العدد الخامس (يونيو)

 

سـيـدنـا آدم
حقائقـاً قـد سطـروا
ذكـر الحبيـب


ســــــيـدنـا آدم

لما كتب تبارك وتعالى في العرش {إني جاعل في الأرض خليفة} قال الملائكة الفلكيون كلهم {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفلك الدماء ونحن نسبح بحمدك} فقال لهم الله تعالى {إني أعلم ما لا تعلمون} لأن الملك الفلكي عادة يعرف اسماً واحداً من الأسماء الإلهية، ولا يستطيع أن يحيط بالأسماء كلها أبداً، والمريد يسلك باسم واحد، بعد أن يسلك باسم واحد يسلك بباطن الأسماء الإلهية ويسمى هذا السير إلى الله،وذلك اسمه السير في الله، عندما يقطع المريد عقبات السير كلها الـ99  يكون قد صح فيه قوله  (إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة) وهي جنة المشاهدة فإذا دخل جنة المشاهدة يصح له أن يحمد ويترقى إلى الشكر الصغير، وبعده يترقى في شكر الشكر الذي لا آخر له {وعلَّم آدم الأسماء كلها}، فالملائكة عندما قالوا {ونحن نسبح بحمدك} قال لهم الله: أنتم لا تصلون إلى موطن التسبيح بالحمد لأن التسبيح بالحمد فوق مرتبة الذكر بالاسم، وآدم يستطيع أن يجمع الأسماء ولما يجمع الأسماء يفوق موطن الذكر، ويتخلَّق به، ويسير إلى موطن الحمد، فوق ذلك بكثير، وهذا يعني أن الملائكة الفلكيين لا يستطيعون الوصول إلى موطن التسبيح بالحمد بكل الأسماء الإلهية، يعني يعرف ما في قلب هذا وذاك، ومركز كل وحد، محيط جامع، فقال {يا آدم أنبئهم بأسمائهم} فلما أنبأهم بأسمائهم قالوا {سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا}، كل واحد منا له اسم فقط يذكر به ولا يحيط بباقي الأسماء الإلهية، ظهور آدم في الملأ الأعلى طرد إبليس وأدَّب الملائكة، بعد {ونحن نسبح بحمدك} وهذا اعترض منهم، دخل الملائكة إلى موطن الأدب مع الله {سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا} وهذه ضرورة وجود الخليفة.

لما كتب الله في العرش {إني جاعل في الأرض خليفة} الملائكة قالوا {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدِّس لك، قال إني أعلم ما لا تعلمون} كيف عرف الملائكة ولم يخلق ولم يسفك دم ولم يحدث إفساد؟ وتفسير ذلك أن الملائكة يعرفون غيب الإرادة وهو نوع من الغيوب فلما قال تبارك وتعالى {يا آدم أنبئهم بأسمائهم} أسماء هؤلاء الملائكة وهم بالطبع يعرفون أسماء بعضهم البعض، جبريل وميكائيل يعرفون اسرافيل مثلما نعرف بعضنا البعض، ولم يكن هذا هو التعليم، لكن أبانا آدم قال لجبريل: إنَّ الله خلقك من اسمه العليم وأسكنك في الكرسي وستنزل وحي كذا وكذا على ولدي فلان، ووحي كذا وكذا على ولدي فلان، وهذا الأمر جبريل نفسه لا يعرفه، وكذلك ميكائيل واسرافيل وبقية الملائكة فالملائكة خرجوا من عظمة {ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك} إلى استصغار وتواضع {سبحانك لا علم لنا إلا ماعلمتنا}.

أما عن نزوله إى الأرض عليه السلام فإنه قدر قدره الله قبل خلقه له {إني جاعل في الأرض خليفة} ولكنه عصى معصية نسيان لأنه ليس من أولي العزم من الرسل {ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما}.

ونزل إلى الأرض، قال اللهم إني أسألك وأتوسل إليك بحبيبك محمد  إلا ما غفرت لي، نزل سيدنا جبريل قال له يقول لك الله كيف عرفت إن حبيبي محمد؟ قال يا رب لما نفخت فيَّ الروح، رأيت في العرش مكتوباً لا إله إلا الله محمد رسول الله، ولما أدخلتني الجنة، وجدت مكتوباً على بابها لا إله إلا الله محمد رسول الله، فعلمت أنك ما أضفت إلى أسمك إلا اسم أحب الخلق إليك، فتوسلت به، قال له سيدنا جبريل: يقول لك الحق ولولاه ما خلقتك، ثم كانت {فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه} ما هي الكلمات؟ {هو التواب الرحيم} وبالطبع هذا ذكر، فكان أبونا آدم من الذاكرين.

من تراث سيدي فخر الدين رضي الله عنه

لجنة التأليف والتدريس والترجمة


حقائقـــاً قـــد سطــــروا

الإجمال والتفصيل

سئل سيدى فخرالدين رضى الله عنه عن الفرق بين القرآن والفرقان فقال: '' القرآن هوالعلم إجمالا، والفرقان هو العلم تفصيلاً، فالآية منه فرقان، والقرآن هو كلام الله المجموع بين دفتى المصحف ، والعلم إجمالاً عند النبي ؟ ولذلك لما سئلت السيدة عائشة عن النبي ؟ أجابت: كان قرآنا يمشي على الأرض.'' 

هذا الكلام الذي نقلناه عن الأئمة الأعلام أو بعضهم هو تأييد لمنهج الصوفية رضوان الله عليهم والذى يعد المذهب الذي ينبغي أن يتفهمه المسلمون جميعهم ويدعوا عنهم أى تعصب أعمى أو تقليد زائف لغيره : لأنه إنما هو الحق من ربك ، وحسبك منه أن لا تنكر عليه حتى لا تقع في الإثم والمحظور.

فإذا صح. عندكم يا من تخالفوننا الرأى في الصوفية - . أن الله غيور على أهله فمن العبث أن يخاطر أحد بالإنكار على من ظن به جَمْعٌ من الناس أنه من أهل الله   - صوفيةً سَّموْهم أو غير ذلك- وهو القائل فى الحديث القدسى (من عادى لى وليا فقد آذنته بالحرب). فحب أهل بيت النبي واتباع هداهم هو الفرقان بين من صحت أو فسدت عقيدته ،

 وهناك أيها الأخ المقبل على الله. دليلٌ ثالثٌ يؤكد الأول والثاني المذكورينْ آنفاً وهو أنك بلا شك تريد الحقيقة التي يرضاها الله ورسوله فإذا أردت أن تَمِيزَ الخبيث من الطيب والغَثّ من السمين فعليك أن تتعلم صنعةً أمرك بها الله فى حق حبيبه المبعوث رحمة للعالمين وهي '' مودة أهل بيته حيث قال تعالى (قل لا أسأللكم عليه أجرا إلا المودة فى القربى) فتحرَّ تلك الصنعة وابحث عن هذه السِّمة فيما يعرض لك من طوائف وملل ، وتحرَّ مع هذا مراعاة حدود الشارع في كل أمر من أمور الدنيا والدين لا في هذا الأمر وحسب فبإذن الله ستهتدي لأن سُنَّةَ الله في أمة النبي محمد  أن ينجو من أحبَّ الله ورسولَهُ وأهلَ بيتِ رسوله  وهاك حديث نبوي صحيح (أحبوا الله لما يغذوكم به من نعم، وأحبوني لحب الله، وأحبوا أهل بيتي لحبي) رواه الترمذي والحاكم وصححه على شرط الشيخين.

 ورضي الله عن سيدي الإمام فخرالدين إذ يقول :

يموت شهيدا من أحب محمدا                 وآلا وأصحابا فيا سعد ميت

ويقول  في رواية صححها الحاكم على شرط الشيخين (النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق وأهل بيتي أمان لأهل الأرض من الاختلاف)، فكل من رأيته مُسْـتَمْسِكاً بشريعة الله محبا لأهل بيت رسول الله فاعلم أنه على الصراط المستقيم وهذا هو مبدأ طريق الصوفية ،الذين اهتدوا بإشارة الرسول  اللطيفة فى قوله: (من مـات على حب آل محمد مات شهيداً) .، فلا محبة لله إلا بحب محمد ، ولا محبة لمحمد إلا بحب أهل بيته وعترته الأكرمين ، وهو معنى الحديث الذي ذكرناه سابقا (أحبـوا اللـه...) فما من ناجين من أمة سيد العالمين إلا محبيه. ومحبى آل بيته الطيبين الطاهرين .

وعن استمداد العلوم من
باطن القرآن الكريم  والسنة

المطهرة كسبا ووهبا

يقول الله تعالى : {وإذا جــاءهم أمـر من الأمـن أو الخـوف أذاعــوا به  ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولى الأمـر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمتــه لاتبعتم الشيطـان إلا قليـلا} (النســاء آيــة 83) ويقول : {واتقــوا اللـه ويعـلمكـم اللـه واللـه بكل شـئ عليــم} (البقــرة آيــة 282)

وغيـر ذلـك من الآيــات كثـير.

فالأولى : أشارت إلى علوم الاستنباط وهو '' استقراء أدلةِ الأحكام الصحيحةِ  لتوليد حكمٍ جديدٍ وبحيث لا يتعارض مع غيرَه من أدلة الصحيح '' وهو علم كسبى.

والثــانية : اشترطت التقوى لحصول العلم ، وهو العلم الموهوب من الله لعباده من أهل التحقق بكمال التقوى من سالكى الطريق إلى الله ؛ وإليهم وردت الاشارة فى كثير من أحاديثه ؟ كقوله :( وخالط أهل الفقه والحكمة ) ، وهو العلم المعبر عنه بالحكمة فى قوله تعالى : ( ومن يؤت الحكمة فقد أوتى خيرأً كثيرا.) وإلى ماهية ذلك العلم أشار سيدي علي زين العابدين بن مولانا الإمام الحسين فى قوله :

يا رُبَّ جوهرَ علمٍ لوْ أبوح بــــه           ولاستحلَّ رجـالٌ مسلمون دمي

لقيـل لي أنْــتَ مِمَّن يعبدُ الوثـنا           يَرَوْنَ أقبـحَ ما يأتونه حسـنا

ويقول سيدي أبو اليزيد البسطامي :

ومـا كلُّ علمٍ يُسْـتَـفَـادُ دراسـةً          ولاسـيما علمُنا الزاهُـر الوهبى

القلب السليم أصل العلم القرآني 

وكما قال سيدى فخر الدين :

وإن العـروة الوثقــى لعبــــدٍ           سلــيم الوجه لا عبدٍ عصي

فالصوفية اهتموا أكثر ما اهتموا بتخلية القلب مما سوى الله ليمتلئ بنور الله فإذا تجلى الله على قلب عبده أصبح قلبا سليما " يوم لاينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم { ولذلك فإن علومهم بحق هي منح وفيوضات إلهية لا غير ، وإلى هذا يشير النبي ؟ فيما رواه الديلمي (إن من العلم كهيئة المكنون لا يعلمه إلا أهل المعرفة باللـه عز وجل فـإذا نطقوا به لم يجهله إلا أهل الإغترار بالله تعالى)  ذكره في قوت القلوب والإحياء .

وكما قال سيدى فخر الدين :

فإنما العلم إن شـئتـــم فمرجعه          إلى وصال به المخصوص قد أربى

وسيأتي الحديث عن أهل البيت وأحقيتهم بالعلم الوهبي بقية في باب الكلام على فضل النبي وأهل بيته في العدد القادم إن شاء الله

د. إبراهيم دسوقي بدور


ذكــــر الحبيــــب

 

أضرار الغفلة والإعراض
عن ذكر الله تعالى

ما أمرنا الله سبحانه وتعالى ورسوله  بشيء إلا وفيه الخير وما نهانا سبحانه وتعالى عن شيء إلا وفيه شر مستطير ؛ قوله {... فَمَا أَمَرْتُكُمْ به مِنْ أَمرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَمَا نَهَيْتُكم عَنْهُ فَانْتَهُوا} سنن بن ماجه - الطبراني، وقد أمرنا الله سبحانه وتعالى في كثير من آياته بالذكر بل والإكثار من الذكر حيث قال: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} الأحزاب/35 ولعظم فضل الذكر فإن الغفلة عنه ضرر عظيم وشر أعاذنا الله منه. وقال الحكيم الترمذي رحمه الله: ذكر الله يرطب القلب ويلينه فإذا خلا عن الذكر أصابته حرارة النفس ونار الشهوات فقسى ويبس وامتنعت الأعضاء من الطاعات . والإقلال من الذكر صفة من صفات المنافقين أعاذنا الله منها وذلك قوله تعالى:{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً} النساء /142وهذا سببه قلة الذكر. ويؤيد هذا المعنى ما ذكره الإمام السيوطي في تفسيره ''الدر المنثور في التفسير بالمأثور'' عند تفسير الآية السابقة ما نصه: وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في شعب الإيمان عن الحسن {ولا يذكرون الله إلا قليلا} قال: إنما لأنه كان لغير الله. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة {ولا يذكرون الله إلا قليلا} قال: إنما قل ذكر المنافق لأن الله لم يقبله، وكل ما رد الله قليل، وكل ما قبل الله كثير.. وأخرج ابن المنذر عن علي قال: لا يقل عمل مع تقوى، وكيف يقل ما يتقبل.

كما أن الإعراض عن ذكر الله تعالى جزاءه في الدنيا المعيشة الضنكه وفي الآخرة أن يحشر المعرض عن ذكر الله أعمى قوله تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} طه/ 134 وفي ذلك قال بن كثير: فإن له معيشة ضنكا في الدنيا فلا طمأنينة له ولا انشراح لصدره بل صدره ضيق حرج لضلاله وإن تنعم ظاهره ولبس ما شاء وأكل ما شاء وسكن ما شاء فإن قلبه لم يخلص إلى اليقين والهوى فهو في قلق وشك وحيرة فلا يزال في ريبة يتردى فهذا من ضنك المعيشة، ويحشر يوم القيامة أعمى البصر والبصيرة أيضا كما قال تعالى: {ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكم وصما مأواهم جهنم} الآية.والمعرض عن ذكر الله تعالى جزاءه يوم القيامة العذاب الشاق قوله تعالى {لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا''} الجن /17، وعن بن عباس رضي الله عنهما أنه جبل في جهنم. ذكره بن جرير الطبري وقد يجعله الله أداة صد للذاكرين عن ذكر الله ظاناً بهذا أنه المهتد.

ومن شديد التنكيل والتعذيب لهذا المعرض عن ذكر الله أن الشيطان له قرين يضله في الدنيا ويكون معه حتى يدخله النار قوله تعالى {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ vوَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُون vحَتَّى إِذَا جَاءنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ}(38,37,36 الزخرف) قال بن كثير في تفسيره: قال عبد الرزاق أخبرنا معمر عن سعيد الجريري قال بلغنا أن الكافر إذا بعث من قبره يوم القيامة شُفع بيده شيطان فلم يفارقه حتى يصيرهما الله تعالى إلى النار وذلك حتى يقول يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين.

أحمد عبد المالك