الـحـيـاة الـبـرزخـيـة - 2

أفضل الصلوات على سيد السادات -2

 

الـحـيـاة الـبـرزخـيـة - 2

استكمالا للحديث السابق حول الحياة البرزخية والكلام بعد الموت فقد أورد ابن كثير في تفسير قوله تعالى ﴿الذين يتبعون الرسول النبى الأمى الذى يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم اصرهم والأغلال التى كانت عليهم﴾ فقد أخرج الإمام أحمد حديث عن أبى صخر العقيلى أن رجلا من الأعراب قال: جلبت حلوبة إلى المدينة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما فرغت من بيعى قلت لألقين هذا الرجل لكى أسمع منه -ويقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم- فقابله وهو بين الصديق أبى بكر والفاروق عمر يمشون، فتبعهم حتى أتوا على رجل من اليهود ناشرا التوراة يقرؤها يعزى بها نفسه عن ابن له كأجمل الفتيان وأحسنها وقد مات، فخطابه رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلا: أنشدك بالذى أنزل التوراة هل تجد في كتابك هذا صفتى ومخرجى؟ فأشار اليهودى برأسه لا، فنطق ابنه الميت قائلا: إى والذى أنزل التوراة إنا لنجد في كتابنا صفتك ومخرجك وإنى أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: أقيموا اليهوديعن أخيكم، ثم تولى صلى الله عليه وسلم تكفينه والصلاة عليه.

وأخرج أبونعيم عن ربعى بن حراش قال: كنا أربعة أخوة وكان ربيع أخى أكثرنا صلاة وأكثرنا صياما في العواجر وأنه توفى فبينما نحن حوله وقد بعثنا من يبتاع لنا كفنا اذ كشف الثوب عن وجهه فقال: السلام عليكم فقال القوم وعليكم السلام يا أخا بنى عبس أبعد الموت؟ قال: نعم إنى لقيت ربى عز وجل بعدكم فلقيت ربا غير غضبان فاستقبلنى بروح وريحان واستبرق ألا وإن أبا القاسم صلى الله عليه وسلم ينتظر الصلاة علىّ فعجلونى ولاتأخرونى ثم كان بمنزله حصاة رمى بها في طست. فنمى الحديث إلى السيدة عائشة رضى لله عنها فقالت: أما إنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (يتكلم رجل من أمتى بعد الموت) قال أبونعيم حديث مشهور وأخرجه البيهقى في الدلائل وقال صحيح لاشك فيه، ووردت هذه القصة في كتاب البداية والنهاية لابن كثير الجزء الثالث والحلية وكتاب من عاش بعد الموت وشرح الصدور.

وحول تلقين القصائد من البرزخ فقد روى أبو حاتم الرازى عن قبيصة بن عقبة قال: رأيت سفيان الثورى في المنام فقلت: مافعل الله بك؟ فقال لى:

نظرت إلى ربى كفاحا فقال لى        هنيئا رضائى عنك يا ابن سعيد

لقد كنت قواما إذا أظلم الدجـى        بعبرة مشتاق وقلب عـمـيـد

فدونك فاختر أى قصر أردتـه         وزرنى فإنى عنك غير بعيـد

وقد أورها أيضا صاحب البداية والنهاية في المجلد السابع بلفظ آخر عن طريق الشيخ الموفق.

ومن كتاب السيد إبراهيم الدسوقى طبعة المجلس الأعلى للشئون الإسلامية التابع لوزارة الأوقاف -لجنة التعريف بالإسلام- ذكر المؤلف قصة تلقين الحزب الصغير من سيدى إبراهيم الدسوقى رضى الله عنه بعد انتقاله لأحد مريديه بالنص الآتى:

وفى شرح الحروف التى وردت في الحزب الصغير ذكر الحافظ أحمد بن المبارك السجلماسى هذه القصة قال:

قدم علينا بعض أصحابنا من أخيار أهل تلمسان فأخبرنى أنه سمع بعض من حج بيت الله الحرام يقول: انه زار قبر سيدى إبراهيم الدسوقى نفعنا الله به فوقف عليه الشيخ سيدى إبراهيم الدسوقى نفعنا الله به وعلمه دعاء وهو (بسم الإله الخالق الأكبر وهو حرز مانع مما أخاف وأحذر لا قدرة لمخلوق مع قدرة الخالق يلجمه بلجام قدرته أحمى حميثا أطمى طميثا وكان الله قوياعزيزا، حم عسق حمايتنا كهيعص كفايتنا فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم ولا حول ولاقوة الا بالله العلى العظيم) وهذا هو الحزب الصغير له رضى الله عنه لقنه لصاحب القصة بنفسه والقصة موجودة أيضا في كتاب الإبريز لسيدى عبد العزيز الدباغ.

وقد أيد ابن تيميه هذه الوقائع في كتاب (اقتضاء الصراط المستقيم) لابن تيميه حيث قال: ما يروى من أن قوما سمعوا رد السلام من قبر النبى صلى الله عليه وسلم أو قبور غيره من الصالحين وأن سعيد بن المسيب كان يسمع الأذان من القبر ليالى الحرة ونحو ذلك، ثم قال في موضع آخر:

وكذلك ما يذكر من الكرامات وخوارق العادات التى توجد عند قبور الأنبياء والصالحين مثل نزول الأنوار والملائكة عندها وتوقى الشياطين والبهائم لها، واندفاع النار عنها وعمن جاورها، وشفاعة بعضهم في جيرانه من الموتى واستحباب الاندفان عند بعضهم وحصول الأنس والسكينة عندها ونزول العذاب بمن استهان بها، فجنس هذا حق ليس مما نحن فيه ومافى قبور الأنبياء والصالحين من كرامة الله ورحمته وما لها عند الله من الحرمة والكرامة فوق مايتوهمه أكثر الخلق.

محمد سيد

أفضل الصلوات على سيد السادات -2

أخرج أحمد والحكيم والترمذي في نوادر الأصول وابن منده عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أعمالكم تعرض على أقاربكم وعشائركم من الأموات فإن كان خيراً استبشروا به، وإن كان غير ذلك قالوا: اللهم لا تمتهم حتى تهديهم كما هديتنا).وأخرجالطيالسي في مسنده عن جابر بن عبدالله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أعمالكم تعرض على عشائركم وأقاربكم في قبورهم، فإن كان خيراً استبشروا، وإن كان غير ذلك قالوا اللهم ألهمهم أن يعملوا بطاعتك).

وأخرج ابن المبارك وابن أبي الدنيا عن أبي أيوب قال (تعرض أعمالكم على الموتى، فإن رأوا حسناً فرحوا واستبشروا، وإن رأوا سوءاً قالوا اللهم راجع به). وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف والحكيم والترمذي وابن أبي الدنيا عن إبراهيم بن مسيرة قال: غزا أبو أيوب القسطنطينية فمر بقاص وهو يقول: إذا عمل العبد العمل في صدر النهار عرض على معارفه إذا أمسى من أهل الآخرة وإذا عمل العمل في آخر النهار عرض على معارفه إذا أصبح من أهل الآخرة فقال أبو أيوب انظر ما تقول قال والله انهم كليهما أقول فقال - أبو أيوب (اللهم إني أعوذ بك أن تفضحني). عن عبادة بن الصامت وسعد بن عبادة بما عملت بعدهم، فقال القاص والله لا يكتب الله ولايته لعبد إلا ستر عوراته، وأثنى عليه بأحسن عمله. وأخرج الحكيم الترمذي في نوادره من حديث عبدالغفور بن عبدالعزيز عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (تعرض الأعمال يوم الاثنين ويوم الخميس على الله وتعرض على الأنبياء وعلى الآباء والأمهات يوم الجمعة، فيفرحون بحسناتهم وتزداد وجوههم بياضاً وإشراقاً، فاتقوا الله ولا تؤذوا أمواتكم).

وأخرج الحكيم الترمذي وابن أبي الدنيا في كتاب المنامات والبيهقي في شعب الإيمان عن النعمان بن بشير قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (الله الله في إخوانكم من أهل القبور فإن أعمالكم تعرض عليهم).

وأخرج ابن أبي الدنيا والأصبهاني في الترغيب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تفضحوا موتاكم بسيئات أعمالكم فإنها تعرض على أوليائكم من أهل القبور) وأخرج ابن أبي الدنيا وابن منده وابن عساكر عن أحمد بن عبدالله بن أبي الحواري، قال حدثني أخي محمد بن عبدالله، قال دخل عباد ا لخواص على إبراهيم بن صالح الهاشمي وهو أمير فلسطين، فقال له إبراهيم عظني، فقال قد بلغني أن أعمال الأحياء تعرض على أقاربهم من الموتى، فانظرما تعرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم من عملك. وأخرج ابن أبي الدنيا عن أبي الدرداء أنه كان يقول: اللهم إني أعوذ بك أن يمقتني خالي عبدالله بن رواحة إذا لقيته.

وأخرج ابن المبارك والأصبهاني عن أبي الدرداء قال: إن أعمالكم تعرض على موتاكم فيسرون ويساءون ويقول اللهم إني أعوذ بك أن أعمل عملاً يخزي عبدالله بن رواحة وأخرج أيضاً ابن المبارك عن عثمان بن عبدالله بن أوس أن سعيد بن جبير قال له أستأذن على ابنة أخي وهي زوجة عثمان وهي ابن عمرو بن أوس، فاستأذن له عليها فدخل فقال كيف يفعل بك زوجك قالت إنه إليَّ لمحسن ما استطاع فقاليا عثمان أحسن إليها فإنك لا تصنع بها شيئاً إلا جاء عمرو بن أوس فقلت وهل تأتي الأموات أخبار الأحياء؟ قال نعم ما من أحد له حميم إلا فـيأتيه أقاربه فإن كان خيراً أُسر به وفرح وهنئ به وإن كان شراً ابتأس به وحزن حتى أنهم يسألونه عن الرجـل قد مات فيقال أو لم يأتكم فيـقولون لا خولف به إلى أمه الهاوية. وأخرج ابن أبي الدنيا من طريق أبي بكر بن عياش عن حفار كان في بن أسد قال كنت في المقابر ليلة إذ سمعت قائلاً من قبر، يا عبدالله قال مالك يا جابر قال غداً تأتينا أمة قال وما ينفعها لا تصل إلينا إن أبي قد غضب عليها وحلف أن لا يصلي عليها فلما كان من غد جاءني رجل فقال احفر لي هنـا قبراً بين القبرين اللذين سمعت منهما الكلام فقلت اسم هذا جابر واسم هذا عبدالله قال نعم فأخبرته بما سمعت فقال نعم وقد كنت حلفت أن لا أصلي عليهما- فلأكفرن عن يميني ولأصلين عليهما- وأخرج أبو نعيم عن ابن مسعود قال صلّ من كان أبوك يصِلَهُ فإن صلة الميت في قبره أن يصل من كان أبوه يواصله، وأخرج ابن حبان عن ابن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أحب أن يصل أباه في قبره فليصل أخوان أبيه من بعده) وأخرج أبو داود وابن حبان عن أبي اسيد الشاعري قال: جاء رجل إلى النبي صلي الله عليه وسلم فقال يا رسول الله هل بقي علي من بر والدي شيء أبرهما به بعد موتهم. قال (نعم أربع خصال بقين عليك الدعاء وانفاذ عهديهما وإكرام صديقهما وصلة الرحم التي لا رحم لك إلا من قبلهما).

ما جاء في تلقين الإنسان بعد موته شهادة
الإخلاص في لحده

ذكر أبو محمد عبدالحق يروي عن أبي أمامة الباهلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا مات أحدكم فسويتم عليه التراب فليقم أحدكم على رأس قبره ثم يقول يا فلان بن فلانة فإنه يسمع ولا يجيب، ثم ليقل يا فلان بن فلانة الثـانية فإنه يستوي قاعداً ثم يقول يا فلان بن فلانة الـثالثة فإه يقول أرشدنا رحمك الله ولكنكم لا تسمـعون فيقول: اذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله وأنك رضيت بالله رباً وبالإسـلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً، وبالقرآن إماماً فإن منكراً ونكيراً يتأخر كل واحد منهما ويقول: انطـلق بنا ما يقعدنا عند هذا، وقد لقن حجته ويكون الله حجيجهما دونه، فقال رجل يا رسول الله فإن لم تعرف أمه قال: نيسبه إلى أمه حواء). قال الشيخ المؤلف رحمه الله هكذا ذكره أبو محمد في كتاب العاقبة لم يسنده إلى كتاب ولا إلى إمام، وعادته في كتبه نسبة ما يذكره من الحديث إلى الأئمة وهذا والله أعلم نقله من إحياء علوم الدين للإمام أبي حامد رضي الله عنه.

فنقله كما وجد ولم يزد عليه وهو حديث غريب خرجه الثقفي في الأربعين له أنبأه الشيخ المسن الحاج الراوية أبو محمد عبدالوهاب بن ظافر بن علي بن فتوح بن أبي الحسن القرشي عرف بابن رواح بمسجده بثغر الاسكندرية حماه الله، والشيخ الفقيه الإمام مفتي الأنام أبوالحسن علي بن هبة الله الشافعي بمنية ابن خصيب على ظهـر النيل بها قالا جميعاً حدثنا الشيخ الإمام الحافظ أبو ظاهر أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد السـلفي الأصبهاني قال: أخبرنا الرئيس أبوعبدالله القاسم بن الفضل بن أحمد بن محمود الثقفي بأصبهان: أخبرنا أبو علي الحسين بن عبدالرحمن بن محمد بن عبدان التاجر بنيسابور. حدثنا أبوالعباس محمد بن يعقوب الأصم حدثنا أبو الدرداء هاشم بن يعلى الأنصاري حدثنا عتبة بن السكن الفزاري الحمصي عن أبي زكريا عن حماد بن زيد عن سعيد الأزدي قال: دخلت على أبي أمامة الباهلي وهو في النزع وقال لي يا سعيد إذا أنا مت فاصنعوا بي كما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصنع بموتانا فقال: إذا مات الرجل منكم فدفـنتمـوه فليقم أحدكم عند رأسه فليقل يا فلان يا فلان بن فلانة فإنه سيسمع فليقل يا فلان بن فلانة فإنه يستوي قاعداً فليقل يا فلان بن فلانة فإنهسيقول: أرشدنا يرحمك الله فليقل اذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله وزن محمداً عبده ورسوله وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله باعث من في القبور فإن منكر ونكير عند ذلك يأخذ كل واحد واحد منهما بيد صاحبه ويقول: ما نصنع عند رجل لقن حجته فيكون الله حجيجهما دونه حديث أبي أمامه في النزع غريب من حديث حماد بن زيد ما كتبناه إلا من حديث سعيد الأزدي قال أبو محمد عبدالحق: وقال شيبة بن أبي شيبة: أوصتني أمي عند موتها فقالت لي يا بني إذا دفنتني فقم عند قبري وقل يا أم شيبة قولي لا إله إلا الله ثم انصرف فلما كان من ا لليل رأيتها في المنام فقالت لي يا بني لقد كدت أن أهلك لولا أن تداركتني لا إله إلا الله فلقد حفظتني في وصيتي يا بني. قال الشيخ المؤلف: قال شيخنا أبوالعباس أحمد بن عمر القرطبي: ينبغي أن يرشـد الميت في قبره حيث يوضع فيه إلى جواب السؤال ويذكر بذلك فيقال له قل الله ربي والإسلام ديني ومحمـد رسولي فإنه عن ذلك يسأل كما جاءت الأخبار على ما يأتي إن شاء الله وقد جرى العمل عندنا بقرطبة كذلك فيقال قل هو محمد رسول الله وذلك عند هيل التراب ولا يعارض هذا بقوله تعالى ﴿وما أنت بمسمع من في القبور﴾ وقوله ﴿إنك لا تسمع الموتى﴾ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد نادى أهل القليب وأسمعهم وقال ما أنتم بأسمع منهم ولكنهم لا يستطيعون جواباً وقد قال في الميت إنه ليسـمع قرع نعالهم وإن هذا يكون في حال دون حال ووقت دون وقت وسيأتي استيفاء هذا المعنى في باب ما جاء أن الميت يسمع ما يقال إن شاء الله.