العد د الأول  (شباط)

 

الحمد لله رب العالمين سبحانه وتعالى أكرم الوجود بسيد الأولين والآخرين وأرسله رحمة للعالمين صلى الله عليه وآله وأصحابه الذين أتحفهم الله بعظيم الفضل وخصهم بصحبة صاحب الخلق العظيم ، فهم مصابيح الظلام ونور الهدى والإيمان ضحك الزمان بوجودهم وإنتشارهم فالسعيد الذى يرغب إليهم ويقتدى بهم فقد أثنى عليهم الحق فى كتابه العزيز ووردت فى فضلهم الأحاديث وجاءت بذلك النصوص الصريحة ويكفى المنصف من ذلك قوله (إن الله اختار أصحابى على العالمين سوى النبين والمرسلين). وقوله  (أصحابى كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم) وقوله  (لا تسبو أصحابى فوالذى نفسى بيده لو انفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه) رواه أبو زرعه العراقى وقال فيه معنى الحديث اليأس من بلوغ من يأتى بعدهم مرتبة أحدهم فى الفضل فإن هذا المفروض من ملك الإنسان بقدر أحد ذهباً محال في العادة ولم يتفق من الخلق بتقدير وقوعه لأحد وأنفاقه فى طريق الخير لا يبلغ الثواب المترتب عليه ثواب الواحد من الصحابة .

 

 واعلم أخى الفضل أن لكل صحابى فضائل تخصه لا توجد فى غيره مع الاعتقاد أنهم جميعاً عدول وثقاه وهذا ما يكون عليه المؤمن فإذا ذكرناهم فإنما محاسنهم وفضائلهم وحميد سيرهم ونسكت عما وراء ذلك وهذا ما أمر به النبى  فقال : (إذا ذكر أصحابي فأمسكوا) وقال سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنااغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين أمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم} (الحشر10)، كما ينبغى تأويل ما يشكل علينا مما شجر بينهم بأحسن التأويلات وأن نبعد عن أخبار المؤرخين وجهلة الرواة وضلال بعض الفرق والمبتدعين الذين زرعوا الفجور وسقوا الغرور وأظهروا الخلافات والمجادلات والتى لم نسمع عنها في سلفنا الصالح فأحذر من أن تحوم حول ما يدعون من تنقيص قدر صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته� وأعلم أن بين يديك الموت والعرض والحساب والجنة والنار فخذ ما يعينك على السلوك إلى الله ودع عنك ما سوى ذلك. فالعاقل الذى يشتغل بعيوب نفسه وإصلاحها قبل أن يبدأ بإصلاح غيره. و قبل الشروع في الحديث عن الخليفة الأول  أقدم لك هذه النصيحة ولكل مؤمن صادق في توجهه إلى الله ورسوله عليه الصلاة والسلام.

رأى بعض الشيوخ بعض العلماء في المنام فقال له : ما خبر تلك العلوم التى كنت تجادل فيها وتناظر عليها   فبسط يده ونفخ فيها وقال : طاحت كلها هباء منثورا وما انتفعت إلا بركعتين خلصتا لي جوف الليل وفي الحديث الذى رواه الترمذى وإبن ماجه عن أبى أمامة. قال رسول الله  (ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل ) ثم قرأ { ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم يخصمون} وأسمع معي أحسن وأطيب ما قيل في صحابة رسول الله  قال الإمام فخر الدين الشيخ محمد عثمان عبده البرهانى  في القصيدة السادسة والأربعون من ديوانه شراب الوصل :

يا أهل بدر يـا صحابة أحـمد       مـن للقلوب شرابها والزاد
لا  يستطيع القول فيكم أن يفى       إن البح
ـار لذكركـم لمـداد
و النار إن تسمع حديثاً عن
ـكم       فهى الخميده واللهيب رمـاد
الرب أوح
ـى للمـلائك ثبتـوا       إنى سألقى والقديــم يـعاد
نزل الصحابة عند ح
ـكم مليكهم      غنموا وكـان الرفد والإرفاد
ـ

و قال الإمام أبو سعيد البوصيرى في حقهم

كلهم في أحكامه ذو اجتـهاد       و صواب وكلـهم أكفاء
رضى الله عنهم ورضوا عنه      فأنى يخطوا إليهم خطاء

فهيا بنا نتجول مع خليفة رسول الله في جنته ونأخذ من بساتينه بعد أن يأذن ما يكون عوناً على الطريق والسلوك إلى الله. هذا وإن الشروع في الدخول عليه بعد السلام عليك يا رفيق رسول الله في الهجرة.

مولده

بعد مولد النبي بسنتين وأشهر وهو سيدنا أبوبكر إبن أبى قحافة بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن نعيم بن مرة بن كعب بن لؤى بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانه بن خذيمة بن مدركه بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان وأمه السيدة أم الخير بنت صخر بن عامر بن كعب فهى بنت عم أبيه وتسمى أم الخير.

صحب النبي  وهو ابن ثمان عشر سنة والنبي صلى الله عليه وآله وسلم عشرين سنة واسمه عبد الله ففى ترجمة الجلال السيوطى في كتابه تاريخ الخلفاء ونصه قال النووى في تهذيبه أن اسم أبى بكر عبد الله هو الصحيح المشهور وقيل اسمه عتيق والصواب الذى عليه كافه العلماء أن عتيقاً لقب لا اسم ، ولقب عتيقاً لعتقه من النار كما جاء من حديث الترمذي وقيل لعتاقة وجهه أى حسنه وجماله قاله الليث بن سعد وقال أبو نعيم لقدمة فى الخير وقيل لعتاقة نسبه أى طهارته وأخرج  بن منده  وابن عساكر عن موسى بن طلحه قال قلت لأبى طلحه لم سمى أبو بكر عتيقاً قال كانت أمه لا يعيش لها ولد فلما ولدته استقبلت به البيت ثم قالت اللهم اجعله عتيقاً من الموت وهبه لى وأخرج  الحاكم والترمذى عن السيـدة عائشة أن أبا بكر دخل على رسول الله  فقال (يا أبا بكر أنت عتيق الله من النار) فمن يومئذ سمى عتيقاً ونقل بن ظفر فى أنباء نجباء الأبناء أن القاضى أبا الحسن احمد بن محمد الزبيدى روى بإسناده فى كتابه المسمى معالى الفرش إلى عوالى العرش أن أبا هريرة قال: أجتمع المهاجرون والأنصار عند رسول الله فقال سيدنا أبو بكر: وعيشك يارسول الله إنى لم أسجد لصنم قط فغضب سيدنا عمر بن الخطاب  وقال: تقول وعيشك يا رسول الله لم أسجد لصنم وقد كنت في الجاهلية كذا وكذا فقال سيدنا أبو بكر أنى لم اسجد لصنم وأن أبا قحافه أخذ بيدى فأنطلق إلى مخدع فيه أصنام فقال هذه آلهتك الشم العلا فاسجد لها وخلانى ومضى فدنوت من الصنم وقلت إنى جائع فأطعمنى فلم يجبنى فقلت أنى عار فأكسنى فلم يجبنى فقلت إنى ملق عليك هذه الصخرة فإن كنت إلهاً فامنع نفسك فلم يجبنى فألقيت عليه الصخرة فخر لوجهه وأقبل ابى فقال ما هذا يا بنى فقلت هو الذى ترى فانطلق بى إلى أمى فأخبرها فقالت له دعه فإنه الذى نجانى الله به فقلت ما الذى نجاك به قالت ليله أصابنى المخاض لم يكن معى أحد سمعت هاتفاً يقول يا أمة الله على التحقيق أبشرى بالولد العتيق اسمه فى السماء الصديق ، لمحمد صاحب ورفيق. قال أبو هريرة فلما أنقضى كلام الصديق نزل الأمين جبريل على رسول الله  وقال صدق أبو بكر وصدقه ثلاث � أنتهى بحروفه.

وأما إسمه الصديق أجمعت الأمة على تسميته بالصديق - لانة بادر إلى تصديق رسول الله  فقد أخرج الحاكم فى المستدرك عن السيدة عائشة رضى الله عنها قالت جاء المشركون إلى أبي بكر فقالوا له هل لك إلى صاحبك يزعم أنه أسري به الليلة إلى بيت المقدس قال أو قال ذلك قالوا نعم فقال لقد صدق إنى لأصدقه بأبعد من ذلك بخبر السماء فلذلك سمى الصديق وفى حديث أبى هريرة أسندهما أبن عساكر وعن أم هانئ أخرجه الطبرانى وقال سعيد بن منصور في سنته. حدثنا أبو معشر عن وهب عن أبى هريرة قال لما رجع رسول الله   ليلة أسري به فكان بذى طوى قال يا جبريل إن قومى لا يصدقوننى قال يصدقك أبو بكر وهو الصديق وأخرج الحاكم في المستدرك عن النزار بن سيره قال قلنا لعلى: يا أمير المؤمنين أخبرنا عن أبى بكر فقال ذاك أمرؤ سماه الله الصديق على لسان جبريل وعلى لسان محمد وكان خليفة رسول الله رضيه لديننا فرضيناه لدنيانا، وقال الإمام فخر الدين الشيخ محمد عثمان عبده البرهاني (أصاله كل الأنبياء والأولياء لهم أسماء سماهم بها الحق أو سماهم بها رسول الله  والاسم أو الكنية التى تسمى بها النبي أو الولى أحب الأسماء إليه باعتبار الذى سماه أو كناه بها هو الحق فمثلا سيدنا نوح أسمه الرسمى عبد الغفار ربنا سماه نوح. سيدنا إبراهيم اسمه إبراهيم ربنا سماه الخليل. سيدنا موسى سماه الكليم وهكذا فى الصحابة سيدنا عمر اسمه عمر سماه الفاروق سيدنا عثمان سماه ذى النورين سيدنا على سماه أبا تراب وهكذا سيدنا حمزة أسد الله سيدنا خالد سيف الله سيدنا أبو بكر اسمه الرسمى عبد الله سماه أبو بكر أى بكر الإسلام).

إسلامه

فبعد أن ترعرع وصار شاباً أشتغل بالتجارة وكان سبب إسلامه أنه رأى يوماً في الشام في منامه أن الشمس والقمر نزلا في حجره ثم أخذهما بيده وضمهما إلى صدره وأسبل عليهما ردائه فأنتبه وذهب إلى راهب النصارى يسأله عن الرؤيا وطلب منه التعبير فقال الراهب من أين أنت قال من مكة قال وما شأنك قال التجارة قال له يخرج في زمنك رجل يقال له محمد الأمين ويكون من قبيلة بنى هاشم وهو يكون نبى آخر الزمان لولاه ما خلق الله السموات والأراضين وما يكون فيهما وما خلق أدم وما خلق الأنبياء والمرسلين وهو سيد الأنبياء وخاتم المرسلين وأنت تدخل فى دينه وتكون وزيره وخليفته بعده وهكذا تعبير الرؤية وقد وجدت نعته في الإنجيل والزبور وإني أسلمت وآمنت به وكتمت إسلامى خوفاً من النصارى قال فلما سمع أبو بكر صفه النبى  رق قلبه وأشتاق إلى رؤيته وقدم مكة فوجده فكان يحبه ولا يصبر ساعة عن رؤيته فلما طال الأمر قال له رسول الله  أما تكفيك المعجزة التى رأيتها في الشام وعبرها لك الراهب وأخبرك عن إسلامه فلما سمع سيدنا أبو بكر ما قاله  رسول الله  قال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله وأسلم أنتهى.

وأخرج بن عساكر من طريق الحارث عن الإمام على بن أبى طالب قال أول من أسلم من الرجال أبو بكر. وأخرج خيثمة بسند صحيح عن زيد بن أرقم قال أول من صلى مع النبي أبو بكر الصديق وأخرج الطبرانى في الكبير وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن الشعبى قال سألت بن عباس أى الناس كان أول إسلاماً قال أبوبكر ألم تسمع قول حسان بن ثابت :

إذا تذكرت شجوا من أخـى ثقة          فأذكر أخاك أبا بكـر بـما فعله

خير البرية أتقاها وأعـد لـها           إلا النبي وأوفاها بـما حـمـلا

و الثانى التالى المحمود مشهدة           وأول الناس منهم صدق الرسل

صفته

أخرج بن سعد عن السيدة عائشة رضى الله عنها  أن رجلا قال لها صفى لنا أبا بكر فقالت  رجل أبيض نحيف خفيف العارضين أجنأ لا يستمسك إزاره يسترض عن حقويه معروق الوجه غائر العينين ناتئ الجبهة عارى الأشاجع.

لمحات من حيا ته

 أسلم على يديه الكثير من الصحابة الإجلاء منهم سيدنا طلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وبعد فترة من إسلامه أخذ أبوه سيدنا أبو قحافة وذهب به إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال النبي هلا تركت الشيخ حتى آتيه قال بل هو أحق أن يأتيك يا رسول الله فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنا نحفظه لمكانتك عندنا يا أبا بكر ،و لِم لا وقد قال فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما أجد عندى أعظم من أبى بكر واسانى بنفسه وماله وأنكحنى أبنته وغير ذلك ففي ذات يوم رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن سيدنا أبى الدرداء يمشى أمام سيدنا أبو بكر فقال له (يا أبا الدرداء أتمشى أمام من هو خير منك فى الدنيا والأخرة ما طلعت الشمس ولا غربت بعد النبيين والمرسلين على أفضل من أبى بكر) وقال فيه أيضا (حب أبى بكر وعمر إيمان وبغضهما كفر )  وأخرج  أبو نعيم وأبن عساكر عن أبن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (ما كلمت  في الإسلام أحدا إلا أبى على وراجعنى الكلام إلا ابن أبى قحافة فإنى لم أكلمه في شئ إلا قبله واستقام عليه) وأخرج البخارى عن أبى الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هل أنتم تاركون لى صاحبى إنى قلت يا أيها الناس إنى رسول الله إليكم جميعا فقلتم كذبت وقال أبو بكر صدقت.

فأنى لنا والحديث عن سيدنا أبو بكر فهذا كله فضلاً عن مصاحبته لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقد صحب النبي عليه الصلاة والسلام من حين أسلم إلى أن توفى لم يفارقه سفراً أو حضراً إلا فيما أذن له صلى الله عليه وآله وسلم في الخروج فيه من حج أو غزو وقد شهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المشاهد كلها وهاجر معه وترك عياله وأولادة رغبه فى الله ورسوله، فهو رفيقه فى الغار قال تعالى {ثانى أثنين إذ هما فى الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن أن الله معنا} وكما له من الآثار الجليلة في المشاهد فقد ثبت يوم أحد ويوم حنين وقد فر الناس من حول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم  أخرج  الحاكم عن الأمام على والإمام أحمد وأبويعلى  كذلك  قال:(قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لى يوم بدر ولأبى بكر مع أحدكما جبريل ومع الأخر ميكائيل)  وأخرج ابن عساكر عن ابن سيرين أن عبد الرحمن بن أبى بكر كان يوم بدر مع المشركين فلما أسلم قال لأبيه لقد أهدفت لى يوم بدر فصرفت عنك ولم أقتلك فقال أبو بكر لكنك لو أهدفت لى لم أنصرف عنك �وأخرج البزار فى مسنده عن الإمام على ابن أبى طالب أنه قال أخبرونى عن أشجع الناس قالوا أنت قال أما أنا فأنى ما بارزت أحداً إلا انتصفت منه ولكن أخبرونى بأشجع الناس قالوا لا نعلم من� قال أبو بكر أنه لما كان يوم بدر جعلنا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عريشاً فقلنا من يكون مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لئلا يهوى إليه أحد من المشركين فو الله ما دنا منا أحد إلا أبو بكر شاهراً بالسيف على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يهوى اليه أحد إلا أهوى إليه فهذا أشجع ، ثم قال الإمام على: ولقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد أخذته قريش فهذا يوجئه وهذا يتلتله وهم يقولون أنت الذى جعلت الآلهة إلهاً واحداً قال فو الله ما دنا أحد إلا أبو بكر يضرب هذا ويوجئ هذا ويتلتل هذا وهو يقول ويلكم أتقتلون رجلاً أن يقول ربى الله ثم رفع الإمام على بردة كانت عليه فبكى حتى أخضلت لحيته ثم قال أنشدكم أمؤمن آل فرعون خير أم أبو بكر فسكت القوم فقال ألا تجيبون فو الله لساعة من أبى بكر خير من مثل مؤمن آل فرعون ذاك رجل كتم إيمانه وهذا رجل أعلن إيمانه.

 (وللحديث بقية)