مولده صلى الله عليه وسلم -
17
أول ما
بُدئ به من
النبوة
من كتاب
المواهب
اللدنية
للقسطلاني:
........ وقال القاضي عياض: إنما
ابتدئ (بالرؤيا لئلا يفاجئه الملك ويأتيه صريح النبوة بغتة فلا تحتملها قوى البشر
فبدئ بأوائل خصائص النبوة وتباشير الكرامة.
فإن قلت:
فلم كرر قوله
ما أنا بقارئ
ثلاثاً؟
أجاب أبو شامة كما في فتح الباري: بأن يحمل
قوله أولاً ما أنا بقارئ على الامتناع، وثانياً: على الإخبار بالنفي المحض،
وثالثاً: على الاستفهام.
وأخرج
البيهقي من
طريق العلاء
بن جارية الثقفي
عن بعض أهل
العلم أن رسول
الله صلى الله
عليه وسلم حين
أراد الله
كرامته
وابتداءه
بالنبوة كان
لا يمر بحجر
ولا شجر إلا
سلم عليه وسمع
منه، فيلتفت
رسول الله
خلفه وعن
يمينه وعن
شماله فلا يرى
إلا الشجر وما
حوله من
الحجارة. وهي تحييه بتحية النبوة:
السلام عليك يا رسول الله.
وعن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: جاورت بحراء شهراً، فلما قضيت جواري هبطت فنوديت فنظرت عن يميني فلم أر شيئاً
ونظرت عن شمالي فلم أر شيئاً، ونظرت خلفي فلم أر شيئاً، فرفعت رأسي فرأيت شيئاً فلم
أثبت له، فأتيت خديجة فقلت دثروني دثروني وصبوا علي ماء بارداً فنزلت:
﴿يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر﴾، وذلك قبل أن تفرض الصلاة رواه البخاري ومسلم
والترمذي.
ولم يكن جواره صلى الله عليه وسلم لطلب النبوة
لأنها أجل من أن تنال بالطلب أو الاكتساب وإنما هي موهبة من الله، وخصوصية يخص بها
من يشاء من عباده، والله أعلم حيث يجعل رسالته.
ولم تكن الرجفة المذكورة خوفاً من جبريل عليه
السلام فإنه صلى الله عليه وسلم أجل من ذلك، وأثبت جناناً، وإنما رجف غبطة بحاله
وإقباله على الله عز وجل، فخشي أن يشغل بغير الله عن الله.
وقيل: خاف من ثقل أعباء النبوة.
... قال
بن القيم
وغيره: وكمل
الله تعالى
عليه السلام
من الوحي
مراتب عديدة:
الأولى: الرؤيا الصادقة، فكان لا يرى رؤيا إلا
جاءت مثل فلق الصبح.
الثانية:
ما كان يلقيه
الملك في روعه
وقلبه من غير
أن يراه، كما
قال صلى الله
عليه وسلم: (إن
روح القدس نفث
في
روعي،
لن تموت نفسي
حتى تستكمل
رزقها،
فاتقوا الله
وأجملوا في
الطلب) الحديث
رواه ابن أبي
الدنيا في
القناعة وصححه
الحاكم. والروع بضم الراء أي نفسي، وروح
القدس: جبريل عليه السلام.
الثالثة:
كان يتمثل له
الملك رجلاً،
فيخاطبه حتى
يعي عنه ما
يقول له، فقد
كان يأتيه في
صورة دحية الكلبي.
رواه النسائي بسند
صحيح من حديث
ابن عمر. قلت: وكان دحية جميلاً وسيما، إذا
قدم لتجارة خرجت الظعن لتراه.
الرابعة:
كان يأتيه في
مثل صلصلة
الجرس، وكان
أشده عليه،
حتى إن جبينه
لتفصد عرقاً
في اليوم
الشديد البرد
حتى إن راحلته
لتبرك به في
الأرض، ولقد جاءه
الوحي مرة
كذلك وفخذه على
فخذ زيد بن
ثابت، فثقلت
عليه حتى كادت
ترضه.(رواه
أحمد بن حنبل
في مسنده)
قلت: وروى
الطبراني عن
زيد بن ثابت
قال: كنت أكتب
الوحي لرسول
الله صلى الله
عليه
وسلم، وكان
إذا نزل عليه
أخذته برحاء
شديدة، وعرق
عرقاً شديداً
مثل الجمان،
ثم سري عنه.
وكنت أكتب وهو يملي علي، فما أفرغ حتى تكاد رجلي تكسر من ثقل الوحي،
حتى أقول: لا أمشي على رجلي أبدا.
ولما
نزلت عليه
سورة
المائدة،
كادت أن تنكسر
عضد ناقته من
ثقل السورة. ورواه أحمد
والبيهقي في الشعب.
الخامسة: أن يرى الملك في صورته التي خلق
عليها له ستمائة جناح، فيوحي إليه ما شاء الله أن يوحيه، وهذا وقع له مرتين كما في
سورة النجم.
السادسة ما أوحاه الله إليه، وهو فوق السماوات
من فرض الصلوات وغيره.
السابعة: كلام الله له منه إليه بلا واسطة
ملك، كما كلم الله موسى.
قال: وقد زاد بعضهم مرتبة ثامنة وهي
تكليم الله له كفاحاً من غير حجاب.
قلت: ويزاد أيضاً: كلامه تعالى له في المنام،
كما في حديث الزهري أتاني ربي في أحسن صورة فقال: يا محمد أتدري فيم يختصم الملأ
الأعلى.
�ثم مرتبة أخرى، وهي العلم الذي يلقيه الله تعالى
في قلبه، وعلى لسانه عند الاجتهاد في الأحكام، لأنه اتفق على أنه صلى الله عليه
وسلم إذا اجتهد أصاب قطعاً، وكان معصوماً من الخطأ، وهذا خرق للعادة في حقه دون
سائر الأمة، وهو يفارق النفث في الروع من حيث حصوله بالاجتهاد، والنفث بدونه.
ومرتبة أخرى: وهي مجيء جبريل في صورة رجل غير
دحية، لأن دحية كان معروفاً عندهم، ذكره ابن المنير، وإن كانت داخلة في المرتبة
الثالثة التي ذكرها بن القيم.
إسلام
خديجة بنت
خويلد
وآمنت
به خديجة بنت
خويلد، وصدقت
بما جاءه من الله،
ووازرته على
أمره، وكانت
أول من آمن بالله
وبرسوله،
وصدقت بما جاء
منه. فخفف الله بذلك عن نبيه صلى الله عليه وسلم، لا يسمع شيئا
مما يكرهه من رد عليه وتكذيب له، فيحزنه ذلك، إلا فرج الله عنه بها إذا رجع إليها،
تثبته وتخفف عليه، وتصدقه وتهون عليه أمر الناس، رحمها الله تعالى.
|