الـسـيـد أحـمـد الـرفـاعـي - 2
رضي الله عنه
أخلاقه
قال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم رحم الله خلفائي ثلاث مرات. قيل:
من هم خلفاؤك يا رسول الله؟ قال: الذين يحيون سنَّتي ويعلمون بها
عباد الله تعالى وهكذا كان السيد الكبير أحمد الرفاعي رضي الله
تعالى عنه؛ كان غنيَّ النفس حسن المعاشرة، دائم الإطراق، كثير
الحلم، هيِّن المؤنة لا يكلِّف أحداً بشيء كاتما للسر، حافظاً
للعهد كثير الدعاء للمسلمين، هيِّناً يصل من قطعه، ويعطي من منعه،
ويعفو عمن ظلمه، ويحسن مجاورة من جاوره ويصفح عن سيِّئات الإخوان،
يأخذ بأيدي العميان ويقودهم، وإذا خاطب أحدا يقول له يا سيِّدي
كبيراً كان أو صغيرا، ويتردد إلى أبواب الأرامل والمساكين،ويحمل
لهم الطعام ويغسل ثيابهم. وكان لا يرى الاشتغال بشيء من أمور
الدنيا، طلب مرةً ماء يشربه ثم أذن الأذان، وأتي به فأبى أن يشربه
وقال: حضر حقُّ الحق وبطل حق النفس، ولا يحتقر ما قدِّم إليه ولو
كان تمراً فاسدا ومرَّ يوماً بصبيان يتخاصمون ، فأصلح بينهم ثمَّ
قال لأحدهم: ابن من أنت؟ قال له الصبي: ولم تسأل؟ فقال له: يا ولدي
جزاك الله خيرا وجبرك كما أدَّبتني، فالسيد أحمد الرفاعي حسب سؤاله
للصبيِّ دخولا فيما لا يعنيه. وكان إذا أكل في ظرف غسله وشرب ماءه،
وكان يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا غُسِل ظرف
من طعام يقول الظرف للغاسل: طهَّرك الله كما طهَّرتني من الشيطان
وإذا شرب ذلك الماء كان شفاء من المرض والبرص والجذام.
وكان يربي بحاله أكثر مما يربي بمقاله، وكان إذا سأله أحد أن يدعو على
الظلمة، يقول اللهم أصلحهم وألهمهم طاعتك وذكرك ووفقهم لما تحب
وترضى برحمتك يا أرحم الراحمين. وقال صاحب البراهين: كان السيد
أحمد الرفاعي رضي الله عنه كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم
خياركم الذين إذا رأيتموهم ذكرتم الله تعالى وإذا رأوكم ذكروكم
الله تعالى فكان رضي الله تعالى عنه إذا رآه غافلٌ ذكر الله وإذا
رآه محسن ازداد وتنوَّر.
قال خادمه ماهان: خدمت السيد أحمد الرفاعي سنين عديدة فما رأيته ترك
أحداً يبدأه بالسلام، ولا ردَّ أحداً خاليا، ولا رأيته عاب شغلا
عملته ولا قال لي قط لشيءٍ لم اعمله لم لا تعمله ، ولا جفاني ولا
حرَّد عليَّ يوماً قط.
وروي أن رجلا من أم عَبيدة صنع طعاماً ودعا إليه السيد أحمد فلما وصل
إلى بابه قال له الرجل: ارجع فرجع ، ثم دعاه ثانياً فلما وصل قال
له: ارجع فرجع، ثم دعاه ثالثاً فلما وصل أدخله الدار وفرش له
وأكرمه ثُمَّ كشف عن رأسه وجلس بين يدي السيد أحمد وقال له: يا
سيدي استغفر الله تعالى مما جرى مني، ووالله ما رأيت أحداً على هذا
الطريق الذي أنت سالكه، فقال له السيد أحمد الكبير: يا ولدي ما كان
إلا الخير، أتستكثر عليَّ خصلة من خصال الكلب ! ثم خرج وهو عنه
راضٍ.
ونقل أن السيد أحمد الرفاعي دخل إلى حظيرة البقر والناس نيام فوجد لصا،
فلم رآه اللص فزع منه، فعلم السيد أحمد أن اللص فزع منه، فدنا منه
وقال له: يا سيدي يا مبارك، لا بأس عليك ما عندك إلا الخير، يا
ولدي هذه بقر الفقراء وهي عجاف بل تعال خلفي حتى أدلك على ما ينفعك
ثم أتى به إلى مطية هي ملكه، فقال له: يا ولدي حلَّ هذه المطية
وخذها قبل أن يأتي الفقراء فيأخذونها منك.فحلَّها وأخذها وهو خائف
أن يكون السيد أحمد يستهزيء به، ثم حرسه حتى عبر من أم عَبيدة،
ثمَّ أراه الطريق وقال له: خذ هذا الدرب إلى دقلى، فهناك تجيء
القوافل فبعها وأنفق ثمنها على نفسك وعيالك، فذهب إلى دقلى وباع
الناقة وأنفق ثمنه وأصلح آله، ثمَّ تفكَّر في حلم السيد أحمد فجاء
إليه وأخذ العهد على يديه وصار من الصلحاء
من كراماته رضي الله تعالى عنه
له الكرامة المعروفة عند الحجرة الشريفة جاء في قلادة الجواهر أن الشيخ
عز الدين عمر الفاروثي رضي الله عنه قال: كنت مع سيدي أحمد الرفاعي
الحسيني رضي الله تعالى عنه عام 555 العام الذي قدر الله له فيه
الحج فلما وصل مدينة الرسول صلى الله عليه وسلَّم وقف تجاه حجرة
النبي علي الصلاة والسلام وقال على رؤوس الأشهاد: السلام عليك يا
جدي. فقال عليه الصلاة والسلام: وعليك السلام يا ولدي، سمع ذلك كل
من في المسجد النبوي ـ فتواجد السيد أحمد وأرعِد واصفرَّ لونه ثمَّ
جثا على ركبتيه ثمَّ قام وبكى وأَنَّ طويلا وقال: يا جداه:
في حالة البُعدِ روحي كنتُ أُرسِلها
تقبِّلُ الأرضَ عني وهي نائبتـي
وهـذه دولة الأشـباح قد ظهرت
فامدد يمينك كي تحظى بها شفتي
فمدَّ له رسول الله صلى الله عليه وسلم يده الشريفة العطرة من قبره
الأزهر المكرَّم فقبَّلها في ملأ يقرب من تسعين ألفاً والناس
ينظرون إلى اليد الشريفة.وقال السيد عبد القادر الجيلي قدَّس الله
سرَّه كنت في محفل الكرام التي أُكرم بها السيد أحمد الكبير
الرفاعي بتقبيل يد النبي صلى الله عليه وسلم. وقال الشيخ عدي بن
مسافر عن خادمه ابن موهوب رضي الله تعالى عنهما: كنا في مسجد النبي
صلى الله عليه وسلم عام حجنا وكان الشيخ أحمد الرفاعي الكبير واقفا
تجاه الحجرة الطاهرة وقد تكلَّم بكلمات ضبطها عنه جماعة فما أن
أتمَّ كلامه حتى مُدَّت له يد رسول الله صلى الله عليه وسلَّم،
فقبلها ونحن ننظر مع الحاضرين.وقال ابن موهوب رضي الله عنه: والله
كأني بها يد بيضاء سوية طويلة الأصابع كأنها البرق المضيء، وكأني
بالحرم وأهله وقد كاد يميد، وقد كادت تقوم قيامة الناس لما ألمَّ
بهم من الدهش والحيرة والهيبة والسلطان المحمدي. وقد سئل الإمام
الجلال السيوطي رضي الله عنه عن هذه الكرامة فقال:
وقع السؤال عن مد يد النبي . من القبر الشريف إلى الوليِّ
الكبيروالإمام الشهير السيد أحمد بن السيد الرفاعي رضي الله عنه؛
هل هو ممكن أم لا، وهل أسانيد هذه الرواية المشهورة عالية صحيحة،
والجواب عن السؤال المذكور حررته بهذا الكتاب وسمَّيته الشرف
المحتَّم فيما من به الله على وليِّه السيد أحمد الرفاعي رضي الله
عنه من تقبيل يد النبيِّ المعظَّم.، وأوّل ما أقول إن حياة النبي.
هو وسائر الأنبياء معلومة عندنا قطعا، لما قام عندنا الأدلة في ذلك
وقام بذلك البرهان، وصحَّت الروايات وتواترت الأخبار وقد كتبت في
حياة الأنبياء كتابا مخصوصاً وبسطت فيه الأدلّة والأخبار، وها أنا
أذكر لك بعضاً منها ما أخرجه أبو نعيم في الحلية عن ابن عباس رضي
الله عنهما أن النبي مرّ بقبر موسى علي السلام وهو قائم يصلِّي
فيه، وأخرج أبو يعلى في مسنده عن أنس أن النبي قال: الأنبياء
أحياء في قبورهم يصلُّون. ولا يخفى أن الله جمع لنبيِّنا وسيدنا
مرتبة النبوَّة والشهادة بدليل ما أخرجه البخاري والبيهقي عن عائشة
رضي الله عنها أن النبيّ كان يقول في مرضه الذي توفي فيه: لم أزل
أجدُ ألم الطعام الذي أكلت بخيبر فهذا أوان انقطاع أبهري من ذلك
السُّم. فثبت كونه عليه الصلاة والسلام حياً بنصِّ قوله تعالى {ولا
تحسبنَّ الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياءٌ عند ربهم
يرزقون}. والأنبياء أولى بذلك من الشهداء ونبيُّنا أولى من جميع
الأنبياء عليهم صلوات الله وسلامه أجمعين لما منَّ به الله عليه من
المعالي الفائقة والخصائص الزكية، وقد رأى نبينا محمد جماعة منهم
وأنهم في الصلاة.وخبره صدق أن صلاتنا معروضة عليه وأن سلامنا
يبلغه، وأنه يردُّ على من يسلِّم عليه السلام. وكان سعيد ابن
المسيّب في أيام وقعة الحرة التي هوجمت فيها المدينة وعطِّل الأذان
والجماعة لا يعرف وقت الصلاة إلا بهمهمة يسمعها من قبر رسول الله
وأخرج الزبير بن بكار في أخبار المدينة عن سعيد بن المسيب قال: لم
أزل اسمع الأذان والإقامة من قبر رسول الله في أيام الحرة حتى عاد
الناس.. قد تقرر أن ما جاز للأنبياء معجزة جاز للأولياء كرامة بشرط
عدم التحدي، فخروج يد النبي لسيدي أحمد الرفاعي ممكن ولا يشكُّ
فيه إلا ذو زيغ وضلالة أو منافق طبع الله على قلبه.
ونقل أن السيد أحمد الرفاعي رضي الله تعالى عنه رأى في المنام مرة أن
الغلاء يأتي إلى الخلائق مدة ثلاث سنين، لا يزيد الماء ولا تمطر
السماء حتى تأكل الناس الميتة وتموت الناس على الطرقات جوعاً ،
وكان الشيخ الفقيه علي بن نصر بينه وبين الشيخ صحبة مؤكدة وكان
كثير العيال، فبينما هو في بيته إذ رأى السيد الرفاعي وليس معه أخ
من الفقراء، فقصَّ عليه رؤياه وعرض عليه أن يشتري من الغلة في
الرخاء ما يكفيه لتلك المدة، فقال الفقيه: لا والله لا فعلت ذلك
وكيف أشبع وجاري جائع؟، فقال السيد أحمد الرفاعي: يا علي أحسنت،
بارك الله فيك وجزاك الخير فأين غلتكم التي لكم في البيت؟ فقال: في
الغرفة. قال: خذني إليها. فصعد معه إليها، فوضع السيد أحمد الرفاعي
يده فيها وقال: بسم الله الرحمن الرحيم.، ثم قال: يا علي لا تترك
أحداً يصعد إلى الغلة ويأخذ منها إلا زوجتك وحدها تأخذ حاجتها..
فقال السمع والطاعة. ثم خرج السيد أحمد الرفاعي من البيت وودع
الفقيه، ثم أتى الغلاء والقحط على الناس كما رأى السيد أحمد
الرفاعي رضي الله تعالى عنه، فلم يزل الفقيه وأهله يأكلون من تلك
الغلة مدة الغلاء وبقيت بحالها إلى زمن الرخص.
روي أنه كان في زمن السيد أحمد الرفاعي رجل من الصابئين (هم قوم يشبه
دينهم دين النصارى إلا أن قبلتهم نحو مهبِّ الجنوب ويزعمون أنهم
على دين نوح) وكان قد فقد بعض دوابِّه وماشيته ولم يعرف لها خبر
فخرج في طلبها، فوصل في طريقه إلى أم عبيدة فدخلها ليلا، وكان قد
مكث ثلاثة أيام لم يذق طعاما لأن الصابئين لا يأكلون من خبز
المسلمين ويحرمونه على أنفسهم، وكانت تلك الليلة شديدة الظلمة
والبرد، فدخل الرواق وقد أضر به الجوع والبرد، فألقى نفسه بين
الفقراء ونام، فأظهر الله تعالى السيد أحمد الرفاعي على حاله، فجاء
في الحال، فقعد عند رأسه وأيقظه فانتبه منزعجا مرعوبا، وقال: يا
سيدي ما تريد مني أنا فقير غريب، قال: ما قصدت أن أزعجك يا ولدي
إنما أظنك جائعاً، ثم أمره أن يمضي معه إلى المنزل، فقام ومشى معه،
فلما دخل المنزل أحضر له دقيقا وسمكاً وتمراً وركوةً جديدة للماء،
وأمره أن يمضي بنفسه ويملأ الركوة من ماء دجلة ويغسل السمكة، فمضى
الرجل وغسل السمكة وأتى بماء وشرع في عجن الدقيق، وأما السيد
الرفاعي فإنه أحضر حطباً ووضعه في التنُّور، وأوقد النار فقام
الرجل وعجن الخبز وخبزه وشوى السمكة وأكل ثمَّ أمره السيد الرفاعي
أن يأخذ الباقي معه، ثم خرج السيد الرفاعي أمامه رجاء أن يجد سفينة
يصل فيها الرجل إلى أهله، فوجد سفينة فيها ملاحون فقال لهم السيد
أحمد الرفاعي: تأخذون هذا الفقير معكم إلى موضع كذا وتأخذون أجرتكم
ووصاهم به فأخذوه فلما وصل إلى القرية، سألوه عما جرى له فأخبرهم
بقصته مع السيد أحمد الرفاعي ثم قال لهم: ماهذا إلا رجل كريم على
ربِّه وإني داخل في دينه، ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن
محمداً رسول الله، فاتبعه أهله في الحال وأسلموا فلما أصبحوا خرج
على بني عمه وعشيرته وكان من كبرائهم فأخبرهم فاجتمعوا وأسلموا على
يديه، وكشف الله الغمَّة عن قلوبهم وكل ذلك ببركات سيدي أحمد
الرفاعي رضي الله تعالى عنه وأفاض علينا وعلى كافة محبيه من1 بركاته وحشرنا بفضله في
زمرنه.
د/ عبد الله محمد
أولياء الله على أرض مصر
سيدي أحمد البدوي رضي الله عنه
هو أحمد بن علي بن إبراهيم... وينتهي نسبه إلي الإمام الحسين رضي الله
عنه.
ولد رضي الله عنه بمدينة فاس بالمغرب سنة
596هـ
وتوفي رضي الله عنه سنة 576هـ أي عاش
79
عاماً.
ولما بلغ سبع سنوات سمع أبوه صوتاً في منامه يقول له: يا علي انتقل من
هذه البلاد إلى مكة المشرفة فإن لنا في ذلك شأن.
وسافر إلى مكة في أربع سنوات، وفي سنة
637هـ
وفي شهر ربيع الأول سافر السيد أحمد البدوي إلى طنطا وعاش
فيها حتى توفير ودفن في مسجده العظيم بطنطا الذي يؤمه الناس
من سائر البقاع للزيارة والتبرك بمقامه الشريف.
ومما يذكر من نظمه رضي الله عنه:
أنا الملثم سل عني وعن هممـي
ينبيك عزمـي بماذا قلته بفمـي
قد كنت طفلاً صغيراً نلت منزلة
وهمتي قد علت من سالف القدم
إشراف
الشيخ دسوقي الشيخ إبراهيم
|
|