|
من علوم الشيخ محمد عثمان عبده البرهاني -
39 |
21- (ومن
الأولياء
أيضاً
الساجدون من
رجال ونساء رضي
الله عنهم)
تولاهم
الله بسجود
القلوب فهم لا
يرفعون
رؤوسهم لا في
الدنيا ولا في
الآخرة وهو حال
القربة وصفة
المقربين،
ولا يكون
السجود إلا عن
تجلٍ وشهود
ولهذا قال
تعالى ﴿واسجد
واقترب﴾ يعني
اقتراب كرامة
وبر وتحف كما
يقول الملك للرجل
إذا دخل عليه
فحياه
بالسجود له
بين يديه فيقول
له الملك: ادنه
ادنه حتى
ينتهي منه حيث
يريد من
القربة. فهذا
معنى قوله
تعالى ﴿واقترب﴾
في حال السجود
إعلاماً بأنه
قد شاهد من
سجد له وأنه
بين يديه، هو
يقول له اقترب
ليضاعف له القربة
كما قال تعالى
في الحديث
القدسي: (من
تقرب إلي
شبراً تقربت
إليه ذراعاً). فإذا
كان اقتراب
العبد عن أمر
إلهي كان أعظم
وأتم في بره
وإكرامه لأنه
ممتثل أمر سيده
على الكشف. فهذا
هو سجود
العارفين
الذين أمر
الله نبيه صلى
الله عليه
وسلم أن يطهر
بيته له
ولأمثالهم. فقال عز من قائل
﴿وطهر بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود﴾ وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم ﴿فسبح
بحمد ربك وكن من الساجدين﴾.
22- (ومن
الأولياء
أيضاً
الآمرون
بالمعروف من
رجال ونساء
رضي الله عنهم)
تولاهم الله
بالأمر بالله
إذا كان هو
المعروف فلا
فرق بين أن
تقول الآمرون
بالمعروف أو
الآمرون
بالله، لأنه
سبحانه هو
المعروف الذي
لا ينكر قال
تعالى ﴿ولئن
سألتهم من خلق
السموات والأرض
ليقولن الله﴾ مع
كونهم مشركين
وقالوا ﴿وما
نعبدهم﴾ يعني
الآلهة ﴿إلا
ليقربونا إلى
الله زلفى﴾ وهو
المعروف
عندهم بلا
خلاف في ذلك
في جميع النحل
والملل
والعقول. قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم (من عروف نفسه فقد عرف ربه) فهو المعروف، فمن أمر به فقد أمر بالمعروف فهؤلاء
هم الطبقة العليا في الأمر بالمعروف وكل آمر بمعروف فهو تحت حيطة هذا الأمر فاعلم
ذلك.
23- (ومن
الأولياء
أيضاً
الناهون عن
المنكر من رجال
ونساء رضي
الله عنهم)
تولاهم
الله بالنهي
عن المنكر. والمنكر الشريك الذي
أثبته المشركون بجهلهم فلم يقبله التوحيد العرفاني الإلهي وأنكره فصار منكراً من
القول وزوراً فلم يكن ثم شريك له عين أصل.
24- (ومن
الأولياء
أيضاً
الحكماء من
رجال ونساء رضي
الله عنهم)
تولاهم الله بالحلم وهو ترك الأخذ بالجريمة في
الحال مع القدرة على ذلك فلم يعجل فإن العجلة بالأخذ عقيب الجريمة دليل على الضجر
فالحليم هو الذي لا يعمل مع القدرة وارتفاع المانع.
25- (ومن
الأولياء
أيضاً
الأواهون من
رجال ونساء رضي
الله عنهم)
قال سيدي محيي الدين رضي الله عنه: لقيت منهم
امرأة بمرشانة الزيتون من بلاد الأندلس تدعى ياسمين مسنة تولي الله هذا الصنف
بالتأوه مما يجدونه في صدورهم أثنى الله تعالى على خليله إبراهيم عليه السلام بذلك
بقوله ﴿إن إبراهيم لحليم أواه منيب﴾ والأواه الحليم فتأوه لما رأى من عبادة قومه ما
نحتوه وقد حلم فلم يعجل بأخذهم على ذلك مع قدرته عليهم بالدعاء عليهم ولهذا سمي
حليماً وكان يُرجى لهم الإيمان فيما بعد فهذا سبب حلمه فلو علم من قومه ما علم نوح
عليه السلام حيث قال ﴿ولا يلدوا إلا فاجراً كفّارا﴾ ما حلم عنهم.
26- (ومن
الأولياء
أيضاً
الأجناد
الإلهيون
الذين لهم
الغلبة على
الأعداء من
رجال ونساء
رضي الله عنهم)
قال تعالى ﴿وإن
جندنا لهم
الغالبون﴾ وعدة
هؤلاء الجند
التقوى
والمراقبة
والحياء
والخشية والصبر
والافتقار،
منهم أهل علم
وإيمان يكون عنه
خرق عوائد،
يكون لهم ذلك
مَقَامَ
الأدلة للعالِمِ
فيدفعون بخرق
العوائد
أعداء الله وأعداءهم
كما يدفعه
صاحب الدليل،
فمثل هذه الطبقة
هم المسلمون
جند. وأما
المؤمنون
الذين ليس
عندهم خرقُ
عادةٍ لدفع
عدو فليسوا
بأجناد، وإن
كانوا مؤمنين.
والجامع
لمعرفة هذه
الطبقة أنَّ
كلَّ شخص يقدر
على دفع عدو
بآلة تكون
عنده فهو من
جنده سبحانه
وتعالى الذين
لهم الغلبة
والقهر وهو التأييد
الإلهي الذي
يقع به
ظهورُهم على
الأعداء. قال تعالى ﴿فأيدنا الذين آمنوا
على عدوهم فأصبحوا ظاهرين﴾.
27- (ومن
الأولياء
أيضاً
الأخيار من
رجال ونساء رضي
الله عنهم)
قال
الله تعالى ﴿وإنهم
عندنا لمن
المصطفين
الأخيار﴾ تولاهم
الله بالخيرة
قال تعالى ﴿أولئك
لهم الخيرات﴾ جمع
خيرة وهي
الفاضلة من كل
شيء. فالأخيار كل من زاد على جميع الأجناس بأمر لا يوجد في غير
جنسه من العلم بالله تعالى على طريق خاص لا يحصل إلا لأهل ذلك الجنس.
28- (ومن
الأولياء
أيضاً
الأوابون من
رجال ونساء رضي
الله عنهم)
تولاهم الله بالأوبة في أحوالهم قال تعالى
﴿إنه كان للأوابين غفور﴾ فالأواب: الرجَّاع إلى الله تعالى من كل ناحية من الأربع
التي يأتي منها إبليس إلى الإنسان، من ناحية أيديهم، ومن خلفهم، وعن إيمانهم، وعن
شمائلهم، فهم يرجعون في ذلك كله إلى الله تعالى أولاً وآخر.
29- (ومن
الأولياء
أيضاً
المخبتون من
رجال ونساء رضي
الله عنهم)
تولاهم الله بالإخبات وهو الطمأنينة قال
إبراهيم عليه السلام ﴿ولكن ليطمئن قلبي﴾ أي ليسكن، والخبت المطمئن من الأرض، فالذين
اطمأنوا بالله من عباده وسكنت قلوبهم اطمأنوا إليه سبحانه فيه وتواضعوا تحت اسمه
رفيع الدرجات وذلوا لعزته وأولئك هم المخبتون الذين أمر الله نبيه صلى الله عليه
وسلم في كتابه أن يبشرهم فقال له ﴿وبشر المخبتين الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم
والصابرين على ما أصابهم والمقيمي الصلاة ومما رزقناهم ينفقون﴾ فهذه صفات المخبتين.
30- (ومن الأولياء أيضاً المنيبون إلى الله تعالى من رجال ونساء رضي
الله عنهم)
تولاهم الله بالإنابة إليه سبحانه، قال تعالى ﴿إن إبراهيم لحليم أواه
منيب﴾ فالرجال المنيبون هم الذين رجعوا إلى الله من كل شيء، أمرهم الله بالرجوع عنه
مع شهودهم في حالهم أنهم نواب عن الله تعالى في رجوعهم.
31- (ومن
الأولياء
أيضاً
المبصرون من
رجال ونساء رضي
الله عنهم)
تولاهم الله بالإبصار وهو من صفات خصائص
المتقين قال تعالى ﴿إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم
مبصرون﴾.
32- (ومن
الأولياء
أيضاً
المهاجرون
والمهاجرات رضي
الله عنهم)
تولاهم الله بالهجرة بأن ألهمهم إياها ووفقهم
لها، قال الله تعالى ﴿ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد
وقع أجره على الله﴾ فالمهاجر من ترك ما أمره الله ورسوله بتركه.
33- (ومن
الأولياء
أيضاً
المشفقون من
رجال ونساء رضي
الله عنهم)
تولاهم الله بالإشفاق من خشية ربهم قال تعالى
﴿إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون﴾ يقال: أشفقت منه فأنا مشفق إذا حذرته قال تعالى
﴿من عذاب ربهم مشفقون إن عذاب ربهم غير مأمون﴾ أي حذرون من عذاب ربهم غير آمنين
وقوعه بهم، فالمشفقون من الأولياء من خاف على نفسه من التبديل والتحويل فإن أمنه
الله بالبشرى رجع اشفاقه على خلق الله مثل اشفاق المرسلين على أممهم.
34- (ومن الأولياء أيضاً الموفون بعهد الله من رجال ونساء رضي الله
عنهم)
تولاهم الله بوفاء العهد قال تعالى ﴿والموفون بعهدهم إذا عاهدوا﴾ وقال سبحانه
﴿والذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق﴾ وهم الذين لا يغدرون إذا عاهدوا،
فالوفاء من شيم خاصة أهل الله فمن أتى في أموره التي كلفه الله أن يأتي بها على
التمام أو كثر ذلك في حالاته كلها، فهو وفـيّ وقد قال تعالى ﴿وإبراهيم الذي وفَّى﴾
وقال تعالى ﴿ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجراً عظيما﴾ وهم أهل إشراف على
الأسرار الإلهية المخزونة ويقال أوفى على الشيء إذا أشرف فمن كان بهذه المثابة من
الوفاء بما كلفه الله وأشرف على ما اختزنه الله من المعارف عن أكثر عباده فذلك هو
الوفـي.
35- (ومن الأولياء أيضاً الواصلون ما أمر الله به أن يوصل من رجال
ونساء رضي الله عنهم)
تولاهم الله تعالى بالتوفيق بالصلة لمن أمر الله به أن يوصل،
قال تعالى ﴿والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل﴾ يعني صلة الأرحام وأن يصلوا من
قطعهم من المؤمنين بما أمكنهم من السلام عليهم فما فوق من الإحسان ولا يؤاخذون
بالجريمة التي لهم الصفح عنها والتغافل، ولا يقطعون أحداً من خلق الله إلا من أمرهم
الحق بقطعه فيقطعونه معتقدين قطع الصفة لا قطع ذواتهم.
36- (ومن
الأولياء
أيضاً
الخائفون من
رجال ونساء رضي
الله عنهم)
تولاهم الله تعالى بالخوف منه أو مما خوفهم
منه امتثالاً لأمره فقال ﴿وخافون إن كنتم مؤمنين﴾ وأثنى عليهم بأنهم ﴿يخافون يوماً
تتقلب فيه القلوب والأبصار﴾ ﴿ويخافون سوء الحساب﴾ فإذا خافوا التحقوا بالملأ الأعلى
في هذه الصفة فإنه تعالى قال فيهم ﴿يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون﴾.
37- (ومن الأولياء أيضاً المعرضون عمن أمرهم الله بالإعراض عنه من
رجال ونساء رضي الله عنهم)
تولاهم الله بالإعراض عنهم، قال تعالى ﴿والذين هم عن
اللغو معرضون﴾ وقال تعالى ﴿فأعرض عمن تولى عن ذكرنا﴾.
38- (ومن
الأولياء
أيضاً
الكرماء من
رجال ونساء رضي
الله عنهم)
تولاهم
الله بكرم
النفوس فقال
تعالى ﴿وإذا
مروا باللغو
مروا كراما﴾ أي
لم ينظروا لما
أسقط الله
النظر إليه
فلم يتدنسوا
بشي منه فمروا
به غير
ملتفتين إليه
كراماً، فما
أثر فيهم. هذا ما أردت نقله من الفتوحات
المكية، وهو آخر المقدمة والحمد لله رب العالمين.
السابق
التالي
|