العدد الخامس (يونيو)

 
زاويـة مـــدني
بـالـحـقـائـق نـاطـقـيـن

زاويـــة مـــدني

ودمدني بلد العراقة والتصوف بلد القباب والعقائد السليمة التي ما مسها الزمان بغبار الشرق يحوطها الأولياء من كل جهة فكانوا حراسا للعقائد من غارات الخوارج أسود العركية والمكاشفية والشيخ الجعلي وغيرهم ممن يسعهم القلب وتنسى الذاكرة كل هذا يدور بالخلد وتزداد معالم المدينة في الوضوح كلما اقتربنا وانحرفت السيارة إلى اليمين بجوار مبنى الإذاعة والتلفزيون في حي (بانت) حيث تتوسط الزاوية البرهانية مفارق الطرق بأربع أبواب على أربع شوارع، وتذكرت قصة قديمة قد رواها لي عم عبد الوهاب الذي عايش بدايات هذه الزاوية وكان مقيما بها وفي الزيارات الأولى لمولانا سيدي فخر الدين رضى الله عنه وقبيل صلاة الصبح قام عم عبد الوهاب من نومه ليستعد للأوراد والصلاة وذهب يتفحص في خفة غرفة الشيخ ولكنه لم يجده فتلفت حوله باحثا فإذا بالشيخ يجلس القرفصاء على الأرض تحت أنوار أحد أعمدة الشارع الذي يلاصق جدار الزاوية ويلقي بأنواره في فناء الزاوية.

يا ترى ماذا يصنع الشيخ في جلسته الغريبة، تسلل عم عبد الوهاب في خفة وهو لا يدري كيف يتصرف وهو يرقب ما يصنع الشيخ، يا سبحان الله هذه الأرض تكاد أن تكون مفروشة بالجنادب الصغيرة (نوع من الجراد أو الحشرات الصغيرة) قد جذبها ضوء عمود الإنارة فاندفعت لترتطم بالمصباح وتسقط على الأرض غير قادرة على الحراك، والشيخ في جلسته هذه يمسك بلطف واحدة منها يصلح لها أجنحتها ويضعها برفق في كفه ويهيئها للطيران فتطير وهكذا الواحدة تلو الأخرى، ماذا تفعل يا مولانا؟ سأل عم عبد الوهاب، فأجاب الشيخ أصلح أجنحة هذه الجنادب لكي تستطيع الطيران لتبحث عن رزقها،فقلت يا مولانا عنك هذا العمل أقوم به أنا، فأجاب رضي الله عنه هل اشتكيت لك تعبي؟

وأفقت من ذكرياتي على صوت أحد الأحباب من المنشدين يترنم ببعض أبيات قصائد شراب الوصل ووافق اختياره خواطري وأشجاني وهو يردد:

أجود على أم لترحــم طفلهــــا      فرحمة من في الكون من بعض رحمتي

وفتح لي الباب لأدخل بعد السلامات والتحيات لأجد أشجار الظل على الجانبين تتوسط حوضين كبيرين بهما بعض الورود المتواضعة التناسق، وفي ظل إحدى الأشجار تقبع المزيرة ذات الأحواض الحديدية لتحمل في عناء ستة من الأزيار التي تئن بأحمال من الماء البارد وعلى الأغطية تتأرجح كاسات من ثمار القرع الجافة التي تستخدم في ري الظمأ،ويواجهك صالون كبير لإقامة الحضرة في الشتاء تطل نوافذه الواسعة المتعددة على جانب المبنى وعلى الواجهة الأخرى المقابلة، وعلى يسارك بجوار الصالون تقع غرفتين للإعاشة واستقبال الضيوف، يليها مباشرة الجناح القديم الذي كان مخصصا للشيخ رضي الله عنه ولكنه أضيف لغرف الإعاشة وتم بناء جناح جديد،وكان لابد لي أن أستدير حول المبنى مع امتداد الجدار الذي يقودك إلى الباب الذي يفتح على الفناء الكبير من الشارع الرئيسي حيث موقع الاحتفالات في المناسبات وحين ينفتح أمامك باب الجناح تجد صالة مكشوفة تقودك إلى باب صالون الاستقبال ثم الغرفة والحمام المخصصين للإقامة وخلف تلك الغرفة من الصالون تجد بابا يؤدى بك إلى خلف المبنى حيث تسير حذاء السور لتصل إلى الباب الخلفي للزاوية وهو باب الخدمات لأنه يجاور المطبخ الفسيح وغرفة المخزن التي تصطف مع أشجار كأنها الكافور على صف واحد مع الميضأة التي يختبأ خلفها الحمامات ومن خلف شجر الكافور يوجد باب متواضع يفتح على شارع صغير هادئ. وبالطبع فإن مسجد بانت على بعد أمتار من الزاوية البرهانية فقد قرر الإخوان اختيار حي الزمالك لبناء المسجد وبعد أن تم البناء الذي أعد لنشر دين صحيح خالي من الإرهاب والتطرف و المغالاة قام البعض من الجيران بافتتاح المسجد بدون إكمال وبدون إذن وأنا هنا لا أشتكى ولكن أذكر من لا ينسى أن هذا المسجد قد بني كي تعم المشرقين طريقته.

محمد صفوت جعفر


بـالـحـقـائـق نـاطـقـيـن

مراتــب الديــن

 

كنا قد بدأنا في العدد السابق رحلة السير إلى الله وفي إطلالة عدد جديد نطل عليكم لمواصلة رحلة السير وحتى نتمكن من مواصلة الرحلة بمشاركتكم لابد لنا أن نتعرف على كل مرتبة نتوق للوصول إليها معا والانتقال منها إلى مرتبة أعلى درجة حتى يتحقق لنا في رحلة السيرالى الله الشعور بالمتعة الفائقة والقيمة العالية والإرادة الصادقة والعزيمة القوية والهمة الدائمة. في البداية نجد أن الدين في حد ذاته عبارة عن ثلاث مراتب: مرتبة الإسلام، مرتبة الإيمان، مرتبة الإحسان. كل مرتبة تشكل ثلث الدين ولإكمال الدين لا بد من العمل بالمراتب الثلاث وذلك يتطلب معرفة كل مرتبة على حدة حتى يرتقي لمواصة السير إلى الله. عرفنا مسبقا أن السير هو الانتقال من مرتبة إلى أخرى أعلى منها. وقد ورد عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال ما معناه وهو يذكر قصة المعراج (علمنى ربى علما أمرنى بتبليغه وهو الاسلام وعلما خيرنى فيه وهوالايمان وعلما امرنى بكتمانه وهو الإحسان) هنا نبدأ رحلة السير إلى الله كخطوة أولى فيه بالتبحر في مرتبة الإسلام لمعرفة جوهره. الإسلام هو العلم الذي أمر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبليغه وهوعلم الشريعة والأحكام ويعرف في المصطلح المصحفى بعلم اليقين، وفي المصطلح العام يعرف بعلم الشريعة والدليل القرآنى فيه قوله تعالى: {قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا} والشاهد من السنة الحديث الذي ورد في صحيح البخارى في باب (كتاب الإيمان) عندما سأل سيدنا جبريل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإسلام فرد عليه قائلا (الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به وتقيم الصلاة وتؤتى الزكاة وتصوم رمضان ...)هنا قال الشيخ محمد عثمان عبده البرهاني رضي الله عنه عن علم اليقين: لو كان من علم اليقين  فكل علم يغلب والأعمال في مرتبة الإسلام نوعية مرتبتها تعرف بالعبادة وتكون الأعمال والعبادة بدنية (كإقامة الصلاة وصوم رمضان و... ) والقصد من العبادة المطالبة بالجزاء وهو الزحزحة عن النار ودخول الجنة. وارتكاب الذنوب أو الخطيئة أيضا يكون بدنى (عدم الصلاة ـ عدم الصيام ـ عدم نطق الشهادة باللسان.... ) أما التوبة فتكون بالإقلاع عن الذنب في الحال والندم على ما فات والإصرار على عدم العودة للخطيئة. وذكر الله في الإسلام يكون باللسان وتكون التقوى بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والاستمرارية في ذلك تعنى الإستقامة في الإسلام. هذا غيض من فيض.....  وإلى العدد القادم مع الإيمان.

هاديه الشلالي