الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله
وصحبة وسلم أجمعين
هذا شرح لأبيات من ديوان شراب الوصل للعارف بالله الشيخ
محمد عثمان عبده البرهاني
.
جمع فيه طرائف الحكمة وعلوم القوم في الشريعة
والحقيقة ونعد هذه سياحة في معانيه الرفيعة السامية عسى أن ينفعنا الله
سبحانه وتعالى بها.
وقد بدأها رضي الله تعالى عنه بالتائية.
سميت التائية لأن كلّ أبياتها تختتم بحرف التاء على نسق
تائيتي ابن الفارض ''الصغرى والكبرى ''و تائية السلوك لسيدى أحمد عربي
الشرنوبي وعادة ما تسمى القصيدة بالحرف الأخير فيها فيقال البائية لما
ينتهي بالباء والنونية لما ينتهي بالنون وهذا ما ينص عليه علم القوافي
.
أما التفسير الصوفي لكلمة التائية فهو النقطة إشارة إلى الذات العلية ولذلك
بدأ الله بها القرآن( بسم الله)وكانت الباء غطاء على النقطة لغيبتها
واستتارها، أما التاء فهي وعاء يحمل نقطتين إشارة إلى التوحيد وبيان وجوب
معرفته، وفي هذا إشارة الى أن التائية حاوية لعلوم التوحيد،وقد خص
التوحيد لأن التوحيد مقدمٌ على العبادة� فالتوحيد من علم الأصول
والعبادة من علم الفروع والأصول مقدمة على الفروع.
أنا في أنا إني وإني في أنا
رحيقي مختوم بمسك الحقيقة
أنا: اسم مكنىًّ وهو المتكلم وحده ولا تثنية له ،ولما لم
يكن بنفسه وكان قائما بحقه سبحانه وتعالى له أن يقول أنا
(القشيري)
(لطائف
الإشارات) هذا هو الأنا المحمود ومن هذا الضرب قوله صلى الله عليه
وسلم:(أنا النبي الأمي الصادق الزكي) ( أنا سيد ولد آدم) (أنا أول شافع
وأول مشفع) ( أنا أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة)� بعكس الأنا المذموم
( أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين) وهي'' أنا النفس'' وهي من
الحسد.
و''أنا الهوى'' في قوله ''أنا ربكم الأعلى '' وهي من الكبرياء
والكبرياء أشد خطرا من الحسد.
وقال سيدي فخر الدين: (الأنا مظهر الهوية
والإنى مظهر الأحدية).
وقد أشار إلى هذه الأنا في قوله:
وتزلزلت أرض العقول بيا أنا
ماذا أفدتم بعد من تائيتي
وقد يكون في قول الشيخ ايحاء إلى أنّ ''أنا''هي سر
التائية.وأنا الأولى هي الأنا التي لا يقولها إلا صاحب الوقت''وهو وحده
محسوب بكل الأولياء الكاملين في عصره و''في'' حرف خافض، وهي للوعاء
والظرف.والوعاء هاهنا وعاء النبوة وهو ''انا إني'' {قل إني أنا النذير
المبين} (الحجر:
89) النذير كونه مبلغاً لجميع التكاليف وشارحاً لجميع
مراتب الثواب والعقاب والجنة والنار، آتياً في كل ذلك بالبيانات الشافية
والبينات الوافية'' وهو نائب عنه في هذا وهو منسوب الى النبي صلى الله
عليه وسلم نسبا وملحق به حسبا
(المؤمنون
من رشحات نوري)
ليَّ
التعلق تكريما بحضرته
كما تعلق بالزيتونة الزيت
قال الإمام علي رضي الله عنه:(إلا إن مثل آل محمد صلى الله
عليه وآله كمثل نجوم السماء إذا خوى نجم طلع نجم) (نهج البلاغة) وهم
المخصوصون بالولاية الكبرى.
كما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مأذون في
الدعوة إلى الله (وداعياً إلى الله بإذنه) والشيخ العارف مأذون في الدعوة
إلى الله وإن الشيخ فرع من إذن النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
وأنا النبوة
في وعاء الذات '' وإني في أنا'' '' أنا من نور الله'' من قوله تعالى:''اني
أنا الله لا اله إلا أنا..''
رحيقي مختوم قال تعالى:{يسقون من رحيق مختوم ختامه مسك وفي
ذلك فليتنافس المتنافسون} (المطففين26-25)
.
الرحيق هو صفوة الخمر والرحيق
من الخمر ما لا غش فيه ، ولا شيء يفسده من قوله تعالى {من رحيق مختوم} شراب
مختوم قد ختم عليه تكريما له بالصيانة على ما جرت به العادة من ختم ما يكرم
ويصان، ولا تمسّه يد حتى يفك ختمه الأبرار� والختم هو ما يوضع على فم
الإناء حفظاً له وعادة ما يكون من الطين وقد ذكر هاهنا أنه من المسك� قال
سيدي بن الفارض:
ولو نظر الندمان ختم إنائها
لأسكرهم من دونها ذلك الختم
فهذا هو فعل الختم بالندمان فكيف بما في الإناء.
أو هومختوم
كناية عن القدم وقال الإمام الفخر الرازي:
شربنا على الصوت القديم قديمه لـكل قـديم أول وهـي أول
وقد وصف سيدي عبد الغني النابلسي الخمرة: بأنها شراب المحبة الإلهية
الناشئة عن شهود آثار الأسماء الجمالية للحضرة العلية، شرح
''ديوان ابن الفارض''.
بمسك: المسك هو الطيب ويقال أطيب من ريح المسك وهو أطيب
الطيب عند العرب وقال سيدي ابن الفارض:
وإن تنفّس قال المسك معترفاً لعارفي طيبه من مسكه أرجي
وقد بين هاهنا أن المسك هو مسك الحقيقة.
الحقيقة: حقيقة الأمر أي يقين شأنه قال الإمام علي رضي الله
عنه في وصف المولى عز وجل ( ما وحّده من كيّفه ولا أصاب حقيقته من مثّله)
�وتذكر الحقيقة مقابل الشريعة في علوم القوم� ومن أبيات القصائد المتعلقة
بهذا المعنى:
وإنـى حق شـأن كـل مؤيـد
وإنى ربُّ البيت وهـى
بعصمتي
أنا الـذي فـي أنا إني كمنزلةٍ
لأحمــدٍ نورُها منشـى حقيقتنا
المسـك مختـومٌ وحـق ختامه
إن تسـأل المطَّففيـن توافــى
لمـا سـمعنا مناجـاةً له بأنا قلنـا
سـمعنا وقال الله آمينــا
د � عبد الله محمد
|