الرسول المعلم مجاهدا
سار الصحابة الكرام على نهج رسولهم الأمين صلى الله عليه وسلم،
واقتفوا أثره، فإذا كان النبى صلى الله عليه وسلم قرآنا يمشى على الأرض فإن أصحابه
كانوا سنة تمشى على الأرض، وعلى ذلك تبعهم التابعون، ومن بعدهم حتى وصل إلينا
الدين غضا سمحا، �وقد
واصل الصحابة الكرام مسيرة نبيهم صلى الله عليه وسلم فى نشر الإسلام، والدعوة إلى
الله على بصيرة، وبالحكمة والموعظة الحسنة، وكانوا لا يلجأون إلى القتال إلا إذا
فرض عليهم من قوى العالم المتجبرة، فلم ينشر المسلمون دينهم بالسيف، وقد شهد بذلك
المنصفون من أبناء الحضارة الغربية، فهذا المستشرق الفرنسى (جوستاف لوبون) فى كتابه
(حضارة العرب) وهو يتحدث عن سر انتشار الإسلام فى عهد الحبيب المصطفى صلى الله عليه
وسلم وفى عصور الفتوحات من بعده فيقول: قد أثبت التاريخ أن الأديان لا تفرض بالقوة،
ولم ينتشر القرآن إذاً بالسيف بل انتشر بالدعوة وحدها، وبالدعوة وحدها اعتنقته
الشعوب التى قهرت العرب مؤخرا كالترك والمغول، وبلغ القرآن من الانتشار فى الهند
التى لم يكن العرب فيها غير عابرى سبيل ما زاد عدد المسلمين على خمسين مليون نفس
فيها. ونسجل شهادة الكاتب الغربى الذى يدعى (توماس كارليل) حيث قال فى كتابه
(الأبطال وعبادة البطولة) ما ترجمته: إن اتهامه -أى سيدنا محمد- بالتعويل على السيف
فى حمل الناس على الاستجابة لدعوته سخف غير مفهوم، إذ ليس مما يجوز فى الفهم أن
يشهر رجل فرد سيفه ليقتل به الناس، أو يستجيبوا له، فإذا آمن به من يقدرون على حرب
خصومهم، فقد آمنوا به طائعين مصدقين، وتعرضوا للحرب من غيرهم قبل أن يقدروا
عليها. إن من يقرأ التاريخ ويلاحظ انتشار الإسلام على مر العصور يعلم أن
الإسلام لم ينتشر بالسيف، بل انتشر بطريقة طبيعية لا دخل للسيف ولا القهر فيها،
وإنما بإقامة العلاقات بين المسلمين وغيرهم وعن طريق الهجرة المنتظمة من داخل
الحجاز إلى أنحاء الأرض، وهناك حقائق حول هذا الانتشار حيث يتبين أن فى المائة عام
الأولى من الهجرة كانت نسبة انتشار الإسلام فى غير الجزيرة العربية كالآتى: ففى
بلاد فارس (إيران حاليا) كان نسبة المسلمين فيها هى 5 % وفى العراق 3 % وفى سورية 2
% وفى مصر 2 % وفى الأندلس أقل من 1 %. أما السنوات التى وصلت نسبة المسلمين فيها إلى 25 % من السكان فهى
كالآتى: إيران سنة 185هـ والعراق سنة 225هـ وسورية سنة 275هـ ومصر سنة 572هـ
والأندلس سنة 295هـ. والسنوات التى وصلت نسبتهم فيها إلى
50 % من السكان كانت كالآتى: إيران
235هـ والعراق 280هـ وسورية 330هـ ومصر 330هـ والأندلس 355هـ. أما السنوات التى وصلت نسبة المسلمين فيها إلى 75 % من السكان كانت
كالاتى: إيران 280هـ والعراق
320هـ وسورية 582هـ ومصر
385هـ والأندلس سنة 400هـ. فمن يعلم هذه الحقائق يعلم أن من خصائص انتشار الإسلام: - عدم إبادة
الشعوب. - الإبقاء
على التعددية الدينية من يهود ونصارى ومجوس، حيث نجد الهندوسية على ما هى عليه
وأديان جنوب شرق آسيا كذلك. - إقرار
الحرية الفكرية، فلم يعهد أنهم نصبوا محاكم تفتيش لأى من أصحاب الآراء المخالفة. - ظل إقليم
الحجاز مصدر الدعوة الإسلامية فقيرا حتى اكتشاف البترول فى العصر الحديث. كل هذه الحقائق وغيرها تجعلنا نتأكد أن النبى صلى الله عليه وسلم هو
الإنسان الكامل وهو الرسول الخاتم الذى علم البشرية بأسرها فضائل الأخلاق والتسامح
والنبل والشجاعة، وعلى دربه سار أصحابه والتابعون من بعدهم، وضرب المسلمون أروع
الأمثلة للأخلاق وانبهر العالم من حولهم بهذه الأخلاق النبوية التى توارثوها جيلا
بعد جيل. فهذه لمحة من سمات الرسول المعلم، وكيف كان حاله وهو يجاهد باللسان
والسنان فى سبيل إعلاء كلمة الله، ولإتمام رسالة رب العالمين، ولم تكن حضارة
المسلمين تراثا مكتوبا فحسب، بل كانت واقعا عاشه المسلمون وعاشه معهم أنصارهم
وأعداؤهم وسجلته كتب التاريخ. وينبغى علينا أن نتعلم من رسولنا كل الأخلاق الفاضلة
والسلوك القويم، حتى نواجه العالم بحضارتنا المتجددة دائما، ولا نتبع أذناب
الحضارات التى نحّت الأخلاق بعيدا عن واقعها، فأمة الإسلام هى الأمة الشاهدة، وهى
الأمة التى تحملت تكاليف الإصلاح والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، فإذا فسد
المسلمون وتركوا ما كلفهم الله به من مهام لإصلاح الأرض فسدت الأرض، فلننظر كيف عرف
المسلمون وظيفتهم فى الصدر الأول للإسلام، حيث قال ربعى بن عامر رضى الله عنه لرستم
قائد الفرس عندما سأله: ما أنتم؟ فأجابه بقوله: نحن قوم ابتعثنا الله لنخرج من شاء
من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، ومن
جور الأديان إلى عدل الإسلام (من تاريخ الطبرى). فهذه هى رسالة المسلمين، ورسالة كل مسلم أن يكون كذلك الصحابى الجليل،
رزقنا الله، اقتفاء أثر نبينا رسـولنا المعلم صلى الله عليه وسلم. سمير جمال
من أقوال الحكماء قالوا فى الطب يستحب للرجل أن يعرف من الطب مقدار ما يمتنع منه عما
يضر ببدنه، وقال الحكماء: العلم علمان علم الأديان وعلم الأبدان، فكما أن الرجل
لابد له من تعلم العلم مقدار ما يصلح به أمر دينه فكذلك لابد له من أن يعرف من
الطب مقدار ما يصلح به بدنه ويجتنب ما يضره، فإن من المروءة أن يمتنع عما يضر
بدنه، وقد أجمع الأطباء أنه ليس شىء من الطب أنفع من الحمية، فقد روى عن بعض
الصحابة أنه قال لرجل ألا أعلمك طبا تتعايا فيه الأطباء، وعلما تتعايا فيه
العلماء، وحكمة تتعايا فيها الحكماء؟ قال بلى، قال أما الطب الذى تتعايا فيه
الأطباء فاجلس على المائدة وأنت جائع وقم عنها وأنت تشتهيه، وأما العلم الذى
تتعايا فيه العلماء فإذا سئلت عن شىء لا تعلم فقل الله أعلم، وأما الحكمة التى
تتعايا فيه الحكماء فإذا جلست فى نادى قوم فاسكت فإن أفاضوا فى الخير فأفض معهم
وإن أفاضوا فى الشر فقم عنهم، وقيل لرجل من المتقدمين ممن طال عمره بم طال عمرك؟
قال لأنا كنا إذا طبخنا أنضجنا، وإذا مضغنا دققنا، ولا نملأ بطوننا ولا نخليها،
ويقال أنفع ما يكون للإنسان بعد ما تغدى التمدد وبعد ما تعشى الحركة والمشى، ويقال
فى المثل إذا تغدى فتمدى يتبدى، وإذا تعشى فتمشى يتغشى، وروى الزهرى عن ابن عباس
رضى الله تعالى عنهما قال خمس يورثن النسيان: أكل التفاح يعنى الحامض منه، والبول
فى الماء الراكد، والحجامة فى نقرة القفا، وإلقاء القملة فى التراب، وشرب سؤر
الفأرة الفاسقة، ويقال قراءة ألواح القبور، وأكل الكزبرة، والمشى بين الجملين
المقطورين، وكذلك المشى بين المرأتين يورث النسيان، وروى الضحاك عن ابن عباس عن
النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: عليكم بالسواك فإن فيه عشر خصال: مطهرة للفم،
ومرضاة للرب، ومفرحة للملائكة، ومجلاة للبصر، ويبيض الأسنان، ويشد اللثة، ويذهب
الحفر، ويهضم الطعام، ويقطع البلغم، وتحضره الملائكة، وتضاعف فيه الصلاة، ويرغم
الشياطين ويقال من انتعل بنعل أصفر لم يزل فى غبطة وسرور لقوله تعالى: >صفراء
فاقع لونها تسر الناظرين . وروى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال (من تختم
بعقيق لم يزل فى بركة وسرور) ويقال: من كنس بيته بخرقة فإنه يورث الفقر، ومن منع
خميرته فإنه يورث الفقر، ومن لم ينظف بيته من بيت العنكبوت فإنه يورث الفقر، ومن لم
ينظف الإسطبل من بيت العنكبوت فإنه يهزل الدواب، ويقال: النظر إلى الخضرة والماء
الجارى والوجه الحسن ووجه الوالدين، وفى الصلاة إلى موضع السجود وإلى الأترج وإلى
الحمام الأحمر يجلى البصر، ويقال للنار فى الشتاء خمس خصال: تدالع البرد، وتحسن
الوجه، وتمرى الطعام، وتذهب العناء والغى، وتؤنس عند الوحشة، وقال الإمام على بن
أبى طالب رضى الله تعالى عنه: من أراد البقاء ولا بقاء فليباكر الغذاء وليؤخر
العشاء، ولايخفف الرداء، وليقل من غشيان النساء، قيل وما خفة الرداء؟ قال: قلة
الدين،؟ وإن البدن فى أيام الخريف والشتاء أقوى لحمل الطعام لأن المعدة تسخن فيهما
فتنضج الطعام، وفى الصيف والربيع تبرد المعدة فتضعف عن حمله لبردها وتقل قوتها عن
الإنضاج، ويقال الإكثار من شرب الماء البارد فى أيام الصيف أقل ضررا وفى أيام
الشتاء أكثر ضررا، فينبغى أن يقلل منه فى أيام الشتاء، وينبغى للرجل أن يحترز عن
شرب الماء بالليل بعد ما نام فإن ذلك يبرد المعدة فيخاف منه العلل والأمراض إلا أن
يكون الرجل غلبت عليه الحرارة أو كان به حمى وإذا أراد النوم وهو ممتلئ الجوف
فينبغى أن ينام أولا على يمينه لموافقة السنة ثم يتحول إلى اليسار فإن ذلك أهضم
للطعام، والحركة والتقلب من جانب إلى جانب أنفع، وينبغى للرجل أن لا ينام على
امتلاء معدته فإنه يقسى القلب لأن النبى صلى الله عليه وسلم قال (أذيبوا طعامكم
بالصلاة ولا تناموا عليه فتقسوا قلوبكم) ولا ينبغى للرجل أن ينام على بطنه إلا من
عذر، وروى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه رأى رجلا مضطجعا على بطنه فركضه برجله
وقال لا تضطجع هكذا فإنها ضجعة يبغضها الله تعالى، ولو أن رجلا كان ممتلئا وهو يخاف
وجع البطن فلا بأس أن يجعل وسادة تحت بطنه وينام عليها لأن ذلك حال عذر والضرورات
تبيح المحظورات، ثم عليه أن يتوب عن كثرة الأكل، ويقال إن شرب الماء البارد قبل
الطعام يطفئ نار المعدة وشربه بعد الطعام يسخن المعدة ويسمن البدن، وإذا أكل الرجل
فاكهة مثل التفاح والمشمش والعنب والزبيب ونحو ذلك فلا ينبغى له أن يشرب الماء على
أثره فإن ذلك يفسد المعدة، وينبغى أن ينتظر بعد كل أكلة ساعة أو ساعتين أو أكثر ثم
يشرب الماء فإنه أقل ضررا، وإذا أكل أرزا حارا أو شيئا من الحلو فلا يشربن على أثره
ماء باردا فإن ذلك يضر بالأسنان فإذا أراد شربه فليأكل لقمة أو لقمتين من الخبز ثم
يشرب فإن ذلك أقل ضررا، ويقال أكل الخبز الحار مع الحوت يتولد منه الديدان فى
البطن. إبراهيم عبد المجيد
الصراط المستقيم
يقول المولى تبارك وتعالى ﴿اهدنا الصراط المستقيم﴾ واصفا لنا هذا
الصراط بقوله عز وجل ﴿صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين﴾ وفرض
علينا الصلاة وأراد لنا أن نردد هذا الطلب العزيز الغالى وهو أن يهدينا إلى هذا
الصراط الذى لا اعوجاج فيه صراط، المنعم عليهم من ربهم والمرضى عنهم المهديين إلى
طريق الحق وذلك فى كل صلواتنا، ثم أخبرنا عنهم فى كتابه الكريم قائلا ﴿ومن يطع الله
والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين
وحسن أولئك رفيقا ﴾ ثم بين لنا سبحانه وتعالى أن طريق الدعوة إلى الله يحتاج إلى بصيرة
وليس اجتهادا شخصيا فقال تعالى ﴿قل هذه سبيلى أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن
اتبعنى وسبحان الله وما أنا من المشركين﴾ فوجب على الأمة الإسلامية أن تأخذ دينها
عن الأئمة أصحاب البصائر لأن الاختلاف لا يأتى إلا من اتباع الهوى والبعد عن ذكر
الله ويوضح هذا المعنى قول المولى تبارك وتعالى ﴿ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا
واتبع هواه وكان أمره فرط﴾ ولما كانت البصيرة تحتاج إلى ذكر فقد أرشدنا رب العزة
قائلا ﴿فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون﴾ ولم يقل فاسألوا أهل العلم، فالعلم
يحتاج إلى ذكر حتى ينير البصيرة وتكون الإجابة عن معرفة حقية وليست ظنية ﴿وإن الظن
لا يغنى من الحق شيئ﴾ وإذا بحثنا بين الأئمة والدعاة والكتب المطروحة أمام
المسلمين لا نجد أكثر من الصوفية من يتحدث عن الحقيقة والبصيرة وفى هذا يقول
الإمام فخر الدين رضى الله عنه:
يظـن البعـض بـل ظنـوا جميعـا وإن الظـن لـيـس بـه غـنـانـا أى أنهم لابد لهم من التحقق، وهذا شأن الأولياء فى هداية الخلق، فهذا
سيدنا أبو يكر رضى الله عنه عندما أخذت ابنته السيدة عائشة أم المؤمنين رضى الله
تعالى عنها بعض تمرات من تمر أبيها فأرادت أن تأكلها لكنها رفضت أن تأكلها إلا
بمشورة والدها فذهبت إلى سيدنا أبو بكر رضى الله عنه وقالت له رفضت أن آكله إلا بعد
مشورتك فقال رضى الله تعالى عنه لها (ما هو إلا لأخويك وأختيك) ولم يكن لها أخت إلا
السيدة أسماء رضى الله عنها فتحيرت فقال لها (هذا شئ بطن أرى فىّ خلقها وأراها
جارية) ذكره الإمام مالك فى المؤطأ، وصاحب الإحياء، والبنت التى ولدت لأبى بكر رضى
الله عنه بعد وفاته هى أم كلثوم التى أمها حبيبة بنت خارجة، من المدينة ومن قبيلة
الخزرج، راجع دائرة المعارف الإسلامية (النص الفرنسي) الطبعة الثانية 211/1 وختم
الأولياء للحكيم الترمذى إن شئت. وقد أورد الحكيم الترمذى فى (ختم الأولياء) أن أمير المؤمنين عمر بن
الخطاب رضى الله عنه كان يخطب يوما على المنبر لصلاة الجمعة وكان سيدنا سارية رضى
الله عنه فى ذلك الوقت قائدا لجيش المسلمين يحارب فى الشام، وفى اثناء الخطبة قال
سيدنا عمر رضى الله عنه (يا سارية الجبل كررها ثلاث مرات) فتعجب الصحابة رضى الله
عنهم وحفظوا التاريخ ودونوه ولما رجع سيدنا سارية رضى الله عنه سألوه عما رآه فى
ذلك اليوم وسمعه فقال لهم: سمعت أمير المؤمنين عمر يقول لى يا سارية الجبل ثلاث
مرات فتزحزحنا إلى الجبل ولولا ذلك لما انتصرنا والحمد لله على ذلك. وإذا ظن ظان أن سيدنا عمر قد ألهم بهذه الكلمة، فما الذى أسمع سيدنا
سارية، وعندما سئل سيدنا عمر عن ذلك قال زإنها كلمة أجراها الله على لسانيس وحاصل
الأمر أن سيدنا عمر ينظر بنور الله تعالى، وبالله قد أسمع سيدنا سارية. وكان سيدنا عمر يسير يوما مع سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ
قابلهما رجل فقال رضى الله عنه يا رسول الله دعنى أضرب عنق هذا الرجل فإنى أرى أثر
الزنا بين عينيه فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم (أوحى بعد الرسل يا عمر؟) فقال
سيدنا عمر رضى الله عنه: كلا يا رسول الله إنها فراسة مؤمن، فقال صلى الله عليه
وسلم (اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله). وهذا سيدنا عثمان رضى الله عنه عندما سمع لأول مرة آية أطوار الخلق فى
قوله تعالى ﴿فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه
خلقا آخر﴾ وقبل أن يكمل النبى صلى الله عليه وسلم الآية قال سيدنا عثمان رضى الله
عنه ﴿فتبارك الله أحسن الخالقين﴾ فقال الرسول صلى الله عليه وسلم أوحى بعد محمد؟
فقال سيدنا عثمان رضى الله عنه: كلا يا رسول الله إنها فراسة مؤمن، فقال صلى الله
عليه وسلم (اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله). وروى عن الإمام على كرم الله وجهه أنه لما سار بالجيش لفتح الكوفة ومر
على أرض كربلاء وقف عندها وبكى وهو يقول للجيش: هذا موطنهم، هذا موطن قتالهم، هذا
موطن قتلهم، هذا موطن سباياهم حتى أبكى الجيش وكان يشير إلى مقتل الإمام الحسين
وآل البيت الأطهار بكربلاء وكأنه يرى بعينيه وبالفعل قد حدث، بل ويحدث ذلك لكبار
الصحابة وأجلاء المشايخ والأولياء وهكذا شأنهم، ولا أجد كلاما أصفهم به إلا كلام
الإمام فخر الدين رضى الله عنه حيث قال فى دره المنثور:
نعـم الهـداة حقائقـا قـد سطـروا فهموا أولـوا القـدر الجليل السامى محمد مقبول |
|