المدينة جبالها ووديانها وعيونها

بالحقائق ناطقين

إلى من نحب ونرضى

 

المدينة جبالها ووديانها وعيونها

ثنية الوداع

موقع تاريخى يقع على مدخل المدينة، ويدل اسمها على أنها كانت مكان توديع المسافرين منها، لذلك توجد ثنيتان، إحداهما على طريق الشام قرب رابية صغيرة أقيم عندها مسجد صغير ثم أزيل وأزيلت الرابية ضمن مشروع تخطيط الطرقات، والثانية على طريق مكة، وهذه قديمة عُرفت فى العصر الجاهلى، وارتبطت بها أسطورة جاهلية أشاعها بعض اليهود والوثنيين، وكان الكثيرون يعتقدون بصحتها، وتقرر هذه الأسطورة أنه ينبغى على القادم إلى المدينة أن يقف عند هذه الثنية ويعشر قبل أن يدخلها، أى ينهق مثل الحمار، وإن لم يفعل ذلك أصابته حمى المدينة، وربما قتلته، وقد نقض الشاعر الجاهلى عروة بن الورد هذه الأسطورة، ورفض أن يعشر ولم يصب بالحمى، فسقطت الأسطورة، وهذه الثنية أيضا هى المذكورة فى الشعر الذى ترويه بعض كتب السيرة، وتقرر أن فتيات من الأنصار استقبلن به رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلات:

طـلـعالـبـدرعلينـا       مـن ثـنـيـات الـوداع

وجـب الشـكـر عـلـينا       مـا دعـــا لـلـه داع

وقد دخلت هذه الثنية فى شوارع المدينة بعد توسعه.

بئر حاء

بئر حاء كانت فى بستان يقع فى الشمال الشرقى للمسجد النبوى سابقا، وسميت حاء نسبة إلى مالكها القديم، وقد آلت مع البستان إلى الصحابى الكريم أبى طلحة، وكانت أحب ماله إليه فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يحض على الصدقة فتصدق بها، وقد دخلت فى التوسعة الأخيرة للمسجد النبوى.

بئر بضاعة

تقع بئر بضاعة فى الجهة الشمالية الغربية من المسجد النبوى سابقا، وهى بئر أثرية قديمة كانت لبنى ساعدة الخزرجيين، وحولها بستان يسمى بضاعة،ورد ذكرها فى الأحاديث الصحيحة دليلا على أن الماء إذا كان وافرا لا يتنجس، وقد شرب منها واغتسل بها النبى صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام. وقد دخلت فى التوسعة الأخيرة للمسجد النبوى وصارت أرضها جزءا من الساحات الخارجية.

بئر رومة

بئر رومة هى بئر قديمة تنسب لرجل من قبيلة غفار اسمه رومة، يقال أنه اشتراها من رجل مزنى، وتقع فى الشمال الغربى من المدينة المنورة قرب مجرى وادى العقيق، وتبعد عن المسجد النبوى حوالى خمسة كيلومترات، وفى العهد النبوى احتاج المسلمون إليها وكان يملكها رجل يهودى ـوفى رواية رجل من غفارـ فحض رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين على بذلها للمسلمين فاشتراها عثمان بن عفان رضى الله عنه وجعلها فى سبيل الله، ويروى أنه زاد فى حفرها ووسعها، وقد ظلت هذه البئر معلما تاريخيا عبر العصور الماضية ويبدو أنها أهملت فى بعض الأوقات وردمت أو جف ماؤها ثم حفرت وبنيت جدرانها وفوهتها وتسمى بئر عثمان، وتذكر بعض المصادر أن البستان المحيط بها كان وقفا للمسجد النبوى ويسمى أيضا بستان عثمان.

الغـابة

موضع يقع فى الشمال الغربى من المدينة المنورة كانت أرضا سبخة تنمو فيها شجيرات من الأثل والطرفاء ولكثافة الأشجار فيها أطلق عليها اسم الغابة منذ القديم، وقد ورد ذكرها فى بعض الأحاديث النبوية، وظلت كذلك إلى منتصف القرن الماضى حيث زارها عبد القدوس الأنصارى ورفاقه وكانت حتى ذلك الوقت موطنا لبعض الوحوش مثل السباع والنمور، وتروى بعض المصادر أن الزبير بن العوام اشتراها واستصلح قسما منها وأنشأ فيها بركة كبيرة تتجمع فيها المياه ومازالت المنطقة تعرف باسم البركة أو بركة الزبير، وفى عصرنا الحاضر لم يبق فيها سوى بعض الأشجار وتحولت بقيتها إلى مزارع أو أراضى تنتظر أن يغزوها العمران.

البقيـع

البقيع هو المقبرة الرئيسة لأهل المدينة المنورة منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن أقرب الأماكن التاريخية إلى مبنى المسجد النبوى حاليا، يقع فى مواجهة القسم الجنوبى الشرقى من سوره، وقد ضمت إليه أراضى مجاورة وبنى حوله سور جديد مرتفع مكسو بالرخام، وتبلغ مساحته الحالية مائة وثمانين ألف متر مربع، يضم البقيع رفات الآلاف المؤلفة من أهل المدينة ومن توفى فيها من المجاورين والزائرين أو نقل جثمانهم على مدى العصور الماضية، وفى مقدمتهم الصحابة الكرام، ويروى أن عشرة آلاف صحابى دفنوا فيه، منهم أمهات المؤمنين زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم عدا السيدة خديجة والسيدة ميمونة، كما دفن فيه ابنته السيدة فاطمة الزهراء، وابنه سيدنا إبراهيم الذى مات صغيرا، وعمه سيدنا العباس، وعمته السيدة صفية، وحفيده الإمام الحسن بن الإمام على، وغيرهم كثير، وقد وردت أحاديث عدة فى فضل البقيع، وزيارة رسول الله صلى الله عليه وسلم له والدعاء لمن دفن فيه، منها أن رسول الله صليا لله عليه وسلم كان يخرج من آخر الليل إلى البقيع فيقول )السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وأتاكم ما توعدون، غدا مؤجلون، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد( لذا تستحب زيارة البقيع والدعاء لمن دفن فيه إتباعا لسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم.

معجم البلدان ومصادر أخرى

بالحقائق ناطقين

هكذا كانت النساء

ركب الخليفة المأمون للصيد ومعه سرية من العسكر، فبينما هو سائر إذ لاحت له طريدة، فأطلق عنان جواده وكان على سابق من الخيل، فأشرف على نهر ماء من الفرات، فإذا هو بجارية عربية خماسية القد، قاعدة النهد، كأنها القمر ليلة تمامه، وبيدها قربة قد ملأتها وحملتها على كتفها، وصعدت من حافة النهر، فانحل وكاؤها فصاحت برفيع صوتها: يا أبت أدرك فاها قد غلبنى فوها لا طاقة لى بفيها، قال: فعجب المأمون من فصاحتها ورمت الجارية القربة من يدها، فقال لها المأمون: يا جارية من أى العرب أنت؟ قالت: أنا من بنى كلاب، قال: وما الذى حملك أن تكونى من الكلاب؟ فقالت: والله لست من الكلاب وإنما أنا من قوم كرام غير لئام يقرون الضيف، ويضربون بالسيف، ثم قالت: يا فتى من أى الناس أنت؟ فقال: أو عندك علم بالأنساب، قالت: نعم، قال لها: أنا من مضر الحمراء، قالت: من أى مضر؟ قال: من أكرمها نسبا، وأعظمها حسبا، وخيرها أما وأبا، وممن تهابه مضر كلها قالت: أظنك من كنانة، قال: أنا من كنانة، قالت: فمن أى كنانة؟ قال: من أكرمها مولدا وأشرفها محتدا وأطولها فى المكرمات يدا، ممن تهابه كنانة وتخافه، فقالت: إذاً أنت من قريش، قال: أنا من قريش، قالت: من أى قريش؟ قال: من أجملها ذكرا وأعظمها فخرا، ممن تهابه قريش كلها وتخشاه، قالت: أنت والله من بنى هاشم، قال: أنا من بنى هاشم، قالت: من أى هاشم، قال: من أعلاها منزلة، وأشرفها قبيلة، ممن تهابه هاشم وتخافه، فعند ذلك قبلت الأرض، وقالت السلام عليك يا أمير المؤمنين، وخليفة رب العالمين، قال: فعجب المأمون وطرب طربا عظيما وقال: والله لأتزوجن بهذه الجارية لأنها من أكبر الغنائم، ووقف حتى تلاحقته العساكر، فنزل هناك، وأنفذ خلف أبيها وخطبها منه، فزوجه بها وأخذها وعاد مسرورا، وهى والدة ولده العباس.

أوردنا ما سبق لنقل للمسلمات هذه امراة مسلمة من الماضى وهذه ثقافتها فأين نحن معاشر النساء من ثقافة المسلسلات وطبق اليوم وفنان العرس.

هاديه الشلالي

إلى من نحب ونرضى

إلى الحبيب ابن الحبيب أبو الحبيب إلى عطاء الله إلى المصطفى من السيد البرهانى إلى صاحب الحمى.. إلى الأب الذى تعجز أى كلمات عن ذكر خصائصه ومعانيه.. إلى الإمام ابن الإمام أبو الإمام.. إلى مولانا الشيخ إبراهيم الشيخ محمد عثمان عبده البرهانى رضى الله عنهم أجمعين.. وصدق الله العظيم حيث يقول ﴿قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين﴾.

حول هذه الآية الكريمة يحدثنا أئمة كرام مثل البيضاوى وابن كثير والسيوطى فمن كلامهم:

أن هذه الآية حاكمة على كل من ادعى محبة الله وليس هو على الطريقة المحمدية فإنه كاذب فى دعواه حتى يتبع الشرع المحمدى فى جميع أقواله وأفعاله، كما ثبت فى الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) ولهذا قال سبحانه ﴿إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله﴾ أى يحصل لكم فوق ما طلبتم من محبتكم له، وهو محبته لكم، وهو الأعظم، وقال بعض الحكماء: ليس الشأن أن تَحب إنما الشأن أن تُحب، وقال الحسن البصرى وغيره من السلف: زعم قوم أنهم يحبون الله فقال ﴿قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله﴾ وأخرج الأصبهانى فى الترغيب عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لن يستكمل مؤمن إيمانه حتى يكون هواه تبعا لما جئتكم به) ثم قال سبحانه ﴿ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم﴾ أى باتباعكم الرسول يحصل لكـم هذا من بركته، ثم قال تعالى آمرا الخاص والعام ﴿قل أطيعوا الله والرسول فإن تولو﴾ أى تخالفوا أمر الرسول الذى هو من أمر الله ﴿فإن الله لا يحب الكافرين﴾ فدل على أن مخالفته كفر وإن زعم أنه محب لله، حتى يتبع الرسول، الذى لو كان الأنبياء بل المرسلون بل أولو العزم منهم فى زمانه ما وسعهم إلا إتباعه والدخول فى طاعته واتباع شريعته صلى الله عليه وسلم، فقد جعل الله اتباع سيدنا محمد علما لحبه سبحانه، كما قال الإمام الحسن فى قوله ﴿فاتبعونى يحببكم الله﴾ علامة حبهم إياه اتباع سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

كما قال صلى الله عليه وسلم (من رغب عن سنتى فليس منى) ثم تلا قوله تعالى ﴿قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله﴾ وقيل ﴿اتبعونى﴾ على البر والتقوى والتواضع وذلة النفس.

وعن السيدة عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (الشرك أخفى من دبيب الذر على الصفا فى الليلة الظلماء، وأدناه أن يحب على شىء من الجور ويبغض على شىء من العدل، وهل الدين إلا البغض والحب فى الله) قال الله تعالى ﴿قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله﴾.

وقد سئل سفيان بن عيينه عن قوله صلى الله عليه وسلم (المرء مع من أحب) فقال: ألم تسمع قول الله ﴿قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله﴾ يقول: يقربكم، والحب هو القرب، والله لا يحب الكافرين أى لا يقرب الكافرين.

والمحبة ميل النفس إلى الشىء لكمال أدركته فيه بحيث يحملها على ما يقربها إليه والعبد إذا علم أن الكمال الحقيقى ليس إلا لله وأن كل ما يراه كمالا من نفسه أو غيره فهو من الله وبالله وإلى الله، فلم يكن حبه إلا لله وفى الله، وذلك يقتضى إرادة طاعته والرغبة فيما يقربه إليه، ففسرت المحبة بإرادة الطاعة وجعلت ملزمة لإتباع الرسول فى عبادته والحرص على مطاوعته وكان جواب الأمر ﴿يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم﴾ أى يرضى عنكم ويكشف الحجب عن قلوبكم بالتجاوز عما فرط منكم فيقربكم من جناب عزه ويبوئكم فى جوار قدسه، وعبر عن ذلك بالمحبة على طريق الاستعارة ﴿والله غفور رحيم﴾ لمن تحبب إليه بطاعته واتباع نبيه صلى الله عليه وسلم ﴿قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين﴾ وأن محبته مخصوصة بالمؤمنين الطائعين، ومن هنا يأتى الاقتفاء الفريد النفيس للإمام فخر الدين رضى الله عنه فيقول:

فطاعة إبراهيم إن رمتم الهـدى      كمال عطائى بل نجاح المقاصد

فإذا تجولنا فى هذا البيت النفيس فكأنه رضى الله عنه يحثنا على (الطاعة) التى هى النجاة لأن قوام طريق القوم حب وطاعة، وأى مقام قام بالإستقامة، وتعالى معى أيها القارئ الكريم لنذهب إلى أهل اللغة فنجد أن كلمة (طاعة) معناها التسليم والإنقياد والإتباع، والاسم (إبراهيم) هو الوارث المطاع وهو إشارة إلى من يرثه من بعده، كما قال الصديق رضى الله عنه عندما تولى الخلافة (أطيعونى ما أطعت الله فيكم) ويسترسل الإمام فخر الدين فيقول (إن رمتم الهدى) أى إذا أردتم النجاح والفلاح والرشاد والوصول إلى الله تعالى ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، و(الهدى) مشتقة من اسم الله (الهادى) وهو الذى بصر عباده وعرفهم طريق معرفته حتى أقروا بربوبيته وهدى كل مخلوق إليه، فيقول سبحانه ﴿إن علينا للهدى﴾ أى إن علينا أن نبين طريق الهدى من طريق الضلال وفى حديثه صلى الله عليه وسلم للإمام على كرم الله وجهه (سل الله الهدى) ثم قال رضى الله عنه بعد ذلك (كمال عطائى) أى كمال وتمام السعادة لأن كفهم كف الجود كما أن السخاء عطائهم، فيشرب محبهم من كفهم صافى العذب حيث حانتهم مملوءة بسلسبيل العطايا، والإعطاء من العطية وهى إشارة إلى السعادة الأبدية التى هى ضد الشقاء، ثم قال رضى الله عنه (بل نجاح المقاصد) والنجاح هو الظفر بالحوائج والفلاح.

أحمد خليل