التـبـرك
استكمالا لحديثنا السابق حول التبرك فقد انتهينا إلى التبرك بشعره
صلوات ربى وسلامه عليه..
التبرك بشعره صلى الله عليه وسلم بعد انتقاله
عن عثمان بن عبدالله بن موهب قال:
أرسلنى
أهلى الى أم سلمة بقدح من ماء فجاءت بجلجل من فضة فيه شعر من شعر النبى صلى الله
عليه وسلم وكان اذا أصاب الإنسان عين أو
شئ
بعث إليها مخضبة، قال: فاطلعت فى الجلجل فرأيت شعرات حمراء. رواه البخارى فى كتاب
اللباس. وقال الإمام الحافظ ابن حجر فى الفتح:
وقد بينه وكيع فى مصنفه فقال: كان جلجلا من فضة صيغ صوانا لشعرات
النبى صلى الله عليه وسلم التى كانت عند أم سلمة،
والجلجل هو شبه الجرس يتخذ من الفضة أو الصفر أو النحاس، وقد تنزع
منه الحصاة التى تتحرك فيه فيوضع فيه ما يحتاج إلى صيانته. كذا فى فتح البارى الجزء
العاشر.
التبرك بعرقه وبوله صلى الله عليه وسلم
أخرج
الإمام أحمد فى مسنده عن أنس رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان
يدخل على بيت أم سليم فينام على فرشها وليست فيه،
فجاء ذات يوم فنام على فرشها وليست فيه،
فأتت فقيل لها هذا النبى صلى الله عليه وسلم نام فى بيتك على فراشك،
فجاءت وقد عرق واستنقعه عرقه على قطعة أديم على الفراش ففتحت فجعلت تنشف ذلك العرق
فتعصره فى قواريرها، ففزع النبى صلى الله عليه وسلم
وقال
ما تصنعين يا أم سليم؟
قالت:
يا رسول الله نرجو بركته لصبياننا، قال صلى الله عليه وسلم أصبت.
وفى حديث صحيح أخرجه الدارقطنى
ورواه
البخارى
ومسلم
فى صحيحيهما: أن المرأة
التى
شربت بول رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال لها:
لا تشتكى وجع بطنك أبدا.
وأخرج
الطبرانى وابن عساكر عن سيدنا أبى هريرة رضى الله عنه: قال جاء رجل إلى حضرة النبى
صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إنى زوجت ابنتى وأحب أن تعيننى، فقال صلى
الله عليه وسلم ما عندى شئ
ولكن ائتنى بقارورة
واسعة الرأس وعود شجرة، فأتاه
الرجل فجعل حضرة النبى صلى الله عليه وسلم يسلت العرق من ذراعيه حتى امتلأت القارورة
فقال صلى الله عليه وسلم خذها، وأمر ابنتك أن تغمس هذا العود فى القارورة
وتطيب به فكانت إذا تطيبت يشم أهل المدينة رائحة الطيب فسموا بيت المطيبين.
التبرك بريقه صلى الله عليه وسلم
ومن الأمور المسلم بها فى أفعال الصحابة والمتحقق من عقائدهم أن كل مولود حين يولد
لهم منذ قدومه صلوات الله وسلامه عليه المدينة المنورة كانوا يأتون به إلى النبى
صلى الله عليه وسلم فيحنكه ويمسح على رأسه بيده الشريفة ويتفل فى فيه ويدعو له.
فقد
أخرج
الإمام مسلم فى صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتفل فى أفواه الصبيان
الرضع فيجزيهم ريقه إلى الليل،
وعن
السيدة
عائشة رضى الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤتى بالصبيان فيدعو
لهم بالبركة ويحنكهم.
رواه الإمام أحمد فى
مسنده.
وأخرج
البخارى عن سهل بن سعد عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه سأل عن سيدنا على بن أبى
طالب ليعطيه الراية،
قالوا
هو يشتكى عينيه، قال فأرسلوا إليه فأتى به فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم فى
عينيه ودعا له فبرأ حتى كأنه لم يكن به وجع.
التبرك ببصاقه صلى الله عليه وسلم
عن مالك بن حمزة بن أبى أسيد الساعدى الخزرجى عن أبيه عن جده أبى
أسيد له بئر بالمدينة يقال لها بئر بضاعة قد بصق فيها النبى صلى الله عليه وسلم فهو
يشربها ويتيمن بها. رواه الطبرانى.
التبرك بدمه صلى الله عليه وسلم
لقد حرم الإسلام على الأمة شرب الدم ولكن دم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
أذكى وأطهر إذ يقول سيدنا عبدالله بن الزبير
رضى الله عنه أنه أتى حضرة النبى صلى الله عليه وسلم وهو يحتجم، فلما فرغ صلى الله
عليه وسلم قال
(يا
عبدالله اذهب بهذا الدم فاهرقه حيث لا يراك أحد فشربه سيدنا عبدالله فلما رجع قال
له صلى الله عليه وسلم يا عبدالله ما صنعت؟
فقال: جعلته فى أخفى ما كان يخفى عن الناس، فقال صلى الله عليه وسلم لعلك شربته؟
فقال: نعم،
فقال المصطفى صلى الله عليه وسلم ويل للناس منك وويل لك من الناس)
فكان يرون أن القوة التى بسيدنا عبدالله بن الزبير من هذا الدم.
أخرجه الحاكم وأقره.
وقد روى الطبرانى فى سنن سعيد بن منصور أن مالك بن سنان والد أبى
سعيد الخدرى لما جرح النبى صلى الله عليه وسلم يوم أحد مص جرحه حتى أنقاه ولاح محل
الجرح بعد المص أبيض، فقال صلى الله عليه وسلم
(مجه،
فقال لا أمجه
أبداً،
ثم ازداده أى ابتلعه، فقال صلى الله عليه وسلم من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل
الجنة فلينظر إلى هذا،
فاستشهد بأحد)
وفيه قال
(من
خالط دمى دمه لا تمسه النار)
رواه الطبرانى. وفى رواية أخرى قال (من سره أن ينظر الى رجل خالط
دمى دمه فلينظر الى مالك بن سنان).
محمد سيد
أفضل الصلوات على سيد السادات
فضل الجمعة وليلتها
-4
تحدثنا فى مقالنا السابق عن خطورة ترك الصلاة على الحبيب المصطفى صلوات ربى وسلامه
عليه ومقالنا اليوم عن فضل الصلاة عليه يوم الجمعة ومن جملة هذه الأحاديث فقد قال
صلى الله عليه وسلم:
(أكثروا على من الصلاة فى يوم الجمعة وليلة الجمعة فمن صلى على صلاة صلى الله عليه
عشرا).
(أكثروا من الصلاة على يوم الجمعة فإنه أتانى جبريل آنفا عن ربه عز وجل فقال ما على
الأرض من مسلم يصلى عليك مرة واحدة إلا صليت أنا وملائكتى عليه عشرا).
(أكثروا من الصلاة على يوم الجمعة فإنه يوم مشهود تشهده الملائكة وإن أحدا لن يصلى
على إلا عرضت على صلاته حتى يفرغ منها، قال أبو الدرداء قلت وبعد الموت قال إن الله
حرم الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء).
(أكثروا على من الصلاة يوم الجمعة فإن صلاة أمتى تعرض على فى كل يوم جمعة فمن كان
أكثرهم على صلاة كان أقربهم منى منزلة).
(من أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه قبض وفيه النفخة وفيه الصعقة فأكثروا
على من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة على، قالوا يا رسول الله كيف تعرض صلاتنا عليك
وقد أُرِمت، يعنى بليت، فقال إن الله عز وجل حرم على الأرض أن تأكل أجساد
الأنبياء).
(أكثروا على من الصلاة يوم الجمعة وليلة الجمعة فمن فعل ذلك كنت له شهيدا وشفيعا
يوم القيامة).
(أكثروا الصلاة على نبيكم فى الليلة الغراء واليوم الأزهر).
(من صلى على يوم الجمعة مائة مرة غفرت له خطيئة ثمانين سنة).
(من صلى على فى يوم الجمعة ألف مرة لم يمت حتى يرى مقعده من الجنة).
(من صلى على يوم الجمعة كانت شفاعة له يوم القيامة).
(من صلى على يوم الجمعة ثمانين مرة غفرت له ذنوب ثمانين عاما فقيل له يا رسول الله
كيف الصلاة عليك قال تقول اللهم صلى على محمد عبدك ونبيك ورسولك النبى الأمى وتعقد
واحدة).
(من صلى صلاة العصر من يوم الجمعة فقال قبل أن يقوم من مقامه اللهم صلى على محمد
النبى الأمى وعلى آله وصحبه وسلم تسليما ثمانين مرة غفرت له ذنوب ثمانين عاما وكتب
له عبادة ثمانين سنة).
(إن لله ملائكة خلقوا من النور لا يهبطون إلا ليلة الجمعة ويوم الجمعة بأيديهم
أقلام من ذهب وقراطيس من نور لا يكتبون إلا الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم).
وقال الحافظ السخاوى قال إمامنا الشافعى رضى الله عنه: أحب كثرة الصلاة على النبى
صلى الله عليه وسلم فى كل حال وأنا فى ليلة الجمعة ويومها أشد استحبابا.
وقال ابن حجر فى كتابه الدر المنضود عن بعضهم: أن الاشتغال بها يوم الجمعة وليلتها
أعظم أجرا من الاشتغال بتلاوة القرآن ماعدا سورة الكهف لنص الحديث على قراءتها ليلة
الجمعة ويومها، قال الشيخ رحمه الله وهو حجة فى النقل ولعله أخذه من كثرة الروايات
عنه عليه الصلاة والسلام فى حثه على كثرة الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم فى ليلة
الجمعة ويومها.
وفى المواهب اللدنية للعلامة القسطلانى ما نصه: فإن قلت ما الحكمة فى خصوصية
الإكثار من الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة وليلتها أجاب ابن القيم أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد الأنام ويوم الجمعة سيد الأيام فللصلاة عليه فيه
مزية ليست لغيره مع حكمة أخرى وهى أن كل خير نالته أمته فى الدنيا والآخرة فإنما
نالته على يده صلى الله عليه وسلم فجمع الله لأمته به بين خيرى الدنيا والآخرة،
وأعظم كرامة تحصل لهم يوم الجمعة فإن فيه بعثهم إلى منازلهم وقصورهم فى الجنة وهو
يوم المزيد لهم إذا دخلوا الجنة وهو عيد لهم فى الدنيا ويوم فيه ينفعهم الله تعالى
بطلباتهم وحوائجهم ولا يرد سائلهم، وهذا كله إنما عرفوه وحصل لهم بسببه وعلى يده
صلى الله عليه وسلم، فمن شكره وحمده وأداء القليل من حقه صلى الله عليه وسلم أن
يكثروا عليه من الصلاة فى هذا اليوم وليلته.
سمير جمال
خطاب مولانا الشيخ إبراهيم رضي الله عنه في معهد حوار الأديان بالنمسا أكتوبر 1994
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد النبي الكريم
وعلى آله وصحبه أجمعين .
أتقدم بالشكر لجميع الأخوان الذين حضروا هذا الاجتماع المبارك من النمسا وألمانيا
وإيطاليا والبلاد العربية .
وأتقدم بالشكر لأعضاء هيئة التدريس في هذه الهيئة العلمية وللسيد سفير السودان
بالنمسا .
وبعد
أود أن أحدثكم حديثاً من القلب ليصل لقلوبكم بكل الحب والصدق والوفاء بعد أن سألني
بعض الاخوة عن التصوف الإسلامي اسماً ومعنىً ، فأقول وبالله التوفيق .
إن التصوف اسماً مأخوذ من الصفاء والتقى والوفاء والفناء في الله ، ومعنىً ( تصفية
العبودية لله تبارك وتعالى ) . والتصوف هو الطريق إلى الحب الإلهي عن طريق طهارة
القلب وصفاء السريرة ، فهو طهارة للقلوب لمكاشفة علاّم الغيوب . ولا يستطيع
الإنسان أن يطهر قلبه إلا باتباع شيخ عارف بالله يعلمه كيفية الذكر ومتى يذكر الله
، ولذلك يقول بعض الصالحين :
من لم يكن خلف الدليل مسيره .. كثرت عليه طرائق الأوهام.
والتصوف هو درجة سامية ومرتبة عالية لا يصلها العبد إلا بذكر الله تعالى فيقول
تعالى ( ألا بذكر الله تطمئن القلوب ) .. ويقول أيضاً ( اذكروا الله ذكراً كثيراً
وسبحوه بكرة وأصيلاً ) ، ويقول بعض الصالحين :
الذكر أعظم باب أنت داخله لله .. فاجعل له الأنفاس حراساً.
والذكر له أنواع وله مراتب ..فالأولياء أو المشايخ هم الذين يعلمون العبد هذه
الأنواع ، ومراتب الذكر هي اللسان وذكر القلب وذكر الروح وذكر الاصطلام ، فعندما
يدخل المريد الطريقة ويأخذ العهد ، يؤهل قلبه للذكر بالاستغفار والتهليل ثم يذكر
الاسم الله باللسان ( الله .. الله ) بالكيفية التي يعلمها له الشيخ المرشد
فينتقل نور الذكر إلى القلب ويصبح المريد في ( ذكر القلب ) أي يذكر بقلبه ليلاً
ونهاراً فقد قال سيدي أبي الحسن الشاذلي : رب لحظة من ذكر القلب تعدل مثاقيل
الجبال من ذكر اللسان . ثم ينتقل إلى ذكر الروح حيث ينتقل الذكر للجسد كله فيصبح
مصطلماً .
وأما أنواع الذكر فهي الذكر بالشريعة والذكر بالاسم الله والذكر بالقسم والذكر
بالمراقبة ، وهي أيضاً تحتاج إلى خبير كما قال تعالى ( الرحمن فسأل به خبيراً ) .
والمشايخ هم الخبراء الذين يوصلون الناس إلى بر الأمان وهم الذين يسوقون الأرواح
إلى الملأ الأعلى – مع كل التوفيق في حياتنا العملية .
والمشايخ هم الذين يعطون المريد نوراً في القلب الذي يستطيع أن يسير به في ظلمات
الأرض كما قال تعالى ( أوَ من كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس
) .. فيترحل المريد إلى التنوير ثم إلى الكشف كما قال تعالى ( فكشفنا عنك غطاءك
فبصرك اليوم حديد ) ثم يترحل إلى الفتح ثم الفتح المبين ( إنا فتحنا لك فتحاً
مبيناً) .
وهكذا عندما يتتلمذ المريد على يد شيخ مرشد يفتح الله عليه بشتى أنواع العلوم
الإلهية والمعارف الربانية حتى يتعلم العلم اللدني الوهبي .. وقد قال أحد الصالحين
:
أخذتم العلم عن ميت عن ميت .. أما نحن فأخذنا علمنا من الحي الذي لا يموت .
ومما هو جدير بالذكر أن التصوف هو الباب الأمثل للدخول إلى الإسلام ، فهناك العديد
من أبناء طريقتنا دخلوا الإسلام عن طريق التصوف ( فهو مخاطبة للقلب وعمل بالجوارح )
.
أود أن أسهب لسيادتكم لكن المجال لا يسع للإفصاح ، وأكرر شكري لكم جميعاً راجياً
المولى عز وجل أن يديم عليكم نعمة السير إلى الله والحب في الله .. وأترك المجال
لأحد من أبناء طريقتنا لترتشفوا من الرحيق المختوم .. آمين .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
|