إستدلال الأئمة والمفسرون بأقوال الصوفية
قد
استدل كثير من علماء التفسير بآراء علماء الصوفية ونحن نسرد بعض هذه الإستدلالات
وذلك غير علماء الصوفية أصحاب كتب التفسير مثل سيدي محيي الدين بن عربي وسيدي محمود
الألوسي وسيدي بن عجيبة وغيرهم وإليك بعض هذه التفسيرات التي تدل على شيوع قبول هذا
عند العامة والخاصة .
الجامع لأحكام القرآن، للإمام القرطبي
سورة البقرة.
الآية 8 ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين.
روى ابن جريج عن مجاهد قال: نزلت أربع آيات من سورة البقرة في المؤمنين، واثنتان في
نعت الكافرين، وثلاث عشرة في المنافقين. وروى أسباط عن السدي في قوله: "ومن الناس"
قال: هم المنافقون. وقال علماء الصوفية: الناس اسم جنس، واسم الجنس لا يخاطب به
الأولياء.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وإنما الأعمال بالخواتيم) ولهذا قال علماء
الصوفية: ليس الإيمان ما يتزين به العبد قولا وفعلا، لكن الإيمان جَرْيُ السعادة في
سوابق الأزل، وأما ظهوره على الهياكل فربما يكون عاريا، وربما يكون حقيقة
الآية: 20 يكاد البرق يخطف أبصارهم كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا
ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم إن الله على كل شيء قدير.
وقال علماء الصوفية: هذا مثل ضربه الله تعالى لمن لم تصح له أحوال الإرادة بدءا،
فارتقى من تلك الأحوال بالدعاوى إلى أحوال الأكابر، كأن تضيء عليه أحوال
الإرادة لو صححها بملازمة آدابها، فلما مزجها بالدعاوى أذهب الله عنه تلك الأنوار
وبقي في ظلمات دعاويه لا يبصر طريق الخروج منها.
الآية: 22 الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من
الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون.
وقال علماء الصوفية: أعلم الله عز وجل في هذه الآية سبيل الفقر، وهو أن تجعل الأرض
وطاء والسماء غطاء، والماء طيبا والكلأ طعاما، ولا تعبد أحدا في الدنيا من الخلق
بسبب الدنيا، فإن الله عز وجل قد أتاح لك ما لا بد لك منه، من غير منة فيه لأحد
عليك. وقال نوف البكالي: رأيت علي بن أبي طالب خرج فنظر إلى النجوم فقال: يا نوف،
أراقد أنت أم رامق؟ قلت: بل رامق يا أمير المؤمنين، قال: طوبى للزاهدين في الدنيا
والراغبين في الآخرة، أولئك قوم اتخذوا الأرض بساطا، وترابها فراشا، وماءها طيبا،
والقرآن والدعاء دثارا وشعارا، فرفضوا الدنيا على منهاج المسيح عليه السلام
الآية: 31 وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء
إن كنتم صادقين.
قال علماء الصوفية: علمها بتعليم الحق إياه وحفظها بحفظه عليه ونسي ما عهد إليه،
لأن وكله فيه إلى نفسه فقال: "ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما".
[طه: 115]. وقال ابن عطاء: لو لم يكشف لآدم علم تلك الأسماء لكان أعجز من الملائكة
في الإخبار عنها.
الآية: 51 وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون
قلت: وبهذا استدل علماء الصوفية على الوصال وأن أفضله أربعون يوما وسيأتي الكلام في
الوصال في آي الصيام من هذه السورة إن شاء الله تعالى
سورة آل عمران.
الآية: 35 إذ قالت امرأة عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محررا فتتقبل مني إنك أنت
السميع العليم وقد قال رجل من الصوفية لأمه: يا أمه: ذريني لله أتعبد له وأتعلم
العلم، فقالت نعم. فسار حتى تبصر ثم عاد إليها فدق الباب، فقالت من؟ فقال لها: ابنك
فلان، قالت: قد تركناك لله ولا نعود فيك.
الآية: 122 إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما وعلى الله فليتوكل المؤمنون.
وأن التوكل على الله هو الثقة بالله والإيقان بأن قضاءه ماض، واتباع سنة نبيه صلى
الله عليه وسلم في السعي فيما لا بد منه من الأسباب من مطعم ومشرب وتحرز من عدو
وإعداد الأسلحة واستعمال ما تقتضيه سنة الله تعالى المعتادة. وإلى هذا ذهب محققو
الصوفية، لكنه لا يستحق اسم التوكل عندهم مع الطمأنينة إلى تلك الأسباب والالتفات
إليها بالقلوب؛ فإنها لا تجلب نفعا ولا تدفع ضرا
الآية: 191 الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات
والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار.
قال ابن العربي: اختلف الناس أي العملين أفضل: التفكر أم الصلاة؛ فذهب الصوفية إلى
أن التفكر أفضل؛ فإنه يثمر المعرفة وهو أفضل ، المقامات الشرعية. وذهب الفقهاء
إلى أن الصلاة أفضل؛ لما ورد في الحديث من الحث عليها والدعاء إليها والترغيب فيها.
وفي الصحيحين عن ابن عباس أنه بات عند خالته ميمونة، وفيه: فقام رسول الله صلى الله
عليه وسلم فمسح النوم عن وجهه ثم قرأ الآيات العشر الخواتم من سورة آل عمران، وقام
إلى شن معلق فتوضأ وضوءا خفيفا ثم صلى ثلاث عشرة ركعة؛ الحديث. فانظروا رحمكم الله
إلى جمعه بين التفكر في المخلوقات ثم إقباله على صلاته بعده؛ وهذه السنة هي التي
يعتمد عليها. فأما طريقة الصوفية أن يكون الشيخ منهم يوما وليلة وشهرا مفكرا لا
يفتر؛ فطريقة بعيدة عن الصواب غير لائقة بالبشر، ولا مستمرة على السنن. قال ابن
عطية: وحدثني أبي عن بعض علماء المشرق قال: كنت بائتا في مسجد الأقدام بمصر فصليت
العتمة فرأيت رجلا قد اضطجع في كساء له مسجى بكسائه حتى أصبح، وصلينا نحن تلك
الليلة؛ فلما أقيمت صلاة الصبح قام ذلك الرجل فاستقبل القبلة وصلى مع الناس،
فاستعظمت جراءته في الصلاة بغير وضوء؛ فلما فرغت الصلاة خرج فتبعته لأعظه، فلما
دنوت منه سمعته ينشد شعرا:
مسجى الجسم غائب حاضر منتبه القلب صامت ذاكر
منقبض في الغيوب منبسط كذاك من كان عارفا ذاكر
يبيت في ليله أخــا فكـر فهو مدى الليل نائم ماهر
قال: فعلمت أنه ممن يعبد بالفكرة، فانصرفت عنه.
سورة الأعراف الآية: 32 قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل
هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون
وقد كره بعض الصوفية أكل الطيبات؛ واحتج بقول عمر رضي الله عنه: إياكم واللحم فإن
له ضراوة كضرواة الخمر.
سورة التوبة.
الآية: 23 يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر
على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون.
وفي مثله تنشد الصوفية:
يقولون
لي دار الأحبة قد دنت وأنت كئيب إن ذا لعجيـب
فقلت وما تغني ديار قريبـة إذا لم يكن بين القلوب قريب
فكم من بعيد الدار نال مراده وآخر جار الجنب مات كئيب
الآية: 28 يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد
عامهم هذا وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء إن الله عليم حكيم.
وقد تقدم أن السبب لا ينافي التوكل قال صلى الله عليه وسلم: (لو توكلتم على الله حق
توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا). أخرجه البخاري. فأخبر أن
التوكل الحقيقي لا يضاده الغدو والرواح في طلب الرزق. ابن العربي: ولكن شيوخ
الصوفية قالوا: إنما يغدو ويروح في الطاعات فهو السبب الذي يجلب الرزق. قالوا:
والدليل عليه أمران: أحدهما: قوله تعالى: "وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك
رزقا نحن نرزقك" [طه: 132] الثاني: قوله تعالى: "إليه يصعد الكلم الطيب والعمل
الصالح برفعه" [فاطر: 10] فليس ينزل الرزق من محله، وهو السماء، إلا ما يصعد وهو
الذكر الطيب والعمل الصالح وليس بالسعي في الأرض فإنه ليس فيها رزق.
الآية: 35 يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما
كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون.
وقال علماء الصوفية: لما طلبوا المال والجاه شان الله وجوههم، ولما طووا كشحا عن
الفقير إذا جالسهم كويت جنوبهم، ولما أسندوا ظهورهم إلى أموالهم ثقة بها واعتمادا
عليها كويت ظهورهم. وقال علماء الظاهر: إنما خص هذه الأعضاء لأن الغني إذا رأى
الفقير زوى ما بين عينيه وقبض وجهه. كما قال:
يزيد يغض الطرف عني كأنمــا زوى بين عينيه علي المحاجم
فلا ينبسط من بين عينيك ما انزوى ولا تلقني إلا وأنفك راغــم
وإذا سأله طوى كشحه، وإذا زاده في السؤال وأكثر عليه ولاه ظهره. فرتب الله العقوبة
على حال المعصية.
سورة هود.
الآية: 114 وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك
ذكرى للذاكرين.
وقال شيوخ الصوفية: إن المراد بهذه الآية استغراق الأوقات بالعبادة فرضا ونفلا؛ قال
ابن العربي: وهذا ضعيف، فإن الأمر لم يتناول ذلك إلا واجبا لا نفلا، فإن الأوراد
معلومة، وأوقات النوافل المرغب فيها محصورة، وما سواها من الأوقات يسترسل عليها
الندب على البدل لا على العموم، وليس ذلك في قوة بشر.
سورة يوسف.
الآيتان: 23 - 24 وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك قال
معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون، ولقد همت به وهم بها لولا أن
رأى برهان ربه كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين.
قال ابن العربي: كان بمدينة السلام إمام من أئمة الصوفية، - وأي إمام - يعرف بابن
عطاء! تكلم يوما على يوسف وأخباره حتى ذكر تبرئته مما نسب إليه من مكروه؛ فقام رجل
من آخر مجلسه وهو مشحون بالخليقة من كل طائفة فقال: يا شيخ! يا سيدنا! فإذا يوسف هم
وما تم؟ قال: نعم! لأن العناية من ثم. فانظر إلى حلاوة العالم والمتعلم، وانظر إلى
فطنة العامي في سؤاله، وجواب العالم في اختصاره واستيفائه؛ ولذلك قال علماء
الصوفية: إن فائدة قوله: "ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما" [يوسف: 22] إنما أعطاه
ذلك إبان غلبة الشهوة لتكون له سببا للعصمة
الآية: 100 ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل
قد جعلها ربي حقا وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ
الشيطان بيني وبين إخوتي إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم.
قوله تعالى: "وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن" ولم يقل من الجب استعمالا للكرم؛
لئلا يذكر إخوته صنيعهم بعد عفوه عنهم بقوله: "لا تثريب عليكم"
قلت: وهذا هو الأصل عند مشايخ الصوفية: ذكر الجفا في وقت الصفا جفا، وهو قول صحيح
دل عليه الكتاب. وقيل: لأن في دخول السجن كان باختياره بقوله: "رب السجن أحب إلي
مما يدعونني إليه" [يوسف: 33] وكان في الجب بإرادة الله تعالى له. وقيل: لأنه كان
في السجن مع اللصوص والعصاة، وفي الجب مع الله تعالى؛ وأيضا فإن المنة في النجاة من
السجن كانت أكبر، لأنه دخله بسبب أمرهم به؛ وأيضا دخله باختياره إذ قال: "رب السجن
أحب إلي" فكان الكرب فيه أكثر؛ وقال فيه أيضا: "اذكرني عند ربك" [يوسف: 42] فعوقب
فيه.
سورة النحل.
الآية: 5 والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون.
دلت هذه الآية على لباس الصوف، وقد لبسه رسول الله صلى الله عليه وسلم والأنبياء
قبله كموسى وغيره. وفي حديث المغيرة: فغسل وجهه وعليه جبة من صوف شامية ضيقة
الكمين... الحديث، خرجه مسلم وغيره. قال ابن العربي: وهو شعار المتقين ولباس
الصالحين وشارة الصحابة والتابعين، واختيار الزهاد والعارفين، وهو يلبس لينا وخشنا
وجيدا ومقاربا ورديئا، وإليه نسب جماعة من الناس الصوفية؛ لأنه لباسهم في الغالب،
فالياء للنسب والهاء للتأنيث. وقد انشدني بعض أشياخهم بالبيت المقدس طهره الله:
تشاجر الناس في الصوفي واختلفوا فيه وظنــوه مشتقا من الصوف
ولست أنحل هذا الاسم غير فتــى صافى فصوفي حتى سمي الصوفي
سورة الفرقان.
الآيات: 74 - 75 - 76 - 77 والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين
واجعلنا للمتقين إماما، أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاما،
خالدين فيها حسنت مستقرا ومقاما، قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم فقد كذبتم فسوف
يكون لزاما.
وكان القشيري أبو القاسم شيخ الصوفية يقول: الإمامة بالدعاء لا بالدعوى، يعني
بتوفيق الله وتيسيره ومنته لا بما يدعيه كل أحد لنفسه. وقال إبراهيم النخعي: لم
يطلبوا الرياسة بل بأن يكونوا قدوة في الدين. وقال ابن عباس: اجعلنا أئمة هدى، كما
قال تعالى: "وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا" [السجدة: 24] وقال مكحول: اجعلنا أئمة
في التقوى يقتدي بنا المتقون. وقيل: هذا من المقلوب؛ مجازه: واجعل المتقين لنا
إماما؛ وقال مجاهد. والقول الأول أظهر وإليه يرجع قول ابن عباس ومكحول، ويكون فيه
دليل. على أن طلب الرياسة في الدين ندب. وإمام واحد يدل على جمع؛ لأنه مصدر
كالقيام. قال الأخفش: الإمام جمع آم من أم يؤم جمع على فعال، نحو صاحب وصحاب، وقائم
وقيام.
|