العدد الخامس (يونيو)

 
قصة موسى والخضر عليهما السلام
أدق الدقائق

قصة موسى والخضر عليهما السلام

 

 إن قصص الأنبياء في القرآن الكريم حافلة بالمواعظ الحسنة والمواقف المشرفة والإشارات اللطيفة لم يدخلها الزيف ولا التحريف الذي داخلها في الكتب الأخرى لذلك وصفها الله تعالى بأنها أحسن القصص. ونقدم في هذه الحلقة قصة سيدنا موسى مع سيدنا الخضر عليهما السلام {وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا vفلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما فاتخذ سبيله في البحر سربا vفلما جاوزا قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصباv قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا}الكهف. وقيل في سبب رحلته أنَّ موسى عليه السلام قال لربه: أي عبادك أحبُّ إليك؟ قال: الذي يذكرني ولا ينساني: قال فأي عبادك أقضى؟ قال: الذي يقضي بالحق ولا يتبع الهوى. قال: فأي عبادك أعلم؟ قال الذي يبتغي علم الناس إلى علمه عسى أن يصيب كلمة تدلُّه على هدى أو تردُّه عن ردي فقال موسى عليه السلام: إن كان في عبادك من هو أعلم مني فأدللني عليه� قال:أعلم منك الخضر، وقال فأين أطلبه؟ قال:عند الساحل عند الصخرة قال: يا رب كيف لي به؟ قال: تأخذ حوتا في مكتلٍ. بحيث فقدته فهو هناك� كانت رحلته عليه السلام لطلب العلم ولم تكن رحلته لدنيا يصيبها، كانت رحلة موسى عليه السلام كلها عجباً وكان أول العجب إحياء الحوت .قيل كان حوتا مملَّحاً في سلة قد أكل شِقُّه الأيسر وفيه إعجاز كبير وموضع العجب أن يكون حوت قد مات وأكل شِقُّه الأيسر ثم حيي بعد ذلك ومن غريب ما روي في البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما من قصص هذه الآية: أن الحوت إنما حيي لأنه مسَّه ماء عين هناك تدعى عين الحياة ما مسَّت شيئا قط إلا حيي وقال الترمذي في حديثه: يزعم ناس أن تلك الصخرة عندها عين الحياة، ولا يصيب ماؤها شيئاً إلا عاش . ومن خرق من نفسه لربِّه العوائد خرق الله له العوائد، ومن قولهم:

 أطع أمرنا نرفع لأجلك حجبنا       فإنَّـا منحـنا بالرضـا من أحبـنَّا

وعند الصخرة لقي الخضر عليه السلام. قال القرطبي: سمى الخضر لأنه كان إذا صلى اخضرَّ ما حوله� وروى الترمذي عن أبي هريرة قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما سمي الخضر لأنه جلس على فروة بيضاء فإذا هي تهتزُّ تحته خضراء وكان الخضر عليه السلام من أصحاب العلوم اللدنية قال الرازي: قال الأكثرون: إنَّ ذلك العبد هو موسى إنما سمي بالخضر لأنه كان لا يقف موقفا إلا اخضرَّ ذلك الموضع قوله:وعلمناه من لدنا علما مفاده أن تلك العلوم حصلت عنده من عند الله من غير واسطة والصوفية سموا العلوم الحاصلة بطريق المكاشفات العلوم اللدنية وللشيخ أبي حامد الغزالي رسالة في إثبات العلوم اللدنية.

 قال الفخر الرازي: العلوم الكسبية فهي التي لا تكون حاصلة من جوهر النفس ابتداءً بل لابدَّ من طريق يتوصل به إلى اكتساب تلك العلوم، وهذا الطريق على قسمين (أحدهما أن يتكلف الإنسان تركُّب تلك العلوم البديهية النظرية حتى يتوصل إلى تركيبها أي استعلام المجهولات وهذا الطريق هو المسمَّى بالنظر والتفكر والتدبر والتأمل والتروِّي والاستدلال وهذا النوع من تحصيل العلوم هو الطريق الذي لا يتم إلا بالجهد والطلب والنوع الثاني أن يسعى الإنسان بواسطة الرياضات والمجاهدات في أن تصير القوى الحسيَّة والخيالية ضعيفة فإذا ضعفت قويت القوى العقلية وأشرقت الأنوار الإلهية في جوهر العقل.

فتحت رياضـتنا إليك طريقـة       فالشـرع بـــاب والحقيـقة دار

قيل:وكان علم الخضر معرفة علم بواطن قد أوحيت إليه، لا تعطي ظواهر الأحكام أفعاله بحسبها وكان علم موسى عليه السلام علم الأحكام والإفتاء وكيف يصبر على ما يراه خطأ ولم يخبر بوجه الحكمة فيه والأنبياء لا يقرون على منكر،وقال له موسى: هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا  قال الفخر الرازي في تفسيره: إعلم أن هذه الآيات تدلُّ على أن موسى عليه السلام راعى أنواعا كثيرة من الأدب واللطف عندما أراد أن يتعلم من الخضر فأحدها أنه جعل نفسه تبعا له لأنه قال: هل أتبعك. وثانيها أنه استأذن في إثبات هذه التبعية فإنه قال: هل تأذن لي أن أجعل نفسي تبعا لك وهذا مبالغة عظيمة في التواضع وثالثها أنه قال: على أن تعلمني ؛وهذا إقرار له على نفسه بالجهل وعلى أستاذه بالعلم. ورابعها أنه قال: مما علُّمت وصيغة من للتبعيض فطلب منه تعليمه بعض ما علمه الله كأنه يقول:لا أطلب أن تجعل مني مساويا لك في العلم بل أطلب منك أن تعطيني جزءاً من أجزاء علمك. وخامسا أن قوله مما عُلِّمت اعتراف بأن الله علمه ذلك العلم. وسادسها أن قولهرشداً طلب منه للإرشاد والهداية. وسابعها تُعَلِّمُني مما عُلِّمت معناه أنه طلب منه أن يعامله بمثل ما عامله الله به وفي إشعار بأنه يكون إنعامك علي عند هذا التعليم شبيها بإنعام الله عليك في هذا التعليم،وهذا يدل على أن المتعلم يجب عليه من أول الأمر التسليم وترك المنازعة والاعتراض، هذا وموسى من أولي القدم الراسخة وهو صاحب التوراة وهو الذي كلَّمه الله بغير واسطة وخصه بالمعجزات القاهرة الباهرة�فكيف بمن هو دونه وقد بنى الصوفية مذهبهم على هذا الأدب الرفيع في طلب الإرشاد، وقال قائلهم كن بين يدي الشيخ كالميت بين يدي الغاسل ومعنى هذا الكلام يشكل على كثير من الناس وقدعنى الصوفية به أنَّ الشيخ يفعل مع المريد ما يفعله الغاسل مع الميت ؛ يميط عنه الأذى ويغسله ويطيبه ويلبسه الجديد. والطاعة أساس التوفيق ؛ طاعة العبد لربِّه وطاعة الولد لوالديه وطاعة المرأة لزوجها وبغير الطاعة لا يكون التوفيق، وقد كان في قصة موسى والخضر تعليم للمؤمنين في مدح الطاعة وذمِّ الاعتراض ، وقد ضرب الله المثل بهما لأن المولى عزَّ وجلَّ يضرب المثل بمن يحبُّ في تعليم الفضائل وببركة سيدنا يونس عليه السلام عرفنا فضل التسبيح والذكر في النجاة من المهالك، وبفضل سيدنا أيوب عليه السلام عرفنا عاقبة الصبر على البلاء.

قال له موسى: {هل أتبعك} في هذه الآية دليل على أن المتعلم تبعٌ للعالم وإن تفاوتت المراتب ولا يظن أن في تعلم موسى من الخضر ما يدلُّ على أنه أفضل منه ؛ فقد يشذُّ عن الفاضل ما يعلمه المفضول، والفضل بمن فضله الله� قال: ستجدني إن شاء الله صابراً سأصبر بمشيئة الله- أي قد ألزمت نفسي طاعتك قال فإن اتبعتني... أي حتى أكون أنا الذي أفسِّره لك وهذا من الخضر تأديب وإرشاد لما يقتضي دوام الصحبة.

وفي فصوص الحكم لابن العربي ربط بين ما حدث لموسى في رحلته مع الخضر وبين أحداث وقعت لموسى عليه السلا م في حياته قال: فأول ما ابتدأه الله به قتله للقبطيِّ بما ألهمه الله ووفقه له في سرِّه وإن لم يعلم بذلك، ولكنه لم يجد في نفسه اكتراثاً بقتله مع كونه ما توقف حتى يأتيه أمر ربه بذلك، لأن النبيَّ معصوم الباطن من حيث لا يشعر، حتَّى يصير نبيَّاً؛ لذلك أراه الخضر قتل الغلام فأنكر عليه قتله، ولم يتذكر قتله للقبطيِّ ؛ فقال له الخضر:ما فعلته عن أمري  نبَّهه على مرتبته قبل أن يصير نبيَّاً أنه كان معصوم الحركة في نفس الأمر وإن لم يشعر بذلك، وأراه أيضاً خرق السفينة الذي ظاهره هلاك وباطنه نجاة من يد الغاصب، جعل له ذلك في مقابل التابوت الذي في اليم مطبقاً عليه فظاهره هلاك وباطنه نجاة وإنما فعلت به أمه ذلك خوفاً من يد الغاصب فرعون.

فجاء مدين فوجد الجاريتين فسقى لهما من غير أجرٍ، فأراه الخضر إقامة الجدار من غير أجر، فعاتبه على ذلك فذكَّره بسقايته من غير أجر. (فصوص الحكم)

لجنة التأليف والترجمة


أدق الدقائق

مع الشيوعية

بينما كانت مجموعة من قيادات الشيوعيين بالخرطوم يجلسون في إحدى المحلات يتناولون المرطبات والمكيفات يمر عليهم الشيخ محمد عثمان عبده البرهاني ويتهامسون فيما بينهم هيا بنا ندعو الشيخ لنناقشه في الدين،

هذا الأفيون الذي يتعاطاه الفقراء فقال أحدهم: أخاف إن دعوتموه واستمتعم إليه أن يصيبكم الشك في مبادئكم، وأخيراً اتفقوا على أن يدعوه للجلوس ليتناول معهم المرطبات وإستجاب الشيخ للدعوة  وجلس يتوسطهم فقال أحدهم متسائلاً، يا مولانا هل الله فوق؟ فأجاب الشيخ: لا فقال الرجل: أهو تحت؟ فأجاب: لا، فقال الرجل: هل الله في شمال الكون أم في جنوبه؟ فقال الشيخ: لا!

فضحك الجميع وقال أحدهم: إذن أنت معنا في اعتقادنا؟ فقال الشيخ وما هو اعتقادكم؟ فقال الرجل أن الله غير موجود� فقال الشيخ أنا لست معكم في اعتقادكم ولكن لا بد أن تعرف أن الوجود ينقسم إلى ثلاثة : 1- موجود، 2-غير موجود، 3- موجود وغير موجود في آن واحد والأخيرة هي المتعلقة بالوجودالإلهي في عالم الأكوان.

فقال الرجل: لم أفهم، هل هي ردود فلسفية لتخرج من الموضوع أم إثبات للحقائق؟ فقال الشيخ: بل هي حقائق ثابتة فكما سألتموني أسألكم، فقالوا: تفضل، فقال الشيخ: هل يحتوي هذا اللبن على سمن؟ فقالوا: نعم، فقال: أهو أعلى أم أسفل؟ قالوا: لا أعلى ولا أسفل، فقال الشيخ: أهو في الأمام أم الخلف أم على شمال الإناء أم يمينه؟ فقالوا: لا هذا ولا ذاك فقال الشيخ هكذا وجود الله بغير جهة كوجود السمن في اللبن بغير جهة نثبتها أو ننفيها� فسكت الجميع ولم يستطع أي منهم الإجابة.

شيخ أبوه