وإنك لعلى خُلق عظيم

خصوصية الزهراء وأمها

مفتى الديار المصرية

وإنك لعلى خُلق عظيم

القرآن العظيم الذى ﴿لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد﴾ 42 فصلت، هو صفة الحق تبارك وتعالى فى أزليته السرمدية وديمومة أبديته، وقد أشارت الآيات ودلت على عظيم مكانة ومنزلة الأنبياء والمرسلين عليهم وعلى نبينا أفضل الصلاة والتسليم، ولم تكن تلك المنزلة العالية إلا لأنهم قد اصطفوا من الخلق اصطفاء ﴿إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين﴾ 22 آل عمران، فلهم من المكانة ما ليس لغيرهم، صلى الله عليهم وسلم أجمعين، أما الحبيب الأعظم والنبى الأكرم سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وسلم فإن الآيات والكلمات والحروف تدل مرة بالتصريح وأخرى بالتلميح، مرة بالإشارة وأخرى بالعبارة بأن مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى مكانة لا تطلب ولا تنال، وإنما هى بغية الواصلين وأمل السالكين وإليها ومنها يؤول أمر المحسنين، وتزكية رسول الله صلى الله عليه وسلم بشمائله النورانية فى كتاب الله عز وجل أدق وأعظم من أن تحصى أو يحاط بها، ونذكر بعض الآيات التى تتراءى لقلوبنا فى شأن تزكية النبى صلى الله عليه وسلم لا على سبيل الإحاطة والحصر به صلى الله عليه وسلم لاستحالة ذلك، وإنما للنيل من بركته ومدده وعطائه مما يلحقنا بأحبابه وأهل شفاعته.

فقد زكى الحق تبارك وتعالى عقله صلى الله عليه وسلم فى قوله ﴿وما صاحبكم بمجنون﴾ 22 التكوير، وزكى بصره فقال ﴿ما زاغ البصر وما طغى﴾ 17 النجم، وزكى كلامه ومنطقه فقال ﴿وما ينطق عن الهوى﴾ 3 النجم، وزكى لسانه فقال ﴿لسان الذى يلحدون إليه أعجمى وهذا لسان عربى مبين﴾ 103 النحل، وزكى صدره فقال ﴿ألم نشرح لك صدرك﴾ 1 الشرح، وزكى فؤاده فقال ﴿ما كذب الفؤاد ما رأى﴾ 11 النجم، وزكى يده فقال ﴿وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى﴾ 17 الأنفال، وزكى أذنه فقال ﴿أذن خير لكم﴾ 61 التوبة، وزكى وجهه فقال ﴿قد نرى تقلب وجهك فى السماء﴾ 144 البقرة، وزكى جسده فقال ﴿وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم﴾ 33 الأنفال، وزكى خُلقه فقال ﴿وإنك لعلى خلق عظيم﴾ 4 القلم، وزكاه فى تقواه فقال ﴿يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير﴾ 13 الحجرات، حيث قال صلى الله عليه وسلم (أنا أتقاكم لله وأعرفكم به) وزكى قضائه فقال ﴿ما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم﴾ 36 الأحزاب، وزكى حكمه فقال ﴿فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم﴾ 65 النساء، وزكى هديه فقال ﴿وإنك لتهدى إلى صراط مستقيم﴾ 52 الشورى، وزكى رسالته فقال ﴿وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين﴾ 107 الأنبياء، وزكى ذكره فقال ﴿ورفعنا لك ذكرك﴾ 4 الشرح، وزكى رجائه وعطائه فقال ﴿ولسوف يعطيك ربك فترضى﴾ 5 الضحى، وزكى أسبقيته فى العبادة فقال ﴿قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين﴾ 81 الزخرف، وزكى أهل بيته فقال ﴿إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهير﴾ 33 الأحزاب، وزكى نسائه فقال ﴿يا نساء النبى لستن كأحد من النساء﴾ 32 الأحزاب، وزكى صحبه وأحبابهم فقال ﴿محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم﴾ 29 الفتح، وزكى أصله وبدايته فقال ﴿الذين يتبعون الرسول النبى الأمى﴾ 157 الأعراف، فالنبى الأمى بمعنى النبى الأصل (الأول) كقوله (مكة أم القرى) فهو صلى الله عليه وسلم أصل الأصول وحقيقة الحقائق وسر الأسرار ومعدنها، كنز العلوم ومددها، هو العبد والكل متعبد بشريعته، وهو الحقيقة والكل متحقق بحقيقته، وهو الشارع والكل متشرع بشرعه، يقول مولانا الإمام فخر الدين رضي الله عنه:

يا أول الخلق فى إطلاقه ألفا     به التآلف يا قاب الهدايـات

وصل اللهم وسلم وبارك على مولانا محمد وآله وصحبه وأحبابه أجمعين

أبو العباس مصطفى

خصوصية الزهراء وأمها

الحمد لله رب العالمين القائل فى كتابة الكريم ﴿لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاج﴾ 18 المائدة، وصلى الله على سيدنا محمد النبى المصطفى الكريم القائل (نحن أهل البيت لا يقاس بنا أحد) وعلى آله وصحبه أجمعين وزوجاته أمهات المؤمنين وعن الأربع سيدات نساء العالمين ونخص منهم بالذكر:

أمنا الزهراء ذات الـــ        اجتبـاء نـورا ثنيـــا

بنت من خصت بخير الـ        خـلق بـدءا أوليــــا

كما قال عنهم الإمام فخر رضي الله عنه فالغيرة الإلهية من المولى تبارك وتعالى اقتضت أن جعل لهن خصاصة انفردن بها عن نساء العالمين، فالسيدة خديجة عليها السلام هى أولى زوجات النبى صلى الله عليه وسلم وظلت هى الزوجة الوحيدة له حتى انتقالها إلى الرفيق الأعلى وقد كانت من عادة العرب الإكثار من الزوجات فكانت تلك خصاصة للسيدة خديجة رضى الله تبارك وتعالى عنه.

وكذلك ابنتها الكبرى السيدة فاطمة الزهراء رضى الله عنها فإن الإمام على كرم الله وجهه لم يتزوج عليها أبدا، وعندما أراد بنو هشام بن المغيرة أن يزوجوا ابنتهم من الإمام على بن أبى طالب كرم الله وجهه طلب منهم الإمام على كرم الله وجهه أن يستأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ذلك، فالإمام على كرم الله وجهه يعرف منزلة الزهراء عند الله وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن قال لهم هذا ليبين لهم شرف الزهراء وخصائصها، فصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر وقال: إن بنى هشام بن الغيرة استأذنونى فى أن ينكحوا ابنتهم على بن أبى طالب فلا آذن لهم.. ثم لا آذن لهم.. ثم لا آذن لهم.. إلا أن يحب ابن أبى طالب أن يطلق ابنتى، وينكح ابنتهم فإن ابنتى بضعة منى يريبنى ما أرابها ويؤذينى ما آذاها وإنى أتخوف أن تفتن فى دينه.

ثم أضاف صلى الله عليه وسلم قائلا: وإنى لست أحرم حلالا ولا أحل حراما ولكن الله لا يجمع بنت رسول الله وبنت عدو الله فى بيت واحد وبذلك ظلت هى الزوجة الوحيدة للإمام على كرم الله وجهه حتى انتقالها إلى الرفيق الأعلى وبعدها تزوج، فكانت تلك خصاصة للزهراء رضى الله عنها من المولى تبارك وتعالى.

وقد سأل أحد الأبناء أمه فى هذا الأمر وقال لها بكل فصاحة:

فسألتها يا أم كيــف      وشرع مولانا جـلـىّ

لما أراد بنــو هشام      رفعة النســب الذكىّ

غضب النبى وقال لا      وأبى الزواج على علىّ

فردتَ عليه بكل فصاحة وكانت على تقوى وعلم ومحبة لاَل البيت فقالت:

قالت بُنى فذا ربــاط       ليس يرضاه العلــىّ

ما كان للبــنت اختيار      فى أبى جهل الشقـىّ

لكنها يختارهـــا من       ليس صهراً للنبــىّ

وافهم ففى الســـيدة      الزهراء سلطان قـوىّ

هاتيك سيدة النســاء       لنورهـا قهر جلــىّ

من ذا يطـيق القهر إن      غضبت ولا حتى علىّ

عند البتول وأمــهـا        يقف التعدد يا بنـىّ

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم

محمد عثمان حامد العقيلى - مصر

مفتى الديار المصرية

س: هل النبى صلى الله عليه وسلم حى فى قبره وما مدى أثر تلك الحياة علينا فى حياتنا الدنيا؟

ج: لابد من تحرير المصطلحات أولا فى تلك القضية، فإن أكثر المشكلات تزول بمجرد تحرير المصطلحات، فإن كان المقصود من حياة النبى صلى الله عليه وسلم فى قبره بأنه لم ينتقل من حياتنا الدنيا ولم يقبضه الله إليه فذلك باطل بنص القرآن الكريم، قال تعالى ﴿وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون﴾ 34 الأنبياء ﴿إنك ميت وإنهم ميتون﴾30 الزمر، فالنبى صلى الله عليه وسلم انتقل من هذه الحياة الدنيا ولكن بانتقاله هذا لم ينقطع عنا صلى الله عليه وسلم وله حياة أخرى هى حياة الأنبياء وهى التى تسمى الحياة بعد الموت أو الممات كما سماها صلى الله عليه وسلم حيث قال (حياتى خير لكم تحدثون ويحدث لكم ومماتى خير لكم تعرض على أعمالكم فما رأيت من خير حمدت الله وما رأيت من شر استغفرت لكم) أخرجه البزار والديلمى والهيثمى.

وقال صلى الله عليه وسلم (ما من أحد يسلم على إلا رد الله على روحى حتى أرد عليه السلام) أخرجه أحمد وأبوداود والبيهقى، وهذا الحديث يدل على اتصال روحه ببدنه الشريف صلى الله عليه وسلم دائما أبدا لأنه لا يوجد زمان إلا وهناك من يسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحياة النبى صلى الله عليه وسلم بعد انتقاله ليست كحياة باقى الناس بعد الإنتقال وذلك أن غير الأنبياء لا ترجع أرواحهم إلى أجسادهم مرة أخرى فهى حياة ناقصة بالروح دون الجسد وإن كان له اتصال بالحياة الدنيا كرد السلام وغير ذلك مما ثبت فى الآثار، ولكن الأنبياء فى حياة هى أكمل من حياتهم قبل الإنتقال وأكمل من حياة باقى الخلق بعد الإنتقال.

وقد صح أن الأنبياء عليهم السلام يعبدون ربهم فى قبورهم، فعن أنس رضى الله عنه قال قال صلى الله عليه وسلم (مررت على موسى ليلة أسرى بى عند الكثيب الأحمر وهو قائم يصلى فى قبره) أخرجه أحمد ومسلم، وعنه صلى الله عليه وسلم (الأنبياء أحياء فى قبورهم يصلون) أخرجه الديلمى وأبويعلى والهيثمى، ويدل هذا الحديث أنهم أحياء بأجسادهم وأرواحهم لذكر المكان حيث قال (فى قبورهم) ولو كانت الحياة للأرواح فقط لما ذكر مكان حياتهم فهم أحياء فى قبورهم حياة حقيقية كحياتهم قبل انتقالهم منها، وليست حياة أرواح فحسب، كما أن أجسادهم الشريفة محفوظة ويحرم على الأرض أكلها، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال (إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء) أخرجه أحمد وأبو داود والنسائى وابن ماجة، فالنبى صلى الله عليه وسلم حى فى قبره بروحه وجسده، وجسده الشريف محفوظ كباقى إخوانه من الأنبياء وهو يأنس بربه متعبدا فى قبره متصلا بأمته يستغفر لهم ويشفع لهم عند الله ويرد عليهم السلام وغير ذلك الكثير.

فمن كذب بحياة النبى صلى الله عليه وسلم فى قبره بعد انتقاله فقد كذب النبى صلى الله عليه وسلم فيما ذكرنا من الأحاديث، ومن كذب أنه انتقل من حياتنا الدنيا فقد كذب ما ذكرناه من القرآن، والصواب هو أن ثبت انتقاله صلى الله عليه وسلم من الحياة الدنيا وثبت حياته صلى الله عليه وسلم فى قبره وأنه يعبد ربه ويرد السلام على من سلم عليه ويشفع لأمته ويستغفر لهم كما أخبر بذلك الصادق المصدوق، والله تعالى أعلى وأعلم.

من كتاب البيان القويم
لفضيلة الدكتور على جمعة
مفتى الديار المصرية