|
من علوم الشيخ محمد عثمان عبده البرهاني -
34 |
(ومنهم
رضي الله عنهم:
خمسة على قلب
جبريل عليه
السلام)
لا يزيدون ولا ينقصون في كل زمان ورد بذلك
الخبر المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم: (هم ملوك أهل هذه الطريقة) لهم من
العلوم على عدد ما لجبريل من القوى المعبر عنها بالأجنحة التي بها يصعد وينزل ولا
يجاوز علم هؤلاءالخمسة علم جبريل وهو الممد لهم من الغيب ومعه يقفون يوم القيامة في
الحشر.
(ومنهم
رضي الله عنهم:
ثلاثة على قلب
ميكائيل عليه
السلام)
لا يزيدون ولا ينقصون في كل زمان لهم الخير
المحض والرحمة والحنان والعطف والغالب على هولاء الثاثة البسط والتبسم ولين الجانب
والـشفقة المفرطة ومشاهدة ما يوجب الشفقة ولهم من العلوم على قدر ما لميكائيل من
قوى.
(ومنهم
رضي الله عنهم:
واحد على قلب
اسرافيل عليه
السلام)
في كل
زمان وله
الأمر ونقيضه
جامع�
للطرفين ورد
بذلك خبر مروي
عن رسول الله
صلى الله
علييه وسلم
فيمن له علم
اسرافيل- وكان
أبويزيد
البسطامي ممن
كان على قلب
اسرافيل وله
من الأنبياء
عيسى عليه
السلام فمن كان
على قلب عيسى
فهو على
اسرافيل ومن
كان على قلب
اسرافيل قد لا
يكون على قلب
عيسى. قال سيدي محي الدين: وكان بعض شيوخنا على قلب عيسى
وكان من الأكابر.
(وأما
الرجال عالم
الأنفاس رضي
الله عنهم)
فأنا
أذكرهم وهم
على قلب داود
عليه السلام
لا يزيدون ولا
ينقصون في كل
زمان وإنما نسبناهم
إلى قلب داود
وقد كانوا
موجودين قبل ذلك
بهذه الصفة- فالمراد
بذلك أنه ما
تفرق فيهم من
الأحوال والعلوم
والمراتب
اجتمع في داود
ولقيت هؤلاء العالم
كلهم
ولازمتهم
وانتفعت بهم. وهم
على مراتب لا
يتعدونها
بعدد مخصوص
لايزيد ولا
ينقص. وأنا
أذكرهم إن شاء
الله تعالى:
أ- (فمنهم
رضي الله عنهم:
رجال الغيب)
وهم
عشرة لا
يزيدون ولا
ينقصون هم أهل
خشوع فلا
يتكلمون إلا
همساً لغلبة
تجلي الرحمن
عليهم دائماً
في أحوالهم. قال تعالى:
﴿وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همساً﴾ وهؤلاء هم المستورون الذين لا يعرفون، خبأهم
الحق في أرضه وسمائه فلا يناجون سواه ولا يشهدون غيره
﴿يمشون على الأرض هوناً، وإذا خاطبهم الجاهلون
قالوا سلاماً﴾.
دأبهم
الحياء إذا
سمعوا أحداً
يرفع صوته في
كلامه ترعد
فرائصهم
ويتعجبون،
واعلم أن لفظ
رجال الغيب في
اصطلاح أهل
الله يطلقونه
يريدون به
هؤلاء الذين
ذكرناهم وهي
هذه الطبقة
وقد يطلقونه
ويريدون به من
يحتجب عن
الأبصار من
الإنس، وقد
يطلقونه
أيضاً ويريدون
به رجالاً من
الجن من صالحي
مؤمنينهم. وقد يطلقونه على القوم
الذي لا يأخذون شيئاً من العلم والرزق المحسوس من الحس ولكن يأخذونه من الغيب.
ب- (ومنهم
رضي الله عنهم:
ثمانية عشر
نفساً أيض. هم الظاهرون بأمر الله
عن أمر الله)
لا يزيدون ولا ينقصون في كل زمان، ظهورهم بالله قائمون بحقوق الله
مثبتون الأسباب، العوائدُ لهم عادةٌ، آيتهم
﴿قل الله ثم ذرهم﴾ وأيضاً
﴿إني دعوتكم جهاراً﴾، كان منهم شيخنا أبومدين رحمه الله تعالى كان
يقول لأصحابه: أظهروا للناس ما عندكم من الموافق كما يظهر الناس بالمخالفة، وأظهروا
ما أعطاكم الله من نعمه الظهرة (يعني خرق العوائد) والباطنة (يعني المعارف) فإن
الله يقول:
﴿وأما بنعمة ربك فحدث﴾ وقال عليه الصلاة والسلام: (التحدث بالنعمة
شكر).
ج- (ومنهم
رضي الله عنهم:
ثمانية رجال
يقال لهم رجال
القوة
الإلهية)
آيتهم
من كتاب الله
﴿أشداء
على الكفار﴾ لهم
من الأسماء
الإلهية (ذو
القوة المتين)
لا تأخذهم في
الله لومة
لائم، وقد
يسمون رجال القهر،
لهم همم فعالة
في النفوس
وبهذا يعرفون.
كان بمدينة
فاس منهم رجل
واحد يقال له
أبوعبدالله
الدقاق، كان
يقول: (ما
اغتبت أحداً
قط، ولا أغتيب
بحضرتي أحد قط).
قال سيدي محيي الدين ولقيت أنا منهم ببلاد الأندلس جماعة ولقيت أنا منهم أثر عجيب
ومعنى غريب وكان بعض شيوخي منهم.
(ومن
نمط هؤلاء رضي
الله عنهم
خمسة رجال) في
كل زمان لا
يزيدون ولا
ينقصون هم على
قدم هؤلاء
الثمانية في
القوة غير أن
فيهم ليناً
ليس في
الثمانية وهم
على قدم الرسل
في هذا
المقام،
آيتهم قوله
تعالى
﴿فقولا
قولاً ليناً﴾ وقوله
تعالى
﴿فبما
رحمة من الله
لنت لهم﴾ فهم
مع قوتهم لهم
لين في بعض
المواطن. أما
في العزائم
فهم على قوة
الثمانية على
السواء
ويزيدون
عليهم بما
ذكرناه مما
ليس للثمانية.
قال سيدي محيي الدين رضي الله عنه وقد لقينا منهم رضي الله عنهم وانتفعنا بهم.
د- (ومنهم
رضي الله عنهم:
خمسة عشر
نفساً)
هم رجال الحنان والعطف الإلهي آيتهم آية الريح
السليمانية
﴿تجري بأمره رخاء حيث أصاب﴾ لهم شفقة على عباد الله مؤمنهم وكافرهم،
ينظرون الخلق بعين الجود والوجود، لا بعين الحكم والقضاء، لا يولي الله قط منهم
أحداً ولاية ظاهرة من قضاء أو ملك لأن ذوقهم ومقامهم لا يحتمل القيام بأمر الخلق
فهم مع الخلق في الرحمة المطلقة التي قال الله تعالى فيها
﴿ورحمتي وسعت كل شيء﴾ ولقيت منهم جماعة وماشيتهم على هذا القدم.
هـ- (ومنهم
رضي الله عنهم:
أربعة أنفس في
كل زمان)
لا يزيدون ولا ينقصون، آيتهم من كتاب الله
﴿الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن
يتنزل الأمر بينهن﴾ وآيتهم أيضاً في سورة الملك
﴿الذي خلق سبع سموات طباقاً ما ترى في خلق
الرحمن من تفاوت﴾ هم رجال الهيبة والجلال.
كأنما
الطير منهم
فوق أرؤسهـم لا خوف
ظلم ولكن خوف
اجلال
وهم
الذين يمدون
الأوتاد،
الغالب على
أحوالهم
الروحانية،
قلوبهم
سماوية،
مجهولون في الأرض،
معروفون في
السماء. أحدهم
على قلب محمد
صلى الله عليه
وسلم، والآخر
على قلب شعيب
عليه السلام،
والثالث على
قلب صالح عليه
السلام،
والرابع على
قلب هود عليه
السلام، ينظر
إلى أحدهم من
الملأ الأعلى
عزرائيل،
وإلى الآخر
جبريل. وإلى
الآخر
ميكائيل. وإلى
الآخر
اسرافيل. شأنهم
عجيب وأمرهم
غريب. قال سيدي محيي الدين ما لقيت فيمن لقيت مثلهم،
لقيتهم بدمشق فعرفت أنهم هم وقد كنت رأيتهم ببلاد الأندلس واجتمعوا بي ولكن لم أكن
أعلم أن لهم هذا المقام، بل كانوا عندي من جملة عباد الله، فشكرت الله على أن عرفني
بمقامهم وأطلعني على حالهم.
و- (ومنهم رضي الله عنهم: أربعة وعشرون نفساً
في كل زمان يسمون رجال الفتح)
لا يزيدون ولا ينقصون، بهم يفتح الله على قلوب أهل
الله ما يفتحه من المعارف والأسرار جعلهم الله على عدد الساعات، لكل ساعة رجل منهم،
فكل من يفتح عليه في شيء من العلوم والمعارف في أي ساعة كانت من ليل أو نهار فهو
لرجل تلك الساعة، وهم متفرقون في الأرض ولا يجتمعون أبداً، كل شخص منهم لازمٌ مكانه
لا يبرح أبداً، فمنهم باليمن اثنان، ومنهم ببلاد الشرق أربعة، ومنهم بالمغرب ستة،
والباقي بسائر الجهات، آيتهم من كتاب الله
﴿ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها﴾.
ز- (ومنهم
رضي الله عنهم:
سبعة أنفس في
كل زمان)
لا
يزيدون ولا
ينقصون، رجال
المعارج
العلا، لهم في
كل نفس معراج،
وهم أعلى عالم
الأنفاس. أي
الأولياء
أصحاب
المراتب،
آيتهم من كتاب
الله تعالى
﴿وأنتم
الأعلون
والله معكم﴾ يتخيل
بعض الناس من
أهل الطريق
أنهم الأبدال لما
يرى أنهم سبعة
كما يتخيل بعض
الناس في
الرجبيين
أنهم الأبدال
لكونهم
أربعين عند من
يقول أن
الأبدال
أربعون نفس.
ومنهم من يقول
سبعةأنفس. وسبب ذلك أنهم لم يقع
لهم التعريف من الله بذلك، ولا بعددٍ ما، ولله في العالم في كل زمان من الرجال
المصطفين الذين يحفظ الله بهم العالم فيسمعون أن ثم رجالاً عددهم كذا، كما أن ثم
أيضاً مراتب محفوظة لا عدد لأصحابها معين في كل زمان- بل يزيد وينقصون كالأفراد،
ورجال الماء، والأمناء والأحباء، والأخلاء، وأهل الله، والمحدثين والسمراء،
والأصفياء، وهم المصطفون، فكل مرتبة من هذه المراتب محفوظة برجال في كل زمان، غير
أنهم لا يتقيدون بعدد مخصوص مثل من ذكرناهم.
ج- (ومنهم
رضي الله عنهم:
أحد وعشرون
نفساً وهم
رجال التحت
الأسفل)
وهم أهل النفس الذي يتلقونه من الله لا معرفة
لهم بالنفس الخارج عنهم، وهم على هذا العدد في كل زمان لا يزيدون ولا ينقصون، آيتهم
من كتاب الله تعالى
﴿ثم رددناه أسفل سافلين﴾ يريد تعالي عالم الطبيعة إذا لا أسفل منه،
رده إليه ليحيا به فإن الطبع ميت بالأصالة فأحياه بها النفس الرحماني الذي رده إليه
وهؤلاء الرجال لا نظر لهم إلا فيما يَرِدُ من عند الله مع الأنفاس فهم أهل حضور على
الدوام.
ط- (ومنهم
رضي الله عنهم:
ثلاثة أنفس)
وهم
رجال الامداد
الإلهي
والكوني في كل
زمان لايزيدون
ولا ينقصون
فهم يستمدون
من الحق ويمدون
الخلق ولكن
بلطف ولين
ورحمة لا بعنف
ولا شدة ولا
قهر يقبلون
على الله
بالاستفادة،
ويقبلون على
الخلق
بالإفادة،
فيهم رجال
ونساء قد
أهلهم الله
للسعي في
حوائج الناس وقضائها
عند الله لا
عند غيره وهم
ثلاثة قال سيدي
محيي الدين
لقيت واحداً
منهم
بأشبيلية وهو
من أكبر من
لقيته يقال له
موسى بن
عمران، سيد
وقته كان أحد
الثلاثة لم
يسأل أحداً
حاجة من خلق
الله. وقد ورد
في الخبر أن� النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من تقبل لي
بواحدة تقبلت له بالجنة أنلا يسأل أحداً شيئاً).
�وصفة
هؤلاء إذا
أفادواالخلق
ترى فيهم من
اللطف وحسن
التأني حتى
يظن أنهم هم
الذين يستفيدون
من الخلق. وأن الخلق هم الذين لهم اليد
عليهم ما رأيت أحسن منهم في معاملة الناس.
السابق
التالي
|