الشجرة المبـاركة في شراب الوصل

هل من سائل فيجاب

وحـدة الـقصـد

من كلام الإمام عليّ

مع سـلطـان العـاشـقين

بـطـلـة كــربــلاء

 

الشجرة المباركة في شـراب الوصـل

يرد كثيرا في شراب الوصل لسيدي فخر الدين ذكر الشجر المبارك كالزيتون والنخيل والأعناب والرمان وقد رأينا في هذه الأسطر أن نعرض لذكر هذه الأشجار التي ذكرت في القرآن الكريم والحديث الشريف لفضلها وشرفها بين الأشجارونرى كيف ضرب بها الشيخ الأمثال.

كما فضَّل المولى بعض البشر على البعض وجعلهم درجات كذلك فضَّل بعض الأماكن على بعضٍ ففضَّل الحرمين الشريفين وبيت المقـدس، وفضَّل بعض الأيام على بعضٍ ففضَّل الجمعة، وفضَّل بعض الشجر على بعض ففضَّل النخيل والأعناب والزيتون والرمَّان قال تعالى {وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعنابٍ وزرعٍ ونخيلٍ صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضِّل بعضها على بعضٍ في الأكل إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون} ـ الرعد 4. وهذه الأشجار تزرع في تربة واحدة وتسقى بماءٍ واحد ثم تأتي مختلفة الأشكال والطعوم والألوان.، وقال بعض الشعراء:

والأرضُ فيها عبرةٌ للمـعتبر      تُخبرُ عن صنعِ مليكٍ مُقتدرْ

تُسقى بمـاءٍ واحدٍ أشجارُهـا      وبقـــعةٍ واحـدةٍ قرارُها

والشمسُ والهواءُ ليس يختلف      وأُكـلـُها مختلفٌ لا يأتلفْ

لو أنَّ ذا مـن عمـلِ الطبائع      أو أنَّـه صنعةُ غيرِ صانعِ

لم يخـتلفْ وكان شيئاً واحدا      هـل يُشبهُ الأولادُ إلا الوالدا

والشـمـسُ والهواءُ يا معاند      والماءُ والترابُ شيءٌ واحدْ

فما الذي أوجبَ ذا التفاضلا!      إلا حكيـمٌ لم يـُردهُ بـاطلا

ومن الأشجار التي ذكرها الشيخ في أكثر من موضع في شعره شجرة الزيتون:

يقول الشيخ رضي الله عنه:

زيتونة زيتها في كلِّ مشكاة       يا نفثة الروح يا سرَّ المرادات

وقال رضي الله عنه:

ولـي التعلُّق تكريماً بحضرته        كـما تعـلَّق بالزيتونة الزيت

وقال رضي الله عنه:

لاينطفي نورٌ لـشكـاةٍ بها        زيتي فزيتي تلك بعضُ صفاتِه

إشارةٌ إلى الشجرة المباركة المذكورة في القــرآن قال تعــالى {يوقد من شجرة مباركة} وقال أبو طالب رضي الله عنه يرثي رجلا من قريش:

ليت شعري مسافرَ بن أبي عمـ         روٍ وليتٌ يقولُها المحزونِ

بورك الميِّتُ الغريـبُ كما بــو        ركَ نبعُ الرمَّانِ والزيتـونِ

قال الإمام القرطبي رضي الله عنه: قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: في الزيتون منافع، يسرج بالزيت، وهو إدام، ودهان، ودباغ،ووقود يوقد بحطبه وتفله، وليس فيه شيء إلا وفيه منفعة حتى الرماد يغسل به الحرير، وهي أول شجرة نبتت في الدنيا، وأوَّل شجرةٍ نبتت بعد الطوفان، وتنبت في منازل الأنبياء والأرض المقدَّسة، ودعا لها سبعون نبيَّاً بالبركة منهم سيدنا إبراهيم عليه السلام وسيدنا محمد  فإن النبيَّ  قال: اللهم بارك في الزيت والزيتون. قاله مرتين. وفي نزهة القاريء أحمد الإسكندري كلام نفيس عن شجرة الزيتون: إن غلة الزيتون في كثرتها وطول دوامها تعدل أعظم الأشجار إن لم تفقها لعدة وجوه:

أولاً: إن شجرة الزيتون تثمر بعد زمن يسير، فلا يكاد يمضي على غرسها سنتان حتى تبكر بالثمرة، ومتى ما بلغت ست سنوات أدَّت ما ليها لصاحبها من نفقات غرسها وتربيتها قال رضي الله عنه:

صببت على الجرداء مائي أنبتت       وأثمر نبتي بين يوم وليلة

ثانيا: إن شجرة الزيتون تُعمِّر طويلا ولا يُهرمها كرُّ الغداة والعشي، فلا تزال تطعم وتثمر عشرات بل مئات من السنين كأنَّما حالفت الدهر على الصبا وأخذت منه ضماناً من الشيخوخة، ومن بين أشجار الزيتون بفلسطين ما يوفي عمره على ألفي عام.ومنافعه كثيرة ينتفع بورقه وخشبه وزيته ورماده وقد تحدَّث ابن سينا والأطباء قديماً وحديثاً عن كثرة منافعه في العلاج.

وأكثر ما يغرس الزيتون لاستخراج زيتِه وزيتُه يُدَّهن به ويؤتدم به، وقد قال  في زيت الزيتون: ادَّهنوا بالزيت وائتدموا به.وقد جاء قوله تعالى في صفة الزيت {يكاد زيتُها يُضيء ولو لم تَمسسه نار نور على نور}.

فكثرة الإشارات في كلام الشيخ رضي الله عنه إلى الزيتون وضرب الأمثال به يرجع إلى ما خصَّ به المولى عزَّ وجلَّ هذه الشجرة وما خصَّها الله تعالى به من البركة والقدم في الوجود والثبات على مرِّ الزمان وكثرة الانتفاع بها، ومدح نورالمصباح الذي يوقد بزيت الزيتون وشبَّه به قلب المؤمن. وقد قال الـقـوم رضي لله عنهم: الروح مصباح يُزهر في القلب فــنوره الحياة وحرارته الحركة ودخانه الشهوة فإذا كـان زيته جيداً مثل زيت الزيتون كـان نورُه ساطعاً وحرارته شديدة ولا دخـان له ومثله مثل المؤمن الصالح الذي لا يفتر في العبادة وفعل الخيرات لكثرة نشاطه ولا نصيب للشهوة في قلبه وكلُّ هذا بفضل اتباع طريق الإحسان.

د. عبدالله محمد احمد

 

هـل من سـائل فيجــاب

قال أحد المكابرين للشيخ وكان رجلا ضريراً: إن الله لو سامح الصوفيةلأدخلهم النار.

قال الشيخ رضي الله عنه: ولكننا نعرف أن الله إذا سامح أحداً أدخله الجنَّة وإذا لم يسامحه أدخله النار.

اضطرب الرجل وخجل ثمَّ قال: ولكنهم يحملون القرآن على غير ظاهره.

قال الشيخ: إذن أنت لا تؤمن بالتأويل؟

قال: لا أؤمن به.

قال الشيخ: فكيف تفسِّر قوله تعالى {فمن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا}

قال الرجل: يكفينا فخراً أننا نعرف الله.

قال الشيخ: فكيف تعرف الله؟

قال: بالتوحيد.

قال الشيخ: هل الله واحد في ذاته؟

قال: نعم.

قال الشيخ: وهل هو واحد في صفاته؟

قال: نعم.

قال الشيخ:هل هو واحد في ألوهيته؟

قال: نعم.

قال الشيخ: هل هو واحد في ربوبيِّته؟

قال: نعم.

قال الشيخ: إذن فلتختر لك واحداً من هذه الأسماء لأسألك عن معرفتك به.

فسكت الرجل وضاق به من حوله وانصرف ولم يعد.

سلسلة علموا عني

 

وحـدة الـقصـد

قال رسول الله : (من كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه) ونسوق هاهنا القصة التالية لنبيِّن أهمية توحيد الوجهة والقصد لمن راد أن يكون من الواصلين.

قدم وفد من بني أبذى إلى رسول الله  ، وقالوا يا رسول الله قدمنا إليك بزكاة أموالنا، قال: هلا رددتموها على فقرائكم؟ قالوا: ما قدمنا إلا بما فضل من فقرائنا، فقال سيِّدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه: يا رسول الله ما رأيت وفداً كهذا ! فقال : ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

 وأقام الوفد أياماً ضيوفاً على النبيِّ ، وأجازهم بما يجيز به الوفود، ثمَّ قال: هل بقي منكم أحد؟ قالوا: غلام حدثٌ خلَّفناه على رحالنا، قال: أرسلوه إلينا. فجاء الغلام إلى النبيِّ صلوات الله وسلامه عليه، فأجازه بما أجاز به الوفد، فقال الغلام: يا رسول الله أدع الله أن يغفر لي، ويرحمني، ويجعل غناي في قلبي فقال : اللهمَّ اغفر له، اللهم ارحمه، اللهم اجعل غناه في قلبه.

وفي العام التالي جاء الوفد مرة أخرى إلى رسول الله  ، فقالوا يا رسول الله نحن بنو أبذى الذين أتوك آنفا.قال : ما فعل الغلام الذي كان معكم؟ قالوا: والله إنه لأزهدنا في الدنيا، وأرغبنا في الآخرة، وإنه يذكِّرنا بأمر ديننا، حتى لو أنَّ الناس اقتسموا الدنيا ما نظر إليها، ولا التفت نحوها فقال : الحمد لله، إني لأرجو أن يموت جميعا، فقالوا: أو ليس يموت الرجلُ منا جميعا يا رسول الله، قال : تتفرَّق أهواؤه وهمومه في أودية الدنيا، فلعلَّ أجله أن يدركه في بعض تلك الأودية، فلا يبالي الله عزَّ وجلَّ في أيِّها هلك.هذا اللون من التربية النبوية السامية يهيب بنا أن نحفظ أنفسنا من التخبُّط في أودية الدنيا فلا نوغل بأهوائنا في حبِّ زينتها ومدِّ حبل الأمل في أن نحقق كذا وكذا من أمور دنيانا وليكن في كلِّ حينٍ لنا في المصطفى أملٌ

كما قال سيِّدي فخر الدين ولله درُّ القائل:

والله ما طلعت شمسٌ ولا غرَبتْ         إلا وحـبُّك مقرونٌ بأنفاسي

ولا جلستُ إلــى قـومٍ أحدِّثهم         إلا وأنتَ حديثي بين جلاسي

لجنة التراث الصوفي

من كلام الإمام عليّ

قال رضي الله تعالى عنه يصف الجرادة مستدلا على عظمة الباريء عزَّ وجلَّ: وإن شئت قلت الجرادة، إذ خلق لها عينين حمراوين، وأسرج لها حدقتين قمراوين، وجعل لها السمع الخفي، وفتح لها الفم السوي، وجعل لها الحسَّ القوي، ونابين بهما تقرض، ومنجلين بهما تقبض، يرهبها الزرَّاع في زرعهم، ولا يستطيعون دفعها، ولو أجلبوا بجمعهم، حتى ترد الحرث في نزواتها، وتقضي منه شهواتها، وخلقها كلُّه لا يكون إصبعا مستدقة، فتبارك الذي يسجد له من في السموات طوعاً وكرها

 

مع سـلطـان العـاشـقين

زدنـي بفرط الحبِّ فيك تحــيُّرا        وارحم حشىً بلظى هواك تسعَّرا

وإذا سألتك أن أراك حقــــيقة         فاسمح ولا تجعل جوابي لن ترى

هذه القصيدة مشهورةٌ بين المنشدين مستطابةٌ عند المريدين. قال سيدِّي عبد الغني النابلسي في شرح هذين البيتين: الحيرة في الله تعالى عينُ الهداية إليه ولهذا طلب الزيادة منها، وفي البيت الثاني تلميح إلى قصَّة موسى عليه السلام فإنه لما طلب من ربِّه الرؤية أجيب بلن تراني في قوله تعالى (قال لن تراني) واعلم أنَّ كثيراً من الصوفية يعترض على هذا البيت ويقول: إذا كان موسى قد مُنع الرؤية عندما طلبها فكيف ترقَّت همّة الشيخ إلى طلبها والجواب أن مراده الرؤية في الآخرة بدليل قوله  وإذا  فإنها تدلُّ على الزمان المستقبل،على أنه إذا كان ممكنا فيجوز الطلب لكلِّ من يمكنه ذلك ولا يستبعد أيضاً أن يوجد في المفضول ما لا يوجد في الفاضل من الخصوصيات ولا يلزم من الطلب الحصول أيضا فتدبَّر وما أحسن قول أبي الفوارس:

لو نيلَ بالفضلِ مطلوبٌ لما حُرِم         الرؤيا الكليمُ وكان الحظُّ للجبلِ

وقال أيضا في التائية:

أروم وقد طال المدى منك نظرة         وكم من دماءٍ دون مرماي طُلَّتِ

ثم أشار إلى المعاني الباطنيَّة في البيت فقال: وقوله لن ترى إشارةٌ إلى ما أجيب به موسى ولعلَّ طلب موسى عليه السلام للرؤية كان مع بقائه على مادته في جبلِّته لهذا كان جوابه لن تراني وأنت على مما أنت فيه من المادَّة الطبيعية والنشأة الروحانيَّة الإنسانية فإنَّ الرؤية بالتجرُّد المذكور كانت مدَّخرة للحقيقة المحمدية والنشأة الأحمدية من غير سؤالٍ و طلب.

لجنة التراث الصوفي

 

بـطـلـة كــربــلاء

لما أدخلوا أسرى كربلاء من آل بيت النبوَّة على ابن زياد انحازت السيدة زينب إلى جانب القصر متنكِّرة ، فالتفت ابن زياد وقال: من هذه المتنكِّرة؟ فلم تُجبه وأعاد السؤال فلم تجبه، فقيل له: هذه زينب بنت فاطمة بنت رسول الله  فقال لها: الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم وأحدث أكذوبتكم ! فقالت رضي الله تعالى عنها: الحمد لله الذي أكرمنا بنبيِّه محمد  وطهَّرنا من الرجس تطهيرا إنما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر وهو غيرنا يا بن مرجانة.، فقال لها: كيف رأيت صنع الله بأخيك الحسين؟ قالت: ما رأيت إلا جميلا، هؤلاء قوم كتب عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم ، وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاجَّ وتخاصمْ فانظر لمن الفلج يومئذ، ثكلتك أمُّك يا بن مرجانة.

 قالت الدكتورة عائشة بنت الشاطيء في كتابها  بطلة كربلاء  معلِّقةً على ردِّ السيدة زينب رضي الله تعالى عنها : لقد أفسدت السيدة زينب أخت الحسين رضي الله تعالى عنها على ابن زياد وبني أمية لذَّة النصر وسكبت قطرات من السُّمِّ الزُّعاف في كؤوس الظافرين  وإنَّ كلَّ الأحداث السياسية التي ترتبت بعد ذلك من خروج المختار وابن الزبير وسقوط الدولة الأموية وقيام الدولة العباسية وتأصُّل المذهب الشيعي إنما كانت زينب بطلة كربلاء.

مـن معرض الـحـولـية
تــحــت إشــراف
الشيخ الحسين الشيخ محمد
عـثـمـان  عـبــده