الإسلام والسلام

يقول بعض الدعاة إلى الإسلام فى أيامنا هذه حينما يريدون الدفاع عن بعض الفئات الشاذة التى تنتهج أسلوب العنف والقتل باسم الإسلام أن الإسلام سلم لمن سالمه حرب على من حاربه وقاله لى أحدهم حينما تحدثنا عن ذبح أحد الأمريكان وقلت مشمئزا إن هذا الأمريكى ليس خروف وليس جندى بالجيش وهو صحفى لا يحمل سلاح وكل هذا يخرجه من عداد المحاربين حتى ولو تواجد فى أرض المعركة فالأمر النبوى للجيوش أن لا يقتلوا امرأة ولا طفلا ولا رجلا بغير سلاح وأن لا يهدموا بيتا أو يقطعوا شجرة مثمرة أو مظلة، فرد على بقوله ولكن الله أمرنا بقوله ﴿فاضربوا فوق الأعناق﴾ أليس هذا أمر بالذبح؟ فقلت له إن أمثالك حينما يفسرون القرآن تكون الطامة الكبرى لأن الأمر فى هذه الآية موجه للملائكة الذين نزلوا فى غزوة بدر وهم لايعرفون القتال ولذلك علمهم الله كيف يحاربون المشركين الذين يحملون السلاح فى وجه المؤمنين، ولكن إذا أردت أسلوب الدعوة السليمة فارجع مع التاريخ بعبيره السمح حيث خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف ليدعو أهلها إلى الإسلام وليس بينهم رجل واحد رشيد ولم يأخذ معه أحدا من أصحابه خوفا من أن يتدخلوا بينه وبين من يدعوهم بإسلوب يتنافى مع رحمته ورأفته بالخلق، وأهل الطائف معروفون بغلظتهم وقسوة قلوبهم، وكان رد الفعل الذى توقعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جلس مع كبرائهم وعواقلهم وعرض عليهم الإسلام بالحسنى ولين القول فما وجد منهم قبول ولا رجولة حتى بالباطل الذين هم عليه فلم يواجهه أحدهم برد ولكن كانوا كالثعابين فى تلون ردودهم وانصرفوا من حول رسول الله واحدا تلو الآخر، وهموا إلى صبيانهم وسفهائهم ليغروهم بأذى النبى صلى الله عليه وسلم، وبالفعل قام الحبيب ليأخذ طريق العودة إلى مكة بأحزانها التى توالت عليه فى هذا العام فها هى السيدة الفاضلة خديجة بنت خويلد الأسدى أول من آمن به وأول من أحبه وأول من أنفقت مالا ووقتا فى الإسلام تتركه وحيدا، وها هو عمه الكريم الفاضل أبوطالب أول من آزر وساند وأيد وقال للنبى (والله لا أخزيك ولا أسلمك لهم أبدا) وبالرغم من الحزن على الفقد لم ينس الدعوة ولا المهمة التى أوكله الله بها، وفى هذا الخضم من المعتركات ذهب السفهاء بأحجارهم إلى قدم الحبيب فأدموها وجلس الحبيب يناجى حبيبه ويقول غير مبال بما أصابه (إن لم يك بك غضب على فلا أبالى لك العتبى حتى ترضى) أيظن السفهاء من الناس أن هذا ضعفا!! لا والله إنها القوة بعينها، فالقدرة على الصبر أقوى من الإنتصار للنفس طالما أن الأمر فى سبيل الدعوة إلى الله، أما الثأر للنفس واختطاف الناس وذبحهم لهو أسلوب الجبناء، وها هو الحبيب يأتيه ملك الجبال بإجابة سريعة من ربه ويقول مرنى يا حبيب الله أن أطبق الجبلين على هذه الحسالة الذين أدموا قدمك الشريف، فهل قال الحبيب أنتصر لنفسى؟ لا والله، بل قال أنتظر الأجيال القادمة من أصلابهم عل الخير يكون فيهم ويكن منهم من يشهد أن لا إله إلا الله، وهنا يظهر وجه برئ يحمل بين يديه بعض الفاكهة ويقدمها للحبيب وهو يقول يا صبوح الوجه كالنهار تقبل منى هديتى واعتذارى عن فعلة السفهاء معك، فتبسم الحبيب وتقبل هديته بقبول حسن وسأله من أى البلاد أنت؟ فقال الفتى من نينوى، فقال الحبيب: متهللا من بلد أخى يونس؟ فقال الفتى أتعرف يونس النبي؟ فقال الحبيب: نعم فهو أخى فى النبوة، فانكب الفتى على قدمى الحبيب يقبلها وهو يبكى ويغسل القدمين الشريفتين بدموعه معتذرا عما حدث لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منخرط فى البكاء، هكذا تكون الدعوة التى يلازمها الصبر وهذه سنة الحبيب صلى الله عليه وسلم مع من جهلوه، فإن لم يكن بهم خير انتظر من خرج من أصلابهم.

وكذلك لما ذبح الأسرى بطريق الخطأ فى إحدى الفتوحات بقيادة سيدنا خالد بن الوليد وبلغ الخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع الحبيب يديه قائلا (اللهم إنى أبرأ إليك مما صنع خالد) هذه سنة الحبيب فى الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، ونسأل الله السلامة.

محمد صفوت جعفر


مقام سيدي عبدالعزيز المكنى بأبي المجد - مصر