العد د الأول  (شباط)

 


قال فقهاء بغداد للمتوكل (الخليفة العباسي) : إن الإمام الجنيد قد تزندق هو وأصحابه.

فقال لهم المتوكل وكان يميل إلى الإمام الجنيد : يا أعداء الله ما أردتم إلا أن تفنوا أولياء الله من الأرض واحداً بعد واحد ، قتلتم الحلاج وأنتم تروون له كل يوم عبارة ولا تزدجرون وهذا الجنيد لا سبيل لكم إليه حتى تغلبوه بالحجة. فاجمعوا له الفقهاء وأقيموا له مجلساً فإن أنتم غلبتموه وشهد الناس بأنكم غالبون عليه قتلته ، وإن هو غلبكم والله لأمشيّن عليكم بالسيف حتى لا يبقى أحد منكم على الأرض . قالوا : نعم ،فجمعوا له الفقهاء من الشام واليمن والعراق والأمصار فلما اجتمع الفقهاء في ذلك حتى لم يبق في  الجوانب الأربعة من يعرف مسألة في دينه إلا حضر. فلما  اجتمعوا : بعث الخليفة إلى الجنيد وأصحابه فأتوا إلى باب القصر. فدخل الجنيد وترك أصحابه بالباب فحيا الخليفة ثم جلس ،فقام إليه أحد الفقهاء يسأله في مسألة : فسمعه القاضي علي بن أبي ثور ،فقال لهم: تسألون الجنيد ؟ قالوا : نعم. فقال لهم : أفيكم من هو أفقه منه؟ قالوا : لا ،فقال : يا عجباً  هو أفقه منكم في علمكم وقد تفقه في علم تنكرونه عليه فبهت القوم وسكتوا ثم قالوا : ما العمل يا قاضي المسلمين ؟ فرد القاضي وجهه إلى الأمير وقال له :

اترك الجنيد وَأخرُج إلى أصحابه صاحب سيفك ( الوليد بن ربيعة ) ينادي فيهم : من يقوم إلى السيف فأول من يقوم إليه نسأله. فقال الخليفة : ولم ذلك نروع القوم ولم تظهر لكم حجة ولا يحل لنا ذلك ،فقال القاضي : يا أمير المؤمنين ، إن الصوفية يحبون الإيثار  ولوكان بأنفسهم فأذن من ينادى :أيكم يقوم إلى السيف ؟ فالرجل الذي يقوم مبادراً إلى السيف هو أكثر الناس جهلاً وأكثرهم صدقاً مع الله عز وجل فيقوم ليؤثر أصحابه بالعيش بعده فإذا قدم أجهلهم علينا جعل الفقهاء يناظرونه يطلبون منه فإن الفقهاء لا يغلبونه ولا يغلبهم فيقع الصلح بيننا وبينهم فإنها قد نزلت مصيبة عظيمة لا ندري لمن تقع النجاة منها.

 فإنه إن قتل الجنيد نزلت داهية بالإسلام فإنه قطب الإيمان في عصرنا وإن قتل العلماء والفقهاء فهي مصيبة عظيمة ، فقال له الأمير : لقد أصبت وقال للسياف: إفعل ما يقوله القاضي ،فخرج الوليد متقلداً سيفه  على المريدين وهم سبعة وعشرون رجلاً قعوداً جالسين يذكرون الله ،فنادى فيهم: أفيكم من يقوم إلى السيف ؟فقام إليه رجل يقال له أبو الحسن النوري.

فقال الوليد : ما رأيت  أسرع منه فوثب قائماً بين يديَّ فعجبت من سرعة قيامه.

فقلت : يا هذا أعلمت لم  قمت ؟ قال : نعم ألم تقل أفيكم من يقوم للسيف. فقال السياف : ولمَ قمت؟ قال : علمت أن الدنيا سجن المؤمن فأحببت أن أخرج إلى دار الفوز وأن أؤثر أصحابى عليّ بالعيش ولو ساعة ،ولعلي أُقتل فيطفأ الشر بي فيسلم جميعهم ولا يقتل أحد غيري.  فقلت له : أجب القاضي � فتغير وجهه وسالت عبرته �فقال : أودعاني القاضي ؟ قلت : نعم  فقال: حقاً عليّ إجابته ،فلما دخل سأله القاضي عن مسألة غامضة وهي : من أنت ؟ ولم خُلقت ؟ وما أراد الله بخلقك ؟ وأين هو ربك منك؟ فرد عليه قائلاً : ومن أنت الذي تسألنى ؟

فقال : أنا قاضي القضاة ،فرد عليه : إذاً لا رب غيرك ولا معبود سواك أنت قاضي القضاة وهذا يوم الفصل والقضاء والناس قد حشروا فأين النفخ في الصور الذي  قال الله فيه : {ونُفخ في الصور  فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله}. أنا ممن صعق أم ممن شاء الله !فبهت القاضي وقال : أجعلت منى إلهاً؟ فقال : معاذ الله بل أنت تألهت، حيث تسميت بقاضى القضاة وليس قاضي القضاة إلا الذى يقضي ولا يُقضى عليه، أضاقت عليك الأسماء؟ أما كفاك قاضي المسلمين أو أحد الفقهاء أم أحد عباد الله، أم استكبرت أن تقول: أنا علي ابن أبي ثور ،فما زال يقرعِّه حتى بكى القاضي والملك وبكى الإمام الجنيد ،فقال الجنيد لتلميذه: أقصر من عتابك فقد قتلته، فخلِّ سبيله �فلما أفاق القاضي قال : يا أبا الحسن أجبني عن مسألتي وأنا أتوب إلى الله. فقال له : اذكر مسألتك فقد نسيتها ،فأعاد عليه المسألة.

فنظر عن يمينه وقال: أتجاوبه؟ ثم قال : حسبي الله. ثم نظر عن يساره، ثم نظر أمامه وقال : أتجاوبه ؟ ثم قال :الحمد لله ثم رفع رأسه إلى القاضي وقال له :أما قولك من أنت ؟ فأنا عبد الله لقوله تعالى :. { إن كلُّ من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا}. وأما قولك : لم خلقت ؟فكان الله كنزاً لا يُعرف فخلقني لمعرفته ، قال تعالى :{وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون }. وأما قولك : ما أراد الله بخلقي؟ فما أراد به إلا كرامتى لقوله تعالى: {ولقد كرمنا بنى آدم}. وأما قولك : أين ربك منك ؟ فهو مني حيث أنا منه لقوله تعالى : {وهو معكم أينما كنتم}.  فقال : اخبرني كيف هو معك ومعنا ؟ قال : هو معنا كيفما كنا معه ، فإن كنا معه بالطاعة كان معنا بالعون والهدى إليه ،وإن كنا معه بالغفلة كان معنا بالمشيئة. وإن كنا معه بالمعصية كان معنا بالمهلة ، وإن كنا معه بالتوبة كان معنا بالقبول وإن كنا معه بالترك كان معنا بالعقاب. قال القاضي : صدقت.  فأخبرني أين هو مني ؟ فقال له : أخبرني أين أنت منه ؟ أُعلمك أين هو منك� قال القاضى : صدقت فيما قلت، ولكن أخبرني بمسألة ثانية لم نظرت عن يمينك وقلت: أتجاوبه؟ حين سألتك ؟

قال : إن المسألة التي سألتني عنها لم يكن عندي فيها جواب لأنني ما سُئلت فيها قط ولا سمعتها فلما سألتنى لم يكن عندي ما أخبرك به فسألت الملك الكريم الذي يكتب في اليمين أتجاوبه؟ فقال: لا علم لي. فقلت :حسبي الله، وفوضت أمري إلى الله. وسألت الذي عن شمالي فقال كذلك. فسألت إمامي أي قلبي، فقال عن سره عند ربه ما أجبتك به فقلت: الحمد لله شاكراً على الهداية ومقراً له بالعجز عن إدراك النهاية.

فقال القاضي : أتكلمك الملائكة. فرد عليه قائلاً : ويحك أما ترى رب الملائكة كلَّمني حين هداني لحجتي فكيف لا أعرفها، فقال القاضي لأمير المؤمنين: اترك هؤلاء فإن كان هؤلاء زنادقة فليس على وجه الأرض مسلم '' هؤلاء مصابيح الدين ودعائم الإسلام وهؤلاء المؤمنون حقاً وهم عباد الله المخلصون.

فقال أمير المؤمنين للجنيد : هؤلاء جمعوا لك هذا المجلس لمناظرتك ولو غلبوك لقتلوك والآن أنت الغالب عليهم فإما أن تعفوا وإما أن أقتلهم.

فقال الجنيد : معاذ الله أن يموت أحدٌ منهم بسببي عفا الله عنهم وعنا ولا آخذ عليهم في إنكارهم وما ساقهم إلى ذلك إلا الجهل وقلة العلم.

   إعداد/ أحمد


دار حوار بين جماعة من العلماء وسيدي فخر الدين حول آية فى كتاب الله : {يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان}
(الرحمن   33).

يقول سيدي فخر الدين الشيخ محمد عثمان عبد البرهاني :
اتفق جماعة من العلماء فى الخرطوم على أن الإشارات فى كتاب الله تعالى لا يعرف كنهها إلا الصوفية ، ثم قالوا : أفضل الصوفية الموجودين هم البرهانية ، فلنذهب إلى شيخهم فجاءوا إليّ و قالوا : يا شيخ محمد
. ما قولك في معنى '' السلطان '' في قوله تعالى : {يا معشر الجن و الإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات و الأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان}.
فمعظمنا يتفق على أن المقصود بالسلطان إنما هو العلم ؟
قلت : إنما المقصود بالسلطان هو القوة
.
قالوا : كيف ذلك ؟
'' فى هذه الفترة كان الشيخ إسماعيل الأزهري مسجوناً ''
.
فقلت لهم : أليس الشيخ إسماعيل الأزهري مسجوناً ؟
قالوا : بلى
.
قلت : و هل رأسه معه ؟
قالوا : نعم
.
قلت : و هل علمه فى رأسه ؟
قالوا : نعم
.
قلت : و عندما دخل السجن فقد العلم هذا ؟
قالوا : لا
.
قلت : إذن فالمقصود بالسلطان إنما هي القوة و القوة هي الأسماء الإلهية و الخطاب إنما هو للجن و الإنس ، فالجن يستطيع أن يتنقل من مكان إلى مكان فى لحظات بين السماء والأرض ، والإنس الذي يسعى هنا و هناك
.... فكيف يستطيع كلاً من الإنس و الجن أن يخرج من أقطار السموات و الأرض و إذا أراد الخروج فلابد للخروج من سلطان و السلطان هو القوة و القوة هي الأسماء الإلهية ، و لذلك فالأنبياء و الأولياء يستطيعون النفاذ من أقطار السموات و الأرض عن طريق الأسماء الإلهية.

لجنة التأليف والترجمة