تاريخ
المدينة
المنورة بدأ هذا
العهد بإعلان
ولاء الحجاز
للسلطان العثمانى
سليم الأول
الذى كان فى
القاهرة بعد
أن استولى على
مصر وأنهى حكم
المماليك، فتوجه
إليه وفد من
أعيان الحجاز
برئاسة ابن
شريف مكة وقدم
الطاعة
للسلطان،
ففرح السلطان
بذلك ولقب
خاقان البر
والبحر وخادم
الحرمين الشريفين.
ظلت المدينة تابعة لشريف مكة، وأخذ نفوذ أمير المدينة يتقلص بسرعة فى مواجهة نائب
شريف مكة الذى بدأ يدير الأمور ويستعين برجاله ثم انتهى النفوذ وألغيت إمارة
الحسينيين فى الربع الأخير من القرن العاشر الهجرى ومن جهة أخرى استفادت المدينة
اقتصاديا فوصلتها الأموال والمساعدات العينية، وتضاعف عدد الزائرين بانضمام أعداد
جديدة من أتباع الدولة العثمانية المترامية الأطراف. وفى عام 939هـ أمر السلطان سليمان القانونى
ببناء سور جديد ومعه قلعة حصينة لتكون موقعا للحامية العثمانية، وازداد عدد
المقيمين فى المدينة من موظفى الدولة والمهاجرين الجدد، وظهرت تغييرات فى البنية
السكانية وتصاهرت العائلات وأصبح تعيين كبار الموظفين من الاستانة، خاصة شيخ الحرم
والقاضى والأغوات (خدام المسجد النبوى) والقائد العسكرى والضباط، وقد رابطت حامية
مؤلفة من ثلاث فرق فى القلعة، وانتشرت اللغة التركية إلى جانب العربية، وعاشت
المدينة فى عزلة سياسية بعيدة عن الأحداث وانتهى الصراع على الإمارة كما انتهت سلطة
آل مهنا الحسينية، وانتقل كثير منهم إلى القرى والمزارع وانغمس الباقون فى العلم
والتجارة، وافتتحت عدة مدارس فى الأربطة، وازدهر النشاط العلمى فى القرن الحادى
عشر، ونجت المدينة من الصراعات التى كانت تدور فى مكة على الإمارة ولكنها بقيت
تابعة لأمير مكة اسميا، وفى عام
1040هـ اشتد الصراع فى مكة على الإمارة ولجأ الشريف
زيد بن محسن إلى المدينة وكتب إلى والى مصر يستعديه على خصمه الشريف نامى فأرسل
والى مصر ثلاثة آلاف جندى لنصرته وإعادته إلى الإمارة وخرج معه بعض مناصريه من أهل
المدينة، ولما تولى الإمارة أحسن إليهم، وساعد على تنظيفها من المفسدين، فنعمت
المدينة بالأمن والطمأنينة، وتولى بعده ابنه الشريف سعد عام
1077هـ وعين نائبا عنه
فى المدينة فأساء النائب التصرف، وتدخلت الدولة العثمانية بعد أن كثرت الشكاوى ضده
فعزلته وسجنته، وكان هذا مظهرا من مظاهر تعدد القوى المنفذة وتداخلها فقد أصبحت
العاصمة العثمانية مرجعا أخيرا يعزل ويولى ونائب الشريف هو الحاكم الفعلى يتبع
شريف مكة وغالبا ما يكون من أبنائه أو أقاربه، وقد يحدث صدام بينه وبين القوة
العثمانية. ففى عام
1090هـ قتل رجال الحامية نائب الشريف
بحجة أنه سب الخليفة العثمانى وقبل نهاية القرن الحادى عشر وقعت صدامات مع أفخاذ من
قبيلة حرب فى موسم (الرجبية) وحدثت سيول ضخمة أغرقت المزارع وكادت تغرق بعض
الأحياء، وفى القرن الثانى عشر ضعفت الإدارة العثمانية وتنازعت القوى المختلفة
المتحكمة بالمدينة، وحدثت صراعات بين قيادات الفرق العسكرية، كما حدثت صراعات مع
قبيلة بنى على، ووقعت خسائر فى الطرفين، واشتد الاضطراب وكثر الفساد، وشارك فيه بعض
الأغوات الذين لم يشتغلوا بمهمتهم الرئيسية وتأثروا بالأحوال السائدة، وفى مقابل
ذلك حاول بعض المصلحين من أهل المدينة تدارك الأمر فتعاهدوا على مواجهة الفساد
وبدؤوا يعملون لذلك فأطلق عليهم اسم جماعة العهد، وحدث أن اصطدم بعض الأغوات مع
عساكر القلعة وتحول الصدام إلى قتال، وتحصن الأغوات بالمسجد النبوى وأغلقوه وحملوا
السلاح وتدخل جماعة أعضاء العهد لإنهاء الفتنة فرفض الأغوات وساطتهم، وأمر القاضى
بالقبض على الأغوات المشاركين فى الفتنة وفتح المسجد النبوى وتم ذلك، فنقم الأغوات
على جماعة العهد واستطاعوا بعد مدة أن يستصدروا أمرا من السلطان العثمانى بقتلهم،
وقتل بعضهم وهرب الآخرون وانتهت الجماعة. وفى عام
1184هـ كثرت الفتن بين عساكر القلعة
وهاجم بنو على المدينة، وكثرت الاضطرابات وازداد الفساد فى الجهاز الإدارى، فقام
موظف صغير فى الفرقة العسكرية اسمه حسن كابوس بتحريض الناس ضد المفسدين من كبار
الموظفين والضباط، الذين استولوا على شحنات الحبوب المرسلة للمدينة، واندلعت نار
الفتنة وحاصر الناس القلعــة وأخرجوا المفســدين من المدينة، لكن عساكر القلعة
انتقموا بعد مدة واغتالوا حسن كابوس. وكانت
الاضطرابات
تهدأ حينا
وتشـتد
حينا آخر
ومحركها
الأكبر قادة
الفرق
العسكرية المتصارعون
على
النـفوذ
ولكنهم كانوا
يتحدون عندما
تواجه
المدينة
خطراً خارجيا
من الأعراب
وغيرهم. وقد استطاع الشريف سرور حاكم مكة
أواخر هذا القرن أن يضعف شوكتهم وقبض على عدد منهم وسجنهم فى مكة فاستراحت المدينة
منهم وعاد إليها الهدوء والسكينة، وعاشت العقد الأول من القرن الثالث عشر الهجرى فى
أمن وطمأنينة، وقد ساعد هذا الجو على امتداد الحركة الإصلاحية التى قامت فى نجد
نتيجة التعاون بين الشيخ محمد بن عبد الوهاب والأسرة السعودية ودخل بعض الأفراد
وأفخاذ القبائل فى الدعوة وتجمع عدد منهم فى عوالى المدينة وبنوا حصنا كبيرا جعلوه
مقرا للدعوة، وعندما اصطدم شريف مكة (الشريف غالب) برجال الدولة السعودية الأولى
زحف هؤلاء لتخليص الحجاز من حكم الشريف غالب وحاصروا المدينة فطلب أعيانها الأمان
وبايعوا الأمير سعود بن عبد العزيز بن محمد آل سعود فانتهت المرحلة الأولى من العهد
العثمانى وبدأت مرحلة عهد الدولة السعودية الأولى وذلك فى عام
1220هـ ودخل
السعوديون المدينة.
في قصة
موسى والخضر لما علا شرف الكليم بالتكليم على كل شرف، قال
له قومه: أى الناس أعلم؟ فقال: أنا، ولم يقل فيما أعلم، فابتلى فيما أخبر به وأعلم،
فقام بين يدى الخضر، كما يقوم بين يدى السليم الأعلم فابتدأ بسؤال هل أتبعك
(الكهف66) فتلقاه برد لن (الكهف67) وكم أن موسى من لن أمر قومه بالإيمان
فقالوا لن نؤمن (البقرة55) وقعوا فى التيه فقالوا لن نصبر (البقرة61) ندبوا إلى
الجهاد فصاحوا لن ندخلها (المائدة22) طرق باب أرنى (الأعراف143) فرده حاجب لن، دنا
إلى الخضر للتعلم فلفظه بلفظ لن ثم زاده من زاد الرد بكف وكيف تصبر (الكهف68) فلما
سامحه على نوبة السـفينة وزاوجهه بالعتاب فى كرة الغلام، أراق ماء الصحبة فى
جدال الجدار هذا فراق بينى وبينك (الكهف78). ثم فسر
له سر المشكل،
فجعل يشرح
القصص فصلا فصلا
بمقول قائل
يقول فصلا،
وكلما ذكره
أصلا أصلى، لم
يبق لموسى عين
تراه أصلا، وكلما
سل من حر
للعتاب نصلا،
صاح لسان حال
موسى: كم
نصلى؟ فألقى
تفسير الأمور
على الكليم
وأملى،
والقدر يقول: أهو
أعلم أم لا؟ فعلم
موسى ويوشع أى
عبد أما، منذ
ابتدأ بالشرح
بأما، ثم أخد
لسان العتاب
يذكر منسى
موسى، أتنكر
خرق سفينة
لظاهر إفساد
تضمن ضمنه
صلاح ولكم فى
القصاص حياة (البقرة179)
أو تنكر إتلاف
شخص دنئ
لإبقاء دين
شخصين؟ أو كرهت
إقامة الجدار
لشح أهل
القرية
بالقرى، أفأردت
من الأصفياء
معاملة
البخلاء
بالبخل؟ أما
تلمحت سر صل
من قطعك. رواه
الإمام أحمد
فى المسند4/148 لقد أنكرت ما جرى لك مثله، حذرت يوم السفينة
من الغرق فصحت بإنكار أخرقتها (الكهف71) أنسيت يوم فألقيه فى اليم (القصص7)؟! أنكرت
قتل نفس بغير نفس، أنسيت يوم فوكزه (القصص15)؟! نهيت عن عمل بلا أجر، أنسيت يوم
فسقى لهما (القصص24)؟! فلما بان البيان خرج الخضر من (باب) دار الدعوى وأخرج يده من
ملك التصرف وأحال الحال على الغير وما فعلته عن أمرى (الكهف82). وهذه القصة قد حرضت على جمع رحل الرحيل فى طلب العلم، وعلمت كيفية الأدب فى كف كف الاعتراض على العلم، وصاح فصيح نصيحها بذى اللب: دع دعواك، فعلى دعوى الكليم ليم وفوق كل ذى علم عليم (يوسف)
الأخ
الوفـي فـي
المنهج الصوفـي إن شأن
الأخوة فى
الله التى لها
من المنزلة العالية
مكان أى مكان
لدرجة قول
رسول الله صلى
الله عليه
وسلم فى حديث
أخرجه
الترمذى عن
سيدنا معاذ بن
جبل رضى الله
عنه قال: قال
رسول الله صلى
الله عليه
وسلم قال الله
عز وجل (المتحابون
فى جلالى لهم
منابر من نور
يغبطهم
النبيون
والشهداء) فهذه
المنزلة التى
لا تنال إلا
بالمحبة الصادقة
فى الله لها
من القواعد
والأسس التى
أرساها
مولانا رسول
الله صلى الله
عليه وسلم
بأعظم وأكمل
ما تكون معانى
الأخوة، فقد
قال رسول الله
صلى الله عليه
وسلم فيما
يرويه أبو
يعلى عن سيدنا
سهل بن سعد (مثل
المؤمن من أهل
الإيمان
بمنزلة الرأس
من الجسد يألم
المؤمن لأهل
الإيمان كما
يألم الرأس
لما فى الجسد) فالإشارة
فى هذا الحديث
أن أهل
الإيمان مثل الجسد
الواحد يعطى
من المعانى
أسماها فى شأن
الأخوة، ففى
الجسد نجد
التكامل،
الشمولية، الواحدية،
التنظيم،
التناسق فى
الأداء،
وغيرها من
معانى وحدة
الصف بين المؤمنين،
وكلما ارتقى
المؤمن فى
الله عز وجل كلما
كان إحساسه
بإخوانه أشد
وأعمق وأدق،
ونشير فى هذا
الصدد إلى قول
الإمام
الغزالى والمروى
فى كتاب (الفتوحات
الإلهية) لسيدى
أحمد بن عجيبة
الحسينى إلى
حقوق الإخوان
وهى ثمانية
كما وردت فى
الكتاب
وبيانها على
الإيجاز: الحق
الأول فى
المال وذلك
بالمواساة،
أى تعطى أخاك
منه، وهو على
ثلاث منازل،
أن تنزله منزلة
عبدك أو خادمك
وأن تنزله
منزلة نفسك
وأن تؤثره على
نفسك، والحق
الثانى هو
الإعانة بالنفس
فى قضاء
الحاجات،
وأما الحق
الثالث فهو على
الإنسان
بالسكوت عن
أسراره
وطباعه، والحق
الرابع على
اللسان
بالنطق فى
المودة والمواساة
والموعظة،
والحق الخامس
العفو عن الزلات
والهفوات،
أما الحق
السادس فهو
الدعاء له فى
حياته ووماته
بكل ما تحب
لنفسه وأهله،
والحق السابع
الوفاء
والإخلاص
بدوام المحبة
له بعد موته
فى أهله
وأحبابه،
وأخيراً الحق
الثامن هو
التخفيف وترك
التكليف
والتكلف. ولعل
وجود كدر فى
نفس المؤمن
تجاه أخيه
تحول بينها
وبين القيام
بتلك الحقوق،
ونشير فى هذا الصدد
لقول سيدى أبو
سعيد الخراز: صحبت
الصوفية (أى
إخوانه) خمسين
سنة ما وقع
بينى وبينهم
خلاف، فقيل له:
وكيف ذلك؟ قال:
لأنى كنت معهم
على نفسى،
ويقول سيدنا
عمر بن الخطاب
رضى الله عنه (رحم
الله امرؤ
أهدى إلى
عيوبى)، ويقول
سيدنا معاوية
الأسود (إخوانى
كلهم خير منى) قيل:
وكيف ذلك؟ قال:
(كلهم يرى لى
الفضل عليه
ومن فضلنى على
نفسه فهو خير
منى). وعلامة
الأخوة
بمعناه الذى
يرتضيه أهل
بيت النبى صلى
الله عليه
وسلم ما قاله
مولانا جعفر
الصادق رضى الله
عنه (أثقل
اخوانى على من
يتكلف لى
وأتحفظ منه،
وأخفهم على
قلبى من أكون
معه كما أكون
وحدى) وفى
الختام نختم
بقول مولانا
الإمام فخر
الدين رضى
الله عنه فى
ديوانه شراب
الوصل: بنى كفوا فما كفران نعمتنا ����� يفيدكم والتآخى شكر نعمتنا � أبو
العباس مصطفى |
|