إعلم أن أهل الذكر هم أفضل عباد الله على الإطلاق لأنهم هم الذين لبوا
نداء الله سبحانه وتعالى في قوله : {فاذكروني أذكركم} فاجتهدوا في الذكر
وأكثروا منه كما أمر الله في كثير من آياته مثل قوله تعالى :
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا،
وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا} (الأحزاب
42,14)،
وقوله: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ
اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} (الأحزاب35).
فرقاهم الله سبحانه وتعالى من ذكر اللسان إلى ذكر القلب إلى أن ذُكروا في
الملأ الأعلى مصداقاً لقوله تعالى في الحديث القدسي : حَدَّثَنَا عُمَرُ
بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنا الأعْمَشُ سَمِعْتُ أَبَا
صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهم عَنْهم قَالَ: (قَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى
أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي فَإِنْ
ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي
مَلأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ
بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ
ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي
أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً ) متفق عليه.
وهو أعظم الجزاء أن جعل الله سبحانه وتعالى جزاء من ذكره
أن يذكره سبحانه وتعالى وقد أهداهم الله سبحانه زيادة على ذكره لهم
طمأنينة قلوبهم لقوله عز وجل { ألا بذكر الله تطمئن القلوب } أي بذكر
الله لكم تطمئن قلوبكم أيها الذاكرون.
فاطمأنت قلوبهم بذكره وزادهم جل
شأنه فللذين أحسنوا الحسنى وزيادة ففتح لهم باب حمده وحمد حمده وشكره
وقال مادحاً لهم {وقليل من عبادي الشكور} ولأفضليتهم عند الله تعالى نصب
لهم الفتوى في أمور الدنيا والآخرة فقال جل شأنه {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ
قَبْلِكَ إِلا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ
إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} (النحل
43).
وفي تفسير ابن
كثير لهذه الآية جزء 2 ص
493 قال : ( قال الضحاك عن ابن عباس لما بعث الله
محمدا صلى الله عليه وسلم رسولا أنكرت العرب ذلك أو من أنكر منهم وقالوا الله
أعظم من أن يكون رسوله بشرا فأنزل الله {أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل
منهم أن أنذر الناس} وقال {وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا
أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} يعني أهل الكتب الماضية أبشرا كانت الرسل إليهم
أم ملائكة. فإن كانوا ملائكة أنكرتم وإن كانوا بشرا فلا تنكروا أن يكون محمد
صلى الله عليه وسلم رسولا. قال تعالى {وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم
من أهل القرى} ليسوا من أهل السماء كما قلتم وكذا روي عن مجاهد عن ابن عباس أن
المراد بأهل الذكر أهل الكتاب وقاله مجاهد والأعمش وقول عبد الرحمن بن زيد
الذكر القرآن واستشهد بقوله {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} صحيح لكن
ليس هو المراد ههنا لأن المخالف لا يرجع في إثباته بعد إنكاره إليه وكذا قول
أبي جعفر الباقر نحن أهل الذكر ومراده أن هذه الأمة أهل الذكر صحيح فإن هذه
الأمة أعلم من جميع الأمم السالفة.
وعلماء أهل بيت رسول الله عليهم السلام والرحمة من خير العلماء إذا كانوا على
السنة المستقيمة كعلي وابن عباس وابني علي الحسن والحسين ومحمد ابن الحنفية
وعلي بن الحسين زين العابدين وعلي بن عبد الله بن عباس وأبي جعفر الباقر وهو
محمد بن علي بن الحسين وجعفر ابنه وأمثالهم وأضرابهم وأشكالهم ممن هو متمسك
بحبل الله المتين وصراطه المستقيم وعرف لكل ذي حق حقه ونزل كل المنزل الذي
أعطاه الله ورسوله واجتمعت عليه قلوب عباده المؤمنين والغرض أن هذه الآية
الكريمة أخبرت بأن الرسل الماضين قبل محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم كانوا
بشرا كما هو بشر كما قال تعالى {قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا وما
منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا} وقال
تعالى {وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في
الأسواق} وقال تعالى {وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام وما كانوا خالدين}
وقال تعالى {قل ما كنت بدعا من الرسل} وقال تعالى {قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى
إليّ} ثم أرشد الله تعالى من شك في كون الرسل كانوا بشرا إلى سؤال أصحاب الكتب
المتقدمة عن الأنبياء الذين سلفوا هل كان أنبياؤهم بشرا أو ملائكة.
إذاً أهل الذكر هم
أهل البيت ، ولم يتقيدوا هؤلاء الذاكرين بهيئة معينة في الذكر لماذا، لأن الله
سبحانه وتعالى لم يأمر بتقييد هيئة معينة في الذكر لقوله سبحانه {الَّذِينَ
يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ
فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلا
سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}(191
آل عمران) ، وقوله
تعالى : {فَإِذَا قَضَيْتُمْ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا
وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ
إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا}
(103
النساء)
،قال ابن عباس في هذه الآية أي بالليل والنهار وفي البر والبحر والسفر والحضر
والغنى والفقر والمرض والصحة والسر والعلانية.
إذاً فلن يستطيعوا أن يذكروا الله بهيئة، الهيئة معناها في هذا الموطن كل
الأحوال مثل الأوراد كمثال.
وهم الذين مدح الله سابقيهم وأسلافهم رضي الله عنهم {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ
الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ
وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا
تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ
أَمْرُهُ فُرُطًا}
(82
الكهف).
في تفسير ابن عباس
لهذه الآية قال : حكيت حكاية عن سيدنا رسول الله ( وجد يوم جمعة
بعد الصلاة مجلس علم ومجلس ذكر فجلس إلى مجلس العلم وقال كلا المجلسين خير
وإنما بعثت معلماً وبعد انتهاء المجلس ذهب إلى بيت عائشة ليستريح فنزل عليه
جبريل عليه السلام وقال {واصبر نفسك} الآية فرجع إلى المسجد ثانياً وفي
رواية مسرعاً وجلس في مجلس الذكر وعقب صلاة العصر قال الحمد لله الذي جعل من
أمتي من أمرني ربي أن أصبر نفسي معهم )، وهذا كلام سيدنا عبد الله بن عباس.
نأتي إلى كلام ابن
كثير في الآية:
وقوله {واصبر نفسك
مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه } أي اجلس مع الذين يذكرون
الله ويهللونه ويحمدونه ويسبحونه ويكبرونه ويسألونه بكرة وعشيًا من عباد الله
سواء كانوا فقراء أو أغنياء أو أقوياء أو ضعفاء يقال إنها نزلت في أشراف قريش
حين طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يجلس معهم وحده ولا يجالسهم بضعفاء
أصحابه كبلال وعمار وصهيب وخباب وابن مسعود وليفرد أولئك بمجلس على حدة فنهاه
الله عن ذلك فقال {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي} الآية، وأمره أن
يصبر نفسه في الجلوس مع هؤلاء فقال {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة
والعشي} الآية، وقال مسلم في صحيحه: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا محمد بن
عبد الله الأسدي عن إسرائيل عن المقدام بن شريح عن أبيه عن سعد هو ابن أبي وقاص
قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ستة نفر فقال المشركون للنبي صلى الله
عليه وسلم: اطرد هؤلاء لا يجترئون علينا قال: وكنت أنا وابن مسعود ورجل من هذيل
وبلال ورجلان نسيت اسميهما فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء
الله أن يقع فحدث نفسه فأنزل الله عز وجل {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة
والعشي يريدون وجهه} انفرد بإخراجه مسلم دون البخاري وقال الإمام أحمد: حدثنا
محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن أبي التياح قال سمعت أبا الجعد يحدث عن أبي أمامة
قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على قاص يقص فأمسك فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم قص فلأن أقعد غدوة إلى أن تشرق الشمس أحب إلي من أن أعتق أربع
رقاب ''وقال أحمد أيضًا: حدثنا هاشم حدثنا شعبة عن عبد الملك بن ميسرة قال سمعت
كردوس بن قيس وكان قاص العامة بالكوفة يقول: أخبرني رجل من أصحاب بدر أنه سمع
النبي صلى الله عليه وسلم يقول )لإن أقعد في مثل هذا المجلس أحب إلي من أن أعتق
أربع رقاب) قال شعبة فقلت أي مجلس قال كان قاصًا وقال أبو داود الطيالسي في
مسنده: حدثنا محمد حدثنا يزيد بن أبان عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم (لإن أجالس قومًا يذكرون الله من صلاة الغداة إلى طلوع الشمس أحب إليَّ
مما طلعت عليه الشمس ولأن أذكر الله من صلاة العصر إلى غروب الشمس أحب إليَّ من
أن أعتق ثمانية من ولد إسماعيل دية كل واحد منهم اثنا عشر ألفًا) فحسبنا
دياتهم ونحن في مجلس أنس فبلغت ستة وتسعين ألفًا وههنا من يقول أربعة من ولد
إسماعيل والله ما قال إلا ثمانية دية كل واحد منهم اثنا عشر ألفًا وقال الحافظ
أبو بكر البزار: حدثنا محمد بن إسحاق الأهوازي حدثنا أبو أحمد الزبيري حدثنا
عمرو بن ثابت عن علي بن الأقمر عن الأغر أبي مسلم وهو الكوفي أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم مر برجل يقرأ سورة الكهف فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم سكت
فقال النبي صلى الله عليه وسلم (هذا المجلس الذي أمرت أن أصبر نفسي معهم) هكذا
رواه أبو أحمد عن عمرو بن ثابت عن علي بن الأقمر عن الأغر مرسلا وحدثنا يحيى
ابن المعلى عن منصور حدثنا محمد بن الصلت حدثنا عمرو بن ثابت عن علي بن الأقمر
عن الأغر أبي مسلم عن أبي هريرة وأبي سعيد قالا: جاء رسول الله صلى الله عليه
وسلم ورجل يقرأ سورة الحج أو سورة الكهف فسكت فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم (هذا المجلس الذي أمرت أن أصبر نفسي معهم) وقال الإمام أحمد حدثنا محمد بن
بكير حدثنا ميمون المرئي حدثنا ميمون ابن سياه عن أنس ابن مالك رضي الله عنه عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (مامن قوم اجتمعوا يذكرون الله لا يريدون
بذلك إلا وجهه إلا ناداهم مناد من السماء أن قوموا مغفورًا لكم قد بدلت سيئاتكم
حسنات) تفرد به أحمد رحمه الله وقال الطبراني حدثنا إسماعيل بن الحسن حدثنا
أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب عن أسامة بن زيد عن أبي حازم عن عبد الرحمن بن سهل
ابن حنيف قال: نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بعض أبياته {واصبر
نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي} الآية فخرج يلتمسهم فوجد قومًا
يذكرون الله تعالى منهم ثائر الرأس وجاف الجلد وذو الثوب الواحد فلما رآهم جلس
معهم وقال (الحمد لله الذي جعل في أمتي من أمرني أن أصبر نفسي معهم) عبد الرحمن
هذا ذكره أبو بكر بن أبي داود في الصحابة وأما أبوه فمن سادات الصحابة رضي الله
عنهم وقوله {ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا} قال ابن عباس: ولا
تجاوزهم إلى غيرهم يعني تطلب بدلهم أصحاب الشرف والثروة {ولا تطع من أغفلنا
قلبه عن ذكرنا} أي شغل عن الدين وعبادة ربه بالدنيا {وكان أمره فرطًا} أي
أعماله وأفعاله سفه وتفريط وضياع ولا تكن مطيعًا له ولا محبًا لطريقته ولا
تغبطه بما هو فيه كما قال {ولا تمدّنّ عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة
الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى}.
وقال الإمام أحمد
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ أَخْبَرَنَا مَيْمُونٌ الْمَرَائِيُّ
حَدَّثَنَا مَيْمُونُ بْنُ سِيَاهٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَا مِنْ قَوْمٍ اجْتَمَعُوا
يَذكُرُونَ اللَّهَ لا يُرِيدُونَ بِذَلِكَ إِلا وَجْهَهُ إِلا نَادَاهُمْ
مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ أَنْ قُومُوا مَغْفُورًا لَكُمْ قَدْ بُدِّلَتْ
سَيِّئَاتُكُمْ حَسَنَات).
إذاً من يأتي
لحضور الحضرة أولاً ذنوبه تغفر وثانياً تُبدل سيئاته حسنات �
وروى الطبراني عن
عبد الله بن سهل بن حنيف قال نزلت على رسول الله وهو في بعض أبياته
{واصبر نفسك} الآية فخرج يلتمسهم فوجدهم يذكرون الله.
منهم ثائر الرأس وجاف الجلد وذو الثوب الواحد فلما رآهم جلس معهم وقال (الحمد
لله الذي جعل من أمتي من أمرني أن اصبر نفسي معهم).
ويعلق ابن كثير
على ذلك فيقول : ذكره أبو بكر ابن أبي الدنيا في الصحاح أنه من الصحابة وأما
أبوه الذي هو سهل ابن حنيف فهو من سادات الصحابة.
ويتضح مما ذكرناه
بطلان ما يقول المدَعون أن حلق الذكر هي دروس العلم � كدرس فلان وفلان
.
إذاً مجلس العلم غير مجلس الذكر لأنهم يقولون الحضرة على هيئتها لم ترد والحضرة
معناها أن واحداً يقعد يعمل درس.
وقد ورد في هذه
الآية لابن جرير الطبري في تفسير قوله تعالى {تريد زينة الحياة الدنيا} أي
مجالسة العظماء والأشراف وروى.
أن المؤلفة قلوبهم عيينة والأقرع بن حابس وأمثالهم قالوا يا نبي الله لو جلست
في صدر المجلس ونفيت عنا هؤلاء وأرواح جبابهم يعنون بذلك سلمان وأبا ذر وفقراء
المسلمين وكانت عليهم جباب صوف ولم يكن عليهم غيرها جلسنا إليك وحادثناك وأخذنا
عنك فأنزل الله تعالى {واصبر نفسك} فقام رسول الله يلتمسهم حتى أصابهم في مؤخرة
المسجد فقال (الحمد لله الذي لم يميتني حتى أمرني أن أصبر نفسي مع رجال من أمتي
معكم المحيا ومعكم الممات )� انتهى كلام ابن جرير.
وقد أمرنا الله
سبحانه وتعالى في بعض العبادات بإظهارها وإعلانها وفي بعض العبادات بإسرارها
وإخفائها منها الصلاة والصوم والحج أمرنا الله بإظهارها وإعلانها، مثال الحديث
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ حَدَّثَنَا رِشْدِينُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ
الْحَارِثِ عَنْ دَرَّاجٍ عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إِذَا رَأَيْتُمُ
الرَّجُلَ يَعْتَادُ الْمَسَاجِدَ فَاشْهَدُوا لَهُ بِالإيمَانِ ) مسند أحمد -
سنن الترمذى- سنن بن ماجه، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { إِنَّمَا يَعْمُرُ
مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ} الآيَة.
في حالة الصوم
النبي يقول لو ضايقك إنسان و أنت صائم فلتقل ( اللَّهم إني صائم ) وفي الحج
تسافر ويري جميع من حولك أنك ذاهب للحج وتلبي لتظهر الحج وهناك عبادات أخرى
أمرنا الله بإخفائها مثل الصدقة كما في الحديث حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
بَشَّارٍ بُنْدَارٌ قَالَ حدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عبيد الله قَالَ حَدَّثَنِي
خُبَيْبُ بْنُ عبد الرحمن عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ
اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ الإمَامُ الْعَادِلُ
وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي
الْمَسَاجِدِ وَرَجُلانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ
وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ
فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لا تَعْلَمَ
شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ ورَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ
عَيْنَاهُ) متفق عليه.
و مثل الدعاء في
الصلاة أمرنا الله بإخفائه اتفاقا أي باتفاق المذاهب و هذا في الصلاة فقط.
و نأتي لموضوعنا
الرئيس وهو الذكر هل يكون سراً أم علنا هناك من يقول اذكر ربك في نفسك و نحن
نقول نأتي بالآيات و الأحاديث التي تكلمت في هذا الموضوع ونرى هل هي أمرت
بالذكر جهراً أم سراً أم فاضلت ما بين الاثنين فلو قالت ممكن جهراً أو سرا إذاً
فممكن نعمل الذكر جهراً وممكن نعمله سراً.
لو فاضلت بأن أحدهم أفضل من الآخر فنقوم بعمل الأفضل� لكن هذا لا يعني عدم عمل
النوع الآخر.
مر رسول الله
بالمسجد فوجد سيدنا أبو بكر الصديق وسيدنا عمر رضي الله عنهما يقرآن
القرآن أما سيدنا أبو بكر الصديق يقرا خافضاً صوته وسيدنا عمر رافعاً صوته�
فسأل النبي سيدنا أبو بكر (لِمَ خفضت صوتك فقال لقد أسمعت من ناجيت� فقال
لسيدنا عمر لِمَ رفعت صوتك فقال لأطرد الشيطان وأوقظ النيمان).
إذاً النبي
هنا لم يوافق على السرية ولا الجهرية وقال كن وسطاً � أصلاً الآية تقول {قُلْ
ادْعُوا اللَّهَ أَوْ ادْعُوا الرَّحْمَانَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ
الأسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا
وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلا} (الإسراء
110) ،النبي طبق ذلك على القرآن
بدليل أن الصلاة إما سرية أو جهرية ولا وسط ، { واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة
ودون الجهر.
لجنة التأليف والترجمة
|