السيدة فاطمة الزهراء�� رضي
الله عنها 3
مازلنا في الاحتفال بزواج السيدة فاطمة الزهراء رضى الله عنها والإمام
على كرم الله وجهه، وفى حديث ابن عباس: أن سعدا لما خرج له ثم لقيه سعد، فحثه عليه
من غير أن يعلم أحدهم بما فعله الآخر.
ولا حديث أسماء. إذ مرادها وليمة على ما قام به بنفسه غير ما جاء به
الأنصار وسعد.
أو أن الوليمة تعددت فيما دفعه المصطفى لها للنساء.
وبقية حديثها يشهد له وذاك للرجال.
ولا حديث أنس المصرح بإيقاعه عليهما، لتغاير الكيفية كما أفاده المحب
الطبرى.
وعن جابر، لما حضرنا عرس على وفاطمة رضى الله عنهما فما رأينا عرسا كان
أحسن منه.
حشونا الفراش يعنى الليف - وأتينا بتمر وزبيب فأكلن. وكان فراشها ليلة
عرسها إهاب كبش.
رواه البزار. وفيه ضعف وعن على قال: خطبت فاطمة إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقالت مولاة لى: هل علمت أن فاطمة خطبت إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم؟ قلت: لا.
قالت: فقد خطبت. فما يمنعك أن تأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فيزوجك؟! فقلت: أو عندى شئ أتزوج به؟ فقالت: إنك إن جئته زوجك. فوالله ما زالت
ترجينى حتى دخلت عليه - وكانت له جلالة وهيبة - فلما قعدت بين يديه أفحمت، فما
استطعت أن أتكلم جلالة وهيبة! فقال: ما جاء بك؟ ألك حاجة؟! فسكت.
فقال: لعلك جئت تخطب فاطمة؟! قلت: نعم.
قال: وهل عندك من شئ تستحلها به؟.
فقلت: ما فعلت درع سلّحتكها؟.
فوالذى نفس على بيده إنها لحطمية. ما قيمتها أربعة دراهم. فقلت: عندى.
فقال: قد زوجتكها فابعث إليها بها فاستحلها بها، فإن كانت لصدق فاطمة. بنت رسول
الله صلى الله عليه وسلم.
قال: المحب الطبرى: يشبه أن العقد وقع على الدرع وبعث بها على ثم ردها
إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليبيعها فباعها، وأتاه بثمنه.
ثم هذه الأحاديث وقائع حال فعلية محتملة، فعدم تصريح على بالقبول فيها
لا يدل على عدم اشتراطه لاحتمال أنه قيل ما شاء لمن شاء.
ولا تدل أيضا على عدم وجوب تسمية المهر في العقد بدليل ما رواه أبو داود
عن ابن عباس قال: لما تزوج على فاطمة قال له المصطفى: أعطها شيئ. قال: ما عندى شئ.
قال: أنى درعك الحطمية؟! فقوله: لما تزوج، فيه تصريح بأنه إنما ذكر ذلك
بعد وقوع العقد.
وروى إسحاق - بسند ضعيف - عن على أنه لما تزوج فاطمة قال له رسول الله
صلى الله عليه وسلم ؟اجعل عامة الصداق في الطيب؟.
وعن أبى يعلى بسند ضعيف عن على قال: خطبت إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم ابنته فاطمة. قال: فباع على درعا وبعض ما باع من متاعه، فبلغ أربعمائة وثمانين
درهما، وأمر رسول الله أن يجعل ثلثين في الطيب وثلثا في الثياب، ومج في جرة من ماء
وأمرهم أن يغتسلوا به وأمرها أن لا تستبقه برضاع ولدها فسبقته برضاع الحسين، وأما
الحسن فإنه عليه الصلاة والسلام صنع في فيه شيئا لا ندرى ما هو فكان أعلم الرجلين.
وعن على بن أحمد اليشكرى أن عليا تزوج فاطمة فباع بعيرا له بثمانين
وأربعمائة درهم. فقال المصطفى: اجعلوا ثلثين في الطيب، وثلثا في الثياب.
رواه ابن سعد في الطبقات وهذا لا ينافيه ما مر أنه أصدقها ذلك الدرع،
لأن الدرع هو الصداق، وثمن البعير قام بما لها ما عليه من حقوق الوليمة واللوازم
العرفية والعادية ونحو ذلك. وعن حجر بن عنبس - وكان قد أدرك الجاهلية لكنه لم ير
المصطفى - قال: خطب أبو بكر وعمر إلى رسول الله فاطمة، فقال رسول الله: ؟هى لك يا
على؟ رواه الطبرانى بإسناد صحيح وعن حجر المذكور قال: خطب على إلى رسول الله فاطمة،
فقال: ؟هى لك يا على لست بدخال؟ أى لأنه كان قد وعده فقال: إنى لا أخلف الوعد.
رواه البزار ورجاله ثقات وظاهر حديث حجر الأول أن المصطفى لما خطبها
الشيخان ابتدأ عليا فزوجه إياها بغير طلب.
وظاهر الباقى أنه لما خطباها علم على فجاء فخطبها، فأجابه، ويدل عليه
كثير من الأخبار المارة.
والظاهر أن الواقعة تعددت فخطباها فلم يجب، ولم يرد، فجاء على فوعده
وسكت، فلما يعلما بوعده، فأعاد الخطبة، فابتدأ وزوجها من على لسبق إجابته له.
وفى حديث عكرمة: أنه استأذنها قبل تزويجها منه، فقد روى ابن سعد عن عطا
قال: خطب على فاطمة فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن عليا يريد يتزوجك،
فسكتت، فزوجحا.
ففيه أنه يستحب استئذان البكر، وأن إذنها سكوتها، وعليه الشافعى.
وروى ابن أبى حاتم عن أنس وأحمد عنه بنحوه قال: جاء أبو بكر وعمر
يخطبان فاطمة إلى المصطفى فسكت ولم يرجع إليهما شيئا، فانطلقا إلى على يأمرانه
يطلب ذلك. قال على. فنهانى لأمر فقمت أجرر ردائى حتى أتيته فقلت: تزوجنى فاطمة؟
قال: وعندك شيء؟ قلت: فرسى وبدنى. قال: أما فرسك، فلا بد لك منه، وأما بدنك - أى
درعك - فبعها، فبعتها بأربعمائة وثمانين فجئته بها، فوضعها في حجرة، فقبض منها
قبضة فقال: أى بلال، ابتع بها طيبا وأمرهم أن يجهزوه. فجعل لها سريرا مشروطا،
ووسادة من أدم حشوها ليف، وقال لى: إذا أتيت فلا تحدثن شيئا حتى آتيك فجئت مع أم
أيمن فقعدت في جانب البيت وأنا في جانب، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ها
هنا أخى..قالت أم أيمن: أخوك وتزوجه ابنتك؟! قال نعم، فقال لفاطمة: آتينى بماء،
فقامت فأتت بعقب - أى قدح - في البيت فيه ماء، فأخذه ومج فيه، ثم قال لها تقدمى،
فتقدمت، فنفخ بين يديها، وعلى رأسها وقال: اللهم إنى أعيذها بك وذريتها من الشيطان
الرجيم، ثم قال: أدبرى فأدبرت، وصب بين كتفيها، ثم فعل مثل ذلك مع على. ثم قال له:
ادخل بأهلك باسم الله والبركة.
وأخرج الخطيب البغدادى في كتاب التلخيص عن أنس قال: بينما أنا عند
المصطفى إذا غشيه الوحى، فلما سرى عنه قال لى: تدرى ما جاء به جبريل من عند صاحب
العرش؟ إن الله أمرنى أن أزوج فاطمة من على. انطلق فادع لى أبا بكر وعمر وعثمان،
وعبد الرحمن بن عوف، وعدة من الأنصار. فلما اجتمعوا، وأخذوا مجالسهم - وكان على
غائبا - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحمد لله المحمود بنعمته، المعبود
بقدرته، المطاع سلطانه، النافذ أمره في سمائه وأرضه، الذى خلق الخلق بقدرته وميزهم
بأحكامه، وأعزهم بدينه، وأكرمهم بنبيهم محمدا إن الله - تبارك اسمه وتعالت عظمته -
قال عز من قائل: وهو الّذى خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربّك قديرا.
فأمر الله مجرى إلى قضائه، وقضاؤه مجرى إلى قدره، ولكل قدر أجل، ولكل
أجل كتاب، يمحو ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب.
ثم إن الله أمرنى أن أزوج فاطمة من على، فاشهدوا على أنى قد زوجته على
أربعمائة مثقال فضة إن رضى على بذلك. ثم دعا بطبق من بسر. ثم قال انتبهوا فانتبهنا،
ودخل على فتبسم النبى في وجهه ثم قال: إن الله أمرنى أن أزوجك فاطمة على أربعمائة
مثقال فضل، أرضيت؟ فقال: رضيت.
زاد ابن شاذان في رواية: ثم خر على ساجدا شكرا لله تعالى.
فقال المصطفى: جمع الله شملكما وبارك عليكما، وأخرج منكما صالحا
طيبا.
زاد في رواية ابن شاذان: وجعل نسلكما مفاتيح الرحمة ومعدن الحكمة.
وهذه واقعة محتملة كما مر لأن يكون على قبل لما حضر وعلم.
محمد سيد
شذرات وقطوف
نوادر الصـدقة
دخلت امرأة شلاء على السيدة عائشة رضى الله عنها فقالت: كان أبى يحب
الصدقة وأمى تبغضها، لم تتصدق في عمرها إلا بقطعة شحم وخلقة، فرأيت في المنام كأن
القيامة قد قامت، وكأن أمى قد غطت عورتها بالخلقة وفى يدها الشحمة تلحسها من العطش،
فذهبت إلى أبى وهو على حافة حوض يسقى الناس، فطلبت منه قدحا من ماء فسقيت أمى،
فنوديت من فوقى ألا من سقاها، شل الله يدها، فانتبهت كما ترين.
ووقف سائل على امرأة وهى تتعشى فقامت فوضعت لقمة في فمه، ثم بكرت إلى
زوجها في مزرعته، فوضعت ولدها عنده وقامت لحاجة تريد قضاءها، فاختلسه الذئب، فوقفت
وقالت: يا رب ولدى، فأتاها آت فأخذ بعنق الذئب، فاستخرجت ولدها من غير أذى ولا ضرر،
فقال لها: هذه اللقمة بتلك اللقمة التى وضعتها في فم السائل.
ووجه رجل ابنه في تجارة فمضت أشهر ولم يقع له على خبر، فتصدق برغيفين
وأرخ ذلك اليوم، فلما كان بعد سنة رجع ابنه سالما رابحا، فسأله أبوه: هل أصابك في
سفرك بلاء، قال: نعم غرقت السفينة بنا في وسط البحر، وغرقت في جملة الناس، وإذا
بشابين أخذانى فطرحانى على الشط، وقالا لى: قل لوالدك هذا برغيفين فكيف لو تصدقت
بأكثر من ذلك؟.
وقال سيدنا على رضى الله تعالى عنه وكرم الله وجهه: إذا وجدت من أهل
الفاقة من يحمل لك زادك فيوافيك به حيث تحتاج إليه، فاغتنم حمله إياه، ولله در
القائل حيث قال:
وإنما يبقى الذى يذهــب يبكى على الذاهب من ماله
وحكى أن رجلا جلس يوما يأكل هو وزوجته وبين أيديهما دجاجة مشوية، فوقف
سائل ببابه، فخرج إليه وانتهره، فذهب، فاتفق بعد ذلك أن الرجل افتقر وزالت نعمته،
وطلق زوجته، وتزوجت بعده برجل آخر، فجلس يأكل معها في بعض الأيام وبين يديهما دجاجة
مشوية، وإذا بسائل يطرق الباب، فقال الرجل لزوجته: ادفعى إليه هذه الدجاجة، فخرجت
بها إليه فإذا هو زوجها الأول، فدفعت إليه الدجاجة ورجعت وهى باكية، فسألها زوجها
عن بكائها، فأخبرته أن السائل كان زوجها، وذكرت له قصتها مع ذلك السائل الذى انتهره
زوجها الأول، فقال لها زوجها: أنا والله ذلك السائل الأول.
وكان الإمام الحسن بن الإمام على رضى الله عنهما يطوف بالبيت، ثم صار
إلى المقام فصلى ركعتين، ثم وضع خده على المقام فجعل يبكى ويقول: عبيدك ببابك،
خويدمك ببابك، سائلك ببابك، مسيكينك ببابك، وأخذ يردد ذلك مرارا، ثم انصرف رضى الله
عنه، فمر بمساكين معهم فلق خبز يأكلون، فسلم عليهم فدعوه إلى الطعام، فجلس معهم،
وقال: لولا أنه صدقة لأكلت معـكم، ثم قال: قوموا بنا إلى منزلى، فتوجهوا معه،
فأطعمهـم وكساهم وأمر لهم بدراهم.
من خادم إلى سيد
قال الشعبى: دخلت على الحجاج حين قدم العراق، فسألنى عن اسمى، فأخبرته،
ثم قال: يا شعبى: كيف علمك بكتاب الله؟ قلت: عنى يؤخذ، قال: كيف علمك بالفرائض؟
قلت: إلىّ فيها المنتهى، قال: كيف علمك بأنساب الناس؟ قلت: أنا الفيصل فيها، قال:
كيف علمك بالشعر؟ قلت: أنا ديوانه، قال: لله أبوك، وفرض لى أموالا، وسودنى على
قومى، فدخلت عليه وأنا صعلوك من صعاليك همدان، وخرجت وأنا سيدهم.
حماقة
وحكى أن أحمقين اصطحبا في طريق، فقال أحدهما للآخر: تعال نتمن على الله
فإن الطريق تقطع بالحديث، فقال أحدهما: أنا أتمنى قطائع غنم أنتفع بلبنها ولحمها
وصوفها، وقال الأخر: أنا أتمنى قطائع ذئاب أرسلها على غنمك حتى لا تترك منهاشيئا.
قال: ويحك أهذا من حق الصحبة وحرمة العشرة، فتصايحا وتخاصما واشتدت
الخصومة بينهما حتى تماسكا بالأطواق، ثم تراضيا من أن أول من يطلع عليهما يكون حكما
بينهما، فطلع عليهما شيخ بحمار عليه زقان من عسل، فحدثاه بحديثهما، فنزل بالزقين
وفتحهما حتى سال العسل على التراب، قال: صب الله دمى مثل هذا العسل إن لم تكونا
أحمقين.
وعن جابر بن عبد الله رضى الله عنه قال: كان رجل يتعبد في صومعة فأمطرت
السماء، وأعشبت الأرض، فرأى حماره يرعى في ذلك العشب، فقال: يارب لو كان لك حمار
لرعيته مع حمارى هذا، فبلغ ذلك بعض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فهم أن يدعو
عليه، فأوحى الله إليه: لا تدع عليه فإنى أجازى العباد على قدر عقولهم، ويقال فلان
ذو حمق وافر وعقل نافر ليس معه من العقل إلا ما يوجب حجة الله عليه.
حسين محمد
|