العد د الأول  (شباط)

 

الملائكة ـ الروحانيات ـ الجن  ـ  الشيطان  ـ  إبليس ـ   كل هذه المخلوقات الخفية المجهولة للأذهان والأنظار والعقول البشرية هل هي موجودة فعلاً وحقيقة ؟ إذا كان وجودها حقيقى فلماذا لا نراها بواقعها ؟  ما هي أصول خلقها ؟ وهل لها علاقة وطيدة مع الأنس ؟ ماذا تقول إذا روى أحدهم قصة من القصص الغريبة مثل حالات الإلتباس والهيمنة على البشر هل تؤيده أم تقول إنها خرافات ليس لها أساس من الصحة ؟ وما هي الأسباب التي تؤدي إلى هيمنة الجن على الإنس وكيف يكون العلاج والتصدى لها ؟ رأينا أن نتوقف على تلك الحقائق كي تعم المعرفة بعالم الأرواح المجردة والمخلوقات المستترة عن الحواس ، فتبحرنا فى علوم الشيخ محمد عثمان عبده البرهاني(رضي الله عنه)� لكى ننهل من معارفه وعلومه والتقينا بأحد مريدي الطريقة البرهانية وتجاذبنا أطراف الحديث.

وكان سؤالنا عن كيفية بدء الخلق فى هذا الكون ؟ 

مسؤول اللجنة الدولية للتدريس والتأليف والترجمة بالطريقة البرهانية محمد صفوت جعفر ابتدر الحديث عن خلق الطبائع الأربعة التي خلق الله منها المخلوقات والتي تعيش على الأرض من إنسان وحيوان وطيور وأسماك ونباتات ولكن توجد معها مخلوقات خفية منها الجن ، وهو من المخلوقات المعروفة نوعا ما لدى الآدميين وتوجد مخلوقات أخرى تشارك الإنس والجن في الحياة مثل الروحانيات وغيرها.ابتدأ الله الكونيات بخلق الطبائع الأربعة  التراب - الماء -  النار- الهواء  ومنها خلق أجساد كافة المخلوقات فكانت هي أوليات الخلق  عندما خلق الله سيدنا آدم مزج التراب بالماء وكوًّن منه الطين وخلق منه الجسد فأصبح الإنسان مخلوقا من سلالة من طين. وكذلك الحال بالنسبة للحيوان، والنبات، وكل ما يدبُّ على الأرض من التراب .أما الأسماك فخلقت من الماء، والطيور من الهواء، أما عن خلق الجن فقد مزج النار بالهواء وكوًّن ما يسمى بالمارج، وخلق من المارج الجان وهو أبو الجن قال تعالى:{خلق الجان من مارج من نار} ( سورة الرحمن 15).

بالإضافة للإنس والجن والحيوان والنبات يوجد نوع من الملائكة يعيشون على الأرض ويعرفون بالملائكة الروحانيين مخلوقون من الريح ويسمون أيضا الملائكة السيارة . وعندما يريدون الظهور يتجسدون على هيئة عصفور أو جمل أو إنسان وسيم . وهم يحفون  بمجالس العلم أو في حلقات الذكر و عند قراءة القرآن . وكل إلهامات الشعر والفن والرسم منهم ، ولكن ليس معنى هذا  أن أي إلهام لشعر أو رسم من الروحانيين بل هنالك إلهام من الشياطين مثل بعض الفنون والرسوم ذات التأويلات الخيالية التي ليست لها اي علاقة بالحقائق ومثل أشعار الغزل الفاضح قال تعالى: {والشعراء يتبعهم الغاوون ألم ترهم في كل واد يهيمون ويقولون مالا يفعلون إلا الذين آمنوا وانتصروا من بعدما ظلموا}� (سورة الشعراء 227 ) وهنا استثنى ربنا الشعراء المؤمنين لا يتبعهم الغاوون ولا يأخذون شعرهم من الشيطان بل من الروحانيين، وعلى سبيل المثال سيدنا حسان  بن ثابت لا يصنف في بند الشعراء الغاوين فهو مادح سيدنا رسول الله وكل من قرض الشعر في مدح الرسول وآل بيته كما أخبر النبي   (إن روح القدس ينفث فى حسان ما نافح أو فاخر عن رسول الله) روي عن السيدة عائشة رضي الله عنها برواية البخاري.

ويوجد نوع آخر من الملائكة ليس لهم أي علاقة بالطبائع الأربعة وهم الملائكة الكروبيون خلقوا من النور الصرف وذُكروا في القرآن باسم العالين قال تعالى:{استكبرت أم كنت من العالين} (سورة ص 75) والعالون هم المقربون الحافون من حول العرش {وترى الملائكة حافين من حول العرش} (الزمر75) وورد ذكرهم باسم الكروبيين في مسند عبد الرازق في حديث أسبقية  النور (أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر).

 الكلام عن خلق الأجساد لتلك المخلوقات أما  الروح فقد تحدث الأستاذ محمد صفوت مبينا أن كل هذه المخلوقات اختلفت جسدا ولكنها مشتركة في الروح، بمعني أن الروح التي في الأجساد واحدة قال تعالى: {وجعلنا من الماء كل شيء حي} (الأنبياء 30)،  الكل يعتقد أن الله قد خلق كل شيء من الماء استنادا على هذه الآية أما الحقيقة فإن كلمة الماء هنا المقصود بها الروح لأن الجن مخلوق من النار وليس من الماء، وكذلك الطير مخلوق من الهواء، قال تعالى:{والجان خلقناه من قبل من نار السموم} (الحجر 27) والملائكة الروحانيون خلقوا من الريح ووردت كلمة الماء في القرآن بمعنى روح في مواطن متعددة قال تعالى:{وكان عرشه على الماء}(سورة هود7) الماء هنا المقصود بها الروح الأساسية التي خلقت منها كل أرواح المخلوقات فالجن من نار وبه روح ، والطير من الهواء وبه روح، والملائكة من نور وبها روح، وهكذا فالروح هي ماء الحياة.

 أنواع الجن

وتحدث الأستاذ محمد صفوت عن الجن ، وبين انهم نوع من المخلوقات المكلفة العاقلة ، لهم القدرة علي التشكل ولهم سرعة تفوق سرعة الريح ويخطون الخطوة علي امتداد البصر، بمعني أنه يضع قدمه عند منتهى بصره  وله القدرة على الإتيان بالخبر من أقصى الدول في فترة وجيزة  وله قوه خارقة وهو أنواع متعددة ، والجن مأمور بالعبادة قال تعالى: {وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون}� (الذاريات 56) ومن هذا الموطن انقسم الجن إلى الأصناف التالية: 

صنف أطاع واجتهد في عبادته وذكر الله وصلى على النبي  ، فترقى وتلطف وصار ملكا وأصبح من نور النار، تماما كالإنسان عندما يجتهد ويذكر الله ويصلي على حضرة النبي  يترقى ويتلطف (لأن الذِكر يلطف البدن) ويصير وليا وكذلك الأمر بالنسبة للجن. وهذا النوع المجتهد من الجن أكرمهم الله  وأسكنهم السماوات� وهم الملائكة الفلكيون وسخرهم للأسماء الإلهية وجعلهم جنوداً لها فكان منهم سيدنا جبريل وسخره للاسم العليم والخبير ، وميكائيل للاسم الوهاب والرازق ،وإسرافيل للقوي المتين.

وهم الذين صدر إليهم الأمر بالسجود لسيدنا آدم فسجدوا إلا إبليس� قال تعالى: {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين}� (البقرة 34)أما إبليس فكان من الملائكة وكان اسمه عزائيل وسمي بإبليس لالتباس الأمر عليه� وهو  في الأصل كان من الجن عبد واجتهد وترقى حتى اصبح من الملائكة إلا انه فسق وعصا� والشاهد على ذلك قوله تعالى: {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه} (الكهف 50) .

الصنف الثاني النوع المطيع ، جن أطاع الله ولم يجتهد في العبادة وهم مسلمون ويؤمنون بكل نبي ورسول� ويسكنون في الأرض الثانية وهم من المنظرين (لا يموتون) حتى النفخة {قال فأنظرني إلى يوم يبعثون  قال إنك من المنظرين} (سورة الأعراف 15) وهم سبع قبائل وكل قبيلة لها ملك ، و ملوك هذه القبائل صحابة لسيدنا رسول الله   منهم ملك اسمه ''شمها روش'' وكان يعمل مع سيدنا الرسول بعض الأحيان وورد اسمه في الحديث الذي أورد قصته الأمام الغزالي في كتاب الإحياء.

أما الجن الذي عصى الله فهو أنواع متعددة:

النوع الأول : الشياطين وهم كفرة الجن ويعيشون في الأرض الثالثة.

النوع الثاني : الزوابع والتوابع ويتسببوا في الحرائق والفتن  ومعهم جنود إبليس والقرناء ويعيشون في الأرض الرابعة.

النوع الثالث: العفاريت أعتى وأقوى وأذكى من الشياطين ولهم قوه خارقة ويعيشون في الأرض الخامسة.

سيدنا سليمان سخر الجن بكل أنواعه المسلم منه وغير المسلم لخدمته وعندما أرسل لملكة سبأ لتأتي إليه ، طلب من الجن أن يأتوه بعرش بلقيس ملكة سبأ لكي تراه أمامها عندما تصل.

وعرش بلقيس كان ضخما ومرصعا باللؤلؤ والجواهر والزمرد وكان غاية في الفخامة {قال عفريت من الجن أنا آتيك به....} (سورة النمل 93)  وشاء الله تعالى أن يأتي به الذي عنده علم من الكتاب.

النوع الرابع : المردة أعتى وأضخم أنواع الجن وكانوا يسترقون السمع من السماء قبل ميلاد سيدنا رسول الله   ولكن بعد ميلاده رصدت لها الشهب. قال تعالى: {إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب} (الصافات10){وحفظاً من كل شيطان مارد}  (الصافات 7) ،وكانوا يسترقون السمع عندما تتنزل الأوامر من اللوح المحفوظ إلى ألواح المحو والإثبات فتكتب الأقلام لتنفيذ القدر ، وبعد ذلك يذهبون لكهنة الأصنام بالخبر فيخلطون الخبر الصحيح بعشرة أخبار مختلقة وكاذبة فإن وقع الصحيح اعتقد الناس في كل ما قيل لهم فيبدأون بالحق ثم بما يشبه الحق ثم بالباطل محضا تلبيسا على الناس .

وأما عن مساكن الجن ففي الأرض الأولى يعيش  نوع من الجن يعرفون باسم العُمَّار  ومعهم القرناء، فكل إنسان عند مولده يولد معه قرين يعينه على السيء من الأعمال، وعندما ينتقل الإنسان من الدنيا يذهب قرينه إلى الأرض الرابعة مع الزوابع والتوابع ، قال سيدنا رسول الله  : (لكل منكم قرين يعينه على السوء ، قالوا حتى أنت يا رسول الله ، قال :نعم إلا أن الله أعانني عليه فأسلم).   وهنالك من يدَّعي تحضير الأرواح وهذا خطأ لأنه لا يوجد أحد يمكنه تحضير الروح  وإنما يستحضرون قرين الشخص المراد تحضير روحه لأنه يعرف كل شيء عن صاحبه أما العمًّار فيعيشون معنا في كل مكان وقد حذرنا رسول الله   بالابتعاد عن أماكن سكنهم في الحديث الشريف (ابتعدوا عن شقوق الأرض فإنها مساكن الجن)� أي الابتعاد عن الشقوق عند الذهاب في الخلاء لقضاء الحاجة.

هيمنة الجن على الإنس :

الجن بقدراته الهائلة في التشكل والسرعة الكبيرة يستطيع أن يهيمن على الإنس بسهولة لأسباب متعددة قد لا يعلمها كل الناس والهيمنة تتم بطرق جنيه متنوعة ونتطرق هنا إلى قصة واقعية حدثت في الواقع  تدل علي هيمنة من نوع شرس أذهلت العقول وأدهشتها وحيرتها.

مشهد من واقع الحياة

مررنا بمدينة الطائف بالخرطوم فاستوقفنا منزل فخم مطل على أحد الشوارع الرئيسية  مصمم بتقانة هندسية عالية وتأمين غاية في الحداثة ، يعيش فيه مهندس معماري بأسرته و كانوا ينعمون بالسعادة والرفاهية داخل منزلهم الفخم ، وفي ذات يوم حدثت لهم ظاهرة غريبة وهي ظاهرة اختفاء مبالغ كبيرة من المال كان يضعها المهندس داخل الدواليب بغرف المنزل وإذا بها تختفي بطريقه غامضة  وتكررت بصورة مخيفة ، ولم تقف عند هذا الحد بل امتدت لشيء أكبر من ذلك إذ أنه بدأت الحرائق تشتعل داخل المنزل وفي كل الأنحاء والغرف دون أي سبب واضح لتلك الحرائق المتكررة ، وعند اشتعال النيران  ينقطع الماء عن المنزل وتتم الاستعانة بشرطة المطافئ وبالفعل بعد إخماد النيران بفترة وجيزة تشتعل في أماكن متفرقة من المنزل حتى لجأوا إلى وضع براميل من الماء داخل كل غرفة ولكن مع الأسف الشديد عند اشتعال الحرائق يفاجأ أصحاب المنزل بان البراميل خاوية من الماء ، حتى أطفال الأسرة عند ذهابهم إلى المدارس في الصباح تنتابهم حالات من الإسهال الشديد 0 حتى سيارة الأسرة لم تنج  من هذه الهيمنة الشرسة  فعندما يعود صاحب المنزل من عمله يقوم بإدخال السيارة إلى الجراج ويحكم إغلاقه جيدا فإذا به يفاجأ بها خارج الجراج في الشارع الرئيسي  وفي نهاية الأمر احترقت  محتويات السيارة الداخلية ولم تمس النار الماكينة ولا الهيكل الخارجى فلجأت الأسرة التي أصابها الرعب إلى من يعالج مثل هذه الظواهر بتلاوة القران وبالفعل فقد أتى نفر إلى المنزل وقرأوا القرآن في جميع أنحائه ووضعوا المصاحف في كل مكان داخل المنزل ليحترق كل شيء حولها إلا الموضع التي هي فيه� وذهبوا لعدة شيوخ وأتوا إلى المنزل ووضعوا على جدرانه أوراقاً بها كتابات ولكن لم تنجح هذه المحاولة أيضا فشبًّ الحريق والتهم الأوراق وكاد  يحرق أصحاب هذه الأوراق� وتكررت محاولة الأسرة  في إيجاد حل لهذه الظاهرة المخيفة. وترددوا على عدة جهات دينية وإلي كل من ادعى بأن له خبره ودراية في علاج مثل هذه الظواهر ولكن كل محاولاتهم باءت بالفشل الذريع.

إلى أن ظهر أحد أقرباء صاحب المنزل وهو العم عبد الله محمود من أبناء الطريقة البرهانية الذي قص الأمر على الشيخ إبراهيم الشيخ محمد عثمان شيخ الطريقة البرهانية الدسوقية الشاذلية  ليعالج هذه الظاهرة الغريبة من نوعها  وبالفعل عالج الشيخ إبراهيم(رضي الله عنه) هذه الظاهرة بنوع من الملح عليه قراءة معينة� وقام العم عبد الله بوضع الملح في الماء وأذابه ورشه فى كل أنحاء المنزل بطريقة معينة وبحمد الله توقفت الحرائق وكل الظواهر المخيفة وكان العلاج الشافي الكافي الذي وضع حدا لهذه الهيمنة وعاد الأمان والاستقرار لهذه الآسرة بعد ما كانت تراه مستحيلاً صعب المنال.

وتحدث الأستاذ محمد صفوت عن هيمنة الجن على الإنس وقال إن الهيمنة تتم لعدة أسباب يجب معرفتها جيدا حتى نقي أنفسنا من أهوال الجن والإنس ونتحاشى كل شيء يقود إلى حدوث المشاكل والأسباب هي :

أولا: عدم التحصين ومخالفة الشريعة

توجد أمور كثيرة ومتعددة في الشريعة

معظم الناس ليس لهم دراية كافية أو علم كافي بها وأهم شئ هو أن يفهم الناس أن الشريعة ليست تنفيذ الحدود فقط بل هي في المقام الأول التعامل في الحياة مع كافة المخلوقات الظاهرة والخفية الضارة والنافعة مثلا التحصين شرعا في أبسط صوره كالوضوء بنية التحصين في حالات الطمث عند النساء ولابد لها أن تتوضأ عند الاستيقاظ من النوم وعند الخروج من المنزل والوضوء يكون طوال اليوم ولا ينتقض بنوا قض الوضوء وكذلك عند الذهاب إلى النوم لأن حالات الجنابة عموما هي أكثر الحالات التي يتعرض فيها الإنسان لتأثيرات الجن وقال سيدنا رسول الله : (الوضوء سلاح المؤمن). وتوجد آيات للتحصين كثيرة ومعروفة مثل آية الكرسي فهي تحصين لعامةالناس ولكن عليهم معرفة كيفية القراءة والعدد المطلوب ، أما بالنسبة لمن يتبع شيخا مرشداًّ  فتحصينه يكون أقوى بالأوراد وإرشادات الشيخ ، الحزب السيف مثلا واسمه دعاء السيف وهو من أوراد التحصين الخاصة بالطريقة البرهانية. والحزب السيفي أعطاه سيدنا رسول الله  لسيدنا علي كرم الله وجهه لمحاربة الجن في بئر العلمين الذي كان مركزا للجن وانتصر عليهم بالحزب السيفي . والتحصين يكون حتى عند الأكل والشرب وذلك بذكر(بسم الله) فإنه من لم يبدأ ببسم الله عند الأكل والشرب تأكل معه القرائن وتأخذ البركة من الأكل، ومخالفة الشريعة مثل أكل أموال اليتامى وغيرها من المخالفات الشرعية تساعد في تسلط الجن على الإنس

 ثانيا : الذكر بدون خبير

الذكر على يد الخبير العارف المتحقق المأذون أفضل وأقوم لأن الشيخ يعطي الإذن بالذكر والتحصين بالإرشاد القويم السوي، وعدم الذكر على يد خبير يسبب للإنسان مشكلات عديدة ؛ على سبيل المثال إذا ذكر أحدهم بالإسم اللطيف بأعداد كبيرة يسبب للجن الذى يسكن في ذلك المكان نوعاً من القلق والاضطراب ويقوم الجن بالذهاب  إلى قاضي الجن ويشرحون له عن الضيق وعن المتسبب في إزعاجهم وضيقهم ويتخذ قاضي الجن ثلاث خطوات:

يقول لهم هذا الذاكر هل له إذن من شيخ أم لا فإذا كان لديه شيخ فيحكم القاضي على الجن بأن يتحملوا ذكر الذاكر أو يرحلوا عن المكان. أما إذا لم يكن له شيخ فيأمرهم  بأن يبحثوا في سلسلة أنساب أجداد الذاكر دون إذن من شيخ هل له جد من الأولياء فإذا وجدوا في سلسلة النسب ولياً يقومون بفك عقال عقل الذاكر بدون إذن ويصبح مجذوباً من المجاذيب وهم نوع من الأولياء والمجاذيب سيرهم إلى الله يكون بالابتلاء وتحمل إيذاء الناس لهم.

أما إذا لم يجدوا إذناً لدى الذاكر أو لم يكن له جد من الأولياء فيأمر القاضي الجن ويقول لهم امنحوه من ظلمتكم لكي يراكم وبالفعل يعطونه من ظلامهم حتى يراهم وعند رؤيته للجن يحدث أحد أمرين حسب طبيعة الإنسان ، أن يخاف أو لا يخاف أما في حالة الخوف المزعج ينحل عقال العقل وهو رباط برزخي يجمع الأرواح :الروح البهيمي -  روح التكريم - روح الإيمان والجسد في وعاء واحد وهو العقل الذى بدونه ينحل عقد هذا الوعاء فتتفرق أجزاؤه بلا هيمنة ولاسيطرة وعندما ينفك عقال العقل الذي يحصل نتيجة للخوف المزعج يتمكن الجن من الدخول في الجسد ويسكن في محل الكلام والرؤيا والإحساس  وبهذا يحدث ما يسمى باللبس أو الالتباس أو الإحلال ويتزايد حتى يصبح صرعاً ومجملها عشر حالات ابتداء من اللبس وانتهاء بالصرع.

وليس من الضرورة أن  يأتي الخوف المزعج من الذِكر بدون إذن فقط ففى بعض الأحيان يأتي الخوف من رؤية غير متوقعة للجن فيحدث له ذهول يصحبه إغماء فينفك عقال العقل، وعموما فإن الإغماء يسمح للجن بدخول جسد الإنسان ولكنها ليست بقاعدة ثابتة فالقدر هو الأصل  في هذا الموطن، وفي حالات الإلتباس يتكلم الإنسان بلغة الجن الملتبس به ففي بعض الأحيان تجد إنساناً أمى يتكلم الإنكليزية مثلا أو يتحدث الفرنسية و هنا تكون هذه اللغة لغة الجن الذي حل محل روح التكريم وفيها صفة المتكلم وصفة السمع وفي حالة ضرب الإنسان الذي التبسه  جن يكون الضرب للجن الذي سكن في موطن الإحساس ولكن الضرب قد يؤدى إلى موت المريض إذا كان الجن من المنظرين.

أما في حالة عدم الخوف  عندما يظهر الجن للإنسان لأي سبب ولم يصَب بحالة خوف تكون هنالك ندية أي تعامل الند للند بالتعاون بين الجن والشخص الذي رأى الجن فيتم اتفاق بينهم بحيث يقدم كل منهم خدمه للآخر، وتحصل عملية منفعة بينه وبين الجن وهذا غالبا يؤدى إلى السفلي إلا إذا كان الشخص متشرعاً ومحافظاً على شريعته وهذا نادر جدا لأن الشخص الذي يعالج بالجن إذا لم يحافظ على شريعته يتحول إلى سفلي وحالات السفلي ثلاث مراحل والعياذ بالله :

المرحلة الأولى: أن يخالف الشريعة بالوضوء ناقصا كأن يتوضأ ويترك إصبعاً من أصابع يده أو رجله وهو متعمد ويصلي بوضوء ناقص عن عمد فى هذه الحال يأتي له سفلي أقل درجة.

المرحلة الثانية : أن يتوضأ بلبن الحليب أو يستبريء به والعياذ بالله وهذا يأتي له نوع ألعن  من السفلي الذي سبقه.

المرحلة الثالثة : هذا أحقر نوع والعياذ بالله وهو أن يضع العذرة فى المصحف الشريف  فيأتي إليه أسوأ نوع من السفلي وأكد الأستاذ محمد صفوت أن كل هذه الأنواع من السفلي ما هي إلا جن شيطاني كافر وكل هذه  المراحل والعياذ بالله تعتبر كفراً ومروقاً وطرداً من الملة.

الحالات المرضية الناتجة من الهيمنة والسيطرة :

وعن حالات المرض التي تنتج من الهيمنة حدثنا الأستاذ محمد صفوت قائلا إن عدم التحصين ومخالفة الشريعة وكل الأسباب الآنف ذكرها التى تتسبب فى سيطرة الجن على الإنس تتسبب فى حدوث حالات  مرضية ناتجة من الهيمنة الجنية ، مثلا فى حالات عدم التحصين يمكن أن يتعرض الإنسان لنوع من الجن الأحمر اسمه الريح الأحمر وهو من قبيلة الجن الأحمر.  وكما ذكرنا من قبل  بأن الجن سبع قبائل وهذه القبيلة واحدة منهم وهذا النوع من الجن الأحمر يحب الطبل والرقص،والصخب ، وعندما يتمكن من الدخول إلى الإنسان يطلب منه أشياء من هذا القبيل تكون لدى الشخص رغبة دائمة ومتواصلة في الذهاب إلى الزار والريح الأحمر لدرجة أنه يألفه و لا يطيق البعد عنه.

مثل هذه الحالات دائما ما تكون ناتجة عن عدم التحصين وتعتبر هذه الحالةالمرضية من الحالات المرضية الشائعة في المجتمعات غير المتحضرة� وأيضا توجد حالات مرضية مزمنة يتسبب فيها عدم إتباع الشريعة على سبيل المثال فقد حذرنا رسول الله   من شقوق الأرض والابتعاد عنها عند قضاء الحاجة، كذلك عند دخول المنافع عموما يجب أن نقول: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث، والخبث والخبائث نوع من الجن يعيشون داخل الحمامات و المراحيض ،وعند الاستعاذة يخرجون مباشرة ، وإذا لم  تستعذ منهم يبقون معك وعدم الاستعاذة يعرض الإنسان للمشاكل مع الجن لأن من المحتمل أن يكون صغار الجن يلعبون داخل الحمام فيقوم الشخص بإيذائهم دون قصد وبالتالي يتعرض للمحاكمة من الجن.

الحالات المرضية الناتجة من الحسد:

تحدث الأستاذ محمد صفوت جعفر عن الحسد قائلا : إن الحسد نوعان:

النوع الأول حسد ناتج عن نظرة عادية.

النوع الثاني حسد ناتج عن نظرة خطيرة.

الحسد الناتج من العين العادية هو حسد من نوع خفيف يسبب للمحسود أمراض سطحية نوعا ما كارتفاع في درجة الحرارة أو سخونة شديدة في الجسم ويرجع ذلك لعدم النطق بقول ما شاء الله أو الصلاة على النبي   عند النظر لشي جميل والإعجاب الشديد به في هذه الحالة يكون الحسد خفيفاً ويتم علاج هذا النوع من العين بملح العين ويستخدم بطريقة معينة يعرفها الشيخ العارف أو بالرقى الشرعية.

أما الحسد الناتج عن العين الخطيرة يخرج منها كالرصاصة لأن العين هي المركز لطلقة الحسد أو عينة الحسد و مثال هذا النوع من الحسد يذكرنا بالحادثة التي حدثت لسيدنا رسول الله  عندما كان واقفا على المنبر يخطب خطبة الجمعة ورأته فتاتان من اليهود وقالتا : آه ما أجمله . فرأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الحسد أو العينة تخرج من أعينهما فجلس على المنبر حتى مرَّت و ثقبت خشب المنبر وبعد هذا وقف سيدنا الرسول   على المنبر مرة أخرى وواصل الخطبة ومن تلك اللحظة أصبحت خطبة الجمعة خطبتين خطبة طويلة والخطبة القصيرة التي تقال فيها الدعوات.

فمثلا إذا رأينا طفلة جميلة وعلقت عليها بأنها جميلة دون قولك ما شاء الله هنا يكون الحسد من النوع الأول أما إذا قلت إنها طفلة جميلة ماينبغى أن تكون إبنة هذه المرأة وتمنيت أن تكون ابنتك في هذه الحالة تطلع العين وتسكن داخل الفتاة المعيونة وتظل معها حتى تصل لسن الزواج وتبدأ فى إبعاد الأزواج عنها وكلما يتقدم شخص لخطبتها ترفض لأسباب واهية أما لوشاءت الأقدار وتم زواجها. تسكن هذه العين داخل الرحم وتمنع الفتاة المعيونة من الحمل بالرغم من عدم وجود موانع الحمل لديهما. أما إذا تدخلت الأقدار مرة أخرى وتم الحمل تتحول العين لعارض يقوم بإسقاط الحمل فى مراحله الأولى. ولو تم الحمل على ما يرام يتحول العارض إلى قرين ويسقط الجنين فى الشهر الثامن. وإذا تمت الفتاة المعيونة فترة الحمل بأمان وأنجبت، يتحول القرين لما يسمى بأم الصبيان ويقوم بقتل المولود. وهذه الحالة يعالجها الشيخ فيقوم بحرق القرين أو العارض أو يقوم بتكتيفه وحبسه لآنه قد يكون من المنظرين حسب رؤية الشيخ ومعرفته.

 أصوليات  العلاج

وعن أصوليات العلاج سألنا الأستاذ محمد صفوت فبين أنه تنتج حالات مرضية متعددة يتسبب فيها الجن ويرجع ذلك لحالات الخوف المزعج، أو قراءة الأوراد والذكر بدون إذن من شيخ أو خبير أو غيرها من الأسباب الأخرى المختلفة وغالبا ما تؤدى مثل هذه الحالات إلى اللبس والالتباس وتتعدد سبل العلاج والمعالجين لمثل هذه الحالات وهنا نتطرق لأنواع المعالجين والفرق بينهم وهم ثلاث

1- معالج مدعى   2- معالج سفلي   3- شيخ عارف متحقق مأذون بالعلاج

علاج المدعي :

المدعي يدعي بأنه يعالج بالقرآن ويقول إن القرآن صيدلية وأقرأ منه أي سورة أو آية بأي عدد فتنال الشفاء بذلك وهذا خطأ لأن العلاج بالقرآن يحتاج لعلم ودراية وخبرة والعلاج له أصول� فالقرآن صيدلية بها كل أنواع الدواء إلا أنه يحتاج لصيدلي متخصص عارف ومتمرس� لأن الصيدلية إذا لم يكن بها صيدلاني متخصص قد يؤدي ذلك لاستعمال العلاجات خطأ ويتسبب هذا فى إيذاء الشخص العليل. والقرآن علاج وشفاء لكافة الأمراض ولكن الآيات القرآنية المعالجة لا يعرفها كل الناس إلا من كانت له خبرة ودراية كافية بأصوليات العلاج بالقرآن والشاهد على هذا قصة سيدنا سلمان الفارسى عندما ذهب الصحابة لسيدنا رسول الله   وقالوا له: إن سلمان يقطع الآيات القرآنية  و سيدنا سلمان كان أبوه من دهاقين نيران المجوس وكان سيدنا سلمان يقوم بإشعالها إلى أن قابله  ذات يوم قوم من النصارى طلب منهم أن يعبدوا معه النار فقالوا له لنا إله ونبي. فسافر معهم إلى الشام وتنقل وعاش حياته مع الرهبان وتعلم منهم الكثير جدا من آيات الإنجيل والتوراة التي تعالج ، فاكتسب خبرة طويلة جدا حتى دخل إلى الإسلام بخبرته الطويلة بعد قصة مثيرة  فكان كلما دنا أجل الراهب الذي يمكث معه يسأله سيدنا سلمان : قل لي أسأل من بعدك وأذهب لمن. هكذا كان ينتقل من راهب إلى آخر. إلى أن جاء آخر راهب عاش معه سيدنا سلمان فحين سأله أذهب لمن بعدك ؟ قال له بعدى لا تذهب لأى راهب لأنه سوف يأتي نبي آخر الزمان ،وبين له علامات النبوة حتى قابل سيدنا رسول الله   ودخل الإسلام على يديه� فعندما تعلم القرآن وجد فيه صيدلية للشفاء كاملة� وعرف ذلك لأنه ذو خبرة ودراية سابقة اكتسبها من التوراة والإنجيل. فبدأ يستخدم تخصصه وعلمه وخبرته ويستخرج من القرآن آيات الشفاء والرحمة وبدأ يعرف كل علة والآية التى تعالجها وموطن كل آية من القرآن وذلك بعد أن أذن له النبي   (ياسلمان أنت الطيب المطيب خذ من القرآن ما شئت لما شئت). وفي ذلك الزمان كان اليهود يستخدمون السحر لإيذاء المسلمين ، فاستخرج سيدنا سليمان آيات علاج السحر من القرآن من مواطن شتى والجدير بالذكر أن سيدنا سلمان الفارسى توفي عن ما يقارب المائتين وخمسين عاما في خلافة سيدنا عثمان ، وهكذا كان العلاج بالقرآن. لذا لا يصلح للعلاج بالقرآن أى شخص بل يجب أن تتوافر الدراية والعلم للمتخصص في صيدلية القرآن حتى يتم العلاج الشافي الكافي على يد الصيدلى العارف.

السفلي :  النوع الثانى من المعالجين هو الذى يستخدم الجن السفلي فى علاجه والسفلى وأنواعه وسيطرته على الإنسان تم ذكرها بالتفصيل فى موضع سابق من التحقيق ، ومهما كانت النتيجة فالعلاج بالجن خطأ فادح لا تحمد عقباه لأنه يؤدي بالإنسان لارتكاب كثير من الأخطاء فى الشريعة والإنسان لا يضمن نفسه ، لذا عند علاج الحالات المرضية الناتجة عن تسلط الجن لابد من التأكد  أن المعالج لا يستخدم الجن فى علاجه.

الشيخ العارف المتحقق المأذون بالعلاج :

الشيخ العارف المتحقق المتخصص الواصل يكون علاجه أفضل وأسلم وأقوم علاج لأنه مأذون بذلك ويعالج لوجه الله ومحبة فى الله وليس لعلاجه أي غرض آخر أو غاية� ويمكن دفع أي مبلغ للشيخ بعد العلاج وذلك من باب الشكر والمحبة� أو إعطاء هدية إذا رفض المال لأنه يجب في الشريعة الأجر على الرقية والشاهد على ذلك حديث سيدنا أبي سعيد الخدري.

(عن أبي سعيد الخدري قال : نزلنا منزلا. فأتتنا امرأة فقالت : إن سيد الحي سليم ـ  والسليم عند العرب هو الملدوغ ـ فهل فيكم من راق ؟ فقام معها رجل منا ما كنا نظنه يحسن الرقية فرقاه بفاتحة الكتاب. فبرئ فأعطوه غنما� فقلت : لا تحركوها حتى نأتي النبي. فأتيناه فذكرنا له ذلك فقال : ماكان يدريه أنها رقية ؟ أقسموا وأضربوا لي بسهم معكم�) رواه مسلم.

 هادية الشلالي.