ذكر الله

الرجاء

شراب الوصل

 

ذكر الله

إكمالا للعدد السابق عن الذكر فقد أخرج الإمام أحمد فى الزهد وابن أبى الدنيا والحافظ أبو نعيم فى الحلية وابن عساكر عن أبى أراكة قال: صليت خلف الإمام على بن أبى طالب صلاة الصبح فلما سلم جلس وعليه كآبة فمكث حتى طلعت الشمس قدر رمح فصلى ركعتين فلما انفتل عن يمينه قلب يده وقال: والله رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وما أرى اليوم شيئا يشبههم كانوا يصبحون شعثا غبرا قد باتوا لله سجدا وقياما يتلون كتاب الله يراوحون بين أقدامهم وجباههم وكانوا إذا ذكروا الله مادوا كما يميد الشجر فى يوم الريح وهملت أعينهم حتى تبتل ثيابهم. وجاء فى كتاب الأذكار للنووى عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أى العبادة أفضل درجة عند الله يوم القيامة؟ قال (الذاكرون الله كثيرا، قلت: يارسول الله ومن الغازى فى سبيل الله عز وجل؟ قال: لو ضرب بسيفه فى الكفار والمشركين حتى ينكسر ويختضب دما لكان الذاكرون الله أفضل منه) وجاء فى كتاب الأذكار للامام النووى عن أبى الدرداء قال قال صلى الله عليه وسلم (ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها فى درجاتكم وخير لكم من إنفاق الذهب والورق وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم؟ قالوا: بلى، قال ذكر الله تعالى) رواه ابن ماجه والحاكم على شرط الصحيحين وقال صلى الله عليه وسلم (اذكروا الله ذكرا حتى يقول المنافقون أنكم تراؤن) أخرجه الإمام أحمد وفى رواية أبويعلى الموصلى (اذكروا الله ذكرا كثيرا حتى يقولوا مجنون) للمناوى فى كنوز الحقائق، وفى رواية الإمام أحمد (أكثروا ذكر الله حتى يقولوا مجنون) وقد جاء فى كتاب الأذكار للإمام النووى عن ابن عمر رضى الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا، قالوا وما رياض الجنة يا رسول الله؟ قال حلق الذكر، فإن لله تعالى سيارات من الملائكة يطلبون حلق الذكر فإذا أتوا عليهم حفوا بهم) وعن أنس بن مالك رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (مامن قوم اجتمعوا يذكرون الله عز وجل لا يريدون بذلك إلا وجهه إلا ناداهم مناد من السماء أن قوموا مغفورا لكم قد بدلت سيئاتكم حسنات) أخرجه الامام أحمد فى مسنده، وقال تعالى فى الحديث القدسى (أنا عند ظن عبدى بى وأنا معه إذا ذكرنى، فإن ذكرنى فى نفسه ذكرته فى نفسى وإن ذكرنى فى ملأ ذكرته فى ملأ خير منهم) عن أبى هريرة من حديث البخارى، كما جاء فى كتاب الأذكار للامام النووى عن معاوية رضى الله عنه قال (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على حلقة من أصحابه فقال ماأجلسكم؟ قالوا جلسنا نذكر الله تعالى ونحمده على ماهدانا للإسلام ومَن به علينا، قال آلله، ما أجلسكم إلا ذاك؟ أما إنى لم أستحلفكم تهمة لكم ولكنه آتانى جبريل فأخبرنى أن الله تعالى يباهى بكم الملائكة) أخرجه الامام مسلم فى صحيحه، وعن أبى سعيد الخدرى وأبى هريرة رضى الله عنهما أنهما شهدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا يقعد قوم يذكرون الله تعالى إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله تعالى فيمن عنده) للإمام مسلم، وأورد صاحب الترغيب والترهيب عن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال صلى الله عليه وسلم (سبق المفردون، قالوا وما المفردون يارسول الله؟ قال المستهترون بذكر الله، يضع الذكر عنهم أثقالهم فيأتون الله يوم القيامة خفافا) والمستهترون هم المولعون بالذكر المداومون عليه لا يبالون ما قيل فيهم ولا مافعل بهم، وهذا ماأورده صاحب الترغيب والترهيب فى تفسيره فى باب الذكر وفضله، وفى رواية الإمام مسلم قال (سبق المفردون قالوا وماالمفردون يارسول الله قال الذاكرون الله كثيرا) وعن أنس بن مالك رضى الله عنه قال قال صلى الله عليه وسلم (إن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم فإن ذكر الله خنس وإن نسى إلتقم قلبه) رواه ابن أبى الدنيا وأبويعلى والبيهقى فى الترغيب، والخطم هو الفم. وروى البيهقى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (أعظم الناس درجة الذاكرون الله) وروى الديلمى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (لكل شئ شفاء وشفاء القلوب ذكر الله) وعن معاذ رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (أن رجلا سأله فقال أى المجاهدين أعظم أجرا؟ قال أكثرهم لله تبارك وتعالى ذكرا، قال فأى الصالحين أعظم أجرا؟ قال أكثرهم لله تبارك وتعالى ذكرا، ثم ذكر الصلاة والزكاة والحج والصدقة كل ذلك ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أكثرهم لله تبارك وتعالى ذكرا، فقال أبوبكر لعمر: يا أباحفص ذهب الذاكرون بكل خير، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أجل). رواه الإمام أحمد والطبرانى.

محمد عادل

الرجاء

الرجاء هو إرتياح القلب لانتظار ماهو محبوب عنده، والرجاء يحصل لما يؤمل فى المستقبل وبالرجاء عيش القلوب واستقلالها ولا يطلق اسم الرجاء أو الخوف إلا على مايتردد فيه أما مايقطع فلا، فلا نقول نرجو طلوع الشمس وقت الطلوع ونخاف غروبها وقت الغروب لإن ذلك مقطوع به وهناك فرق بين الرجاء والتمنى، فالتمنى يورث صاحبه الكسل ولا يسلك طريق الجهد والجد وبعكسه صاحب الرجاء فالرجاء محمود والتمنى معلول، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (قال ربكم عز وجل عبدى ماعبدتنى ورجوتنى ولم تشرك بى شيئا غفرت لك ماكان منك ولو استقبلتنى بملء الأرض خطايا وذنوبا استقبلتك بمثلها مغفرة فأغفر لك ولا أبالى).

وتكلموا فى الرجاء فقالوا: إنه رؤية الجلال بعين الجمال، وقيل هو قرب القلب من ملاطفة الرب، وقيل هو النظر إلى سعة رحمة الله تعالى، وسئل أحدهم ماعلاقة الرجاء فى العبد؟ قال أن يكون إذا أحاط به الإحسان ألهم الشكر راجيا لتمام النعمة من الله تعالى عليه فى الدنيا وتمام عفوه فى الآخرة.

ومن حمل نفسه على الرجاء تعطل ومن حمل نفسه على الخوف قنط ولكن من هذه مرة ومن هذه مرة، ولهذا قالوا الخوف والرجاء كجناحى الطائر إذا استويا استوى الطائر فى طيرانه وإذا نقص أحدهما اختل طيرانه وإذا ذهبا صار الطائر فى حد الموت وعن السيدة عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (إن الله تعالى ليضحك من يأس العباد وقنوطهم وقرب الرحمة منهم فقلت: بأبى وأمى يا رسول الله أو يضحك ربنا عز وجل فقال: والذى نفسى بيده إنه ليضحك، فقالت: لا يعد منا خيراً إذا ضحك).

والرجاء مقام من مقامات السالكين وأحوال الطالبين فهو عند السالكين مقام لأنه ثبت وعند الطالبين حالاً إذا كان عارضاً سريع الزوال وقال احد الصالحين: يكاد رجائى لك مع الذنوب يغلب رجائى لك مع الأعمال لأنى أجدنى أعتمد فى الأعمال على الإخلاص وكيف أحرزها وأنا بالآفة معروف وأجدنى فى الذنوب أعتمد على عفوك وكيف لا تغفرها وأنت بالجود موصوف. وفى أخبار سيدنا يعقوب عليه السلام أن الله تعالى أوحى إليه: أتدرى لم فرقت بينك وبين يوسف، لإنك قلت أخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون لمَ خفت الذئب ولم ترجنى، ولمَ نظرت إلى غفلة إخوته ولم تنظر إلى حفظى له. فكن حسن الظن بربك على كل حال ولا تسئ الظن فإنك لا تدرى فى أى نفس يخرج منك تموت، فتلقى الله على حسن ظن به كما قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه عن ربه أنه عز وجل يقول: (أنا عند حسن ظن عبدى بى فليظن بى خيراً) ولم يخص وقت من وقت فاجعل ظنك بالله علماً بأنه عفو ويغفر ويتجاوز وليكن داعيك الإلهى إلى هذا الظن قوله تعالى ﴿يا عبادى الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله﴾ وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (إن رجلاً يدخل النار فيمكث فيها ألف سنة ينادى يا حنان يا منان فيقول الله تعالى لجبريل اذهب فائتنى بعبدى فيجئ به فيوقفه على ربه فيقول الله تعالى كيف وجدت مكانك؟ فيقول شر مكان، قال: فيقول ردوه إلى مكانه قال فيمشى ويلتفت إلى ورائه فيقول الله عز وجل: إلى أى شئ تلتفت فيقول لقد رجوت أن لا تعيدنى إليها بعد إذ أخرجتنى منها، فيقول الله تعالى: اذهبوا به إلى الجنة) فدل هذا على أن رجاءه كان سبب نجاته ومن كلام المولى تبارك وتعالى لسيدنا موسى عليه السلام (من رجا غيرى لم يعرفنى ومن لم يعرفنى لم يعبدنى ومن لم يعبدنى فقد استوجب سخطى ومن خاف غيرى حلت به نقمتى يا ابن آدم إنك مادعوتنى ورجوتنى غفرت لك على ماكان منك ولا أبالى).

أحمد نور الدين عباس

شراب الوصل

رب رحيم ربه سماه

يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه دخل على السيدة أم سلمة رضى الله عنها فوجدها تتضرع بالدعاء إلى الله وتقول ياربى فقال لها صلى الله عليه وسلم (قولى يارب محمد).

صدقت ياسيدى يارسول الله فقد اختلط على الناس الفرق بين الربوبية والألوهية، فكما أن هناك أرباب للحرف والصناعات وأرباب المعاشات وأيضا ربات للبيوت غير أنه ليس هناك إلا إله واحد للعالمين وهو رب للمبعوث بربوبية الرحمة للعالمين سابقين ولاحقين، فانفرد صلى الله عليه وسلم بلفظة (العبد) لقوله تعالى ﴿سبحان الذى أسرى بعبده﴾ وقوله سبحانه ﴿وأنه لما قام عبدالله يدعوه﴾ وتشرع سائر الخلق بشريعة العبد صلى الله عليه وسلم، فكان الحبيب رب الرحمة المهداه والنعمة المسداه والفضل الدائم بحجاب قائم بين الحق والخلق، كما قال (إن لله سبعين ألف حجاب من نور وظلمة لو انكشف واحد منها لاحترق العالمين بنور سبحات وجهه).

وهذا باطن الرحمة للرب الرحيم الذى منه انشقت الأسرار وانفلقت الأنوار الجمالية وفيه ارتقت الحقائق الذاتية والصفاتية الحقية ومنه تنزلت علوم آدم الأسمائية وتجلياتها الأفعالية وله تضاءلت الفهوم لأنه مازال الحجاب الأعظم للحضرات الذاتية، فهو ستر الكبرياء ورداء عظمة الألوهية وهنا تتجلى الرحمة الرحمانية، ولما تجلت الذات المحمدية اللطيفة الأحدية التى هى شمس سماء أسرار الأحمدية ومظهر أنوار جمال المحمدية، تجلت منه الرحمة الرحيمية الإختصاصية الإمتنانية فسماه ربه من أجل معالى الربوبية بالرؤوف الرحيم والنور القويم والصراط المستقيم ومنها كان إمام النبيين وخاتم المرسلين والمبعوث رحمة للعالمين.

لقب نوح بالنجى وإبراهيم بالخليل وبالوفى وموسى بالكليم الرضى وعيسى بالروح والكلم الندى ولكنك الحبيب وأقسم بعمرك قسم لا يخيب وناداك فى السموات ومجد بقوله (حـمـ) أى حبيبى محمد فى القرآن الكريم مثبت.

حيث جبريل فى السموات مجد        يعلن البشرى فى ولادة أحمـد

سمعت أمه أبشـرى بمحـمـد        وتوالت بشرى الهواتف أن قد

ولد المصطفى وحق الهنــاء

شيخ أبوه