|
من علوم الشيخ محمد عثمان عبده البرهاني -
47 |
فانظر واعتبر وميز في الفرق بين قولهم لا إله إلا الله فقط وأن غيره
من المخلوقات له أعمال تغاير� أعمال الله
تعالى ولا يخفى أن هذا هو عين الضلال المعارض لكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى
الله عليه وسلم. وهل يوجد الله تعالى شيئاً في الوجود خال من نعمه تعالى ورحمته
التي وسعت كل شيء. وهل يجردها منه بعد أن يموت وكيف يقول في توجيه الله تعالى سيدنا
موسى عليه السلام إلى الخضر - أهل كان موسى عليه السلام مشركاً بالله وهو ذاهب إلى
مخلوق مثله؟ أم حين استشار سليمان عليه السلام أهل مجلسه والتجأ إلى المخلوقين
بقوله ﴿أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين﴾ أكان مشركاً؟ ولما سأل بنو
اسرائيل موسى عليه السلام عن من قتل هذا المقتول وقال لهم: إن الله يأمركم أن
نذبحوا بقرة وأخذوا يتعرفون عنها حتى اهتدوا إليها أكان هذا انصرافاً عن الله تعالى
أم هو عين التشريع (الإلهي) لعباده ليعرفوا أن له في كل شيء آية تدل على أن الواحد.
فانصراف الخلق إلى الخالق ليعرفوا منها أنه سبحانه وتعالي له في أفراد
موجوداته مميزات يغاير بعضها بعضاً، وأمر عباده أن يأتوا من فيه أو عنده حاجته
ويطلبها منه. وهو في هذه الحال متوجه إلى الله تعالى، وهو الموجد لها والموجد لمن
عنده هذه الحاجة، هذا والله تعالى أمر عباده أن يحبوا ويخلصوا ويطيعوا وينقادوا
إلى المرسلين صلوات الله تعالى وسلامه عليهم أجمعين. فقال تعالى: ﴿من يطع الرسول
فقد أطاع الله﴾ فقدم تعالى طاعة الرسول على طاعته جل وعل. ومن المعلوم أن الرسول
غير الله وهو مخلوق له - فقل له هل الله أمر عباده أن يشركوا به غيره أم ماذا
تقول؟ يا أيها المفرق بين الله ونعمه في مصادرها وهم خلقه. ثم قال تعالى أيضاً: ﴿قل
إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله﴾ وهكذا الكتاب العزيز والسنة المطهرة
يدعون إلى توحيد الحق عز وجل في كل شيء ومع كل شيء وبكل شيء حتى يصبح معنى وحده لا
شريك له متحققاً في كل شيء. أو لم ينظر هؤلاء إلى قوله تعالى: ﴿ولا على الذين لا
يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله﴾ وقوله تعالى: ﴿يا أيها النبي حرض
المؤمنين على القتال﴾ أليس هذا توجيها للقتال وقدمنا فيه الكلام طويلاً وإليك
البيان الشريف من حضرته صلى الله عليه وسلم حيث قال في الحديث الشريف المروي عند
البخاري وغيره (من لكعب بن الأشرف) والحديث الآخر (من لأبي رافع سر نجار الحجاز) أليس
هذا هو عين تشريع الحق عز وجل لعباده وأنهم يأخذون الأمور من مصادرها وفي كل شيء
بحسبه وأنه تعالى هو الذي أجرى الأسباب مع المسببات حتى يتم الأمر على المعنى
المرادومن يحد عن ذلك فقد ضل ضلالاً مبيناً وهو الخارج عن الكتاب العزيز والسنة
وقد سألني سائل منهم بقوله يا سيدنا الشيخ أأترك الله وأذهب لسيدنا الحسين؟ فقلت
له في أية جهة تركت الله تعالى، فسكت. فقلت: من خلق الحسين؟ فقال: الله فقلت له من
أوجد فيه هذه النعمة والمزية لا يشاركه فيها غيره؟ فقال: الله. فقلت له: من يعطني
سؤلي عنده؟ فقال: الله فقلت له من حببني فيه ورغبني فيه وفي التوجيه إليه؟ فقال: الله.
قلت له: إذا أنا ذاهب إلى الله أي إلى مصدر من مصادر نعمه التي أوجدها لعباده في
مكنوناته وأمرهم بالتوجه إليها وعلى هذا يكون النذر والحج وغيره وسيأتي بيانه إن
شاء الله تعالى.
الموت والحياة
يعتقد كل ضال من الخوارج الوهابية وغيرهم بأن الموت عبارة عن العدم. ولا
قائل به غير الكافرين الذين هم على مبادئ الشيطان وحزبه، فهم على تلك المبادئ تبع
لذلك الحزب، لأن العقلاء يفهمون أن الخلق في كل شيء على حالتين إيمان وكفر، ضلال
وهدى، حتى في الحزبية حزب الشيطان وحزب الرحمن وهكذا كما لا يخفى على كل ذي بصيرة-
قال الله تعالى في عقيدة الكافرين ومن على مبادئهم ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تتولو
قوماً غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور﴾ فكل
هؤلاء شركاء في العقيدة فيقولون: إن الموت عدم وفناء وعليه يبنون أن الذاهب للميت
ذاهب إلى عدم وفناء، وهو معارض لصريح القرآن والسنة، فعقلاء الأمة رضي الله عنهم
يقولون: إن الموت والحياة، وصفان يقومان بالموصوف في كل يشء بحسب قوله تعالى ﴿الذي
خلق الموت والحياة﴾ الآية فموت الأرض، عدم النبات، بها، وحياتها بالنبات فيها قال
تعالى ﴿والله أنزل من السماء ماءاً فأحيينا به الأرض بعد موته﴾ وموت الكافر وهو
حي يجري على الأرض بعدم الإيمان كما قال تعالى ﴿أو من كان ميتاً فأحييناه وجعلنا
له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات﴾ الآية فلا يخفى أن الموت في
الحيوان وصفه بعدم الحركة، وفي النبات يبسه وفي الجماد تفرق أجزائه. والحياة في كل
ذلك بضده يعني في الحيوان بالحركة، وفي النبات بالخضرة، وفي الجماد بتماسك أجزائه.
ولما كانت الحياة منها ما هو معتبر الصنعة، ومنها ما هو غير معتبر فعد الله تعالى
المؤمن به وبأنبيائه وآياته حياة طيبة. ومن كان بخلاف ذلك فليس بذي حياة طيبة
فحياته كحياة غيره من غير الآدميين. ولما كان وصف الموت والحياة مشتبهان في حالة
النور واليقظة فرق الله تعالى بينهما بقوله تعالى ﴿الله يتوفى الأنفس حين موتها
والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى﴾ الآية.
فحال النائم كحال الميت سواء بسواء في عدم الحركة في كل فالفارق بينهما قيام الحي
يسعى في الأرض إلى أجل مسمى والميت عدم الحركة مطلق.
ولما كان الموت والحياة عنواناً لهاتين الصفتين. ذكر الله عز وجل
الفارق بينهما بالنسبة للدنيا والآخرة إذ قد سمي سبحانه وتعالى لكل منهما حياتاً
وموتاً فبين عز من قائل أن حياة الآخرة أرقى وأعلى وأرفع من حياة الدنيا فقال
تعالى: ﴿وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع﴾ الآية وفي الآية الأخرى ﴿وما
الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل﴾ وباعتبار ما قدمنا من أن الموت عدم الحركة
والحياة الحركة فهم الكافر قبل وجوده في الدنيا موت وفي الدنيا حياة، وفي القبر
موت وبعد قيامه ودخوله جهنم حياة أخرى فقال: ﴿ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين
فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل﴾ الآية. فتعرف من هنا ومما قدمنا لك أن الله
عز وجل ذكر أن للدنيا حياة وللآخرة حياة فكيف يقر ويقول المخالف الملحد بحياة
الدنيا وينكر حياة الآخرة التي هي أحيا من حياة الدنيا بصريح كلام رب العالمين
وبيان سنة سيد الأولين ولا فاصل ولا فارق ولو لحظة بين الحياتين بل ينتقل من حياة
الدنيا إلى حياة أرقى منها متصلاً بها اتصال اليقظة بالنوم والجوع بالشبع والألم
بالصحة، والفقر بالغنى والكفر بالإيمان، والليل بالنهار، فهل يا أخا العقل فاصل
بينهما أو فتور؟ إن ربك القادر جل وعلا جعل الموجودات متصلة لا انفصال بينهما إلا
في عقل المخالف ونظر أعمى البصيرة والله يهدي من يشاء إلى الحق وإلى طريق مستقيم.
واعلم أن الموت والحياة ترق في الوجود بالدليل العقلي المستفاد من
الدليل النقلي: الكتاب العزيز والسنة المطهرة، فالعقلي هو اعتقاد أنه ما تعلقت قدرة
الحق عز وجل بإيجاد موجود إلا ويترقى في الحياة أبداً لا يلحقه العدم بالمشاهدة
والعيان وذلك في كل شيء بحسبه بمعنى أن ترقيه في الوجود بالانتقال من حالة إلى
حالة أرقي منه. إذ الموجد جل وعلا ما أوجده إلا بمقتضى كماله، وكمالاته سبحانه
وتعالى لا تتناهى إذ ما من كمال إلا وعند الله أكمل منه. وأيضاً أنه تعلقت صفته
تعالي به وهي حي بالموجود ولو انعدم هذا الموجود لتعطلت الصفة التي هو أي الموجود
بها حي، وصفات الله تعالى لا تتعطل.
وأما النقلي فقد قال تعالى بعد أن سمي الحياتين الدنيا والآخرة ﴿وإن
الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون﴾ وقال صلى الله عليه وسلم مفصلاً لتلك
الحاتين بقوله الشريف (الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا) ولما كان حال الدنيا مبنياً
على تفاوت ودرجات الموجودات فيها فقد قال تعالى في النبات ﴿يسقى بماء واحد ونفضل
بعضها على بعض في الأكل﴾.
وفي الجمادات قال تعالى ﴿ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها
وغرابيب سود﴾ الآية. وقال تعالى في الدواب والهوام والحشرات والطيور والوحوش
والأسماك أنهم كبني آدم في الأحوال الاجتماعية ﴿وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير
بجناحيه إلا أمم أمثالكم﴾ وفي بني آدم الذي هو محل نظر الحق عز وجل من هذا الخلق
الذي خلق له تلك الأشياء جمعاء وغيرها لم يجعل واحداً منهم يماثل الآخر بل التفاوت
في جميع أفراده بل ما اشتمل عليه الفرد من الجزيئات في عموم مركباته جل الصانع
المبدع قال تعالى ﴿ورفعنا بعضكم فوق بعض درجات﴾ وفيما فيه فخره في الدنيا وعزه
وشرفه فيما بينهم قال تعالى ﴿يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات﴾
وفيما فيه جاههم من حيث الغنى بالمال قال تعالى ﴿ولقد فضلنا بعضكم على بعض في
الرزق﴾ وهذا في عموم أفراد بني آدم فقد جعل تعالى الفروق بينهم متباينة لا ينكرها
إلا كل مكابر من الذين يقولون اعمل وأنت تكون مثله.
السابق
|