سيدنا زيد بن حارثة وابنه أسامة��� رضي الله عنهما

 

سيدنا زيد بن حارثة وابنه أسامة
رضي الله عنهما

ابن شراحيل أو شرحبيل بن كعب بن عبد العزى بن يزيد بن امرئ القيس بن عامر بن النعمان، الأمير، الشهيد، أبو أسامة الكلبى، ثم المحمدى، سيد الموالى، وأسبقهم إلى الإسلام، وحِب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما أحب صلى الله عليه وسلم إلا طيبا، المسمى فى سورة الأحزاب ولم يسم الله تعالى فى كتابه صحابيا باسمه إلا هو، إنه الصحابى الجليل سيدنا زيد بن حارثة

عن أسامة بن زيد عن أبيه قال: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما حارا من أيام مكة، وهو مردفى إلى نصب من الأنصاب، وقد ذبحنا له شاة، فأنضجناها، فلقينا زيد بن عمرو بن نفيل فقال النبى صلى الله عليه وسلم: يا زيد! ما لى أرى قومك قد شنفوا لك قال: والله يا محمد إن ذلك لغير نائلة لى فيهم، ولكننى خرجت أبتغى هذا الدين، حتى قدمت على أحبار فدك فوجدتهم يعبدون الله ويشركون به، فقدمت على أحبار خيبر فوجدتهم كذلك، فقدمت على أحبار الشام فوجدتهم كذلك، فقلت: ما هذا بالدين الذى أبتغى، فقال شيخ منهم: إنك لتسأل عن دين ما نعلم أحدا يعبد الله به إلا شيخ بالحيرة، فخرجت حتى أقدم عليه، فلما رآنى قال: ممن أنت قلت: من أهل (بيت الله) قال: إن الذى تطلبه قد ظهر ببلادك، قد بُعث نبى طلع نجمه، وجميع من رأيتهم فى ضلال، قال: فلم أحس بشئ، ثم قال: فقرّبت إليه السفرة، فقال: ما هذا قلت: شاة ذبحناها لنصب فقال صلى الله عليه وسلم: فإنى لا آكل مما لم يذكر اسم الله عليه، وتفرقنا.

فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت، فطاف به، وأنا معه، وبالصفا والمروة، وكان عندهما صنمان من نحاس: إساف ونائلة وكان المشركون إذا طافوا تمسحوا بهما، فقال النبى: لا تمسحهما، فإنهما رجس فقلت فى نفسى: لأمسهما حتى أنظر ما يقول، فمسستهما، فقال: يا زيد! ألم تنه

قال: ومات زيد بن عمرو، وأنزل على النبى صلى الله عليه وسلم فقال النبى صلى الله عليه وسلم لزيد: إنه يبعث أمة وحده.

وعن الحسن بن أسامة بن زيد، قال: كان النبى صلى الله عليه وسلم أكبر من زيد بعشر سنين وكان قصيرا، شديد الأدمة، أفطس، وجاء من وجه آخر: أنه كان شديد البياض، وكان ابنه أسامة أسود، ولذلك أعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول مجزز، حيث يقول: إن هذه الأقدام بعضها من بعض، وكان جبلة بن حارثة فى الحى، فقالوا له: أنت أكبر أم زيد قال: زيد أكبر منى، وأنا ولدت قبله، وسأخبركم.. إن أمنا كانت من طيئ، فماتت، فبقينا فى حجر جدنا، فقال عماى لجدنا: نحن أحق بابنى أخينا، فقال: خذا جبلة، ودعا زيدا، فأخذانى، فانطلقا بى، فجاءت خيل من تهامة، فأخذت زيدا، فلما أبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة غلاما ذا ذؤابة، وقد أوقفه قومه بالبطحاء للبيع، فأتى خديجة وأخبرها عنه، فقالت: كم ثمنه قال: سبعمائة، قالت: خذ سبعمائة، فاشتراه وجاء به إليها، فقال صلى الله عليه وسلم: أما إنه لو كان لى لأعتقته، فقالت رضى الله عنها: فهو لك، فأعتقه صلى الله عليه وسلم.

وعن سليمان بن يسار وغيره، قالوا: أول من أسلم زيد بن حارثة، وعن موسى بن عقبة عن سالم عن أبيه قال: ما كنا ندعو زيد بن حارثة إلا زيد بن محمد، فنزلت ﴿ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله﴾.

وعن أبى عمرو الشيبانى، قال: أخبرنى جبلة بن حارثة، قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله! ابعث معى أخى زيدا، قال: هو ذا، فإن انطلق لم أمنعه، فقال زيد: لا والله لا أختار عليك أحدا أبدا، قال: فرأيت رأى أخى أفضل من رأيى، وقال سلمة بن الأكوع: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وغزوت مع زيد بن حارثة، كان يؤمره علينا، وخرج زيد بن حارثة أميرا سبع سرايا.

وعن محمد بن أسامة عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد بن حارثة: (يا زيد! أنت مولاى ومنى وإلىّ وأحب القوم إلىّ). وعن سالم عن أبيه: فذكر نحوه وفيه: وإن كان أبوه لخليقا للإمارة وإن كان لأحب الناس كلهم إلىّ، إلى أن قال سالم: ما سمعت أبى يحدث بهذا الحديث قط إلا قال: والله ما حاشا فاطمة.

وعن السيدة عائشة رضى الله عنها قالت: أتانا زيد بن حارثة فقام إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم يجر ثوبه، فقبّل وجهه وكانت أم قرفة جهزت أربعين راكبا من ولدها، وولد ولدها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقاتلوه، فأرسل صلى الله عليه وسلم إليهم زيدا، فقتلهم وقتلها، وأرسل بدرعها إلى النبى صلى الله عليه وسلم فنصبه بالمدينة بين رمحين.

وعن السيدة عائشة رضى الله عنها قالت: لو أن زيدا كان حيا لاستخلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وعن السيدة عائشة رضى الله عنها قالت: ما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيدا فى جيش قط إلا أمره عليهم ولو بقى بعده استخلفه.

وفاته رضى الله عنه

قال الواقدى: عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد على الناس فى غزوة مؤتة، وقدمّه على الأمراء، فلما التقى الجمعان، كان الأمراء يقاتلون على أرجلهم، فأخذ زيد اللواء، فقاتل وقاتل معه الناس حتى قتل طعنا بالرماح رضى الله عنه.

قيل: فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم -أى دعا له- وقال: استغفروا لأخيكم قد دخل الجنة وهو يسعى.

وكانت مؤتة فى جمادى الأولى سنة ثمان وهو ابن خمس وخمسين سنة.

وعن أبى إسحاق عن أبى ميسرة قال: لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل زيد وجعفر وابن رواحة، قام صلى الله عليه وسلم فذكر شأنهم، فبدأ بزيد، فقال: اللهم اغفر لزيد (ثلاثا) اللهم اغفر لجعفر وعبد الله بن رواحة.

وعن حماد بن زيد عن خالد بن سلمة المخزومى قال: لما جاء مصاب زيد وأصحابه، أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم منزله بعد ذلك، فلقيته بنت زيد، فأجهشت بالبكاء وجهه فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم بكى حتى انتحب، فقيل: ما هذا يا رسول الله قال: شوق الحبيب إلى الحبيب.

وعن ابن بريدة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: دخلت الجنة فاستقبلتنى جارية شابة، فقلت: لمن أنت قالت: أنا لزيد بن حارثة.

أسامة بن زيد

أسامة بن زيد بن حارثة بن شراحيل بن عبد العزى بن امرئ القيس، المولى، الأمير، الكبير، حِب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومولاه، وابن مولاه، استعمله النبى صلى الله عليه وسلم على جيش لغزو الشام، وفى الجيش سيدنا عمر بن الخطاب والكبار من الصحابة. قيل إنه شهد يوم مؤتة مع والده، وقد سكن المزة مدة ثم رجع إلى المدينة، فمات بها، وابناه حسن ومحمد، وثبت عن أسامة أنه قال: كان النبى صلى الله عليه وسلم يأخذنى والحسن، فيقول: اللهم إنى أحبهما فأحبهما، قلت: هو كان أكبر من الحسن بأزيد من عشر سنين وكان شديد السواد، خفيف الروح، شاطرا، شجاعا، رباه النبى صلى الله عليه وسلم وأحبه كثيرا، وهو ابن حاضنة النبى صلى الله عليه وسلم (أم أيمن).

وأخبر أسامة بن زيد: أن عليا قال: يا رسول الله، أى أهلك أحب إليك قال: فاطمة، قال: إنما أسألك عن الرجال قال: مَن أنعم الله عليه وأنعمت عليه (أسامة بن زيد) قال: ثم مَن قال: ثم أنت.

وعن السيدة عائشة رضى الله عنها قالت: ما ينبغى لأحد أن يبغض أسامة بعد ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من كان يحب الله ورسوله فليحب أسامة).

وقالت أيضا رضى الله عنها فى شأن المخزومية التى سرقت... فقالوا: من يجترئ على رسول الله يكلمه فيها إلا أسامة حِب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أحب الناس إلىّ أسامة ما حاشا فاطمة ولا غيرها).

قال زيد بن أسلم عن أبيه قال: فرض عمر لأسامة ثلاثة آلاف وخمسمائة وفرض لابنه عبد الله ثلاثة آلاف فقال عبد الله: لم فضلته علىّ، فوالله ما سبقنى إلى مشهد قال: لأن أباه كان أحب إلى رسول الله من أبيك، وهو أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك، فآثرت حِب رسول الله على حِبى. قال ابن عمر: أمّر رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة، فطعنوا فى إمارته؛ فقال: إن يطعنوا فى إمارته فقد طعنوا فى إمارة أبيه، وأيم الله إن كان لخليقا للإمارة، وإن كان لمن أحب الناس إلىّ وإن ابنه هذا لمن أحب الناس إلىّ بعده. قلت لما أمره النبى صلى الله عليه وسلم على ذلك الجيش كان عمره ثمانى عشرة سنة، وأن النبى صلى الله عليه وسلم أخر الإفاضة من عرفة من أجل أسامة ينتظره، فجاء غلام أسود أفطس، فقال أهل اليمن: إنما جلسنا لهذا!! فلذلك ارتدوا، أى أيام الردة.

وقال وكيع: سلم من الفتنة من المعروفين: سعد وابن عمر وأسامة بن زيد ومحمد بن مسلمة، قلت: انتفع أسامة من يوم النبى صلى الله عليه وسلم إذ يقول له: كيف بلا إله إلا الله يا أسامة فكف يده ولزم منزله فأحسن.

وعن السيدة عائشة رضى الله عنها قالت: أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمسح مخاط أسامة فقلت: دعنى حتى أكون أنا التى أفعل، فقال: يا عائشة أحبيه فإنى أحبه، وأمرنى رسول الله أن أغسل وجه أسامة وهو صبى، قالت: وما ولدت ولا أعرف كيف يغسل الصبيان، فآخذه فأغسله غسلا ليس بذاك، قالت: فأخذه صلى الله عليه وسلم فجعل يغسل وجهه ويقول: لقد أحسن بنا أسامة إذ لم يكن جارية، ولو كنت جارية لحليتك وأعطيتك.

وعن السيدة عائشة رضى الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو كان أسامة جارية لكسوته وحليته حتى أنفقه ومن غير وجه).

وعن عمر: أنه لم يلق أسامة قط إلا قال: السلام عليك أيها الأمير ورحمة الله! توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت علىّ أمير.

وعن عبيد الله بن عبد الله قال: رأيت أسامة بن زيد مضطجعا عند باب حجرة عائشة، رافعا عقيرته، يتغنى، ورأيته يصلى عند قبر النبى صلى الله عليه وسلم فمر به مروان، فقال: أتصلى عند قبر! وقال له قولا قبيحا، فقال: يا مروان، إنك فاحش متفحش، وإنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله يبغض الفاحش المتفحش).

وقال قيس بن أبى حازم: إن رسول الله حين بلغه أن الراية صارت إلى خالد، قال: فهلا إلى رجل قتل أبوه، يعنى أسامة.

وعن أبى بكر بن عبد الله بن أبى جهم قال: دخلت على فاطمة بنت قيس وقد طلقها زوجها، فلما حلت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل ذكرك أحد قالت: نعم، معاوية وأبو الجهم، فقال صلى الله عليه وسلم: أما أبو الجهم فشديد الخلق، وأما معاوية فصعلوك لا مال له، ولكن أنكحك أسامة فقلت: أسامة! -تهاونا بأمر أسامة- ثم قلت: سمعا وطاعة لله ولرسوله، فزوجنيه، فكرمنى الله بأبى زيد، وشرفنى الله، ورفعنى به. وقال سيدنا أبو بكر رضى الله عنه: والله لأن تتخطفنى الطير أحب إلى من أن أبدأ بشئ قبل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث أسامة، واستأذنه فى عمر أن يتركه عنده، قال: فلما بلغوا الشام، أصابتهم ضبابة شديدة، فسترتهم حتى أغاروا وأصابوا حاجتهم، فقدم على هرقل موت النبى صلى الله عليه وسلم وإغارة أسامة على أرضه فى آن واحد، فقالت الروم: ما بال هؤلاء يموت صاحبهم وأغاروا على أرضنا.

وعن محمد بن أسامة عن أبيه قال: لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم هبطت وهبط الناس المدينة، فدخلت عليه، وقد صمت فلا يتكلم، فجعل يضع يديه على ثم يرفعهما؛ فأعرف أنه يدعو لى.

وعن السيدة عائشة رضى الله عنها قالت: إن أسامة عَثر بأسكفة الباب، فشج فى جبهته، فجعل النبى صلى الله عليه وسلم يمصه ثم يمجه، ويقول: (لو كان أسامة جارية لكسوته وحليته حتى أنفقه).

وعن شريك عن أبى إسحاق عن جبلة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لم يغز أعطى سلاحه عليا أو أسامة.

وعن معمر عن الزهرى قال: لقى على أسامة بن زيد، فقال: ما كنا نعدك إلا من أنفسنا يا أسامة، فلم لا تدخل معنا قال: يا أبا حسن إنك والله لو أخذت بمشفر الأسد، لأخذت بمشفره الآخر معك، حتى نهلك جميعا أو نحيا جميعا؛ فأما هذا الأمر الذى أنت فيه، فوالله لا أدخل فيه أبدا.

وحدثنا محمد بن أسامة عن أبيه عن جده أسامة بن زيد، قال: أدركت رجلا -أنا ورجل من الأنصار- فلما شهرنا عليه السيف، قال: لا إله إلا الله فلم ننزع عنه، حتى قتلناه فلما قدمنا على النبى صلى الله عليه وسلم أخبرناه خبره، فقال صلى الله عليه وسلم: يا أسامة! من لك بلا إله إلا الله فقلنا: يا رسول الله، إنما قالها تعوذا من القتل، فقال صلى الله عليه وسلم: من لك يا أسامة بلا إله إلا الله فما زال يرددها، حتى وددت أن ما مضى من إسلامى لم يكن، وأنى أسلمت يومئذ ولم أقتله، فقلت: إنى أعطى الله عهدا ألا أقتل رجلا يقول: لا إله إلا الله أبدا، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: بعدى يا أسامة قال: بعدك. وعن عمر بن الحكم بن ثوبان أن مولى قدامة بن مظعون حدثه أن مولى أسامة قال: كان أسامة يركب إلى مال له بوادى القرى فيصوم الاثنين والخميس فى الطريق، فقلت له: تصوم الاثنين والخميس فى السفر وقد كبرت وضعفت، أو رققت! فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم الاثنين والخميس، وقال إن أعمال الناس تعرض يوم الاثنين والخميس. قال الزهرى مات أسامة بالجرف، وعن المقبرى قال: شهدت جنازة أسامة فقال ابن عمر: عجلوا بحِب رسول الله قبل أن تطلع الشمس، قال ابن سعد: مات فى آخر خلافة معاوية.