فى آداب المذكر والمستمع

ولي نظم در

الواسطة بين الخالق والمخلوق

 

فى آداب المذكر والمستمع

إن المجتمع الإسلامى الآن قد تحول إلى ساحة للتبارى بين الدعاة إلى الله، البعض على حق والبعض على غيره ويتخذون من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (بلغوا عنى ولو آية) سبيلا إلى تذكير الناس، وخلطوا بين البلاغ والدعوة إلى الله، ونحن الآن مع العلماء لنرى من هو المذكر وما هى صفاته وما هى آداب المستمع، فأول ما يحتاج إليه المذكر أن يكون صالحا فى نفسه لأنه لو لم يكن صالحا يهرب منه العقلاء ويقتدى به السفهاء فيكون فى ذلك فساد العالم وكلامه لا ينجع فى قلوب الناس، وينبغى للمذكر أن يكون ورعا فلا يحدّث الناس بحديث لم يصح عنده لأنه روى عن الإمام على بن أبى طالب كرم الله وجهه عن النبى صلى اللَّه عليه وسلم أنه قال (من حدّث بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين) وينبغى أن لا يطول المجلس فيمل الناس لأنه يذهب بركة العلم، وقد روى عن عبد اللَّه بن مسعود رضى اللَّه تعالى عنه أنه قال: إن للقلوب نشاطا وإقبالا وإن لها تولية وإدبارا فحدث القوم ما أقبلوا عليك، وروى عن الزهرى عن النبى صلى اللَّه عليه وسلم أنه قال (روحوا القلوب ساعة فساعة) وروى زيد بن أسلم عن أبيه قال: كان قاض فى بنى إسرائيل يطول عليهم فأملهم فلعن ولعنو. وينبغى للمذكر أن يكون متواضعا لينا ولا يكون متكبرا ولا فظا غليظا لأن التواضع واللين من أخلاق النبى صلى الله عليه وسلم، قال تعالى ﴿فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك﴾ وإذا أراد أن يخبر الناس بشئ من فضائل الصلاة والصيام والصدقة، فينبغى أن يعمل به أولا حتى لا يكون من أهل هذه الآية ﴿أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم﴾ وقال إبراهيم النخعى: إنى أكره القصص لثلاث آيات وقد ذكرناها، وينبغى للمذكر أن يكون عالما بتفسير القرآن والأخبار وأقاويل الفقهاء. وروى عن الإمام على بن أبى طالب كرم الله وجهه أنه رأى رجلا يقص للناس فقال له أتعرف الناسخ والمنسوخ؟ فقال لا، فقال له على: هلكت وأهلكت.

وينبغى للمذكر إذا حدث الناس أن لا يقبل بوجهه إلى واحد بل يعمهم، وقد روى عن حبيب بن أبى ثابت أنه قال: من السنة أن لا يقبل بوجهه على رجل واحد ولكن يعمهم، ولا ينبغى للمذكر أن يكون طماعا لأن الطمع يذل الإنسان ويذهب بهاء الوجه والعلم، ولو أهدى إليه إنسان من غير مسألة فلا بأس أن يقبل هديته، وينبغى أن يكون فى مجلسه الخوف والرجاء، ولا يجعله كله خوفا ولا كله رجاء لأنه نهى عن ذلك فإن كان المذكر يحتاج إلى تطويل المجلس فيستحب له أن يجعل فى خلال مجلسه كلاما يستظرفونه ويتبسمون بذلك فإن ذلك يزيدهم نشاطا وإقبالا على السماع، وقد روى عن سيدنا عمر رضى الله تعالى عنه أنه كان إذا جلس رغب الناس فى الآخرة وزهدهم فى الدنيا، فإذا رآهم قد كسلوا أخذ فى ذكر الغرس والبناء والحيطان، فإذا رآهم قد نشطوا أقبل فى ذكر الآخرة.

أما ماينبغى على المستمع فقد قال الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى: ينبغى أن يقبل المستمع إلى وجه المذكر ويستمع منه بصحيح القلب ولا يشتغل بشئ غيره لما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال (من سمع مسألة وحديثا فعمل بذلك فإنه حى ومنحى، ومن سمع حديثا فلم يعمل به فإنه يهلك) ويستحب للمستمعين عند فصل كل حديث أن يقولوا صدقت أو أحسنت حتى يكون المذكر راغبا فى الحديث، ويصلى عند كل سماع اسم محمد صلى الله عليه وسلم، وأن ينزع وسواس الشيطان عن قلبهم، ولا ينام فى حال المجلس لما روى عن النبى صلى اللَّه عليه وسلم أنه قال (من نام عند المجلس فقد خاب من رحمة الله تعالى وكان حبيب الشياطين).

عصام مقبول

ولي نظم در

الإبتذال فى الإستعمال

قال الحموى لا بأس به فى مطالع القصائد إن تعذر على الناظم أن يركبه تورية فإنه نوع متوسط بالنسبة إلى ما فوقه من أنواع البديع كما قرره مشايخه كالتورية والاستخدام والاستعارة والتشبيه وما قارب ذلك من أنواع البديل وحكى عن ابن جنى أن الأصمعى كان يدفع قول العامة إذا قالوا هذا يجانس هذا، إذا كان من شكله، ويقول ليس بعربى خالص وقال ابن رشيق صاحب العمدة هو من أنواع الفراغ وقلة الفائدة ومما لا يشك فى تكلفه وقد كثر منه هؤلاء الساقة المتعقبون فى نظمهم ونثرهم حتى برد ورك انتهى كلامه، ولم يحتج إليه بكثرة استعماله إلا من قصرت همته عن اختراع المعانى التى هى كالنجوم الزاهرة فى أفق الألفاظ وإذا خلت بيوت الألفاظ من سكان المعانى تنزلت منزلة الأطلال البالية وما أحلى قول الفاضل هنا إنما الدار قبل بالسكان ثم بعد السكان بالجيران فإذا ما الأرواح شردها الحتف فماذا يراد بالأبدان وكان الشيخ صلاح الدين الصفدى يستسمن ورمه ويظنه شحما فيشبع أفكاره منه ويملأ بطون دفاتره ويأتى فيه بتراكيب تخف عندها جلاميد الصخور كقوله غفر الله له:

ونم فى أمان بالحبيب ولا تخف        لقائط واش فى لقاء طواشــى

وقوله:

وإنى إذا كان الفراق معانــدى       مطالع ناء فى مطال عنـــاء

وقوله فى الراح:

وكم ألبست نفس الفتى بعد نورها      مدارع قار فــــى مدار عقار

وقوله:

إذا جرح العشاق قالوا أقمت فى        مدار جراح فــى مدارج راح

فإذا كان استخدام المحسن البديعى للحشو فإنه تورم شعرى لا يمت للجماليات بصلة ولكن المحسن البديعى لابد أن يصبغ البيت ببهاء ونضارة وتزيين وترصيع ولننظر إلى قول سيدى فخر الدين رضى الله عنه:

ألا إنما يسرى المريد على يدى        مرقعتى فيض ولست بحـائك

فسريان المريد يكون بليل على الطريق إلى الله والطريق مملوء بالعقبات والقواطع فليس فيه أمان، والليل موطن للجلال، وقد استخدم الشيخ (ألا) الإستفتاح فى موطن ختام القصيدة وأبدل السير بالإسراء وشبه الطريق باليد ثم حذف المشبه به على سبيل الإستعارة فتبدل الجلال بالجمال والخوف بالأمان لمريده الذى أسرى به بنور جماله فقلب ظلام الليل نورا وحمل عنه الكلالة فى السير الذى تحول إلى إسراء ثم كانت الرحلة محمولا على يد شيخه فلا تعب ولا نصب فحل الاستهلال فى الختم لينعش الروح فتكون على أهبة الإستعداد لأن كل ختام بداية فى السير إلى الله الذى لا نهاية له وتلك تورية غير مسبوقة، وحل الإبدال وإن لم يتلفظ به للتشجيع والإطمئنان، ثم الإستعارة جاءت كياقوتة على جيد قصيده الذى أنهاها بقوله مرقعتى فيض، والمرقعة دائما أبدا خرقة يتميز بها كل شيخ عمن سواه ولكن مرقعة شيخنا فيض من الأنوار والأسرار يلبسها المريد فيتزيا بها وتكتنفه هى فتجعله من الأخفياء، ولكن الثوب يظهر ويزين غير أن الشيخ إنما أراد تورية المعنى بقوله ولست بحائك كما أراد أن يخفى مريده حتى عن نفسه فلا يفتتن فخير الأتقياء الأخفياء.

شيخ أبوه 

الواسطة بين الخالق والمخلوق

 

س: ما معنى الواسطة؟ وما رأى الدين فى إتخاذها؟

ج: معنى الواسطة هى إتخاذ الأسباب للوصول إلى الغاية، وينكر البعض إستخدامها بين الخلق والخالق فإذا كان الأمر هكذا فلماذا إتخذ سبحانه وتعالى الملائكة واسطة بينه وبين الرسل؟ ولماذا إتخذ الرسل واسطة إلى الخلق؟ ولماذا لم يتجلى علينا وقال أنا ربكم فاعبدون دون إتخاذ الواسطة وهو قادر على ذلك؟ فيكون معنى هذا أنه يحثنا على إتخاذ الواسطة والأحاديث التالية تؤكد إستعمال الواسطة:

المؤمن واسطة فى تفريج الكرب:

جاء فى الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من فرج عن مؤمن كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة).

المؤمن قاضى للحاجات:

قال صلى الله عليه وآله وسلم: (من قضى لأخيه حاجة كنت واقفا عند ميزانه فإن رجح وإلا شفعت له) وقال أيضا: (إن لله عز وجل خلقا خلقهم لحوائج الناس يفزع إليهم الناس فى حوائجهم أولئك الآمنون من عذاب الله تعالى).

المؤمن غياث الملهوف:

قال صلى الله عليه وآله وسلم: (من أغاث ملهوفا كتب الله له ثلاثا وتسعين حسنة) رواه أبو يعلى والبراز والبيهقى.

عباد الله والصبيه والبهائم سبب فى رفع البلاء:

روى الطبرانى فى الكبير والبهقى فى السنن عن مانع الديملى رضى الله عنه قال: قال صلى الله عليه وآله وسلم: (لولا عباد لله ركع وصبية رضع وبهائم رتع لصب عليكم العذاب صبا ثم رض رضا) فإذا كانت البهائم سببا فى رفع البلاء فما بالكم بالأولياء؟ كما جاء فى الحديث عن ابن عمر قال قال صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الله ليدفع بالمسلم الصالح عن مائة أهل بيت من جيرانه البلاء) ثم قرأ ابن عمر ﴿ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض﴾ رواه الطبرانى.

المؤمن يعين المؤمن:

أخرج البخارى ومسلم أنه قال صلى الله عليه وآله وسلم: الله فى عون العبد مادام العبد فى عون أخيه المسلم.

المؤمن سبب فى إصلاح أبنائه وأحفاده وأهله:

عن جابر بن عبدالله الإنصارى قال قال صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الله ليصلح الرجل المسلم ولده وولد ولده وأهل دويرته ودويرات حوله ولايزالون فى حفظ الله عز وجل مادام فيهم).

المؤمن سبب فى النصر والرزق والمطر وصرف العذاب:

عن سعد بن ابى وقاص رضى الله عنه أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: (هل تنصرون وترزقون إلا بضعفانكم) رواه البخارى، وعن ثوبان رضى الله عنه قال: قال صلى الله عليه وآله وسلم: (لايزال فيكم سبعة بهم تنصرون وبهم تمطرون وبهم ترزقون حتى يأتى أمر الله) وأخرج الطبرانى عن عبادة بن الصامت قال قال صلى الله عليه وسلم: (الأبدال فى أمتى ثلاثون بهم تقوم الأرض وبهم يمطرون وبهم ينصرون) ورواه الهيثمى فى مجمع الزوائد عن عبادة بن الصامت بلفظ (لايزال فى أمتى ثلاثون بهم تقوم الأرض وبهم تمطرون وبهم تنصرون) قال قتادة: إنى ارجو أن يكون الحسن منهم، رواه الطبرانى من طريق عمر والبزار، من كتاب جمع الجوامع -الجامع الكبير- للإمام السيوطى.

وعن الإمام على كرم الله وجهه قال قال صلى الله عليه وسلم: (الأبدال يكونون بالشام، وهم أربعون رجلا، كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلا يسقى بهم الغيث وينتصر بهم على الأعداء ويصرف عن أهل الشام بهم العذاب) أخرجه الإمام أحمد والحاكم والطبرانى وفى جمع الجوامع للإمام السيوطى.

وعن أنس بن مالك رضى الله عنه قال قال صلى الله عليه وآله وسلم: (لن تخلو الأرض من أربعين رجل مثل خليل الرحمن، فبهم تسقون وبهم تنصرون ما مات منهم أحد إلا بدل الله مكانه آخر) الطبرانى فى الأوسط وإسناده حسن، كذا فى مجمع الزوائد.

وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الله ليصرف العذاب عن الأمة بصدق رجل منهم) أبو الشيخ بن حبان. وبعد كل هذا هل لنا أن ننكر الواسطة...؟

محمد سيد