو داود والترمذي والنسائي والحاكم وصححه عن ابن عمرو قال - (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يعقد التسبيح بيده).

وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والترمذي والحاكم عن بسيرة - وكانت من المهاجرات - قالت - قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: (عليكن بالتسبيح والتهليل والتقديس، ولا تغفلن فتنسين التوحيد، واعتقدن بالأنامل، فإنهن مسؤولات ومستنطقات).

وأخرج الترمذي والحاكم والطبراني عن صفية قالت: (دخل عليَّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وبين يدي أربعة آلاف نواة أسبح بهن، فقال: ما هذا يا بنت حيي؟ قلت: أسبح بهن، قال: قد سبحت منذ قمت على رأسك أكثر من هذا، قلت: علمني يا رسول اللّه، قال: قولي سبحان اللّه عدد ما خلق من شيء) صحيح أيضا.

وأخرج أبو داود والترمذي وحسنه والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم وصححه عن سعد بن أبي وقاص (أنه دخل مع النبي صلى الله عليه وسلم على امرأة وبين يديها نوى (أو حصى) تسبح فقال: أخبرك بما هو أيسر عليك من هذا وأفضل؟ قولي سبحان اللّه عدد ما خلق في السماء، سبحان اللّه عدد ما خلق في الأرض، سبحان اللّه عدد ما بين ذلك، وسبحان اللّه عدد ما هو خالق، اللّه أكبر مثل ذلك، والحمد لله مثل ذلك، ولا إله إلا اللّه مثل ذلك، ولا قوة إلا باللّه مثل ذلك).

وفي جزء هلال الحفار ومعجم الصحابة للبغوي وتاريخ ابن عساكر من طريق معتمر بن سليمان عن أبي بن كعب عن جده بقية عن أبي صفيه مولى النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يوضع له نطع، ويجاء بزنبيل فيه حصى فيسبح به إلى نصف النهار، ثم يرفع، فإذا صلى الأولى أتى به فيسبح به حتى يمسى. وأخرجه الإمام أحمد في الزهد حدثنا عفان حدثنا عبدالواحد بن زياد عن يونس بن عبيد عن أمة قالت - رأيت أبا صفية - رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وكان جارنا - قلت - يسبح بالحصى.

وأخرج ابن سعد عن حكيم بن الديلمي أن سعد بن أبي وقاص كان يسبح بالحصى.

وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن مولاده لسعد أن سعدا كان يسبح بالحصى، أو النوى.

وقال ابن سعد في الطبقات - عن عبيد اللّه بن موسى عن اسرائيل عن جابر، عن امرأة حدثته، عن فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب أنها كانت تسبح بخيط معقود فيها.

وأخرج عبداللّه بن الإمام أحمد في زوائد الزهد من طريق نعيم بن محرز بن أبي هريرة عن جده أبي هريرة أنه كان له خيط فيه ألفا عقدة فلا ينام حتى يسبح به.

وأخرج أحمد في الزهد حدثنا مسكين بن نكير عن ثابت بن عجلان عن القاسم بن عبدالرحمن، قال، كان لأبي الدرداء نوى من نوى العجوة في كيس، فكان إذا صلى الغداة أخرجهن واحدة واحدة يسبح بهن حتى ينفدن.

وأخرج ابن سعد عن أبي هريرة أنه كان يسبح بالنوى المجزع.

وقال الديلمي في مسند الفردوس - عن عبدوس بن عبداللّه عن أبي عبداللّه الحسين ابن فتحويه الثقفي حدثنا علي بن محمد بن نصرويه حدثنا محمد بن هرون بن عيسى بن المنصور الهاشمي حدثني محمد بن علي بن حمزة العلوي حدثني عبدالصمد بن موسى حدثتني زينب بنت سليمان بن علي حدثتني أم الحسن بنت جعفر بن الحسن عن أبيها عن جدها عن علي مرفوعا (نعم المذكر السبحة).

وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي سعيد الخدري أنه كان يسبح بالحصى وأخرج من طريق نضرة عن رجل من الطفاوة قال: نزلت على إبراهيم ومعه كيس فيه حصى (أو نوى) فيسبح به حتى ينفد.

وأخرج عن زادان قال: أخذت من أم يعفور تسابيح لها، فلما أتيت عليا قال: أردد على أم يعفور تسابيحها.

ثم رأيت في كتاب تحفة العباد ومصنف متأخر عاصر الجلال البلقني فصلا حسنا في السبحة قال فيه ما نصه - قال بعض العلماء - عقد التسبيح بالأنامل أفضل من السبحة، لحديث ابن عمرو، ولكن يقال - إن المسبح إن أمن من الغلط كان عقده بالأنامل أفضل، وإلا فالسبحة أولى.

وقد اتخذ السبحة سادات يشار إليهم، ويؤخذ عنهم، ويعتمد عليهم، كأبي هريرة رضي الله عنه، كان له خيط في ألفا عقدة فكان لا ينام حتى يسبح به اثنتي عشرة ألف تسبيحة، قاله عكرمة.

وفي سنن أبي داود من حديث أبي نضرة الغفاري قال: حدثني شيخ من طفاوة قال: تثويت أبا هريرة بالمدينة، فلم أر رجلاً أشد تشميراً ولا أقوم على ضيف منه، قال: فبينما أنا عنده يوماً وهو على سرير له ومعه كيس فيه حصى أو نوى وأسفل منه جارية سوداء، وهو يسبح بها، حتى إذا أنفد ما في الكيس فدفعته إليه يسبح.

قوله (تثويت) أي تضيفته ونزلت في منزله، والمثوي - المنزل. وقيل - كان أبو هريرة رضي الله عنه يسبح بالنوى المجزع يعني الذي حك بعضه حتى ابيض شيء منه وترك الباقي على لونه. وكل ما فيه سواد وبياض فهو مجزع. قاله أهل اللغة.

السابق  التالي

 

افهموا وتفقهوا

نواقض الوضـوء

س: ما هو الناقض؟

ج: هو ما ينقض الوضوء بنفسه أو ما كان مؤدياً إلى ما ينقض الوضوء.

س: إلى كم قسم تنقسم النواقض؟ وكم عددها؟ وما هي؟

ج: النواقض سبعة عشر تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

1) أحداث، وهي ثمانية: الريح، والغائط، والبول، والمذي، والودي، والمني بغير لذة معتادة، والهادي، ودم الاستحاضة. والستة الأولى مشتركة بين الذكر والأنثى. والأخيران مختصان بالأنثى. وكلها من القبل إلا الريح والغائط فمن الدبر.

2) وأسباب، وهي سبعة: النوم، والسكر، والاغماء، والجنون، واللمس، والقبلة، ومس الذكر.

3) وغيرهما، وهما اثنان: الشك، والردة والعياذ بالله.

س: ما هي حقيقة الحدث؟

ج: هو الخارج المعتاد من المخرج المعتاد في الصحة. فلا ينقض الوضوء بالداخل لأحد المخرجين من عود أو حقنة أو أصبع. ولا ينقض بخروج الدم والقيح والحصى والدود، لأنها ليست معتادة، ولا ينقض بما خرج من الفم أو بخروج ريح أو غائط من القبل أو البول من الدبر لأنها لم تخرج من مخرج معتاد.

س: ما هو المذي والودي والهادي ودم الاستحاضة؟

ج: المذي ماء أبيض رقيق يخرج عند اللذة بالانعاظ عند الملاعبة أو التذكار ويجب منه غسل جميع الذكر بنية، والود ماء أبيض خاثر يخرج بأثر البول يجب منه ما يجب من البول، والهادي ماء أبيض يخرج من الحامل عند وضع الحمل، ودم الاستحاضة دم علة وفساد يخرج بعد دم الحيض والنفاس.

س: في أية حال يكون المني موجباً للوضوء لا الغسل؟ وكم هي صوره؟

ج: إن خرج المني بلذة معتادة فهو موجب للغسل. وإن خرج غير مصاحب لها فإنه يوجب الوضوء فقط. وصوره التي يجب فيها الوضوء أربع: 1) من حك لجرب. 2) ومن لدغته عقرب. 3) ومن ينزل بماء حار. 4) ومن ركب دابة، ولم يستدم على تلذذه على هاته الصور، بل أقلع من التلذذ بمجرد بروز المني منه. فإن استدام على تلذذه في أية صورة وجب عليه الغسل.

������� ������� ������� ������� إشراف
محمد الحسن ود الفكي