الجلوس للدرس والعظة

من الحكم العطائية

الحب والتشيع والرفض

الجلوس للدرس والعظة

كره بعض الناس الجلوس للعظة، وقال بعضهم لا بأس به إذا أراد به وجه اللَّه تعالى، وهذا القول أصح لأنه تعلم الشرائع. فأما من كره ذلك فقد احتج بما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال لا يقص على الناس إلا أمير أو مأمور أو مراء، وعن تميم الداري أنه استأذن عمر بن الخطاب رضي اللَّه تعالى عنه أن يقص على الناس في كل سبت يوماً قال وما تصنع بذلك؟ قال تذكرا للناس، قال ذكر إن شئت واعلم أنه الذبح وهذا كما قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم من استقصى فقد ذبح بغير سكين وعن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنه قال القاص ينتظر المقت والمستمع ينتظر الرحمة وعن أبي قلابة أنه انصرف عن الصلاة فجاءه رجل يقص ويصيح، فقال له أبو قلابة إنما أنت حمار ناهق وإن عدت إلينا لنؤدبنك، وعن إبراهيم النخعي رحمه اللَّه أنه قال: أكره القصص لثلاث آيات: قوله تعالى ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُم ﴿لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُون، وقوله تعالى ﴿وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْه وفي الحديث إن اللَّه تعالى أوحى إلى عيسى عليه الصلاة والسلام أن عظ نفسك فإن اتعظت فعظ الناس وإلا فاستحي مني وأما حجة من قال إنه لا بأس به فقول اللَّه تعالى ﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِين وقال تعالى في آية أخرى ﴿وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُون وعن عمر بن الخطاب رضي اللَّه تعالى عنه قال: يا معشر القصاص لا تقصوا فقد فقه الناس.

ففي هذا الخبر دليل على أن القوم إذا لم يعلموا فلا بأس به. وروى عن عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه تعالى عنه كان يذكر الناس كل عشية خميس وهو قائم على رجليه يدعو بدعوات.

وروى عن عطاء عن أبي هريرة رضي اللَّه تعالى عنه أنه قال: من كتم على الناس علماً يعلمه ألجم بلجام من نار يوم القيامة. وروى عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم بمثله. وعن أبي هريرة أنه قال: لولا آية لما جلست للناس وهي قوله تعالى ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى الآية. وروى عن عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه تعالى عنهما عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنه قال بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل فإن فيهم الأعاجيب ولا حرج، ومن كذب على متعمداً فليتبوأ مقعده من النار وقال الحسن: لولا العلماء لصار الناس كلهم مثل البهائم، وأوّل ما يحتاج إليه المذكر يجب أن يكون صالحاً في نفسه لأنه لو لم يكن صالحاً يهرب منه العقلاء ويقتدي به السفهاء فيكون في ذلك فساد العالم وكلامه لا ينجع في قلوب الناس، وينبغي للمذكر أن يكون ورعاً فلا يحدّث الناس بحديث لم يصح عنده لأنه روى عن علي بن أبي طالب رضي اللَّه تعالى عنه عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنه قال من حدّث بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين، وينبغي أن لا يطول المجلس فيمل الناس لأنه يذهب بركة العلم.

وروى عن عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه تعالى عنه أنه قال: إن للقلوب نشاطاً وإقبالاً وإن لها تولية وإدباراً فحدث القوم ما أقبلوا عليك. وروى عن الزهري عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنه قال روحوا القلوب ساعة فساعة وروى زيد ابن أسلم عن أبيه قال: كان قاض في بني إسرائيل يطول عليهم فأملهم فلعن ولعنو.

وينبغي للمذكر أن يكون متواضعاً ليناً ولا يكون متكبراً ولا فظاً غليظاً لأن التواضع واللين من أخلاق النبي صلى اللَّه تعالى عليه وسلم قال تعالى ﴿فيما رحمة من اللَّه لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك وإذا أراد أن يخبر الناس بشيء من فضائل الصلاة والصيام والصدقة، فينبغي أن يعمل به أولاً حتى لا يكون من أهل هذه الآية ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُم وقال إبراهيم النخعي: إني أكره القصص لثلاث آيات وقد ذكرناها، وينبغي للمذكر أن يكون عالماً بتفسير القرآن والأخبار وأقاويل الفقهاء. وروى عن علي ابن أبي طالب رضي اللَّه تعالى عنه أنه رأى رجلاً يقص للناس فقال له أتعرف الناسخ والمنسوخ؟ فقال لا، فقال له علي: هلكت وأهلكت. وينبغي للمذكر إذا حدث الناس أن لا يقبل بوجهه الى واحد بل يعمهم. وقد روى عن حبيب بن أبي ثابت أنه قال: من السنة أن لا يقبل بوجهه على رجل واحد ولكن يعمهم، ولا ينبغي للمذكر أن يكون طماعاً لأن الطمع يذل الإنسان ويذهب بهاء الوجه والعلم، ولو أهدى إليه إنسان من غير مسألة فلا بأس أن يقبل هديته، وينبغي أن يكون في مجلسه الخوف والرجاء، ولا يجعل كله خوفاً ولا كله رجاء لأنه نهى عن ذلك فإن كان المذكر يحتاج إلى تطويل المجلس فيستحب له أن يجعل في خلال مجلسه كلاماً يستظرفونه ويتبسـمون بذلك فإن ذلك يزيد نشاطاً وإقبالاً على السماع. وقد روى عن عمر رضي اللَّه تعالى عنه أنه كان إذا جلس رغب الناس في الآخرة وزهدهم في الدنيا، فإذا رآهم قد كسلوا أخذ في ذكر الغرس والبناء والحيطان، فإذا رآهم قد نشطوا أقبل في ذكر الآخرة.

من مقالات الشيخ
أبو الفتوح مختار خطاب

من الحكم العطائية

قيام الأشياء بالله وكونه سبحانه الحفظ عليها وجودهاوالإيقان

فيغنينا ذلك عن الدليل والبرهان، ونستدل به على الخلق، فإنه ليس في الوجود إلا الواحد الحق، فلا نراهم، وإن كان ولا بد فنراهم كالهباء في الهواء، أن فتشتهم لم تجدهم شيئا، وقال سيدي محي الدين بن العربي: من شهد الخَلْق لا فِعْل لهم فقد فاز، ومن شهدهم لا حياة لهم فقد حاز، ومن شهدهم عين العدم فقد وصل، ومما فيل في هذا المعنى:

من أبصرَ الخلْق كالسراب          فقد ترَقَّى عن الحجــابِ

إلى وجود يراه رَتْقـــَاً          بلا ابتعـــادٍ ولا اقترابِ

ولم يشاهدْ به ســــِوَاه         هناك يُهدى إلـى الصَّوابِ

فارفع أيها المريد عنك هذا الحجاب، واجعل تعلقك برب الأرباب. فإن كل شيء هالك إلا وجهه. ولا يضمن لك الوصول إلى الله إلا هذه الوجهة، كَيْفَ يُتَصَوَّرُ أن يَحْجِبَهُ شيءٌ وهو الذي أظهر كل شيء؟ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ أن يَحْجِبَهُ شيءٌ وهو الذي ظهر بكل شيء؟ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ أن يَحْجِبَهُ شيءٌ وهو الذي ظهر في كل شيء؟ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ أن يَحْجِبَهُ شيءٌ وهو الذي ظهر لكل شيء؟ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ أن يَحْجِبَهُ شيءٌ وهو الظاهرُ قبل وجود كل شيء؟ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ أن يَحْجِبَهُ شيءٌ وهو أظْهَرُ من كل شيء؟ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ أن يَحْجِبَهُ شيءٌ وهو الواحد الذي ليس معه شيء؟

كَيْفَ يُتَصَوَّرُ أن يَحْجِبَهُ شيءٌ وهو أقرب إليك من كل شيء؟ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ أن يَحْجِبَهُ شيءٌ ولولاه ما كان وجودُ كل شيء؟ يا عجباً كيف يَظْهَرُ الوجودُ في العَدَم؟ أم كيف يثبت الحادثُ مع مَنْ له وصْفُ القِدَم؟ بين المصنف في هذه الحكمة الأدلة التي تدل على أنه سبحانه لا يحتجب

بالأكوان، وأتى بها على وجه استبعاد أن يتصور ذلك في الأذهان، فقال: كَيْفَ يُتَصَوَّرُ أن يَحْجِبَهُ شيءٌ وهو الذي أظهر كل شيء حيث إنه هو الذي أوجده بعد العدم، وما كان وجوده متوقفاً عليه لا يصح أن يحجبه، وقوله: ظهر بكل شيء، أي من حيث أن كل شيء يدل عليه، فإن الأثر يدل على المؤثر، وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد.

قال تعالى:﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَق (53) فصلت. وقولُه: ظهر في كل شيء، أي من حيث أن الأشياء كلها مجالي ومظاهر لمعاني أسمائه، فيظهر في أهل العزة معنى كونه معزا، وفي أهل الذّلة معنى كونه مذلا، وهكذ... وقولُه: ظهر لكل شيء، أي تجلى لكل شيء حتى عرفه وسبحه. كما قال تعالى:﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُون(44) الإسراء.

وقولُه: وهو الظاهر قبل وجود كل شيء، أي فهو الذي وجوده أزلي وأبدي، فوجوده ذاتي، والذاتي أقوى من العَرَضي، فلا يصح أن يكون حاجباً له. وقولُه: وهو أظهر من كل شيء، أي لأن الظهور المطلق أقوى من المقيد، وإنما لم يُدْرك للعقول مع شدة ظهوره لأن شدة الظهور لا يطيقها الضعفاء، كالخفاش يبصر بالليل دون النهار لضعف بصره لا لخفاء النهار، على حد ما قيل:

ما ضرَّ شمسَ الضحى في الأُفْقِ طالعةً�      أنْ لا يرى ضوءَها مَنْ ليس ذا بصـر

من شرح الحكم
العطائية للشرنوبي

الحب والتشيع والرفض

السفر إلى الله إما فرض وإما نفل، فالفرض هو الحج والنفل هو العمرة، فإذا اصطفاك الله ومكّنَك مِن آلات الاستطاعة ويسّر لك الحج فلا أمان في سفرك هذا إلا بالسفر على متن الهداية التي حمَّلَهم الله رايتها واستودَعهم أمانتها، فإذا تم لك ذلك فاعلم أنه لا انقطاع لأمر العبودية، بل العكس، يزيدك الله عبودة، فلا ينقطع سفرك في علم الله الذي لا نهاية له، فيتكرر حجك ارتقاءً ومعراجاً إلى الله بفضل الله، فإذا تم لك ذلك كنتَ معتمِرا، ولا يكون ذلك إلا برفيق يأخذ بيدك ويصحبك في هذا السفر أولاً وآخِرا، وهذا بعض معنى قوله صلى الله عليه وسلم (خُذِ الرَّفِيقَ قَبْلَ الطَّرِيق) فالرفيق مطلقاً ـ كما أَخبَر المعصوم هو الطبيب المداوي لِلمرض أو العلة، وعلة العلل في آفات النفوس التي تَحجب القلبَ عن الرب،والطريق مطلقاً هو الطريق الموصلة إلى الله ﴿قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِى أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِى يوسف مِن الآية 108 ﴿يَهْدِى بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَ نَهُ سُبُلَ السَّلَـم المائدة مِن الآية 16، ﴿فَمَن شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِـّهِ سَبِيلا المزمل مِن الآية 19 ولِهذا أَمَر النبي صلى الله عليه وسلم باتخاذ المعلِّم الخبير المداوِي لِلعلل الحاجبة عن الوصول إلى رب العزة بدايةً مِن الأنبياء ونهايةً بأهل بيت نبيه الخاتم، وآخِرهم مَن يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما مُلِئَت جوراً وظلماً كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الإمام محمد بن عبد الله المهدي المنتظَر، فعلى مراكب أهل بيت النبوة سارت أمة النبي صلى الله عليه وسلم الخاتم نحو قصدها بِهِمَّة، فحجّ الحجيج واعتمَر المعتمِرون،

فيمن قال: إن الكلام في حب آل البيت هو مِن التشيع

اعلم أن لِلباطل صولة كما لِلحق صولة، ولقد أخطأ الكثير مِن الذين عرَّفوا الشيعة على أنهم أتباع سيدنا علي كرَّم الله وجهه والموالون لأهل البيت، وإنما الحق أنهم مَن تَشيَّعوا للإمام علي وأهل البيت، حيث أقصد إثبات حرف التاء في الفعل (تشيعوا) لإفادته التكلف والافتعال والمبالغة..

أمّا اتِّباع الإمام علي كرَّم الله وجهه وحبُّه وأهلِ بيته الكرام فالأمة كلها مأمورة بذلك، وإلا لَمَا قال له رسول الله (يَا عَلِي.. لاَ يُبْغِضُكَ إِلاَّ مُنَافِق، وَلاَ يُحِبُّكَ إِلاَّ مُؤْمِن) رواه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة وأحمد والطبراني وأبو نعيم وأمّا الأحاديث في فضل أهل البيت فقد ذكرتُ جملةً منها قبل ذلك، وصولة الباطل في هذا الباب يرجع السبب فيها غالباً إلى اتّباع الهوى وحب الظهور على حساب الدين ونصوصه، أو إن شئتَ فقل: إن بعض سببها الجهل بأمور الدين وأصوله، وأَذكر أنني قرأتُ لأحد أهل العلم قولاً وجيهاً في الأحاديث النبوية الشريفة الواردة في حق الإمام علي كرّم الله وجهَه يردّ فيه على مَن تَنَطَّعَ مبالِغاً في ردها بدعوى أنها مِن مرويات الشيعة، وهذا جهل كبير والحق الذي لا مراء فيه هو عرْض الحديث على قواعد أهل الاصطلاح، فإن صح فبها ونعمت، وإلا فلينزل منزلته، أمّا رفضُه أو ردّه لِمجرد ذِكر لفظ الإمام علي فهو تطرُّف ممقوت، وهناك فرقة مِن الشيعة سألت الإمام زيد بن عليابن الحسين عن رأيه في الشيخين أبي بكر وعمر فأثنى عليهما، فرفَضوا قوله فسُمُّوا بالرافضة، وصار هذا الاسم مرادفاً للفظ الشيعة أو كاد أن يكون، ولَمّا اشتهر عن الإمام الشافعي حبُّه لأهل بيت الرسولاتِّباعاً للكتاب والسّنّة تقَوَّلَ البعض عليه وزعموا بأنه مِن الرافضة، فرَدّ عليهم بقولته المشهورة:

يا راكباً قِفْ بالمحصبِ مِن مِنى        واهتِفْ بساكـنِ خيفِها والناهضِ

سَحَراً إذا فاضَ الحجيجُ إلى منى       فيضاً كملتطمِ الفــراتِ الفائضِ

إنْ كانَ رفضاً حـبُّ آلِ محمـدٍ        فلْيشـهــدِ الثقلانِ أنِّي رافضِي

قال البيهقي: إنما قال الشافعي ذلك مِن نسبة الخوارج له إلى الرافضة حسداً وبغياً .

فأحِبَّ يا أخي مَن شئتَ مِن أهل بيت رسولنا الكريم الرءوف الرحيم، فإنّ في أحدهم رائحة مِسْكِه معروفة وإنّ في إرثهم محاسن أخلاقه موصوفة، تكاد تهتف إلفاً وإيلافا: إنما بُعِث جدنا لإيلاف قريش وأورثنا نوره لإيلافهم إلى يوم أن يرث الله الأرض ومَن عليها.

سعيد أمين