|
انتصار أولياء
الرحمن على أولياء الشيطان
-
۵
|
يعيش خمساً أو سبعاً أو تسعاً يقفو أثر رسول الله لا يخطئ، له مَلَكٌ
يسدده من حيث لا يراه، يفتح المدينة الرومية بالتكبير مع سبعين ألفاً
من المسلمين، يشهد الملحمة العظمى، مأدبة الله بمرج عكا، يعز الله به
الإسلام بعد ذله، ويحييه بعد موته، يوضع الجزية، ويعدو إلى الله
تعالى بالسيف، فمن أبى قتل، ومن نازعه خذل، يحكم بالدين
الخاص عن الرأي، ويخالف في غالب أحكامه مذاهب العلماء، فينقبضون منه
لذلك، لظنهم أن الله تعالى لا يحدث بعد أئمتهم مجتهداً، وأطال في ذكر
وقائعه معهم ثم قال: واعلم أن المهدي إذا خرج يفرح به جميع المسلمين
خاصتهم وعامتهم، وله رجال إلهيون، يقيمون دعوته وينصرونه، هم الوزراء
له، يتحملون أثقال المملكة عنه، ويعينونه على ما قلده الله، وينزل
الله عليه عيسى ابن مريم عليه السلام، بالمنارة البيضاء شرقي دمشق،
متكئاً على ملكين، ملكاً عن يمينه، وملك عن يساره، والناس في صلاة
العصر، فيتنحى له الإمام عن مقامه، فيتقدم فيصلي بالناس، يؤم الناس
بسنة سيدنا محمد ، يكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويقبض الله إليه
المهدي طاهراً مطهراً، وفي زمانه يقتل السفياني عند شجرة بغوطة دمشق،
ويخسف بجيشه في البيداء، فمن كان مجبورا من ذلك الجيش مكرهاً يحشر
على نيته. وقال في محل آخر من فتوحاته قد استوزر الله تعالى للمهدي
طائفة خبأهم الله تعالى له في مكنون غيبه، أطلعهم كشفا وشهوداً على
الحقائق، وما هو أمر الله في عباده، فلا يفعل المهدي شيئاً إلا
بمشاورتهم، وهم على أقدام رجال من الصحابة، الذين صدقوا ما عاهدوا
الله عليه، وهم من الأعاجم، ليس فيهم عربي، لكن لا يتكلمون إلا
بالعربية، لهم حافظ من غير جنسهم ما عصى الله قط، هو أخص الوزراء. ثم
قال وهؤلاء الوزراء لا يزيدون عن تسعة، ولا ينقصون عن خمسة، لأن رسول
الله شك في مدة اقامته خليفة، من خمس إلى تسعة، للشك الذي وقع في
وزرائه. فلكل وزير معه إقامة سنة. فإن كانوا عاش خمساً. وإن كانوا
سبعة عاش سبعاً وإن كانوا تسعة عاش تسعاً. ولكل سنة أحوال مخصوصة.
وعلم يختص به وزيرها، ويقتلون كلهم إلا واحداً، في مرج عكا في
المأدبة الإلهية التي جعلها الله مائدة للسباع والطيور والهوام. وذلك
الواحد الذي يبقى لا أدري هل هو ممن استثنى الله في قوله تعالى:
{ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله}.
أو هو يموت في تلك النفخة، وإنما شككت في مدة إقامة المهدي إماماً في
الدنيا، لأني ما طلبت من الله تحقيق ذلك أدباً معه تعالى أن أسأله في
شيء من ذات نفسي، ولما سلكت معه هذا الأدب، قيض الله تعالى واحداً من
أهل الله عز وجل، فدخل علي وذكر لي عدد هؤلاء الوزراء، ابتداء وقال
لي هم تسعة، فقلت له إن كانوا تسعة فإن بقاءالمهدي لا بد أن يكون تسع
سنين. وأطال في بيان ذلك. وقال في محل آخر من فتوحاته: أنه يحكم بما
ألقى إليه الملك الإلهام من الشريعة. وذلك أنه يلهم الشرع المحمدي
فيحكم به. كما أشار إليه حديث المهدي، يقفو أثري لا يخطئ، فعرفنا
أنه متبع لا مبتدع، وأنه معصوم في حكمه، فعلم أنه يحرم عليه القياس
مع وجود النصوص التي منحه الله إياها على لسان ملك الإلهام، بل حرم
بعض المحققين القياس على جميع أهل الله. لكون رسول اللّه مشهوداً
لهم، فإذا شكوا في صحة حديث أو حكم رجعوا إليه في ذلك، فأخبرهم
بالأمر الحق يقظة ومشافهة.
وصاحب هذا المشهد لا يحتاج إلى تقليد أحد من الأئمة غير رسول الله .
ولا يخفى أن ما ذكره من كون جده الحسين مناف لما مر في بعض الروايات من
كون اسم أبيه يواطئ اسم أبي رسول الله : وأن ما ذكره من كون المحقق
في مدة إقامته إماماً خمس سنين، مناف لما مر عن الصواعق أخذاً من
الأحاديث السابقة من كون المحقق ست سنين، وأما ما ذكره من كونه يضع
الجزية ويقتل من لم يسلم، مناف لما مر من كون ذلك لعيسى. وأن ما ذكره
من كون عيسى هو الذي يصلي بالناس حين ينزل، مناف لما مر من كون الذي
يصلي بهم حينئذ هو المهدي. ثم ما ذكره من أن عيسى ينزل والناس في
صلاة العصر، مناف لما في السيرة الحلبية من أنه ينزل والناس في صلاة
الفجر، وفيها أنه يتزوج بامرأة من جذام (قبيلة باليمن) ويولد له
ولدان، يسمى أحدهما محمد، والآخر موسى: وأن مدة مكثه سبع سنين على ما
في مسلم. وبها تكون مدة حياته في الأرض أربعين. لتنبئه وهو ابن
ثلاثين سنة. ورفعه وهو ابن ثلاث وثلاثين. وأنه يدفن عند نبينا . وأن
ظهور المهدي بعد أن يخسف القمر في أول ليلة من رمضان، وتكسف الشمس في
النصف منه. فإن مثل ذلك لم يوجد منذ خلق الله السموات والأرض.
وفي الكشف للحافظ السيوطي من طرق عديدة أن عيسى يمكث بعد نزوله أربعين
سنة. وفي الاعلام له أن عيسى إنما يحكم بشريعة نبينا محمد ، كما نص
عليه العلماء ووردت به الأحاديث وانعقد عليه الاجماع، وأنه لا يصلح
أن يكون مقلداً في حكمه مذهباً من المذاهب. ثم ذكر لمعرفته الشريعة
المحمدية طرقاً منها، أنه يمكن أن يفهم جميع أحكام الشريعة من
القرآن. من غير احتياج إلى الحديث كما فهمها منه نبينا لانطوائه على
جميعها. وإن قصرت أفهام الأمة عن فهم ما يفهمه صاحب النبوة. ويدل على
فهم نبينا جميعها منه قول الشافعي رضي الله عنه جميع ما حكم به النبي
، فهو مما فهمه من القرآن، بل قوله (وإني لا أحل إلا ما أحل الله في
كتابه، ولا أحرم إلا ما حرم الله في كتابه).
ومنها أن عيسى إذا نزل يجتمع به .. فلا مانع من أن يأخذ عنه ما يحتاج
إليه من أحكام شريعته، وكم من ولي ثبت أنه اجتمع به يقظة، وأخذ عنه.
فعيسى أولى. ثم ذكر أنه بعد نزوله يوحى إليه بجبريل وحياً حقيقياً.
وأطال في الاحتجاج لذلك والرد على منكره. هذا ويجود أن يكون طريق
معرفته للأحكام الإلهام، نظير ما مر عن ابن عربي في المهدي، والله
أعلم.
في مناقب الخـلفاء الأربعـة
أبي بكر وعمر وعثمان وعلي
رضـي الله عنـهم أجمـعين
الحمد لله الكريم الغفار الحليم الستار. مكور الليل على النهار. وكل
شيء عنده بمقدار، حارت في قضاياه العقول والأفكار، وتاه في بيداء
أبديته أولو البصائر والاعتبار. قهر الجبابرة بقهر عزته فهو الواحد
القهار، وكسر الأكاسرة بقوة سطوته فهو العظيم الجبار. كون الأكوان
ودبر الزمان. فلا يحتاج إلى أعوان وأنصار لا يقادر قدره، ولا يستحق
العبادة غيره. قد عم إحسانه سائر الأماكن وجميع الأقطار. يعلم دبيب
النملة السوداء في الليلة الظلماء. ولا يخفى عليه شيء في الأرض ولا
في السماء. ولا في قرار البحار. يعلم سر العبد مآله ومنقلبه، ويطلع
على ضميره عند قصده وطلبه {سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو
مستخف بالليل وسارب بالنهار}. فسبحانه من إله اصطفى واجتبى، وانتقى
وارتضى، واختار {وربك يخلق ما يشاء ويختار}. واصطفى محمداً نبيه
المنتخب رسولاً، واجتبى أبا بكر الصديق وخصه بالتصديق والهيبة
والوقار. وانتقى للصواب عمر بن الخطاب، فحلا ذكره وطاب للبادين
والحضار. وارتضى عثمان بن عفان لجمع القرآن فجمعه ما بين أخماس
وأشعار واختار علي بن أبي طالب لتفريق الكتائب واظهار العجائب،
وإشهار ذي الفقار، فهم الذين نزل في حقهم على لسان رسوله المختار
{محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار} فأبوبكر مؤنسه في
الغار، وعمر وزيره وأمينه على الأسرار وعثمان المقتول بيد العدوان
شهيد الدار، وعلي بن أبي طالب ابن عمه ووارث علمه الفارس الكرار.
فهؤلاء خلفاؤه ووزراؤه الأئمة الأبرار. الذين وفوا للنبي بعهودهم وقد
جرت بسعودهم الأقدار. وتابعوه بايعوه على ما يحب ويختار وعلى اله
وأصحابه الأئمة الأخيار وقيل في المعنى:
الطرف
منك في معناك حار
يا من له أبـداً يشــار
كيف السلـو وأنت فــي
قلبي وإن نأت الـديـار
قد خصك الله الـكـريـم
بصحبة الشيخ الـوقـار
فهم أصحاب المصطـفـى
ما خاب من بهم استجار
والبر
عثـمـان الــذي
نال الشهادة والفـخـار
وحياة حبـك لا سـلــو
ت إن سلوت عـلى عار
يا أيها الهـادي البشـيـر
والهاشـمي المستـنـار
وكذلك في عمـر الـذي
عـمر الشريعة باشتهـار
وعلي البطـل الرضــا
مردى الطغاة بذي الفقار
فعليه صـلـى ربـنـا
ما ناح في الصبح الهزار
وعلى الصحابة بـعــد
ما زمزم الحادي وسـار
وروى أبوذر رضي الله عنه عن النبي أنه قـال (مــن أدخل السرور على
أصحابي فقد أدخل السرور علي، ومن أدخـل السرور علي فقد سـر الله،
ومن سر الله كان حقاً على الله أن يسره ويدخله الجنة) وقال رسـول
الله (لا يجتمع حب هؤلاء الأربعة إلا في قلب مؤمن أبي بكر وعمر
وعثمان وعلي). رضي الله عنهم أجمعين وقد روى عن النبي أنه قال (أجيء
يوم القيامة وأبوبكر عن يميني، وعمر عن شمالي، وعثمان من ورائي،
وعليّ بين يدي، ومعه لواء الحمد، وعليه شقتان، شقة من السندس، وشقة
من الاستبرق. فقام إليه أعرابي فقال فداك أبي وأمي يا رسول الله،
عليّ يستطيع أن يحمل لواء الحمد قال كيف لا يستطيع حمله وقد أعطي
خصالاً:
صبراً كصبري وحسناً كحسن يوسف وقوة كقوة جبريل وإن لواء الحمد بيد علي
بن أبي طالب وجميع الخلائق يومئذ تحت لوائي).
وروى عن علي بن أبي طـالب رضي الله عنه قال - قـال رسول الله :
(رحم الله أبا بكر زوجني ابنته وحملني على ناقته إلى دار الهجرة
وأعتق بلالاً من ماله رحم الله عمر يقول الحق وإن كان مراً، رحم الله
عثمان تستحي منه الملائكة، رحم الله علياً اللهم أدر الحق معه أين
دار) وفي المعنى:
هموا صحابة خير الخلق أيديهم
رب السماء بتوفيق وإيثار
فحبهم واجب يشفي السقيم بـه
فمن أحبهمو ينجو من النار
وروى عن النبي أنه قال لأبي رضي الله عنه (يا أبا بكر خلقني الله عز
وجل من جوهرة من نور فنظر إليها الرب جل جلاله وتقـدست أسماؤه
فأوقفني بين يديه فاستحييت منه فعرقت فسقط مني أربع نقطات خلقلك يا
أبا بكر من أول نقة وخلق عمر من الثانية وخلق عثمان من الثالثة وخلق
علي من الرابعة فنورك يا أبا بكر ونور عمر وعثمان وعلي من نوري).
وقال : (إن الله اخـتار أصحابي في جميع العـالمين سـوى النبيين
والمرسلين، فاخـتار من أصحابي أربعة، أبا بكر وعمر وعثمـان وعلي بن
أبي طالب). رضي الله عنهم أجمعين. وروى عن علي بن أبي طالب رضي الله
عنه قال: قال رسول الله (إن الله عز وجل افترض عليكم حب أبي بكر
وعمر وعثمان وعلي كما افترض عليكم حب الصلاة والزكـاة والصوم والحج
فمن أبغض واحـداً منهم لم يقبل الله له صلاة ولا زكاة ولا صوماً ولا
حجاً ويحشر من قبره إلى النار).
وروى أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي قال (لحوضي أربعة أركـان فأول
ركن منها في يد أبي بكر والثاني في يد عمـر والثالث في يد عثمان
والرابـع في يد علي فمن أحب أبا بكر وأبغض عمر لم يسقه أبوبكـر ومن
أحب عمر وأبغض عثمان لم يسـقه عمر ومن أحب عثمان وأبغض علياً لم يسقه
علي فمن أحب أبا بكر فقد أقام الدين ومن أحب عمر فقد كتب من المؤمنين
ومن أحـب عثمان فقد اسـتنار بالنور المبين ومن أحب علياً فقد أحسن
والله يحب المحـسنين ومن أحسن الظن فيهم فهو مؤمن ومن أساء الظن فهو
منافق).
|