الكلام فى الطب والرقى

زيارة الروضة النبوية الشريفة والدعاء فيها

قل الله ثم ذرهم
فى خوضهم يلعبون

الكلام فى الطب والرقى

كره بعض الناس الرقى والتداوى وأجازه عامة العلماء، فأما من كره ذلك فاحتج بما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال (يدخل من أمتى الجنة سبعون ألفا بغير حساب، فقام عكاشة بن محصن فقال يا رسول الله ادع الله لى أن يجعلنى منهم، فدعا له، فقام رجل آخر فقال ادع الله لى أيضا، فقال النبى صلى الله عليه وسلم سبقك بها عكاشة) وقيل كان الرجل الثانى منافقا فلذلك لم يدع له، لأن النبى صلى الله عليه وسلم أجلّ من أن يمتنع من الدعاء لمؤمن، فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المنزل فقالوا فيما بينهم من الذين يدخلون الجنة بغير حساب فقال بعضهم هم الذين ولدوا فى الإسلام وماتوا على ذلك ولم يذنبوا، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوه عن ذلك فقال (هم الذين لا يكتوون ولا يرقون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون).

وروى عن عمران بن حصين أنه قال: كنت أرى نورا وأسمع كلام الملائكة حتى اكتويت فانقطع ذلك عنى، وروى الأعمش عن أبى ظبان عن حذيفة بن اليمان أنه دخل على رجل يعوده فوضع يده على عضيده فإذا خيط، فقال له ما هذا فقال رقى لى فيه، فأخذه وقطعه وقال: لو متّ ما صليت عليك.

وعن سعيد بن جبير قال: لدغتنى عقرب على يدى فأقسمت على أمى أن استرقى، فأعطيت الراقى يدى التى لم تلدغ.

وعن زينب امرأة عبد الله قالت: جاء عبد الله ذات يوم فرأى فى عنقى خيطا، فقال ما هذا الخيط فقلت رقى لى فيه، فأخذه وقطعه ثم قال: إن آل عبد الله لأغنياء عن الشرك.

وقال الحسن البصرى: يرحم الله أقواما لا يعرفون الهليلج ولا البليلج لأن ذلك ظن يظن به ولا يعرف الشفاء فى ماذا يكون، ألا ترى إلى ما روى عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه قال: لا تحرموا المريض عما يشتهى فلعل الله يجعل شفاءه فى بعض ما يشتهى.

وأما من أباح ذلك فاحتج بما روى عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه قال: إن الله تعالى لم ينزل داء إلا وقد أنزل له دواء إلا السأم والهرم، فعليكم بألبان البقر فإنها تخلط من كل شجرة، وفى خبر آخر: فإنها ترعى من كل شجرة.

وروى سفيان بن عينيه عن زياد بن علاقة عن أسامة بن شريك قال: شهدت النبى صلى الله عليه وسلم بمكة والأعراب يسألونه هل علينا جناح أن نتداوى فقال صلى الله عليه وسلم (تداووا عباد الله فإن الله لم يخلق داء إلا وضع له شفاء).

وعن الحجاج بن أرطاة أنه سأل عطاء عن التعويذ فقال: ما سمعنا بكراهيته إلا من قبلكم يا معشر أهل العراق، ولأن قوام العبادة بالبدن فكما وجب علينا أن نتعلم الأحكام لتصحيح العبادة فكذلك علم الطب والتداوى الذى فيه إصلاح البدن فلا بأس بأن نتعلمه أو نعمل به لنصحح به إقامة العبادة، ولأن القول فى الأحكام جائزاً بأكثر الرأى إن لم يعرف بالنص واليقين، فكذلك القول فى الطب إذا كان يعرف بالرأى والتجارب فيجوز استعماله إذ ليس هذا بأجل من علم الأحكام.

وأما الأخبار التى وردت فى النهى فإنها منسوخة ألا ترى إلى ما روى جابر رضي الله تعالى عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن الرقى وكان عند آل عمرو بن حزم رقية يرقون بها من العقرب، فأتوا النبى صلى الله عليه وسلم وعرضوا عليه وقالوا إنك نهيت عن الرقى فقال (ما أرى بها بأسا من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل).

ويحتمل أن للنهى عن الذى يرى العافية فى الدواء، وأما إذا عرف أن العافية من الله تعالى والدواء سبب فلا بأس به.

وقد جاءت الآثار فى الإباحة ألا ترى أن النبى صلى الله عليه وسلم لما جرح يوم أحد داوى جرحه بعظم قد بلى.وروى أنه صلى الله عليه وسلم كان يرقى بالمعوّذتين. والآثار فيه أكثر من أن تحصى.

إبراهيم محمد رضوان

زيارة الروضة النبوية الشريفة والدعاء فيها

من عجيب العجاب لأهل هذا العصر أن البعض لا يقر زيارة الروضة النبوية الشريفة والأدهى والأمر أن البعض الأخر يعتبرها وثنية، فلو أن فى قلوبهم ذرة محبة لما طاوعنهم ألسنتهم بهذا القول لأن الملائكة مع عظم مكانتها تزوره صلى الله عليه وآله وسلم كوكبة تلو الأخرى، فقد روى الدرامى فى مسنده حدثنا عبد الله بن صالح حدثنى الليث خالد بن يزيد عن سعيد بن أبى هلال عن نبيه بن وهب أن كعبا دخل على السيدة عائشة رضى الله عنها فذكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال كعب: (ما من يوم يطلع إلا نزل سبعون ألفا من الملائكة حتى يحفوا بقبر النبى صلى الله عليه وسلم حتى إذا أمسوا عرجوا وهبط مثلهم فصنعوا مثل ذلك حتى إذا انشقت عنه الأرض خرج فى سبعين ألفا من الملائكة يزفونه) الجزء الأول من مسند الدارمى.

والإمام مالك رحمة الله قال لأبى جعفر المنصورى أثناء زيارته للروضة الشريفة: (إن حرمته ميتا كحرمته حيا) وقد قرر العلماء فى تفسير قول الإمام مالك رحمة الله: أنه يكره للرجل أن يقول زرنا قبر النبى صلى الله عليه وآله وسلم لأنه إنما يزور من يسمعه ويراه ويحس به ويعرف ويرد عليه، فالقضية ليست قضية قبر بل هى أكبر من ذلك وأجل وارفع من أن ينظر إليها من الزاوية القبورية، وإذا نظرنا على القبر فقط دون النظر إلى ما فيه وجدنا الأرواح الطاهرة التى تحف به من كل جانب ووجدنا جسرا ملائكيا متصلا ممتدا من الملأ الأعلى إلى قبر سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم مواكب متصلة لا تنقطع أعدادها وأمدادها لا يحصيها إلا الحق جل جلاله.

وقد روى سيدنا عبد الله بن عمر رضى الله عنهما أحاديث عدة منها:

صلى الله عليه وآله وسلم (من زار قبرى وجبت له شفاعتى) رواه البزار.

قال صلى الله عليه وآله وسلم (من جائنى زائرا لا يعلم له حاجة إلا زيارتى كان حقا على أن أكون له شفيعا يوم القيامة) رواه الطبرانى فى الأوسط والكبير.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من زار قبرى بعد موتى كان كمن زارنى فى حياتى) رواه الهيثمى والطبرانى فى الصغير والأوسط.

كما أخرج أبو داود فى السنن عن أبى هريرة رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (ما من أحد يسلم على إلا رد الله على روحى أرد عليه السلام) وإحتج به النووى والبيهقى على طلب الزيارة، وهذا هو الصحابى الجليل أبو أيوب الأنصارى ذهب إلى قبر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زائرا فقبل القبر ومسح خديه بجنباته فأخذه مروان بن الحكم من رقبته وقال له: أتدرى ماذا تصنع فقال أبو أيوب: جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم آت الطين ولا اللبن، ثم قال: لا تحزنوا على الدين إذا وليه أهله بل احزنوا عليه إذا وليه غير أهله.

وذكر الحافظ ابن عساكر والحافظ عبد الغنى المقدسى الحنبلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بلالا فى منامه حينما كان بالشام فى ضيافة معاوية وقال له: أوحشتنا يا بلال، فإنتبه حزينا وركب راحلته قاصدا المدينة فأتى قبرالنبى صلى الله عليه وسلم فجعل يبكى ويمرغ وجهه على القبر ويقول: (أوحشتنى يارسول الله) وذكر أيضا الحافظ ابن عساكر والحافظ عبد الغنى المقدسى الحنبلى أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه لما قدم بيت المقدس أيام خلافته وأسلم على يديه كعب وكان من عظماء أحبار يهود فرح بإسلامه وقال له: هل لك أن تسير معى إلى المدينة وتزور قبر النبى صلى الله عليه وسلم وتتمتع بزيارته فقال أفعل ذلك وسار معه.

وذكر ابن الجوزى فى كتابه (مثير العزم الساكن إلى زيارة أشرف الأماكن) أن عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه كان يبعث البريد من الشام إلى المدينة يقول: سلم لى على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وإذا نظرنا إلى ما حول القبر من الروضة التى هى قطعة من الجنة والمنبر الذى نال الشرف الأعلى بالحبيب صلى الله عليه وآله وسلم وسيكون يوم القيامة على حوضه العظيم، وإلى الجذع الذى حن إليه حنين الثكلى وسيكون يوم القيامة فى جنة الخلد وسط أشجارها، وقد قيل أنه دفن فى موضعه بالمسجد فلا أظن أن عاقلا حريصا على الخير يتوقف عن الدعاء فى هذه البقاع، وعن الإمام مالك بن أنس لما ناظره أبو جعفر المنصور فى المسجد النبوى فقال له الإمام مالك: يا أمير المؤمنين لا ترفع صوتك فى المسجد فإن الله تعالى أدب قوما فقال ﴿لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبى﴾ ومدح قوما فقال ﴿إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله﴾ وذم قوما فقال ﴿إن الذين ينادونك﴾ وإن حرمته ميتا كحرمته حيا، فاستكان له أبو جعفر وقال: يا أبا عبد الله أأستقبل القبلة وأدعو أم أستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ولم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم عليه السلام إلى الله تعالى يوم القيامة بل استقبله واستشفع به فيشفعه الله، قال الله تعالى ﴿ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاسـتغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيم﴾ وهذه القصة رواها القاضى عياض بسنده فى كتابه المعروف الشفا فى التعريف بحقوق المصطفى فى باب من أبواب الزيارة وقد صرح كثير من العلماء بهذ.

محمد سيد

قل الله ثم ذرهم
فى خوضهم يلعبون

ذكر الاسم (الله) أو ترديده بكثرة من حيث تحقيق قوله تعالى ﴿يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثير﴾ له معنى عظيم وقد غفل عنه البعض، فلفظة (ذكر) هنا لها معانى كثيرة: أولا مطلق الذكر، فالحق سبحانه يطالبنا به فى كثير من الآيات، فمثلا: القرآن سماه ذكر فقال سبحانه ﴿إنا نحن نزلنا الذكر﴾ والصلاة سماها ذكر فقال ﴿وأقم الصلاة لذكرى﴾ والصوم سماه ذكر فقال ﴿ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ماهداكم ولعلكم تشكرون﴾ والحج سماه ذكر فقال ﴿واذكروا الله فى أيام معدودات﴾نفهم من هذا كله أن العبادات نعتمدها ذكر، ولكن يجب أن نعرف معنى لفظة (ذكر) من حيث مفهوم الذكر المطلق لكى لا يختلط علينا الأمر.

فعندما نقول (الله أكبر) فهو ذكر ولكن مفهومه (تكبير).. (سبحان الله) ذكر ولكن مفهومه (تنزيه).. (لا إله إلا الله) ذكر ولكن مفهمه (تهليل) فالنصوص الواردة فى الكتاب والسنة يجب أن يفهم منها منطوقه اللفظى، بمعنى أنه سبحانه يقول صلوا فليس معناها حجوا أو صومو.. ولكن صلوا بمعنى اقامة الصلاة، ومعنى لفظة ذكر الواردة فى قوله ﴿فاذكرونى أذكركم﴾ أن تذكر اسمه هو ذاته لتحقيق هذا القول وليس لها أية كناية.. لأنه لو كان الذكر هنا بمعنى الصلاة مثلا فلا يصح لأن معناها سيكون (صلوا لى أصلى لكم) وهذا خطأ فادح.. وهذا ما يسميه البعض بـ (فرز العبادات) ونخلص إلى أن معنى الذكر هو (ترديد اسم المحبوب دون طلب لمنفعة أو دفع لمضرة) ليكون ذكره خالصا لوجهه من جميع الجهات، وهو الاسم (الله) كما حث فى عديد من الآيات مثل ﴿واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيل﴾، ﴿ولذكر الله أكبر﴾ وهذا من باب اللغة، أما عن نطقه الصحيح فهو (اَللَّهْ، اَللَّهْ، اَللَّه) الألف عليها فتحة، اللام الأولى مضغمة واللام الثانية عليها شدة وفتحة، والهاء عليها سكون، مع محاولة نطقها من القلب لكى يتحقق امتزاج اللسان بالقلب.ومن معانى الذكر أيضا عدم النسيان، وكيف لا ننسى ولكن إذا ترقى الإنسان بذكره إلى القلب ينتفى النسيان، وهل الذكر يذهب إلى القلب نعم، يذهب الذكر للقلب لأن القلب محل التقوى لقوله سبحانه ﴿ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب﴾ والمرء بأصغريه -كما قيل- (قلبه ولسانه) وقال صلى الله عليه وسلم (إن فى الجسد لمضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهى القلب) وقصة القلب كثيرة فى الكتاب والسنة، فالذكر يصل للقلب لكى تنتفى الغفلة، وهل الغفلة تنتفى تنتفى بنظام الطرق، فالإنسان يذكر باللسان مدة ويجتهد حتى يصل الذكر للقلب ليتحقق فيه قول الحق سبحانه ﴿رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله﴾ غير أن هذا الذكر يضع المحبة الإلهية والمحبة النبوية فى قلبه فلا يكون فى قلبه مكان لكراهية أحد.

عصام مقبول