تذنب بالرحبة ونستغفر
لك ببغداد
قال أبو عمرو بن علوان: خرجت يوما إلى سوق الرحبة في حاجة، فرأيت
جنازة، فتبعتها لأصلى عليها، فوقفت حتى تدفن، فوقعت عينى على امرأة مسفرة -من غير
تعمدـ فألححت بالنظر إليها، واسترجعت واستغفرت الله تعالى وعدت إلى منزلى، فقالت
عجوز لى: يا سيدى مالى أرى وجهك أسـود؟! فأخذت المرآة فنـظرت فإذا هو كما قالت،
فراجعت نفـسى أنظر من أين ذهبت، فتذكرت النظرة، فانفردت في موضع أستغفر الله وأسأله
التوبة، فخطر في قلبى: أن زر شيخك الجنيد! فانحدرت إلى بغداد، فلما جئت حجرته طرقت
الباب، فقال لى: ادخل يا أبا عمرو، تذنب بالرحبة ونستغفر لك ببغداد.
وقال على بن ابرهيم الحداد: حضرت مجلس ابن سريج الفقيه الشافعى، فكان
يتكلم في الفروع والأصول بكلام حسن عجيب، فلما رأى إعجابى قال: أتدرى من أين هذا؟
قلت: لا، قال: هذا ببركة مجالسة أبى القاسم الجنيد.
وقال خير: كنت يوما جالسا في بيتى فخطر لى خاطر، أن الجنيد بالباب
فاخرج إليه، فنقيته عن قلبى وقلت وسوسة، فوقع لى خاطر ثان بأنه على الباب فاخرج
إليه، فنقيته عن سرى، فوقع لى ثالث فعلمت أنه حق، ففتحته، فإذا بالجنيد قائم، فسلم
على وقال لى: يا خير لم لا تخرج مع الخاطر الأول؟!!.
بات الجنيد ليلة العيد في الموضع الذى كان يعتاده في البرية، فإذا هو وقت
السحر بشاب ملتف في عباءته يبكى ويقول:
بحرمة ربتى كم ذا الصـدود
ألا تعطف على ألا تجـــود
سرور العيد قد عم النواحـى
وحزنى في ازدياد لا يبيـــد
فإن كنت اقترفت خلال سوء
فعذرى في الهوى أفلا تـعـود
وقال أبو محمد الجريرى: كنت واقفا على رأس الجنيد وقت وفاته، وكان يوم
جمعة، وهو يقرأ، فقلت: ارفق بنفسك! فقال: ما رأيت أحدا أحوج إليه منى في هذا الوقت،
هو ذا تطوى صحيفتى.
وقال ابن عطاء: دخلت عليه وهو في النزع، فسلمت عليه فلم يرد، ثم رد
بعد ساعة، وقال: اعذرنى! فإنى كنت في وردى ثم حول وجهه إلى القبلة ومات. وكان عند
موته قد ختم القرآن، ثم ابتدأ في البقرة فقرأ سبعين آية.
شيخ أبوه
|