أهـل البـيت

التوكل على الله

شراب الوصل

 

أهـل البـيت


سيدنا حمزة - جبل أحد

يقول المولى تبارك وتعالى في كتابه الكريم ﴿إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهير﴾ روى من طرق عديدة صحيحة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء ومعه الإمام على والسيدة فاطمة الزهراء والإمامين الحسن والحسين وقد أخذ كل واحد منهما بيده حتى دخل فأدنى عليا وفاطمة وأجلسهما بين يديه، وأجلس حسنا وحسينا كل واحد منهما على فخذ، ثم لف عليهم كساء، ثم قال ﴿إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهير﴾ وقال (اللهم هؤلاء أهل بيتى، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا) وفى رواية أخرى قال (اللهم هؤلاء آل محمد فاجعل صلواتك وبركاتك على آل محمد كما جعلتها على إبراهيم إنك حميد مجيد) وفى رواية الإمام أحمد قال صلى الله عليه وسلم (اللهم هؤلاء أهل بيتى وأهل بيتى أحق).

وقد ورد عن الصحابى الجليل أنس بن مالك رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يمر ببيت السيدة فاطمة رضى الله عنها ستة أشهر إذا خرج إلى الفجر فيقول الصلاة يا أهل البيت ﴿إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهير﴾ وفى رواية ابن مردويه عن أبى سعيد الخدرى أنه صلى الله عليه وسلم جاء أربعين صباحا إلى باب السيدة فاطمة رضى الله عنها وهو يقول ﴿السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته الصلاة يرحمكم الله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا﴾.

ونقل القرطبى عن سيدنا عبد الله بن عباس رضى الله عنهما في قوله ﴿ولسوف يعطيك ربك فترضى﴾ أنه قال: رضى محمد صلى الله عليه وسلم أن لا يدخل أحد من أهل بيته النار.

وأخرج تمام والبزار والطبرانى وأبو نعيم أنه صلى الله عليه وسلم قال (إن فاطمة أحصنت فرجها فحرم الله ذريتها على النار) وفيما أخرج الطبرانى أنه صلى الله عليه وسلم قال للسيدة فاطمة رضى الله عنها (إن الله غير معذبك ولا أحد من ولدك) وأخرج بعضهم عن الإمام محمد الباقر في تفسير قوله تعالى ﴿أم يحسدون الناس على ما أتاهم الله من فضله﴾ أنه قال: أهل البيت هم الناس في الآية، وأخرج الطبرانى والدارقطنى مرفوعا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (أول من أشفع له من أمتى أهل بيتى ثم الأقرب بالأقرب من قريش ثم الأنصار ثم من آمن بى واتبعنى من اليمن ثم سائر العرب ثم الأعاجم ومن أشفع له أولا أفضل) وعن السيدة فاطمة الزهراء رضى الله عنها أنها أتت بإبنيها فقالت: يا رسول الله هذان ابناك فورثهما شيئا، فقال صلى الله عليه وسلم (أما حسن فله هيبتى وسؤددى وأما حسين فله جراءتى وجودى) وفى رواية أخرى (أما الحسن فقد نحلته حلمى وهيبتى وأما الحسين فنحلته نجدتى وجودى). وذكر الفخر الرازى أن أهل البيت ساووه صلى الله عليه وسلم في خمسة أشياء:

فى التشهد: في الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم وعليهم، وفى السلام: فيقال في التشهد (السلام عليك أيها النبى) وفى قوله تعالى ﴿سلام على إل يس﴾ وفى قراءة أخرى ﴿سلام على آل يس﴾، وفى الطهارة: قال تعالى ﴿طه﴾ أى يا طاهر وقال تعالى ﴿ويطهركم تطهير﴾، وفى تحريم الصدقة، وفى المحبة: قال تعالى ﴿فاتبعونى يحببكم الله﴾ وقال أيضا ﴿قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى﴾ وقوله تعالى ﴿رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت﴾ فالرحمة هى الإكرام لهم مستمرة إلى يوم القيامة، فإن قال قائل أن الآية لسيدنا إبراهيم عليه السلام، نقول نعم، وإنما عادة الله تعالى أن يذكر من البيت أبرزه، وإن أبرز بنى سيدنا إبراهيم عليه السلام، إنما هو سيدنا إسماعيل عليه السلام، وكان رسولا نبيا في بنى إبراهيم، وقد قال صلى الله عليه وسلم (إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريش من كنانة واصطفى من قريش بنى هاشم واصطفانى من بنى هاشم، فأنا خيار من خيار خيار).

عصام مقبول

التوكل على الله

رفع إلى الرشيد أن بدمشق رجلاً من بني أمية عظيم المال والجاه كثير الخيل والجند، يخشى على المملكة منه، وكان الرشيد يومئذ بالكوفة، قال منارة خادم الرشيد: فاستدعاني الرشيد وقال: اركب الساعة إلى دمشق وخذ معك مائة غلام وائتني بفلان الأموي، وهذا كتابي إلى العامل لا توصله له إلا إذا امتنع عليك، فإذا أجاب فقيده وعادله بعد أن تحصي جميع ما تراه وما يتكلم به، واذكر لي حاله ومآله، وقد أجلتك لذهايك ستاً، ولمجيئك ستاً، ولإقامتك يوماً، أفهمت؟ قلت: نعم. قال: فسر على بركة الله، فخرجت أطوي المنازل ليلاً ونهاراً لا أنزل إلا للصلاة أو لقضاء حاجة حتى وصلت ليلة السابع باب دمشق، فلما فتح الباب دخلت قاصداً نحو دار الأموي، فإذا هي دار عظيمة هائلة، ونعمة طائلة، وخدم وحشم، وهيبة ظاهرة، وحشمة وافرة، ومصاطب متسعة، وغلمان فيها جلوس، فهجمت على الدار بغير إذن، فبهتوا وسألوا عني، فقيل لهم: إن هذا رسول أمير المؤمنين، فلما صرت في وسط الدار رأيت أقواماً محتشمين، فظننت أن المطلوب فيهم، فسألت عنه، فقيل لي: هو في الحمام، فأكرموني وأجلسوني، وأمروا بمن معي ومن صحبني إلى مكان آخر، وأنا أتفقد الدار، وأتأمل الأحوال، حتى أقبل الرجل من الحمام ومعه جماعة كثيرة من كهول وشبان وحفدة وغلمان، فسلم علي وسألني عن أمير المؤمنين، فأخبرته وأنه بعافية، فحمد الله تعالى، ثم أحضرت له أطباق الفاكهة فقال: تقدم يا منارة كل معنا، فتأملت تأملاً كثيراً إذ لم يمكنني، فقلت: ما آكل، فلم يعاودني، ورأيت ما لم أره إلا في دار الخلافة، ثم قدم الطعام، فو الله ما رأيت أحسن ترتيباً، ولا أعطر رائحة، ولا أكثر آنية منه، فقال: تقدم يا منارة، فكل. قلت: ليس لي به حاجة، فلم يعاودني ونظرت إلى أصحابي فلم أجد أحداً منهم عندي، فحرت لكثرة حفدته، وعدم من عندي، فلما غسل يديه أحضر له البخور فتبخر، ثم قام فصلى الظهر، فأتم الركوع والسجود، وأكثر من الركوع بعدهما، فلما فرغ استقبلني وقال: ما أقدمك يا منارة؟ فناولته كتاب أمير المؤمنين، فقبله ووضعه على رأسه، ثم فضه وقرأه، فلما فرغ من قراءته استدعى جميع بنيه وخواص أصحابه وغلمانه وسائر عياله، فضاقت الدار بهم على سعتها، فطار عقلي، وما شككت أنه يريد القبض علي، فقال: الطلاق يلزمه والحج والعتق والصدقة، وسائر إيمان البيعة لا يجتمع منكم اثنان في مكان واحد حتى ينكشف أمره، ثم أوصاهم على الحريم ثم استقبلني وقدم رجليه، وقال: هات يا منارة قيودك، فدعوت الحداد فقيده وحمل حتى وضع في المحمل وركبت معه في المحمل، وسرن.فلما صرنا في ظاهر دمشق ابتدأ يحدثني بانبساط ويقول: هذه الضيعة لي تعمل في كل سنة بكذا وكذا، وهذا البستان لي وفيه من غرائب الأشجار وطيب الثمار كذا وكذا، وهذه المزارع يحصل لي منها كل سنة كذا وكذا، فقلت: يا هذا ألست تعلم أن أمير المؤمنين أهمه أمرك حتى أنفذني خلفك وهو بالكوفة ينتظرك، وأنت ذاهب إليه ما تدري ما تقدم عليه، وقد أخرجتك من منزلك ومن بين أهلك ونعمتك وحيداً فريداً، وأنت تحدثني حديثاً غير مفيد ولا نافع لك ولا سألتك عنه، وكان شغلك بنفسك أولى بك، فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، لقد أخطأت فراستي فيك يا منارة مما ظننت أنك عند الخليفة بهذه المكانة إلا لوفور عقلك، فإذا أنت جاهل عامي لا تصلح لمخاطبة الخلفاء، أما خروجي على ما ذكرت فإني على ثقة من ربي الذي بيده ناصيتي وناصية أمير المؤمنين، فهو لا يضر ولا ينفع إلا بمشيئة الله تعالى، فإن كان قد قضى علي بأمر فلا حيلة لي بدفعه ولا قدرة لي على منعه، وإن لم يكن قد قدرعلي بشىء فلو اجتمع أمير المؤمنين وسائر من على وجه الأرض على أن يضروني لم يستطيعوا ذلك إلا بإذن الله تعالى، وما لي ذنب فأخاف، وإنما هذا واش وشى عند أمير المؤمنين ببهتان، وأمير المؤمنين كامل العقل، فإذا اطلع على براءتي فهو لا يستحل مضرتي، وعلي عهد الله لا كلمتك بعدها إلا جواب. ثم أعرض عني وأقبل على التلاوة وما زال كذلك حتى وافينا الكوفة بكرة اليوم الثالث عشر، وإذا النجب قد استقبلتنا من عند أمير المؤمنين تكشف عن أخبارنا، فلما دخلت على الرشيد قبلت الأرض، فقال: هات يا منارة أخبرني من يوم خروجك عني إلى يوم قدومك علي، فابتدأت أحدثه بأموري كلها مفصلة والغضب يظهر في وجهه، فلما انتهيت إلى جمعه لأولاده وغلمانه، وخواصه وضيق الدار بهم، وتفقدي لأصحابي، فلم أجد منهم أحداً أسود وجهه، فلما ذكرت يمينه عليهم تلك الإيمان المغلظة تهلل وجهه، فلما قلت إنه قدم رجليه أسفر وجهه واستبشر، فلما أخبرته بحديثي معه في ضياعه وبساتينه وما قلت له، وما قال لي. قال أمير المؤمنين بعد أن سمع هذا الحديث إن هذا رجل محسود على نعمته، ومكذوب عليه، وقد أزعجناه وأرعبناه وشوشنا عليه وعلى أولاده وأهله. اخرج إليه، وانزع قيوده، وفكه وأدخله علي مكرماً، ففعلت، فلما دخل قبل الأرض، فرحب به أمير المؤمنين وأجلسه، واعتذر إليه، فتكلم بكلام صحيح، فقال له أمير المؤمنين: سل حوائجك، فقال: سرعة رجوعي إلى بلدي وجمع شملي بأهلي وولدي قال: هذا كائن، فسل غيره؟ قال: عدل أمير المؤمنين في عماله ما أحوجني إلى سؤال. قال: فخلع عليه أمير المؤمنين، ثم قال: يا منارة اركب الساعة معه حتى ترده إلى المكان الذي أخذته منه، قم في حفظ الله وودائعه ورعايته ولا تقطع أخبارك عنا وحوائجك، فانظر حسن توكله على خالقه، فإنه من توكل عليه كفاه ومن دعاه لباه، ومن سأله أعطاه ما تمناه.

شراب الوصل

الأكـوان

فما فاز في الأكوان إلا مسالمى        وماخاب إلا من أراد عداوتـى

يقول الحق سبحانه ﴿ثم لايجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسملوا تسليم﴾ ويقول سبحانه في الحديث القدسى (من عادى لى وليا فقد آذنته بالحرب) فقد حذر فيه الحق من عداوة الأولياء والصالحين لأنه سبحانه قد تكفل بالذود عنهم لانشغالهم به ولم يلتفتوا إلى غيره، فيا سعد من كان سلما لأولياءه، وعندما سئل الحبيب صلى الله عليه وسلم من هم أولياء الله؟ قال صلوات ربى وسلامه عليه (الذين إذا رؤوا ذكر الله) فقد فاز في الأكوان دنيا وأخرى من كان محبا لأولياء الله، والخيبة في الدنيا والآخرة لمن عاداهم ولو بالإشارة.

لذلك يقول الإمام فخر الدين رضى الله عنه (فما فاز في الأكوان) الفوز النجاة والظفر بالخير، والأكوان مفردها كون، فسبحان مكون الأكوان أى كل ما كونه الله بكلمة (كن) و(مسالمى) من المسالمة والمصالحة والتسليم بذلك والرضا بالحكم والتسليم من السلام، و(ما خاب) من خاب يخيب خيبة إذا لم ينل ما طلب والخيبة الفشل، و(أراد عداوتى) أراد أى شاء وطلب، العداوة ضد الولى والجمع أعداء وعدو بيّن العداوة.