لشيخ الأكبر والكبريت الأحمر
امتدادا لحديثنا فى العدد السابق أن الحافظ زين الدين العراقى قد
قدح فى حق الإمام الغزالى والشيخ الأكبر محيى الدين بن عربى رضى
الله عنهما، وقد تقدم الحديث عن كتاب "الإحياء" للإمام الغزالى،
أما عن الشيخ محيى الدين بن عربى فنود أن نقول بكل ود: قد ذم
السبكى هذه الطائفة التى تتساهل فى تكفير المسلمين فقال: اعلم أنا
نستعظم القول بالتكفير لأنه يحتاج إلى أمرين عزيزين:
أحدهما: تحرير المعتقد وهو صعب من جهة الإطلاع على ما فى القلب
وتخليصه عما يشتبه وتحريره، ويكاد الشخص يصعب عليه اعتقاد نفسه
فضلا عن غيره.
الثانى: الحكم بأن ذلك كفر أمر صعب من جهة صعوبة علم الكلام ومأخذه
وتمييز الحق من غيره، وإنما يحصل ذلك لرجل جمع صحة الذهن ورياضة
النفس واعتدال المزاج والتهذيب بعلوم النظر والإمتلاء من العلوم
الشرعية وعدم الميل والهوى.
وبعد تحصيل الأمرين يمكن القول بالتكفير أو عدمه، ثم بعد ذلك إما
أن يكون التكفير بشخص خاص فشرط مع ذلك اعتراف الشخص به وهيهات أن
يحصل، وأما البينة فى ذلك فصعب قبولها لأنها تحتاج فى الفهم إلى ما
قدمناه بحروفه.اهـ.
وقد قال الإمام الحافظ الذهبى وهو المعروف بتشدده فى قبول الحديث
عندما سئل عن الشيخ الأكبر قال: أظن أن هذا الشيخ لا يكذب أبدا،
وكذلك قال سيدى جلال الدين السيوطى شيخ الأزهر الشريف، كما حلى
الفيروزبادى معجمه بعبارات من الفتوحات المكية، كما انشغل واشتغل
سيدى عبد الوهاب الشعرانى شيخ الأزهر بكتابات الشيخ الأكبر وخصوصا
الفتوحات المكية وهو من أعظم كتبه فى علم التصوف التى تحتوى على
أكثر من 4000 صفحة، قال فيها الشيخ كنت نويت الحج والعمرة فلما
وصلت
أم القرى
أقام
الله
سبحانه وتعالى فى خاطرى أن اعرف الولى بفنون من المعارف حصلتها فى
غيبتى،
وكان الأغلب هذه منها ما فتح الله سبحانه وتعالى علىّ، ثم طوافى
بيته المكرم،
وقال فى الباب الثامن والأربعين: واعلم أن ترتيب أبواب الفتوحات لم
يكن عن
اختيار ولا عن نظر المذوق وإنما الحق تعالى يملى لنا على لسان ملك
الإلهام
جميع ما نسطره وقد نذكر كلاما بين كلامين لا تعلق له بما قبله ولا
بما بعده
وذلك شبيه بقوله سبحانه وتعالى {حافظوا على الصلوات والصلاة
الوسطى} وردت بين
آيات طلاق ونكاح وعدة ووفاة، وقال: واعلم أن جميع ما أتكلم فيه فى
مجالسى
وتصانيفى إنما هو من حضرة القرآن وخزائنه فإنى أعطيت مفاتيح الفهم
فيه
والإمداد منه.
وفى أوله مقدمة فى فهرسة ذكر فيه خمسمائة وستين بابا، والباب
التاسع والخمسون وخمسمائة منه باب عظيم جمع فيه أسرار الفتوحات
كلها وجد
بخطه فى آخر الفتوحات من هذا الباب سنة تسع وعشرين وستمائة.
وللشيخ الأكبر فتوحات مدنية وقد اختصرها الشيخ عبد الوهاب بن أحمد
الشعرانى المتوفى سنة ثلاث وسبعين وتسعمائة وسماه "لواقح الأنوار
القدسية المنتقاة من الفتوحات المكية"
وفرغ فى ذى الحجة سنة ستين وتسعمائة، ثم لخص ذلك التلخيص ثانيا
وسماه"
الكبريت الأحمر" من علوم ذكر فيه أن جماعة من مشايخ عصر بمصر سألوه
اختصاره
بمعنى أنه حذف لهم منه كل ما لا تمس الحاجة إليه من المسائل لا
بمعنى
تقليل اللفظ وتكثير المعنى فأجاب ولم يخرج عن ترتيب الشيخ على
خمسمائة
وستين بابا.
قال الشعرانى فى مختصر الفتوحات: وقد توقفت حال الاختصار فى مواضع
كثيرة منها لم يظهر لى موافقتها
لما عليه أهل السنة والجماعة فحذفتها من هذا المختصر، وربما سهوت
فتتبعت ما
فى الكتاب كما وقع للبيضاوى مع الزمخشرى ثم لم أزل كذلك أظن أن
المواضع
التى حذفت ثابتة عن الشيخ محيى الدين حتى قدم علينا الأخ العالم
الشريف
شمس الدين السيد محمد بن السيد أبى الطيب المدنى المتوفى سنة خمس
وخمسين
وتسعمائة فذاكرته فى ذلك فأخرج إلى نسخة من الفتوحات التى قابلها
على النسخة التى عليها خط الشيخ محيى الدين نفسه بقونية فلم أر
فيها شيئا مما
توقفت فيه وحذفته فعلمت أن النسخ التى فى مصر الآن كلها كتبت من
النسخة
التى دسوا على الشيخ فيها ما يخالف عقائد أهل السنة والجماعة كما
وقع له
ذلك فى كتاب "فصوص
الحكم"
وغيره وقد أطلعنى الأخ الصالح السيد الشريف المدنى على صورة ما رآه
مكتوبا
بخط الشيخ محيى الدين وغيره على النسخة التى وقفها الشيخ فى
(قونية) وهو وقف محمد بن على بن عربى الطائى هذا الكتاب على جميع
المسلمين وفى آخره وقد
تم هذا الكتاب على يد منشئه وهو النسخة الثانية منه بكرة يوم
الأربعاء الرابع والعشرين من شهر ربيع الأول سنة ست وثلاثين
وستمائة وكتبه منشئه، وهذه النسخة فى سبعة وثلاثين مجلدا وفيها
زيادات على النسخة
الأولى التى دس
الملحدون
فيها العقائد الشنيعة، وفى ظهره ترجمة اسم الكتاب بخطه وتحته بخط
الشيخ صدر الدين القونوى إنشاء مولانا شيخ الإسلام وصفوة الأنام
محيى الدين بن عربى وتحته ملك هذه المجلدة لمحمد بن إسحاق القونوى
وتحته أيضا
بخط الشيخ صدر الدين رواية محمد بن أبى بكر بن ميذار التبريزى
سماعا منه
انتقل إلى خادمه وربيب لطفه محمد بن إسحاق سنة سبع وثلاثين
وستمائة.
محمد صفوت جعفر
|