طاووس
بن كيسان
الفارسى
رضي
الله عنه
الفقيه، القدوة، عالم اليمن، أبو عبد الرحمن
الفارسى، ثم اليمنى، الجندى، الحافظ، كان من أبناء الفرس الذين جهزهم كسرى لأخذ
اليمن له، فقيل: هو مولى بحير بن ريسان الحميرى، ولد فى دولة عثمان رضى الله عنه أو
قبل ذلك، سمع من زيد بن ثابت وعائشة وأبى هريرة وزيد بن أرقم وابن عباس، ولازم ابن
عباس مدة، وهو معدود فى كبراء أصحابه، وروى أيضا عن جابر وسراقة بن مالك وصفوان بن
أمية وابن عمر وعبد الله بن عمرو وعن زياد الأعجم وحجر المدرى وطائفة.
وروى عن: معاذ مرسلا، وروى عنه عطاء ومجاهد
وجماعة من أقرانه، وابنه عبد الله، والحسن بن مسلم وابن شهاب وإبراهيم بن ميسرة
وأبو الزبير المكى وسليمان التيمى وسليمان بن موسى الدمشقى وقيس بن سعد المكى
وعكرمة بن عمار، وأسامة بن زيد الليثى وعبد الملك بن ميسرة، وعمرو بن دينار، وعبد
الله بن أبى نجيح، وحنظلة بن أبى سفيان، وخلق سواهم، وحديثه فى دواوين الإسلام، وهو
حجة باتفاق.
روى عطاء بن أبى رباح عن ابن عباس قال: إنى
لأظن طاووس من أهل الجنة، وقال قيس بن سعد: هو فينا مثل ابن سيرين فى أهل البصرة،
وقال سفيان بن عيينة عن ابن أبى نجيح قال، قال مجاهد لطاووس: رأيتك يا أبا عبد
الرحمن تصلى فى الكعبة والنبى صلى الله عليه وسلم على بابها يقول لك: اكشف قناعك،
وبين قراءتك، قال طاووس: اسكت، لا يسمع هذا منك أحد، قال: ثم خيل إلى أنه انبسط فى
الكلام يعنى: فرحا بالمنام، وقال عبد الرزاق عن داود بن إبراهيم: أن الأسد حبس ليلة
الناس فى طريق الحج، فدق الناس بعضهم بعضا، فلما كان السحر، ذهب عنهم، فنزلوا
وناموا، وقام طاووس يصلى، فقال له رجل: ألا تنام؟ فقال: وهل ينام أحد السحر، وعن
الحر بن أبى الحصين العنبرى، قال: مر طاووس برواس قد أخرج رأسا، فغشى عليه، وروى:
عبد الله بن بشر الرقى، قال: كان طاووس إذا رأى تلك الرؤوس المشوية، لم يتعش تلك
الليلة، سمعه منه معمر بن سليمان، وبه إلى أبى نعيم، حدثنا الطبرانى حدثنا إسحاق
حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاووس أو غيره: أن رجلا كان يسير مع طاووس فسمع
غرابا ينعق، فقال: خير، فقال طاووس: أى خير عند هذا أو شر؟ لا تصحبنى، أو قال: لا
تمش معى.
قال عبد
الرزاق سمعت
النعمان بن
الزبير الصنعانى
يحدث عن محمد
بن يوسف أو
أيوب بن يحيى
بعث إلى طاووس
بسبعمائة
دينار، أو
خمسمائة،
وقيل للرسول: إن
أخذها الشيخ
منك، فإن
الأمير سيحسن
إليك ويكسوك،
فقدم بها على
طاووس الجند،
فأراده على
أخذها، فأبى،
فغفل طاووس،
فرمى بها
الرجل فى كوة
البيت، ثم
ذهب، وقال لهم:
قد أخذها، ثم
بلغهم عن
طاووس شئ
يكرهونه، فقال:
ابعثوا إليه،
فليبعث إلينا
بمالنا،
فجاءه
الرسول، فقال:
المال الذى
بعث به الأمير
إليك، قال: ما
قبضت منه
شيئا، فرجع
الرسول،
وعرفوا أنه صادق،
فبعثوا إليه
الرجل الأول،
فقال: المال
الذى جئتك به
يا أبا عبد
الرحمن، قال: هل
قبضت منك
شيئا؟ قال: لا،
ثم نظر حيث
وضعه، فمد
يده، فإذا
بالصرة قد بنى
العنكبوت
عليها، فذهب
بها إليهم. قال
أبو نعيم
حدثنا أحمد بن
جعفر حدثنا
عبد الله بن
أحمد حدثنى
أبو معمر عن
ابن عيينة
قال، قال عمر
بن عبد العزيز
لطاووس: ارفع
حاجتك إلى
أمير
المؤمنين
يعنى سليمان بن
عبد الملك،
قال: ما لى إليه حاجة، فكأن عمر عجب من ذلك،
قال سفيان: وحلف لنا إبراهيم بن ميسرة وهو مستقبل الكعبة: ورب هذه البنية ما رأيت
أحدا، الشريف والوضيع عنده بمنزلة إلا طاووس.
حدثنا أحمد بن جعفر حدثنا عبد الله بن أحمد
حدثنى أبى حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن ابن طاووس، قال: كنت لا أزال أقول لأبى:
إنه ينبغى أن يخرج على هذا السلطان وأن يفعل به، قال: فخرجنا حجاجا، فنزلنا فى بعض
القرى، وفيها عامل يعنى: لأمير اليمن يقال له: ابن نجيح، وكان من أخبث عمالهم،
فشهدنا صلاة الصبح فى المسجد، فجاء ابن نجيح، فقعد بين يدى طاووس، فسلم عليه، فلم
يجبه، ثم كلمه، فأعرض عنه، ثم عدل إلى الشق الآخر، فأعرض عنه، فلما رأيت ما به، قمت
إليه، فمددت بيده، وجعلت أسائله، وقلت له: إن عبد الرحمن لم يعرفك، فقال العامل:
بلى، معرفته بى فعلت ما رأيت، قال: فمضى وهو ساكت لا يقول لى شيئا، فلما دخلت
المنزل، قال:أى لكع، بينما أنت زعمت تريد أن تخرج عليهم بسيفك، لم تستطع أن تحبس
عنه لسانك.
وحج سليمان بن عبد الملك، فخرج حاجبه، فقال:
إن أمير المؤمنين قال: ابغوا إلى فقيها أسأله عن بعض المناسك، قال: فمر طاووس،
فقالوا: هذا طاووس اليمانى، فأخذه الحاجب، فقال: أجب أمير المؤمنين، قال: اعفنى،
فأبى، ثم أدخله عليه، قال طاووس: فلما وقفت بين يديه، قلت: إن هذا لمجلس يسألنى
الله عنه، فقلت: يا أمير المؤمنين، إن صخرة كانت على شفير جب فى جهنم، هوت فيها
سبعين خريفا، حتى استقرت قرارها، أتدرى لمن أعدها الله؟ قال: لا، ويلك لمن أعدها؟
قال: لمن أشركه الله فى حكمه، فجار، قال: فكبا به.
قال أبو عاصم النبيل: زعم لى سفيان، قال: جاء
ابن لسليمان بن عبد الملك، فجلس إلى جنب طاووس، فلم يلتفت إليه، فقيل له: جلس إليك
ابن أمير المؤمنين، فلم تلتفت إليه، قال: أردت أن يعلم أن لله عبادا يزهدون فيما فى
يديه.
روى أبو أمية عن داود بن شابور قال، قال رجل
لطاووس: ادع الله لنا، قال: ما أجد لقلبى خشية، فأدعو لك.
ويروى أن طاووسا جاء فى السحر يطلب رجلا،
فقالوا: هو نائم، قال: ما كنت أرى أن أحدا ينام فى السحر.
وروى سفيان الثورى عن سعيد بن محمد قال: كان
من دعاء طاووس: اللهم احرمنى كثرة المال والولد، وارزقنى الإيمان والعمل.
قال ابن شهاب: لو رأيت طاووسا علمت أنه لا
يكذب.
وقال الأعمش عن عبد الملك بن ميسرة عن طاووس
قال: أدركت خمسين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعن حبيب بن أبى ثابت، قال: اجتمع عندى خمسة
لا يجتمع مثلهم عند أحد: عطاء وطاووس ومجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة.
وعن معمر عن ابن طاووس عن أبيه قال: لقى عيسى
عليه السلام إبليس، فقال: أما علمت أنه لا يصيبك إلا ما قدر لك؟ قال: نعم، قال:
فارق ذروة هذا الجبل فترد منه فانظر أتعيش أم لا؟ قال عيسى: إن الله يقول: لا
يجربنى عبدى، فإنى أفعل ما شئت.
ورواه معمر عن الزهرى وفيه قال: إن العبد لا
يبتلى ربه، ولكن الله يبتلى عبده، قال: فخصمه.
وعن حفص بن غياث عن ليث قال: كان طاووس إذا
شدد الناس فى شئ رخص هو فيه، وإذا ترخص الناس فى شئ، شدد فيه.
وعن حنظلة بن أبى سفيان، قال: ما رأيت عالما
قط يقول: لا أدرى أكثر من طاووس.
وقال سفيان الثورى: كان طاووس يتشيع.
وقال معمر: احتبس طاووس على رفيق له حتى فاته
الحج، قلت: قد حج مرات كثيرة.
وقال جرير بن حازم: رأيت طاووسا يخضب بحناء
شديد الحمرة، وقال فطر بن خليفة: كان طاووس يتقنع ويصبغ بالحناء، قال عبد الرحمن بن
أبى بكر المليكي: رأيت طاووسا وبين عينيه أثر السجود.
وقال معمر عن ابن طاووس عن أبيه قال: عجبت
لإخوتنا من أهل العراق، يسمون الحجاج مؤمنا، قلت: يشير إلى المرجئة منهم، الذين
يقولون: هو مؤمن كامل الإيمان مع عسفه، وسفكه الدماء، وسبه الصحابة.
وعن ابن جريج حدثنا إبراهيم بن ميسرة أن محمد
بن يوسف الثقفى استعمل طاووسا على بعض الصدقة، فسألت طاووسا: كيف صنعت؟ قال: كنا
نقول للرجل: تزكى رحمك الله مما أعطاك الله؟ فإن أعطانا أخذنا، وإن تولى، لم نقل:
تعال.
وبلغنا: أن ابن عباس كان يجل طاووسا، ويأذن له
مع الخواص، ولما قدم عكرمة اليمن، أنزله طاووس عنده، وأعطاه نجيب.
وروى إبراهيم بن ميسرة عن طاووس قال: لو أن
مولى ابن عباس اتقى الله، وكف من حديثه، لشدت إليه المطاي.
توفى طاووس بمكة أيام المواسم، ومن زعم أن قبر
طاووس ببعلبك فهو لا يدرى ما يقول، بل ذاك شخص اسمه طاووس إن صح، كما أن قبر أبى
بشر فى دمشق، وليس بأبى بن كعب البتة، وطاووس هو الذى ينقل عنه ولده: أنه كان لا
يرى الحلف بالطلاق شيئا، وما ذاك إلا أن الحجاج وذويه كانوا يحلفون الناس على
البيعة للإمام بالله، وبالعتاق والطلاق والحج وغير ذلك، فالذى يظهر لى أن أخا
الحجاج وهو محمد بن يوسف أمير اليمن حلف الناس بذلك، فاستفتى طاووس فى ذلك، فلم
يعده شيئا، وما ذاك إلا لكونهم أكرهوا على الحلف.
وعن ضمرة بن ربيعة: عن ابن شوذب، قال: شهدت
جنازة طاووس بمكة سنة خمس ومائة، فجعلوا يقولون: رحم الله أبا عبد الرحمن، حج
أربعين حجة.
وروى: عبد الرزاق، عن أبيه، قال: مات طاووس
بمكة، فلم يصلوا عليه حتى بعث ابن هشام بن عبد الملك بالحرس، قال: فلقد رأيت عبد
الله بن الحسن بن الحسن، واضعا السرير على كاهله، فسقطت قلنسوة كانت عليه، ومزق
رداؤه من خلفه، فما زايله إلى القبر، توفى بمزدلفة، أو بمنى.
وقال محمد بن عمر الواقدى ويحيى القطان
والهيثم وغيرهم: مات طاووس سنة ست ومائة، ويقال: كانت وفاته يوم التروية، من ذى
الحجة، وصلى عليه الخليفة هشام بن عبد الملك، اتفق له ذلك، ثم بعد أيام اتفق له
الصلاة بالمدينة على سالم بن عبد الله.
وروى جعفر بن برقان عن عمرو بن دينار قال:
حدثنا طاووس ولا تحسبن فينا أحدا أصدق لهجة من طاووس.
وروى حبيب بن الشهيد عن عمرو بن دينار قال: ما
رأيت قط مثل طاووس.
وقال ابن عيينة: قلت لعبيد الله بن أبى يزيد:
مع من كنت تدخل على ابن عباس؟ قال: مع عطاء، وأصحابه، قلت: وطاووس؟ قال: أيهان ذاك،
كان يدخل مع الخواص.
وعن ليث بن أبى سليم، قال: كان طاووس يعد
الحديث حرفا حرفا، وقال: تعلم لنفسك، فإن الناس قد ذهبت منهم الأمانة.
لجنة
التراث
اختلافهم
رحمة
لا ينبغى لأحد أن يفتى حتى يعرف أقوال
العلماء، ويعرف معاملات الناس، فإن من عرف أقوال العلماء ولم يعرف معاملات الناس
ومذاهبهم وسئل عن مسألة ويعلم أن العلماء الذين ينتحل مذهبهم قد اتفقوا عليها فلا
بأس بأن يقول هذا جائز وهذا غير جائز، ويكون قوله على سبيل الحكاية، وإن كانت مسألة
قد اختلفوا فيها فلا بأس بأن يقول هذا جائز فى قول فلان، ولا يجوز له أن يختار قولا
فيجيب بقول بعضهم ما لم يعرف حجته.
وعن عصام بن يوسف أنه قال: كنت فى مأتم فاجتمع
فيه أربعة من أصحاب أبى حنيفة منهم زفر بن الهذيل وأبو يوسف وعاقبة بن يزيد وآخر
وهو الحسن بن زياد، فكلهم أجمعوا أنه لا يحل لأحد أن يفتى بقولنا ما لم يعلم من أين
قلن.
وقد روى عن عصام بن يوسف أيضا أنه قيل له: إنك
تكثر الخلاف لأبى حنيفة؟ فقال: قد أوتى من الفهم ما لم نؤت فأدرك بفهمه ما لم
ندركه، ونحن لم نؤت من الفهم إلا ما أوتينا ولا يسعنا أن نفتى بقوله ما لم نفهم من
أين قال، وينبغى لمن جعل نفسه مفتيا أو تولى شيئا من أمور المسلمين وجعل وجه الناس
إليه أن لا يردّهم قبل أن يقضى حوائجهم إلا من عذر، ويستعمل الرفق والحلم.
وروى القاسم بن محمد عن ابن أبى مريم وكانت له
صحبة مع أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم فقال: إن النبى صلى الله عليه وسلم قال (من
ولى من أمور المسلمين شيئا واحتجب دون خلتهم يوم حاجتهم وفاقتهم احتجب الله تعالى
يوم القيامة دون خلته وفاقته وحاجته).
وينبغى للمفتى أن يكون متواضعا لينا ولا يكون
جبارا عنيدا ولا فظا غليظا لأن الله تعالى قال ﴿فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت
فظا غليط القلب لانفضوا من حولك﴾ وقد تكلم الناس فى مسألة اختلف العلماء فيها، فقال
بعضهم: كلاهما صواب وهو قول المعتزلة، وقال بعضهم: أحدهما صواب والآخر خطأ إلا أنه
رفع عنه الإثم وهذا القول أصح، فأما حجة الطائفة الأولى لما روى عن النبى صلى الله
عليه وسلم أنه أمر بقطع نخيل بنى النضير، فكان أبو ليلى المازنى يقطع النخل العجوة
وعبد الله بن سلام يقطع اللوز، فقيل لأبى ليلى لم تقطع العجوة؟ قال لأن فيه كبتا
للعدو، وقيل لعبد الله بن سلام لم تقطع اللوز؟ فقال لأنى أعلم أن النخيل تصير للنبى
صلى الله عليه وسلم فأريد أن تبقى له العجوة، فنزل قوله تعالى ﴿ما قطعتم من لينة أو
تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزى الفاسقين﴾ فقد رضى الله تعالى بما فعل
الفريقان جميع.
وأما
حجة الطائفة
الأخرى لما
روى عن النبى
صلى الله عليه
وسلم أنه قال
لعمرو بن
العاص: (اقض
بين هذين،
فقال أقضى
وأنت حاضر؟
فقال: نعم،
قال: على ماذا
أقضى؟ قال: على
أنك إن أصبت
فلك عشر حسنات
وإن أخطأت فلك
أجر واحد) فقد
بين النبى صلى
الله عليه
وسلم أن
المجتهد فى
اجتهاده قد
يخطئ وقد
يصيب، ولأن
الله تعالى
قال ﴿وداود
وسليمان إذ
يحكمان فى
الحرث...﴾ فمدح الله تعالى سليمان بأنه أدرك بفهمه
ما لم يدرك به داود عليهما السلام، ولو كان كلا الحكمين صوابا فى اجتهاد الرائى
لكان لا يستوجب المدح بفهمه، ولو كان أحد القولين خطأ فقد رفع الإثم عنه لأنه كان
مأذونا له الاجتهاد.
وروى موسى الجهنى عن طلحة بن مطرف أنه كان إذا
ذكر عنده الاختلاف فقال: لا تقولوا الاختلاف ولكن قولوا السعة.
وروى عن عمر بن العزيز أنه قال: ما أحب أن
يكون لى باختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من حمر النعم: يعنى أن
اختلافهم أحبّ إلى من حمر النعم لأنهم لو لم يختلفوا لكان لا يجوز لأحد بعدهم
الاختلاف وإذا لم يجز الاختلاف لضاق الأمر على الناس، كما روى عن القاسم بن محمد
قال: اختلاف الصحابة كان رحمة للمسلمين.
إبراهيم
عبد المجيد
|