واحة الثقافة والأدب

قصص

نفحات وعبر

قصص

طول الأمل

قيل للإسكندر: ما سرور الدنيا؟ قال: الرضا بما رزقت منها. قيل: فما غمها؟ قال: الحرص عليها.

وقال الحسن: لو رأيت الأجل ومروره لنسيت الأمل وغروره.

وقال أبو سعيد الخدرى رضى الله عنه: اشترى أسامة بن زيد وليمة بمائة دينار إلى شهر، فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ألا تعجبون من أسامة اشترى إلى شهر؟ إن أسامة لطويل الأمل".

وقال ابن عباس رضى الله عنهما: كان نبى الله صلى الله عليه وسلم يخرج فيبول ثم يمسح بالتراب، فأقول: إن الماء منك قريب، فيقول: ما يدرينى لعلى ما أبلغه.

وعن أبى هريرة رضى الله عنه يرفعه: لا يزال الكبير شابا فى اثنين، حب المال وطول الأمل.

وقيل لمحمد بن واسع: كيف تجدك؟ قال: قصير الأجل، طويل الأمل، مسئ العمل.

وقيل: من جرى فى عنان أمله كان عاثرا بأجله، لو ظهرت الآجال لافتضحت الآمال، ولقد أحسن أبو العباس أحمد بن مروان فى قوله:

وذى حرص تراه يلم وفـرا
ككلب الصيد يمسك وهو طاو

 

لوارثه ويدفع عن حـمـاه
فريسته ليأكـلـهـا سـواه
 

الطمع

قال الإمام على بن أبى طالب كرم الله وجهه: أكثرهم مصارع العقول تحت بروق المطامع، وقال رضى الله عنه: ما الخمر صرفا بأذهب لعقول الرجال من الطمع.

وفى الحديث (إياك والطمع فإنه الفقر الحاضر).

وقال فيلسوف: العبيد ثلاثة: عبد رق وعبد شهوة وعبد طمع.

وقال بعضهم: من أراد أن يعيش حرا أيام حياته فلا يسكن قلبه الطمع.

وقيل: اجتمع كعب وعبد الله بن سلام فقال له كعب: يا ابن سلام من أرباب العلم؟

قال: الذين يعملون به.

قال: فما أذهب العلم عن قلوب العلماء بعد أن علموه؟

قال: الطمع وشره النفس وطلب الحوائج إلى الناس.

واجتمع الفضل وسفيان وابن كريمة اليربوعى، فتواصوا ثم افترقوا وهم مجمعون على أن أفضل الأعمال الحلم عند الغضب والصبر عند الطمع.

وقيل لما خلق الله آدم عليه السلام عجن بطينته ثلاثة أشياء: الحرص والطمع والحسد، فهى تجرى فى أولاده إلى يوم القيامة، فالعاقل يخفيها والجاهل يبديها ومعناه أن الله تعالى خلق شهوتها فيه.

وصايا

لما ضرب ابن ملجم لعنه الله عليا رضى الله عنه، دخل منزله فاعترته غشية ثم أفاق، فدعا الحسن والحسين رضى الله تعالى عنهما وقال: "أوصيكما بتقوى الله تعالى والرغبة فى الآخرة، والزهد فى الدنيا، ولا تأسفا على شئ فاتكما منها، فإنكما عنها راحلان، افعلا الخير وكونا للظالم خصما وللمظلوم عونا، ثم دعا ولده محمدا وقال له: أما سمعت ما أوصيت به أخويك، قال: بلى، قال: فإنى أوصيك به، وعليك ببر أخويك وتوقيرهما ومعرفة فضلهما، ولا تقطع أمرا دونهما، ثم أقبل عليهما وقال: أوصيكما به خيرا، فإنه أخوكما وابن أبيكما وأنتما تعلمان أن أباه كان يحبه فأحباه، ثم قال: يا بنى أوصيكم بتقوى الله فى الغيب والشهادة، وكلمة الحق فى الرضا والغضب، والقصد فى الغنى والفقر، والعدل فى الصديق والعدو، والعمل فى النشاط والكسل، والرضا عن الله فى الشدة والرخاء، يا بنى ما شر بعده الجنة بشر، ولا خير بعده النار بخير، وكل نعيم دون الجنة حقير، وكل بلاء دون النار عافية، يا بنى من أبصر عيب نفسه اشتغل عن عيب غيره، ومن رضى بما قسم الله له لم يحزن على ما فاته، ومن سل سيف البغى قتل به، ومن حفر لأخيه بئرا وقع فيها، ومن هتك حجاب أخيه هتكت عورات بنيه، ومن نسى خطيئته استعظم خطيئة غيره، ومن أعجب برأيه ضل، ومن استغنى بعقله زل، ومن تكبر على الناس ذل، ومن خالط الأنذال احتقر، ومن دخل مداخل السوء اتهم، ومن جالس العلماء وقر، ومن مزح استخف به، ومن أكثر من شئ عرف به، ومن كثر كلامه كثر خطؤه وقل حياؤه، ومن قل حياؤه قل ورعه، ومن قل ورعه مات قلبه، ومن مات قلبه دخل النار، يا بنى الأدب ميزان الرجل، وحسن الخلق خير قرين، يا بنى العافية عشرة أجزاء: تسعة منها فى الصمت إلا عن ذكر الله تعالى، وواحدة فى ترك مجالسة السفهاء، يا بنى زينة الفقر الصبر، وزينة الغنى الشكر، يا بنى لا شرف أعلى من الإسلام ولا كرم أعز من التقوى ولا شفيع أنجح من التوبة، ولا لباس أجمل من العافية، يا بنى الحرص مفتاح التعب ومطية النصب.

وقال الأوزاعى للمنصور فى بعض كلامه: يا أمير المؤمنين أما علمت أنه كان بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم جريدة يابسة يستاك بها ويردع بها المنافقين، فأتاه جبريل عليه السلام. فقال: يا محمد ما هذه الجريدة التى بيدك، اقذفها لا تملأ قلوبهم رعبا، فكيف بمن سفك دماء المسلمين، وانتهب أموالهم، يا أمير المؤمنين: إن المغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر دعا إلى القصاص من نفسه بخدشة خدشها أعرابيا من غير تعمد، يا أمير المؤمنين: لو أن ذنوبا من النار صب ووضع على الأرض لأحرقها، فكيف بمن يتجرعه، ولو أن ثوبا من النار وضع على الأرض لأحرقها، فكيف بمن يتقمصه، ولو أن حلقة من سلاسل جهنم وضعت على جبل لذاب، فكيف بمن يتسلسل بها، ويرد فضلها على عاتقه.

وقال سيدى الشيخ أبو بكر الطرطوشى رحمة الله تعالى عليه: دخلت على الأفضل بن أمير الجيوش، وهو أمير على مصر، فقلت: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فرد السلام على نحو ما سلمت ردا جميلا، وأكرمنى إكراما جزيلا، وأمرنى بدخول مجلسه، وأمرنى بالجلوس فيه، فقلت: أيها الملك إن الله تعالى قد أحلك محلا عليا شامخا، وأنزلك منزلا شريفا باذخا، وملكك طائفة من ملكه، وأشركك فى حكمه، ولم يرض أن يكون أمر أحد فوق أمرك، فلا ترض أن يكون أحد أولى بالشكر منك، وليس الشكر باللسان، وإنما هو بالفعال والإحسان، قال الله تعالى {اعملوا آل داود شكرا} واعلم أن هذا الذى أصبحت فيه من الملك إنما صار إليك بموت من كان قبلك، وهو خارج عنك بمثل ما صار إليك، فاتق الله فيما خولك من هذه الأمة، فإن الله تعالى سائلك عن الفتيل والنقير والقطمير، قال الله تعالى {فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون} وقال تعالى {وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين} واعلم أيها الملك أن الله تعالى قد آتى ملك الدنيا بحذافيرها سليمان بن داود عليه السلام، فسخر له الإنس والجن والشياطين والطير والوحش والبهائم، وسخر له الريح تجرى بأمره رخاء حيث أصاب، ثم رفع عنه حساب ذلك أجمع فقال له {هذا عطاؤنا فأمنن أو أمسك بغير حساب} فوالله ما عدها نعمة كما عددتموها، ولا حسبها كرامة كما حسبتموها، بل خاف أن تكون استدراجا من الله تعالى ومكرا به، فقال {هذا من فضل ربى ليبلونى أأشكر أم أكفر} فافتح الباب وسهل الحجاب وانصر المظلوم وأغث الملهوف، أعانك الله على نصر المظلوم، وجعلك كهفا للملهوف وأمانا للخائف، ثم أتممت المجلس بأن قلت قد جبت البلاد شرقا وغربا، فما اخترت مملكة وارتحت إليها، ولذت لى الإقامة فيها غير هذه المملكة، ثم أنشدته:

والناس أكيس من أن يحمدوا رجلا
 

 

حتى يروا عنده آثار إحسان

 

أمثال وحكم

حفظ اللسان

بلغنا أن قيس بن ساعدة وأكثم بن صيفى اجتمعا، فقال أحدهما لصاحبه: كم وجدت فى ابن آدم من العيوب؟ فقال: هى أكثر من أن تحصر، وقد وجدت خصلة إن استعملها الإنسان سترت العيوب كلها، قال: وما هى؟ قال: حفظ اللسان.

قال الإمام الشافعى رضى الله عنه لصاحبه الربيع: يا ربيع لا تتكلم فيما لا يعنيك، فإنك إذا تكلمت بالكلمة ملكتك ولم تملكها، وقال بعضهم مثل اللسان مثل السبع، إن لم توثقه عدا عليك ولحقك شره.

ومما أنشده:

احفظ لسانك أيها الإنسان

كم فى المقابر من قتيل لسانه

 

لا يلدغنك إنه ثعبان

كانت تهاب لقاءه الشجعان

 

عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لأبى ذر رضى الله عنه (عليك بالصمت إلا من خير، فإنه مطردة للشيطان، وعون على أمر دينك).

وقال الإمام على رضى الله عنه: إذا تم العقل نقص الكلام.

وقال وهب بن الورد: بلغنا أن الحكمة عشرة أجزاء: تسعة منها فى الصمت، والعاشر فى عزلة الناس.

وقال ابن عيينة: من حرم الخير فليصمت، فإن حرمهما فالموت خير له.

ومن كلام الحكماء: "من نطق فى غير خير فقد لغا ومن نظر فى غير اعتبار فقد سها، ومن سكت فى غير فكر فقد لها.

وقيل: لو قرأت صحيفتك لأغمدت صفيحتك ولو رأيت ما فى ميزانك لختمت على لسانك.

ولما خرج سيدنا يونس عليه السلام من بطن الحوت طال صمته، فقيل له: ألا تتكلم؟ فقال: الكلام صيرنى فى بطن الحوت.

وقال حكيم: إذا أعجبك الكلام فاصمت، وإذا أعجبك الصمت فتكلم، وكان يقال: من السكوت ما هو أبلغ من الكلام لأن السفيه إذا سكت عنه كان فى اغتنام.

وقيل لرجل: بم سادكم الأحنف، فوالله ما كان بأكبركم سنا ولا بأكثركم مالا؟ فقال: بقوة سلطانه على لسانه.

وقيل: الكلمة أسيرة فى وثاق الرجل، فإذا تكلم بها صار فى وثاقها.

وقيل: اجتمع أربعة ملوك، فتكلموا: فقال ملك الفرس: ما ندمت على ما لم أقل مرة، وندمت على ما قلت مرارا.

وقال قيصر: أنا على رد ما لم أقل أقدر منى على رد ما قلت.

وقال ملك الصين: ما لم أتكلم بكلمة ملكتها، فإذا تكلمت بها ملكتنى.

وقال ملك الهند: العجيب ممن يتكلم بكلمة إن رفعت ضرت وإن لم ترفع لم تنفع.

وكان بهرام جالسا ذات ليلة تحت شجرة، فسمع منها صوت طائر، فرماه، فأصابه، فقال: ما أحسن حفظ اللسان بالطائر، والإنسان لو حفظ هذا لسانه ما هلك.

وقال الإمام على رضى الله تعالى عنه: بكثرة الصمت تكون الهيبة.

وقال سيدنا عمرو بن العاص رضى الله عنه: الكلام كالدواء إن أقللت منه نفع، وإن أكثرت منه قتل، وقال الحكيم لقمان لولده: يا بنى إذا افتخر الناس بحسن كلامهم، فافتخر أنت بحسن صمتك، يقول اللسان كل صباح وكل مساء للجوارح كيف أنتن، فيقلن بخير إن تركتنا.

وقال محمد بن حزم: أول من عمل الصابون سليمان وأول من عمل السويق ذو القرنين وأول من عمل الحيس يوسف، وأول من عمل خبز الجرادق نمروذ، وأول من كتب فى القراطيس الحجاج، وأول من اغتاب إبليس لعنه الله اغتاب آدم عليه السلام.

وأوحى الله تعالى إلى سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام أن المغتاب إذا تاب فهو آخر من يدخل الجنة، وإن أصر فهو أول من يدخل النار.

ويقال لا تأمن من كذب لك أن يكذب عليك، ومن اغتاب عندك، أن يغتابك عند غيرك.

وقيل للحسن البصرى رضى الله تعالى عنه إن فلانا اغتابك، فأهدى إليه طبقا من رطب فأتاه الرجل وقال له: اغتبتك فأهديت إلى، فقال الحسن: أهديت إلى حسناتك فأردت أن أكافئك.

وعن ابن المبارك رحمه الله تعالى قال: لو كنت مغتابا أحدا لاغتبت والدى لأنهما أحق بحسناتى، وإذا حاكى إنسان إنسانا بأن يمشى متعارجا أو متطأطئا أو غير ذلك من الهيئات، يريد تنقيصه بذلك فهو حرام.

ولما بنى سيدنا سعد بن أبى وقاص رضى الله عنه منزله بالعقيق قيل له: تركت منازل إخوانك وأسواق الناس ونزلت بالعقيق، فقال: رأيت أسواقهم لاغية ومجالسهم لاهية، فوجدت الاعتزال فيما هنالك عافية.

وقيل لعروة أخى مرداس: ألا تحدثنا ببعض ما عندك من العلم، فقال: أكره أن يميل قلبى باجتماعكم إلى حب الرياسة، فأخسر الدارين.

وقال سفيان بن عيينة: دخلنا على الفضل فى مرضه نعوده، فقال: ما جاء بكم، والله لو لم تجيئوا لكان أحب إلى، ثم قال: نعم الشئ المرض لولا العبادة.

وقيل للفضل: إن ابنك يقول: وددت لو أنى بالمكان الذى أرى الناس فيه، ولا يرونى، فقال: ويح ابنى لم لا أتمها، فقال: لا أراهم ولا يرونى.

وقال الإمام على رضى الله تعالى عنه: طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس، وطوبى لمن لزم بيته، وأكل قوته، واشتغل بطاعته، وبكى على خطيئته، فكان من نفسه فى شغل، والناس منه فى راحة.

وقال سفيان: الزهد فى الدنيا هو الزهد فى الناس.

وقيل لراهب فى صومعته: ألا تنزل، فقال: من مشى على وجه الأرض عثر.

وجلس الإسكندر يوما فما رفع إليه حاجة فقال: لا أعد هذا اليوم من أيام ملكى. وقال الجاحظ: ليس شئ ألذ ولا أسر من عز الأمر والنهى، ومن الظفر بالأعداء، ومن تقليد المن إعتاق الرجال لأن هذه الأمور تصيب الروح، وحظ الذهن وقسمة النفس، وقيل: الملك خليفة الله فى عباده، ولن يستقيم أمر خلافته مع مخالفته.

وقال الحجاج: سلطان تخافه الرعية خير من سلطان يخافها.

وقيل: لما دنت وفاة هرمز وامرأته حامل، عقد التاج على بطنها وأمر الوزراء بتدبيرالمملكة حتى يولد له ولد، فتملك، وأغار العرب على نواحى فارس فى صباه، فلما أدرك ركب، وانتخب من أهل النجدة فرسانا وأغار على العرب، فانتهكهم بالقتل، ثم خلع أكتاف سبعين ألفا، فقيل له: ذو الأكتاف، وأمر العرب حينئذ بإرخاء الشعور ولبس المصبغات، وأن يسكنوا بيوت الشعر، وأن لا يركبوا الخيل إلا عراة.

وقيل من أخلاق الملوك حب التفرد، وكان أردشير إذا وضع التاج على رأسه لم يضع أحد على رأسه قضيب ريحان، وإذا لبس حلة لم ير أحد مثلها، وإذا تختم بخاتم كان حراما على أهل المملكة أن يتختموا بمثله.