مركز جمعة الماجد للتراث بالإمارات

من تراث الأستاذ الشيخ عبدالمحمود الحفيان (طابت)

مركز جمعة الماجد للتراث بالإمارات

بعد إخفاق العمليات العسكرية للحروب الصليبية فى نهاية القرن الرابع عشر الميلادى صحا الغرب من أحلامه وعرف مقدار القوة العربية والإسلامية التى استطاعت أن تقهر جيوش أوروبا مجتمعة بعددها وعتادها، وأدرك القادة الغربيون أن الحرب وحدها لا تجدى ما لم تقترن بدراسة تحليلية للحضارة الإسلامية بما فيها من علوم ومعارف ومعتقدات وبدراسة ميدانية وكشوف جغرافية واطلاع على العادات الخاصة بشعوب تلك الحضارة ومواريثها، بدأت مرحلة الغزو الفكرى، أخذ الرحالة أولا يجوبون بلاد العرب والمسلمين شرقيها وغربيها، ويدونون الكثير من ملاحظتهم ومذكراتهم بدقة لتكون مادة يعتمد عليها السياسيون فى اتخاذ القرارات، ولما كانت معرفة أى قوم تقتضى الاطلاع على لغتهم وفكرهم فقد نفرت طائفة من الغربيين لتعلم العربية ودراسة آدابها، وحين صعب عليهم قراءة مخطوطاتهم لجأوا إلى طبع ما أهمهم منها، فبدأ بذلك ظهور الطباعة العربية عندهم، ونشر أول كتاب عربى فى مدينة (فانو) الايطالية، تبعه الحواضر الأوروبية ككتاب الادريسى (نزهة المشتاق فى أختراق الآفاق) بروما عام 1592م وكتاب ابن العبرى (تاريخ مختصر الدول) بأكسفورد سنة 1663م... إلى غير ذلك من الكتب الأمهات التى تعد أهم المصادر حتى يومنا هذا، وتجب الاشارة هنا إلى أن الأغراض التبشيرية كانت من الأمور الهامة فى ظهور الطباعة العربية بالغرب، فقد نشر الكتاب المقدس بالحرف العربى فى روما سنة 1671م وفى ليدن سنة 1811م وفى لندن سنة 1831م ثم انتقلت الطباعة إلى إيران سنة 1636م فحلب سنة 1706م فتركيا سنة 1723م فالشوير بلبنان سنة 1734م فمصر سنة 1798م فالعراق سنة 1816م ففلسطين سنة 1846م فالمغرب سنة 1864م فاليمن سنة 1877م فالحجاز سنة 1882م وينبغى هنا أن نذكر أن النسخ التى كانت تطبع فى تلك المرحلة من السنوات المذكورة لم تكن تتجاوز بضع مئات من كل كتاب، توضع بين أيدى المتخصصين من المعنيين وقد أتت عوامل الزمن والإهمال على هاتيك الكتب، فلم يبق من نسخها سوى اليسير الذى تشتت فى زوايا المكتبات فقبع منسيا لا يعرفه غير القلة القليلة من أهل العلم والخبرة.

ومن أجل ذلك رغب مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث والمجمع الثقافى أن يقيما (معرض أوائل المطبوعات العربية) ترسيخا للعلم والمعرفة واظهارا لعمل الرواد الأوائل من العلماء، سواء من الشرق أو من الغرب، وتعريفا بتلك المطبوعات النادرة التى لا تزال إلى اليوم منهلا ثريا لا تنضب حياضه.

احتوى المعرض نحوا من مئتى كتاب اختيرت من آلاف الكتب النادرة التى ينطبق عليها عنوان المعرض وشروطه ثم انتقينا من بين المئتين نيفا وبعض عشرات من أقدمها وراعينا فى انتقاءها موضوعاتها المشتملة على الدين والفلسفة والاجتماع والأدب والجغرافية والتاريخ والتراجم والعلوم الباحتة والتطبيقية كما راعينا تنوع مواطن طباعتها، ثم عرفنا بها تعريفا موجز.

هذه مقدمة الدكتور مجدى فرفور عن نوادر الكتب العربية فى بدايات الطباعة وهذه أيضا واحدة من مئات بل آلاف الحسنات التى قدمها رجل الأعمال الإماراتى (جمعة الماجد) الذى اهتم بمجال ما رأينا أحدا من رجال الأعمال قد سبقه فى هذا المجال بل وعندما تزور مركز جمعة الماجد للتراث وتزور أقسامه وتتفقد محتوياته تنبهر بالكم الهائل من المخطوطات القديمة التى حواها مركز خاص ليس له سلطة الدولة فى الإستيلاء على الكتب من أصحابها بل أن هذا الماجد قد دفع لكل ما يملك من الكتب وكل ما يملك من الأموال ليحيى التراث العربى الأصيل الذى اندثر تحت أكوام الأيام بل الأعوام، تلك هى المقدمة التى استقبلتنا بها الأستاذة مروة كريدية رئيسة قسم الإعلام بمركز الماجد للتراث ورافقت الوفد الذى كتبت عنه وأذاعت الخبر وكالة أنباء الإمارات(وام) قالت:

دبى فى 81فبراير /وام/ زار وفد علمى سوادنى برئاسة الشيخ الدكتور محمد إبراهيم محمد عثمان عبده البرهانى مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث بدبى بهدف الإطلاع على المخطوطات العلمية النادرة التى يقتنيها المركز، ضم الوفد عددا من الباحثين فى التاريخ العربى والإسلامى وحوار الحضارات، كان فى استقبال الوفد عدد من رؤساء الأقسام العاملين فى المركز، وتم خلال الزيارة مناقشة دور المركز الثقافى والخدمات التى تقدم للباحثين، وقام الوفد بجولة ميدانية زار خلالها مرافق المركز واطلع على مقتنياته وأهم المخطوطات العلمية الموجودة فيه، وأشار البرهانى إلى أهمية التعاون بين المؤسسات العلمية والمركز من الناحية العلمية والثقافية والحضارية مبديا إعجابه بالتميز الذى يقدمه المركز للباحثين، وأوضح أن المركز يخدم الأمة الإسلامية من ناحية تراثية وحضارية من خلال جمعه للتراث الإسلامى المخطوط وحفظه وصيانته وترميمه وتقديمه بشكل ميسر وسهل للدارسين حيث تتوافر فيه أعداد من المخطوطات النادرة، وأشاد الوفد بالدور المميز لمعالى جمعة الماجد كونه أسس مركزا متميزا يخدم الحضارة الإنسانية بشكل عام والإسلامية والعربية منها بشكل خاص آملا التعاون الثقافى مع المركز فى المستقبل، جدير بالذكر أن زيارة هذا الوفد للدولة تأتى ضمن جولة علمية يقوم بها فريق البحث العلمى للإطلاع على المخطوطات العلمية والتراثية الموجودة فى مكتبات العالم/ وام/د/وح/ع او 51 17.

ومعا لنستعرض بعض الكتب التى اعتنى بها مركز جمعة الماجد للتراث والتى قدم لها الدكتور عبد الرحمن فرفور:

- كتاب (تحرير أصول لإقليدس) ترجمة دقيقة لكتاب الأصول لإقليدس وهو يتألف من ثلاث عشرة مقالة يناقش فيها الأشياء المساوية لشئ واحد، وعلاقة الكل مع الجزء والخط المستقيم مع المستوى، ويتناول السطوح المتساوية وعلاقتها بكل من النقطة والخط والدائرة ويبحث فى الزوايا القائمة والأشكال المستقيمة والأضلاع ومساحات الأشكال والمضلعات المنتظمة والهندسة الفراغية.

والمؤلف (نصر الدين الطوسى) محمد بن محمد بن الحسن المتوفى 1274م فيلسوف وعالم بالأرصاد والرياضيات، ولد فى طوس وعاش فى بغداد، اشتهر بوصفه واحد من أهم علماء الرياضيات المسلمين بمراغة قبة ومرصدا عظيما وجعل فلكيين لرصد الكواكب وصنف كتب جليلة فى الفلك والرياضيات وله شعرا كثيرا بالفارسية.

- كتاب(القانون فى الطب) من أشهر الموسوعات الطبية فى التراث العربى ويحتوى على خمسة كتب ويبحث الأول فى تشريح الأعضاء وأسباب الأمراض ويبحث الثانى فى الأدوية المفردة وصفاتها ويبحث الثالث الأمراض الجزئية من الرأس إلى القدم ويبحث الرابع فى الأمراض التى لا تخص عضو معين ويبحث الخامس فى الأدوية المركبة والعلاجات.

المؤلف (الرئيس ابن سينا الحسين بن عبدالله أبوعلى) المتوفى سنة1037م من كبار الأطباء والفلاسفه فى القرن الخامس الهجرى ولد فى أفشنة قرب بخاره، أخذ عن أبقراط وجالينوس والرازى وحنين ابن إسحاق وعلى ابن ربن الطبرى وتوفى فى همزان.

- كتاب(عجائب المقدور فى أخبار تيمور) يتحدث فيه المؤلف عن الفتن التى جائت بظهور تيمور لنك وزحفه على بلاد المشرق العربى وذكر كل ما اقترفت يداه من سفك الدماء وتدمير البلدان، المؤلف (ابن عرب شاه أحمد بن محمد بن عبد الله) والمتوفى 1450م مؤرخ رحالة وله إشتغال بالأدب، ولد فى دمشق ونشأ بها ولما غزى تيمور لنك الديار الدمشقية تحول إلى سمرقند وساح سياحات بعيدة واتصل بالسلطان العثمانى محمد بن عثمان وعهد إلية بترجمة الكتب من العربية إلى الفارسية والتركية وله تصانيف فى التاريخ والفقه والأدب.

- كتاب (المقامات) عبارة عن مجموعة من شروح مقامات الحريرى وعدة نسخ من المقامات نفسه.

المؤلف (الحريرى القاسم بن على بن محمد البصرى) توفى 1022م وهو أحد أئمة عصره فى اللغة، وكتاب المقامات يدل على غزارة علمه، يشتمل على شئ كثير من كلام العرب من لغاتها وأمثالها وأسرار كلامها وقد شرح هذا الكتاب مستشرق فرنسى اسمه أنطوان إيزاك سلفستر.

- كتاب (إرشاد القاصد إلى أثنى المقاصد) هو واحد من أشهر المؤلفات العربية التى إهتمت بتصنيف العلوم، ركز مؤلفه على تفرعات العلوم وتشعباتها وارتباط كل علم بالأخر ومكانه من العلوم المتفرعة، مع إعطاء تعريفات لكل منها ويبين أسباب التفرعات ويربطها البعد الفلسفى ويقسم العلوم إلى مقصودة لذاتها أو مقصودة لغيره.

المؤلف (ابن ساعد السنجارى محمد بن إبراهيم) المعروف بابن الأكفانى توفى 1348م وهو طبيب باحث فى الطبيعيات والفلسفة، ولد فى سنجار ونشأ بها وسكن القاهرة وزاول صناعة الطب فيها وله تصانيف عديدة به.

- كتاب (الساق على الساق فيما هو الفارياق) يبرز غرائب اللغة ونوادرها فيدرج تحت جنس الغريب نوع المترادف والمتجانس، وقد ذكر منها أشهر ما تلزم معرفته وأهم ما تمس الحاجة إليه اضافة إلى خصائص كل حرف من حروف اللغة حين يركب مع حرف آخر فيضم الألفاظ معنى واحد مع تنوع الحرف الذى يليها كما يضم أصناف الآلات والأدوات وأصناف المأكول والمشروب والمفروش والمركوب والنثر والنظم والخطب والمقامات وهو أربعة كتب فى عشرين فصل.

المؤلف (الشدياق أحمد فارس بن يوسف منصور) توفى 1887م وهو عالم باللغة والأدب، ولد فى قرية عشقوت بلبنان من عائلة مارونية، رحل إلى مصر فتلقى الأدب من علمائها ورحل إلى مالطا، وتنقل فى أوروبا ثم سافر إلى تونس ثم سافر إلى الأسيتانه فأقام بها وأصدر جريدة الجوائب.

- كتاب (مقدمة ابن خلدون) هو مقدمة لكتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر فى تاريخ العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوى السلطان الأكبر، وضع فيها أسس علم الاجتماع كما وضع فيها قواعد كتابة التاريخ، فهو يرى أن التاريخ ليس سرد حوادث وإنما هو تحقيق وتعليل ونقد وتمحيص وتناول فيها فضل علم التاريخ وما يعرض لمؤرخين من الأغاليط والأوهام وذكر شئ من أسبابها وقد قسم هذه المقدمة إلى فصول وأشار فيه أيضا إلى جميع المعارف الإنسانية والصنائع والحضارت من عمران ولغة وعلوم نقلية وعقلية.

المؤلف (عبد الرحمن بن محمد بن خلدون الأشبيلى) توفى 1406م وهو مؤرخ وفيلسوف وعالم اجتماع، أصله من أشبيليه ومولده فى تونس، رحل إلى فاس وغرناطة وتلمسان ومصر وأكرمه السلطان برقوق وولاه قضاء المالكية، كان فصيحا صادق اللهجة وله مؤلفات كثيرة فى الأدب والتاريخ وعلم الإجتماع وله شعر.

- كتاب (مقدمة النيل السعيد وشرح أحواله وذكرعجائبه وغرائبه ومن أين يجئ وإلى أين ينتهى)

يتحدث عن النيل وفضله ومنبعه وعمقه وعرضه وطوله وما فيه من الحيوانات البحرية والمكان الذى يصب فيه وهو مقسم إلى مقدمة وفصلين، الفصل الأول فى بيان فضل النيل وما ورد فيه من الآيات والأحاديث، والفصل الثانى فى شأن المكان الذى يخرج أصل النيل منه، وفى المكان الذى يذهب فيه، وبيان سبب خضرته وفى المقايس التى جعلت عليه وقد أتبعه بفصول متعددة دون أن يذكر لها أرقام.

المؤلف (جلال الدين محمد بن أحمد بن محمد المحلى) توفى 1459م وهو أصولين مفسر، ولد وتوفى بالقاهرة كان يقول عن نفسه إن ذهنى لا يقبل الخطأ ولم يكن يقدر على الحفظ كان مهيبا صداعا بالحق، عرض عليه القضاء الأكبر فامتنع، اشتغل بالعلم وبرع فى فنونه فقها وكلاما وأصولا ونحوا ومنطقا وله فيها مؤلفات كثيرة.

- كتاب (مفحمات الأقران فى مبهمات القرآن) يتناول فيه تبيين ما جاء فى القرآن الكريم مبهما، لا يتضح المقصود منه فأورد أقوال المفسرين فى تبينه مثل غير المغضوب عليهم ولا الضالين.

المؤلف (الجلال السيوطى عبد الرحمن بن أبى بكر بن محمد) توفى 1505م إمام حافظ ومؤرخ وأديب، نشأ يتيما فى القاهرة ولما بلغ الأربعين اعتزل الناس وخلى بنفسه منزويا عن أصحابه جميعا وألف من الكتب الكثير والكثير وكان الأغنياء والأمراء يزورونه ويعرضون عليه الأموال والهدايا فيردها، وطلبه السلطان مرارا فلم يحضر إليه وأرسل إليه هدايا فردها وبقى على ذلك إلى أن توفى بين الكتب، وكان يلقب بإبن الكتب لأن أباه طلب من أمه أن تأتيه بكتاب ففاجأها المخاض فولدته بين الكتب، بلغت مؤلفاته أكثر من ستمائة مصنف بل قيل إنها آلاف المصنفات ما بين فقه وتفسير وحديث ولغة وطب وبلاغة وعلوم وقرآن وغير ذلك. هذا غيض من فيض وقطرة من محيط مما يحتوى مركز جمعة الماجد للتراث وسوف نولى التحقيقات من هذا المركز الثقافى العريق الذى يحمل مشعل الثقافة لينير للأمة مستقبلها من ومضات ماضيها، ورايات العز تحيى رجل الأعمال السيد جمعة الماجد على تحرره من قيد النقود  وتملكها له ليملكها بالعلم والثقافة للمساهمة فى إحياء التراث الأصيل للشعب العريق.

لجنة تحقيق التراث

من تراث الأستاذ الشيخ عبدالمحمود الحفيان (طابت)

نقدم اليوم للقارئ بعض التراث في عجالة سرعة نود أن تترى من بحر علم الأستاذ العارف الشيخ الحفيان رضي الله عنه ويلاحظ أنه كما قال فضيلة الشيخ عبد الجبار المبارك قد اطال النفس في نظراته التي لم تخضع لخطة منهجية محدودة تحكم صفحات فصولها ومباحثها ، وإنما جاءت مادة النظرات تنثال إنثيالا في سيرورة واطراد يشي بأن المنهجية التي حكمت الشيخ العارف وهو يدون تلك النظرات ليست هي المنهجيات المدرسية المعروفة في مضمار البحث والنظر وإنما هو وارد الوقت من علم المواهب والفتوح الرباني الذي نتج عن عن فتح مكنون العلم في الافق الأعلى والدرجة الأرفع من درج العلم (الوصول والاتصال) يقوم على موروث متين من علم الأصول عقيدة وشريعة .

ولاجرم فقد كان الشيخ العارف المؤلف من أعلام الفقهاء أصولا وفروعا،  وله في فقه الدين إسلاما وإيمانا وإحسانا نسب عريق ويد طولى فهو رضي الله عنه فقيه مرشد بن فقيه مرشد إلى عشرة اجداد كانوا على العلم والتقى ومن فوقهم كانوا على العدل والملك ومن تراث الأستاذ نقدم فصلا من موسوعته عن البيئة والسماع.

درج المسلمون على عقد مجالس متنوعة
للسماع وهي ستة أنواع:

الأول: مجلس سماع يختص بالقرآن الكريم تلاوة ودراسة ولهذا السماع آداب وضوابط وأحكام وقال صلى الله عليه وسلم (حسنوا القرآن بأصواتكم وحسنوا أصواتكم بالقرآن ) وترتقي متى اتجهت النية فيه إلى الله تبارك وتعالى إلى درجة العبادة وهو سماع يرفع درجة صاحبه في الجنة.

الثاني: مجلس سماع يختص بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تجملا وآداء من خلال الدراية والرواية ولهذا السماع شروطه وآدابه وأحكامه وقد عني علماء الحديث بهذا النوع من السماع وكان أبو إسحاق الموصلي يعزف على العود قترة من الزمن قبل أن يبدأ حديثه وهو من كبار المحدثين وهذا المجلس ينضر الوجه ويملأ القلب نورا،

الثالث: مجلس سماع في الفقه لأحكام الشريعة الإسلامية كفقه العبادات من صوم وصلاة وغيرهما وفقه المعاملات من زواج وميراث وغيرهما مما يجلب الخير لأصحاب المجلس ويعلي درجتهم وكان الشافعي وهو من كبار فقهاء تلك المجالس من أساطين العزف على العود.

 الرابع: مجلس يذكر فيه إسم الله بمأثور الأذكار في فاضل الأوقات سرا وعلانية وعلى هيآت مختلفة وصفها القرآن الكريم قياما وقعودا وعلى جنوبهم، ولمجلس الذكر من الشروط والآداب ما إذا تحققت أثمرت حالا سنيا وسمتا كريما من استقامة في السلوك وكرم في الأخلاق ودائما يصحب الذكر المديح بصوت يشجع الذاكر ويحفزه ويفتح الباب لروحه للإنطلاق في عالم الحقائق وقد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم مادحا خاصا وهوسيدنا حسان بن ثابت رضي الله عنه.

 الخامس: مجلس سماع يختص بالرقائق وما يروح عن النفس ويبعث فيها نبيل المشاعر مايكون أثره وعائده محمودا ونافعا على السامع وما حوله من مجتمع، وقد يتنوع المسموع في هذا المجلس بين نظم موزون ونثر ذو شجون رفيع الدلالة على الإشارة عفيف المرمى، وربما صحب الصوت الحسن شئ من النغم والإيقاع من الإنسان أو من آلة مصاحبة من دف وطبل وكوبة ويراعات أومعازف على اختلاف أنواعها وأصواتها، ومقصد غالب أهل هذا المجلس مداواة القلوب من داء الإعياء والملل والكلل مما يسري عن النفس دون الفاظ تهيج الشهوات وألفاظ تبيح المحرمات.

السادس: مجلس سماع بغرض اللهو وقتل الفراغ لايلتفت فيه أصحابه إلى أدب أوحكم شرعي ويكون مقصد غالب أهل هذا المجلس من صغار السن أوصغار العقل اتباع الشهوات وإشباع الغرائز الهابطة وفي هذا الصنف يغيب الشرع والعقل مع.

القول بإباحة السماع ( الغناء بصوت المرأة وضرب الدف )

1- حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا شعبة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن أبا بكر دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم عندها يوم فطر أو أضحى وعندها جاريتان تضربان بدفين فانتهرهما أبو بكر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم -:دعنا يا أبا بكر إن لكل قوم عيد وأن عيدنا هذا اليوم.

2- حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ يَعْقُوبَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا زَفَّتْ امْرَأَةً إِلَى رَجُلٍ مِنْ الأنْصَارِ فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا عَائِشَةُ مَا كَانَ مَعَكُمْ لَهْوٌ فَإِنَّ الأنْصَارَ يُعْجِبُهُمْ اللَّهْوُ.

الشرح: قوله (إنها زفت امرأة إلى رجل من الأنصار) الفارعة بنت أسعد بن زرارة، وأن اسم زوجها نبيط بن جابر الأنصاري، قوله (ما كان معكم لهو) في رواية شريك فقال: فهل بعثتم معها جارية تضرب بالدف وتغني؟ قلت: تقول ماذا؟ قال تقول: أتيناكم أتيناكم فحيانا وحياكم ولولا الذهب الأحمر ما حلت بواديكم ولولا الحنطة السمراء ما سمنت عذاريكم قوله (فإن الأنصار يعجبهم اللهو) في حديث ابن عباس وجابر (قوم فيهم غزل) وفي حديث جابر عند المحاملي (أدركيها يا زينب، امرأة كانت تغني بالمدينة، ويستفاد منه تسمية المغنية الثانية في القصة التي وقعت في حديث عائشة الماضي في العيدين حيث جاء فيه ز دخل عليها وعندها جاريتان تغنيان ) وكنت ذكرت هناك أن اسم إحداهما حمامة كما ذكره ابن أبي الدنيا في (كتاب العيدين) له بإسناد حسن، وأني لم أقف على اسم الأخرى، وقد جوزت الآن أن تكون هي زينب هذه، وفي استقبال النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة غنت البنات مع الدفوف طلع البدر علينا وكذلك نساء بني النجار ضربن الدفوف وغنين ( نحن جواري من بني النجار ياحبذا بمحمد من جار) وقال لهم النبي ( إن قلبي يحبكن ).

3- وأخرج النسائي من طريق عامر بن سعد عن قرظة بن كعب وأبي مسعود الأنصاريين قال (أنه رخص لنا في اللهو عند العرس) الحديث وصححه الحاكم، وللطبراني من حديث السائب بن يزيد عن النبي صلى الله عليه وسلم (وقيل له أترخص في هذا؟ قال: نعم، إنه نكاح لا سفاح، أشيدوا النكاح) وفي حديث عبد الله بن الزبير عند أحمد وصححه ابن حبان والحاكم (أعلنوا النكاح) زاد الترمذي وابن ماجه من حديث عائشة (واضربوا عليه بالدف)، ولأحمد والترمذي والنسائي من حديث محمد بن حاطب (فصل ما بين الحلال والحرام الضرب بالدف)،

4- حدثنا حُمَيْدُ بنُ مَسْعَدَةَ الْبَصْرِيّ حدثنا بِشْرُ بنُ المُفَضّلِ. حدثنا خَالِدُ بنُ ذَكْوَانَ، عنِ الرّبَيّعِ بِنْتِ مُعَوّذٍ قالَتْ: جَاءَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فَدَخَلَ عَلَيّ غَدَاةَ بنيَ بِي. فَجَلَسَ عَلَى فِراشِي كَمَجْلِسِكَ مِنّي، وَجُوَيْرِيَاتٌ لَنَا يَضْرِ بْنَ بِدُفُوِ فِهِنّ وَيَنْدُبْنَ مَنْ قُتِلَ مِنْ آبائِي يَوْمَ بَدْرٍ. إلَى أَنْ قالَتْ إِحْدَاهُن(:وَفِينَا نَبيّ يَعْلَمُ مَا فِي غَد) فقَالَ لهَا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أُسْكُتِي عَنْ هذِهِ، وَقُولِي الذي كُنْتِ تَقُولِينَ قَبْلَهَا)،

5- حدثني علي بن عيسى بن إبراهيم، عن أحمد بن نجدة، عن يحيى بن عبد الحميد، عن إسرائيل، عن عثمان بن أبي زرعة، عن عامر بن سعد البجلي قال: دخلت على: قرظة بن كعب، وأبي مسعود، وزيد بن ثابت، فإذا عندهم جواري يغنين، فقلت لهم: أتفعلون هذا، وأنتم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم؟!

فقالوا: إن كنت تسمع، وإلا فامض، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رخص لنا في اللهو في العرس، وفي البكاء عند الميت.

6- حدثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ. حدثنا يَزِيدُ بنُ هَارُونَ. أخبرنا عيسَى بنُ مَيْمُونٍ الأنصاري عنِ الْقَاسِمِ بنِ مُحَمّد، عنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: (أَعْلِنُوا هذَا النّكَاحَ واجْعَلُوهُ في المَسَاجِدِ، واضْرِبُوا عَليْهِ بِالدّفُوفِ).

7- حَدَّثَنَا نصر بن علي الجهضمي والخليل بن عمرو. قالا: حَدَّثَنَا عيسى بن يونس، عن خالد بن إلياس، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن القاسم، عن عائشة، عن النَّبِيّ صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم قَال:(أعلنوا هذا النكاح، واضربوا عليه بالغربال).

الفقهاء والغناء والآلات

المذهب الحنفي: كتاب إيضاح الدلالات في سماع الآلات للعلامة عبد الغني النابلسي قال حكى بن قتيبة عن الإمام أبو حنيفة النعمان رضي الله عنه أنه كان له جار يغني كل ليلة ويقول

أضاعوني وأي فتى أضاعوا            ليوم كريهة وسداد ثغر

وكان أبو حنيفة رضي الله عنه يستمع إليه فافتقده ذات ليلة فقيل له أخذوه للسجن، فذهب أبو حنيفة للأمير وشفع له وأخرجه من السجن وقال له هل أضعناك يافتى؟ قال لا بل حفظت.

المذهب المالكي: أورد الإمام بن عبد البر في كتاب التمهيد قال بن القاسم قال الإمام مالك إن اللهو الخفيف والدف والكبر فأراه خفيفا (ليس بمحرم) وكذلك في حاشية العدوي على مختصر الخليل الغربال والدف الضرب بهما لايكره للنساء وهو للرجال مشهور كما ان القرطبي أورد أن الإمام مالك رضي الله عنه كان لايرى بالغناء بأس.

المذهب الشافعي: أما الشافعي رضي الله عنه فقد سأله يونس بن عبد الأعلى عن غباحة أهل المدينة للسماع فقال لاأعلمن علماء الحجاز من كره السماع إلا ماكان منه واصفا أوكاشفا لعورات النساء فأما الحداء وذكر الأطلال والمرابع وتحسين الصوت بالألحان والأشعار فلا بأس به

المذهب الحنبلي: قال الإمام أحمد رضي الله عنه عن الغناء ( لايعجبني) وهو ليس تحريم على الإطلاق وعلماء المذهب الحنبلي كما قال بن قدامة ان ابي بكر الخلال وابي بكر بن عبد العزيز إتفقا على إباحة الغناء مالم يكن بحرام.

علماء الحديث والسماع

الإمام البخاري: الذي ترجم في صحيحه باب سنة العيدين لأهل الإسلام حيث جعل الغناء يوم العيدين من السنن المؤكدة مكا فعل ذلك وقاله رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الإمام مسلم: الذي ترجم لذلك بباب الرخصة في اللعب الذي لامعصية فيه في أيام العيد وعدد من تلك السنن غناء الجاريتين في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الإمام إبراهيم الزهري:وهو أحد شيوخ الشافعية وهو من كبار المحدثين وحدث عنه البخاري والليث بن سعد وشعبة بن الحجاج وهو من القائلين بإباحة السماع وقال أن الأحاديث الوادة في تحريم السماع لاترتقي بأن تكون قطعية الدلالة بل دلالاتها ظنية.

المنهال بن عمرو الأسدي الكوفي: قال شعبة بن الحجاج أتيت منزل المنهال فسمعت منه صوت الطنبور فرجعت ولم أسأله، وعاب على الحجاج هذه القولة الحافظ الذهبي والحافظ العسقلاني وقالوا أن المنهال من كبار التابعين وثقة المحدثين وكان حسن الصوت وله لحن يسمى السبعة يأذن لبنائه بضرب الطمبور.

الحافظ البيهقي: وقد ترجم في السنن الكبرى ( باب مالاينهى عنه من اللعب وذكر من الأحاديث في الباب ما يدل على جواز السماع والآلات والمغنيات.)

كما أن الحافظ بن عيينة والحاكم صاحب المسترك على الصحيحين والحافظ بن إياس بن معاوية والحافظ بن الجوزي عندما نقل عن الحافظ النيسابوري أنه كان يستمع من فزارة وهي إحدى المغنيات في عصره كل هؤلاء من المحدثين أوردوا وأقروا بـأحاديث السماع كما نقل العلامة النابلسي في كتاب الدلالات قال قدم بن جامع مكة بمال كثير فقال سفيان بن عيينة لأصحابه علام يعطي بن جامع هذه الأموال ؟ قالوا على الغناء قال مايقول  قالوا:

أطوف بالبيت مع من يطوف         وارفع من مئزري المسبــل

وأسجد بالليل حتى الـصباح          وأتلو من المحكم المـــنزل

 قال سفيان أحسن وأصلـح ثم ماذا أيضا فقالوا:

عسى فارج الهـم عن يوسف         يسخر لي ربـة المحــمل

فقال أفسد الخبيث ما أصلح ودلالة ذلك من سفيان بن عيينة رضي الله عنه أنه أجاز الغناء العف من الزهديات والرقائق وما يدعو إلى تهذيب النفس والعمل الصالح وهو سماع الصوفية.

رضي الله تبارك وتعالى عن الأستاذ الحفيان وعن سليل الأسرة الشيخ عبد الجبار المبارك الذي اهتم بتراث الأستاذ فاستفاد وأفاد ويرضى اللهم عن شيخنا الشيخ الجيلي شيخ طابت التي به وأجداده طابت فاستطابت.

بحث وتحقيق
هادية الشلالي