بـالـحـقـائـق
نـاطـقـيـن
سادتى ووسيلتى
مازلنـا نواصل معا مسـيرنا فى مبحث التوسـل والوسـيلة وكنا قد
استـخلصنا حديثنا فى المرة السابقة الى أن الوسيلة ليست مقصـورة على
العبادات،واليوم نتعرف على وسـيلتنا إلى اللـه وكـيف نكون مسترسلين
فى مبحثنا (الوسيلة) من كتاب انتصار أوليـاء الرحمن على أولياء
الشيطان الذى أوضح لنا فيه الشيخ محمد عثمـان عبده البرهـانى أن
الوسيلة الحقيقية تكون بالنبى صلى الله عليه وسلم وبالأنبياء
السابقين وآل البيت الطاهرين وسلالتهم الشريفة إلى يوم الدين
الأولياء الصالحين بل والتبرك بآثارهم،مع أن الكثيرين ينكرون التوسل
بالأنبياء والصالحين ويعتمدون فى ذلك على فهمهم المغلوط لبعض الآيات
الكريمة ولكننا نجد أن الشيخ محمد عثمان عبده البرهانى قد بيَّن لنا
حقيقة الأمر وشرح لنا عظيم القدر فى التوسل بالأنبياء والصالحين وعلى
رأسهم سيد الأولين والاخرين وسلالته المقربين.وهنا قال الشيخ محمد
عثمان عبده البرهانى:
الخير ما شئتُم وما شئتم يكُن طوعا فأنتم
سادتى ووسيلتى
وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أول من توسل بحقِّه وبالأنبياء
السابقين وورد ذلك فى حديث السيدة فاطمة بنت أسد رضي الله عنها والدة
الإمام على كرم الله وجهه الذى قال فيه (بحقِّ نبيك والأنبياء الذين
من قبلى أن ترحم أمى فاطمة بنت أسد، اللهمَّ أكرم نُزُلها ووسِّع
قبرها) وفى رواية أخرى (اللهم بحقى وحق النبيين من قبلى...) وأيضا
نجد أن سيدنا آدم عليه السلام كان قد توسَّل بسيدنا محمد صلى الله
عليه وسلم قبل ولادته وجاء ذلك فى حديث سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله
عنه أنه قال: (قال النبى صلى الله عليه وسلم لما اقترف آدم الخطيئة
قال: ياربِّ أسالك بحق محمد أن تغفر لى فقال الله: يا آدم وكيف عرفت
محمد صلى الله عليه وسلم ولم أخلقه؟ قال ياربِّ لأنك لما خلقتنى بيدك
ونفختَ فىَّ من روحك رفعتُ رأسى فرأيت على قوائم العرش مكتوبا (لا
إله إلا الله محمد رسول الله) فعلمتُ أنك لم تُضف إلى اسمك إلا أحب
الخلق إليك فقال تعالى: صدقت يا آدم انه لأحب الخلق إلىَّ ادعنى بحقه
فقد غفرتُ لك ولولا محمد ما خلقتك.) وقوله صلى الله عليه وسلم (لولا
عباد لله رُكَّعٌ وصبية رُضَّعٌ وبهائم رُتَّع لصُبَّ عليكم العذاب
صبَّاً ثم رُض رضَّا) خير دليل على التوسل لأن فى المعنى البسيط
للحديث أنه لولا هؤلاء لنزل عليكمَّ العذاب،ومن ضمن البهائم فإذا
كانت البهائم سببا فى رفع البلاء فما بال الأولياء لذا لايمكننا
القول بأن التوسُّل هو التوجه لغير الله أى التوجه لمخلوقاته وهذا هو
الشرك بعينه كما يدَّعى البعض وإذا كان ادعاؤهم صحيحاً فلماذا قدم
الله تعالى طاعة رسوله على طاعته مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم من
مخلوقاته وذلك فى قوله تعالى {من يطع الرسول فقد أطاع الله}؛ ولماذا
توجَّه سيدنا موسى لسيدنا الخضر ولكن حقيقة الأمر أن كل مخلوقات الله
لم تخلُ من نعمه ورحمته التى تتوجَّه بها إليه.
هادية محمد الشلالي
الـبرزخ المعــمـور
من عرف الله لا يخفى عليه شئ وقال الامام فخرالدين في مايفيد هذا
المعنى.
صـدر حوى علـما لدنـيا به بعض
العطايا يصدق الاخبارا
وقال:
وان زكا الناس فالدنيا حكيمتهم
فلى مقام به الارواح زكيت
فالعقل لايمكن الاستدلال به على حقيقة هذه الحياة البرزخية لان العقل
له اصول يرجع اليها فى برهانه ودليله وهذه الأصول. هى الحواس. النظر،
الشم، الطعم، اللمس، السمع. فالنظر ينقل لك الصورة بأن الانسان تراب
وأصبح معدوما وغاب عنه حقيقه الامر. وحقيقه الاشياء ذاتها. فبرهان
العقل برهان وجودى. ولكن الايمان يلزمك بالحقائق سواءأوجدت دليلا
اولم تجد
واعلم ايضا ان العالم كله علوه وسفله لاتصح له حالة الاقامة أبداً
فالحق خلقنا اطوارا والتطور فى كل شئ قائم سواء أكان فى عالم الحس او
عالم البرزخ. فلا يقف التطور عند حد معين.
بهذا الاعتبار فان حياة النبى او الولى اقوى وأعظم مما كان فى الدنيا
فالاخرة دار الاطلاق والدنيا دار تقيد وتشريع وإلاَّ كيف يلتقي النبى
صلى الله عليه واله وسلم بالأنبياء فى بين المسجد الاقصى وينخرق له
عالم البرزخ ثم يصعد الى السماء فيقابل الأنبياء ثم يخرق له برزخ
الملكوت وهو عالم الجنان. ثم يخرق له برزخ الجبروت وهو عالم العرش ثم
يعود ويخبر بهذه الامور، فالولى مظهر جمع الله فيه بين حقيقة عالم
الحس وعالم الخيال ولذلك له القوة فى الدلالة على الله. فاذا انخرق
الشرع بمشاهدة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم او احدٍ من ورثته
والجلوس معه يقظة انتقل الحكم لطهارة ذلك التوحيد. كما حدث مع رسول
الله ان اجتمع بالأنبياء يقظة وليس مناما.وهل الناس بافكارهم وعقولهم
قالوا (بلى) حين اشهدهم الحق على انفسهم فى (قبضة الذرية) من ظهر
سيدنا ادم.ام انها عناية من الحق بخلقه ولكن لما رجعوا الى الأخذ عن
قواهم المفكرة فى معرفة الله لم يجتمعوا قط على حكم واحد وذهبت كل
طائفة الى مذهب واجترأوا على اهل الله غايه الجرأة ويقول الامام
فخرالدين رضى الله عنه.
ومن الناس من يكبَّلُ علماً
كقثاء السيول غث هشيم
وقال:
ليتهم لوحققوا او دقـقوا بل
يقولوا نحن جمع منتصر
اما اهل الله. افتقروا اليه فيما كلفهم من الايمان به وعلموا ان المراد
منهم رجوعهم اليه لا إلى أنفسهم.فمنهم من قال: سبحان من لم يجعل
سبيلا الى معرفته الا بالعجز معرفته.
ومنهم من قال: العجز عن درك الادراك ادراك.وقال صلى الله عليه واله
وسلم: لا احصي ثناء عليك انت كما اثنيت على نفسك فرجعوا الى الله فى
المعرفة به وتركوا الفكر فى مرتبة البرزخ والبرزخ هو امر فاصل بين
أمرين. لايكون متطرفا ابدا ولولا ذلك ماتميزت الأشياء ولا المراتب
ولا المنازل. قال تعالى {مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا
يبغيان}.
ومعنى لا يبغيان اى لا يختلط احدهما بالاخر. فلا تختلط حقيقة بحقيقة.
ولاشئ بشئ. فهو كالخط الفاصل بين الظل والشمس. فذلك الخط الفاصل او
هذا الحاجز المعقول هو البرزخ. او هو المقام المتوهم الذى لاوجود له
الا فى الوهم بين عالم الشهاده وعالم الغيب.
فالبرزخ بين امرين اوحقيقتين. فهو معلوم وغير معلوم ومعدوم وموجود منفى
ومثبت فلأجل ذلك سمى برزخا كالخيال ولكن العقل يقضى بانه حاجز له
اوحائط وهذا لايقول به عاقل.
ولكى نقرب لك المعنى نقول ان الشخص الذى يرى صورته فى المرآة يعلم قطعا
انه ادرك صورته ويعلم ايضا انه ليس فى المرآة صورته ولاهى بينه وبين
المرآة فيكون فى هذه الحالة ليس بصادق. ولا كاذب فى قوله انه رأى
صورته فهي ثابتة موجودة ومعدومة، معلومة مجهولة. فإياك ان تحكم على
الصور الظاهرة.. فمن كان الحق سمعه. رجله ويده. وسائر قواه. فمن اتصف
بهذه الصفات كان غائبا عن الحق سبحانه وتعالى. فهم أصحاب الأمر.
ولهم البقاء دنيا واخرى. فلا يجوز الخوض فيهم وان عجزنا عن درك حقيقتهم
فما علينا الا ان نتقبل أنهم احياء فى قبورهم.
محمد رشاد حسين |