|
من علوم الشيخ محمد عثمان عبده البرهاني -
38 |
8- (ومن
الأولياء
أيضاً القانتون
والقانتات
رضي الله عنهم)
تولاهم الله بالقنوت وهو الطاعة لله في كل ما
أمر به ونهى عنه، قال الله تعالى ﴿وقوموا الله قانتين﴾ أي طائعين، وقال تعالى
﴿والقانتين والقانتات﴾.
قال
سيدي محيي
الدين رضي
الله عنه: وقفت
يوماً أنا
وعبد صالح معي
- يقال له
الحاج مدور
يوسف
الاوستجي،
كان من
الأميين
المنقطعين إلى
الله،
المنورة
بصائرهم - على
سائل يقول: من
يعطي شيئا
لوجه الله
ففتح رجل صرة
دراهم كانت
عنده وجعل
ينتقي له من
بين الدراهم
قطعة صغيرة
يدفعها
للسائل، فوجد
ثمن درهم
فأعطاه إياه،
وهذا العبد
الصالح ينظر
إليه، فقال لي:
يا فلان تدري
على ما يفتش
هذا المعطي؟
قلت ل. قال على قدره عند الله، لأنه أعطى السائل لوجه الله
فعلى قدر ما أعطى لوجهه تعالى ذلك قيمته عند ربه.
ولكن من شرط القانت عندنا أن يطيع الله من حيث
ما هو عبد الله لا من حيث ما وعده الله به من الأجر والثواب لمن أطاعه، وأما الأجر
الذي يحصل للقانت فذلك من حيث العمل الذي يطلبه لا من حيث الحال الذي أوجب له
القنوت.
9- (ومن
الأولياء
أيضا
الصادقون
والصادقات
رضي الله عنهم)
تولاهم الله تعالى بالصدق في أقوالهم
وأحوالهم، قال تعالى ﴿رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه﴾.
10- (ومن
الأولياء
أيضا
الصابرون
والصابرات
رضي الله عنه)
تولاهم الله بالصبر وهم الذين حبسوا أنفسهم مع
الله على طاعته من غير توقيت، فجعل الله جزاءهم على ذلك من غير توقيت، فقال تعالى
﴿إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب﴾ فما وقت لهم فإنهم لم يوقتوا، فعم صبرهم جميع
المواطن التي يتطلبها الصبر، فكما حبسوا نفوسهم على الفعل بما أمروا به حبسوها أيضا
على ترك مانهوا عن فعله وهم الذين أيضا حبسوا نفوسهم عند وقوع البلايا والرزايا بهم
عن سؤال ما سوى الله في رفعها عنهم بدعاء الغير أو بشفاعة أو طلب، ولا يقدح في
صبرهم شكواهم إلى الله في رفع ذلك البلاء عنهم ألا ترى أيوب عليه السلام سأل ربه
رفع البلاء عنه بقوله ﴿مسني الضر وأنت أرحم الراحمين﴾ فشكا ذلك إلى ربه عز وجل وقال
له ﴿وأنت أرحم الراحمين﴾ ففي هذه الكلمة اثبات وضع الأسـباب وعرض فيها لربه برفع
البلاء عنه فاستجاب له ربه وكشف ما به من الضر.
فأثبت
بقوله
تعالى ﴿فاستجبنا
له﴾ أن دعـاءه
كان في رفع
البلاء فكشف
ما به من ضر ومع
هذا أثنى عليه
بالصبر وشهد
له به فقال
سبحانه ﴿إنا
وجدناه صابرا
نعم العبد إنه
أواب﴾ أي رجاع
إلينا فيما
ابتليناه به
وأثنى عليه بالعبودية
فلو كان
الدعاء إلى
الله في رفع
الضر ورفع
البلايا
يناقض الصبر
المشروع المطلوب
في هذا الطريق
لم يثنى الله
على أيوب بالصبر
وقد أثنى عليه
به، بل عندنا
من سوء الأدب
مع الله أن لا
يسأل العبد
رفع البلاء
عنه لأن فيه
رائحة من
مقاومة القهر
الإ لهي بما
يجده من ا
لصبر وقوته
قال العارف: إنما
جوعني لأبك
فالعارف وإن
وجد القوة
الصبرية فليفر
إلى مواطن
الضعف
والعبودية
وحسن الأدب
فإن القوة لله
جميع. فيسأل ربه رفع البلاء عنه أو عصمته منه إن توهم
وقوعه وهذا لا يناقض الرضا بالقضاء فإن البلاء إلى القضاء إنما هو عين المقضي لا
القضاء فيرضي بالقضاء ويسأل الله في رفع المقضي به عنه فيكون راضياً صابراً فهؤلاء
أيضاً هم الصابرون الذين أثنى الله عليهم.
روي بعض السادة وهو يبكي من الجوع فقيل له أنت
من أنت وتبكي من الجوع فقال إنما جوعني لأبكي فهذه كلمة عالم بالله محقق في طريق
الله عارف بنفسه وبربه.
11- (ومن
الأولياء أيضاً
الخاشعون
والخاشعات
رضي الله عنهم)
تولاهم الله بالخشوع من ذل العبودية القائم
بهم لتجلي سلطان الربوبية على قلوبهم في الدار الدنيا.
12- (ومن
الأولياء
أيضاً
المتصدقون
والمتصدقات رضي
الله عنهم)
تولاهم الله بجوده ليجودوا بما استخلفهم الله
فيه مما افتقر إليه خلق الله تعالى فاحوج الله الخلق إليهم لغناهم بالله.
13- (ومن
الأولياء
أيضاً
الصائمون
والصائمات رضي
الله عنهم)
تولاهم الله بالإمساك الذي يورثهم الرفعة عند
الله تعالى على كل شيء أمرهم الحق أن يمسكوا عنه أنفسهم وجوارحهم، فمنه ما هو واجب
ومندوب.
14- (ومن
الأولياء
أيضاً
الحافظون
لحدود الله
والحافظات
رضي الله عنهم)
تولاهم الله بالحفظ الإلهي فحفظوا به ما تعين
عليهم أن يحفظوه وهم على طبقتين ذكرهم الله تعالى فخصص وعمم وهم الحافظون فروجهم
(خصص) والحافظون لحدود الله (عمم).
15- (ومن
الأولياء
أيضاً
الذاكرون
الله كثيراً
والذاكرات
رضي الله عنهم)
تولاهم الله بإلهام الذكر ليذكروه فيذكرهم قال
تعالى ﴿فاذكروني أذكركم﴾ فأخر ذكره إياهم عن ذكرهم إياه وقال تعالى: أي في الحديث
القدسي (من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه)
وقال (من تقرب إلي براً تقربت إليه ذراعا) وقال تعالى ﴿فاتبعوني يحببكم الله﴾
فالذكر أعلى المقامات كلها والذاكر هو الرجل، الذي له الدرجة على غيره من أهل
المقامات.
16- (ومن
الأولياء
أيضاً
التائبون
والتائبات والتوابون
رضي الله عنهم)
تولاهم الله بالتوبة إليه في كل حال أو في حال
واحد سار في كل مقام والتائب الراجع إليه تعالى من عين المخالفة ولو رجع ألف مرة في
كل يوم فما يرجع إلا من المخالفة فالتوابون أحباب الله بنص كتابه، الناطق بالحق
الذي ﴿لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد﴾.
17- (ومن
الأولياء
أيضاً
المتطهرون من
رجال ونساء
رضي الله عنهم)
تولاهم القدوس بتطهيره فتطهيرهم تطهير ذاتي لا
فعلي وهي صفة تنزيل قال تعالى ﴿إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين﴾ واعلم أن
المتطهرين في هذا الطريق عباد الله الأولياء فالمتطهر هو الذي تطهر من كل صفة تحول
بينه وبين الدخول على ربه ولهذا شرع في الصلاة الطهارة لأن الصلاة دخول على الرب
لمناجاته.
18- (ومن
الأولياء
أيضاً
الحامدون من
رجال ونساء رضي
الله عنهم)
تولاهم
الله بعواقب
ما تعطيه صفات
الحمد فهم أهل
عاقبة الأمور.
قال تعالى ﴿ولله
عاقبة الأمور﴾
فالحامد من
عباد الله من
يرى الحمد
المطلق على ألسنة
العالم كله
سواء كان
الحامدون من
أهل الله أو
لم يكونوا
وسواء كان
المحمود الله
أو كان مما
يحمد الناس به
بعضهم بعض. فإنه في نفس الأمر
ترجع عواقب الثناء كلها إلى الله لا إلى غيره فالحمد إنما هو لله خاصة فأي وجه كان،
فالحامدون الذين أثنى الله عليهم في القرآن هم الذين طالعوا نهايات الأمور في
ابتدائها وهم أهل السوابق فشرعوا في حمده ابتداء بما يرجع إليه سبحانه وتعالى جل
جلاله من حمد المحجوبين انتهاء فهؤلاء هم الحامدون على الشهود بلسان الحق.
19- (ومن
الأولياء
أيضاً
السائحون وهم
المجاهدون في
سبيل الله من
رجال ونساء
رضي الله عنهم)
قال رسول الله
صلى الله عليه
وسلم (سياحة
أمتي الجهاد
في سبيل الله) قال
تعالى ﴿التائبون
العابدون
الحامدون
السائحون﴾ والسياحة
المشي في
الأرض
للاعتبار
برؤية آثار
القرون
الماضية ومن
هلك من الأمم
السالفة وذلك
أن العارفين
بالله لما
علموا أن الأرض
تزهو وتفخر
بذكر الله
عليها وهم رضي
الله عنهم أهل
إيثار وسعي في
حق الغير
ورأوا أن المعمور
من الأرض لا
يخلو عن ذاكر
لله فيه من عامة
الناس. وأن
المفاوز
المهلكة
البعيدة عن
العمران لا يكون
فيها ذاكر لله
من البشر، لزم
بعض العارفين
السياحة صدقة
منهم على البيد
التي لا
يطرقها إلا
أمثالهم
وسواحل
البحار وبطون
الأودية وقلل
الجبال
والشعاب،
والجهاد في
أرض الكفر
التي لا يوحد
الله تعالى
فيها ويعبد
فيها غير الله
ولذلك جعل
النبي صلى الله
عليه وسلم
سياحة هذه
الأمة الجهاد
فإن الأرض إن
لم يكفر عليها
ولا ذكر الله
فيها أحد من
البشر فهي أقل
حزنا وهما من
الأرض التي
عبد غير الله
فيها وكفر
عليها وهي أرض
المشركين والكفار
فكانت
السياحة
بالجهاد أفضل
من السياحة في
غير الجهاد
ولكن بششرط أن
يذكر الله عليها
ولابد فإن ذكر
الله في
الجهاد أفضل
من لقاء العدو
فيضرب
المؤمنون
رقابهم ويضرب
الكفار رقاب
المؤمنين
والمقصود
إعلاء كلمة
الله في
الإماكن التي
بعلو فيها ذكر
غير الله ممن
يعبد من دون
الله فهؤلاء
هم السائحون. قال
سيدي محيي
الدين رضي
الله عنه: لقيت
من أكابرهم
يوسف
المغاوري
الجلاء ساح مجاهداً
في أرض العدو
عشرين سنة. وممن رابط بثغر
الأعداء شاب بجلمائية نشأ في عبادة الله تعالى يقال له أحمد بن
همام الشقاق بالأندلس وكان من كبار الرجال مع صغر سنه انقطع إلى
الله تعالى هذا الطريق وهو دون البلوغ واستمر حاله على ذلك إلى أن
مات رضي الله عنه.
20- (ومن
الأولياء
أيضاً
الراكعون من
رجال ونساء رضي
الله عنهم)
وصفهم الله تعالى في كتابه العزيز بالراكعين
وهو الخضوع والتواضع لله تعالى.
السابق
التالي
|